ضريبة الملح

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد السويجت
    أديب وكاتب
    • 15-03-2011
    • 51

    ضريبة الملح

    ضريبة الملح

    في وسط قرية نائية من قرى الجنوب بنى الشيخ لفتة ديوانه (مضيفه) من القضب يتجمع فيه أبناء القرية
    صباحا ومساءً يتحدثون و يتسامرون ويتفقد بعضهم أحوال بعض .... لفتة هذا شيخ أحد أفخاذ
    عشيرته في المنطقة ،عرف عنه أنّ له صوتا جهوريا مميزا كثيرا ما يضفي على نفسه الوجاهة والريادة ويفتخر بأنه رجل معروف له مكانة محترمة في المجتمع والدولة وان دفع به الأمر الى اختلاق كذبة ، فلا ضير في ذلك ،
    المهم أن يفهم أبناء عمومته وافراد القرية بأنه رجل محترم يقدره ويعرف قيمته وثقله في المجتمع القاصي والداني وعلى العشيرة ان تجلّه وتحترمه ....... لفتة لم يكن بالرجل الغني هو كأحد ابناء القرية تشتغل عائلته في جمع الملح المتواجد في المستنقعات المحيطة بالقرية وبيعه في سوق الناحية ليكون مصدر رزق وموردا لهذه القرية ------ كان الرجل أوفر حظا حيث تمكنه الظروف من التحرك والانتقال من والى الناحية والقضاء ، كان هذا مجالا رحبا وواسعا لديه في الحديث عما يريده ويبتغيه ، ففي كل سفرة الى الناحية يأتي وفي جعبته كذبة يحدث بها أبناء القرية عند اجتماعهم في مضيفه ... يتبجح فيها عن علاقته الطيبة مع مدير الناحي وضابط الشرط وكيف ينهضان اجلالا واحتراما لمقدمه و يقدمان له الشاي بأيديهم الكريمة ويسألانه عن أوضاع القرية فيجيبهم ويطالبهم بحاجات قريته من فتح مدرسة ومستوصف و ....... ورجال القرية كلهم آذان صاغية وكأنّ على رؤوسهم الطير يسمعون لما يقوله بشغف ----- اما اذا ذهب الى القضاء فلا بدّ ان تكون الكذبة أكبر مما هي عليه في الناحية ....... ذات يوم دعته الضرورة الذهاب الى المحافظة .. ماذا يفعل؟ وليس في جعبته الآن شيء او كذبة تناسب مقام المحافظة الرفيع ؟ ما كان لديه قد نفد مع صفقات الكذب التي أعدّها للناحية والقضاء ...... لم يهدأ له بال في ذهابه و ايابه يفكر وينسج من وحي خياله الحكاية تلو الآخرى الا انه يجدها دون المستوى المطلوب حتى أصابه صداع حاد شرع يضرب يدا بيد أسفا لنكوصه عن ايجاد حل لورطته ماذا يقول لأبناء عمومته وأفراد القرية ؟! هل انه مغمور نكرة لا يعرفه مسؤول في المحافظة وهو الشيخ لفتة ، هذا محال، وقع بصره على أكداس ملح على حافة المستنقعات القريبة من القرية و الملح مورد القرية ورافدها الى العيش جال في فكره شيء ثم وقف مليا وقال في نفسه وجدتها ......... دخل الديوان (المضيف) مكتئبا حزينا لا يكلم أحد تقاطر عليه الرجال ،كل يُبشر الآخر أن الشيخ عاد من المحافظة وكلهم شوق لمعرفة ما رآه وسمعه هناك وبعد اصرار الجميع لمعرفة ما لديه أذعن لرغبتهم وقال :-اتركوني وهمي ، أرجوكم ، اتركوني وهمي ، همي يكفيني ما أريد أحد يشاركني فيه ...... فزادهم ذلك أوارا وشوقا لكشف ما يخفيه وبعد ليٍّ وجهد نطق الرجل : لا حول ولا قوة الا بالله ، اسمعوني وانا مجبور أن أبلغكم ...... سكرتير المحافظ قال لي :- يا شيخ لفتة ، انتم ناس طيبون وقريتكم هادئة ، أي شيء يدفعكم لمخالفة القانون؟ انتم الآن في نظر الدولة غير ملتزمين ..... قلت له : يا بيك ، بحدود علمي ما عندنا فرد في القرية ارتكب جريمة او مخالفة واذا عندك اسم شخص اعطني وانا أسلم لك ، ولكنه ردّ عليّ : قررنا ارسال وحدة عسكرية الى قريتكم وتفتيشها وانزال العقوبة بالمخالفين ، انتظروا يوم أو يومين ..... ونتيجة علاقتي الطيبة والمعرفة السابقة بسكرتير المحافظة اثناء زيارته والمحافظ القضاء ( قالها يخيلاء وكبر ) حاولت ان اعرف ما هي المخالفة؟ سكرتير المحافظ يقول :- انتم تجمعون الملح من أرض الدولة وتبعونه في الأسواق من دون ان تدفعوا ضريبة للدولة ، بالله عليك يا شيخ هذا حق ، قلت له : لا والله ما هو بحق ، الحق كل الحق للدولة .........
    قال : قررنا نأخذ على كل كيس ربع دينا ر---- ( علما ان سعر بيع كيس الملح مع أجور نقله لا تزيد على نصف هذا المبلغ ....... ثم أردف قائلا لمعيته : هل لديكم فلوس تدفعونها للحكومة والا دبروا أمركم
    ما كان من ابناء القرية الا ان ينسلوا واحدا بعد اآخر ليأخذوا ما جمعوه في بيوتهم من ملح بجهدهم وجهد عوائلهم
    ويرموا به في النهر القريب خشية ان تأتي الحكومة وتفرض عليهم ضريبة لا طاقة لهم على دفعها – كما قال الشيخ الصدوق لديهم --- دخلت زوجة الشيخ عليه وجدته وحيدا في مضيفه وقد تخلص الآخرون من الملح وضريبته
    قالت له ( بالمثل العامي) :-انت زينة للناس خاملة الروحة ، تنصح الناس وتارك نفسك ، عندك فلوس تدفع الضريبة .. قال : لا والله ماعندي قالت :- تعال معي نرمي الملح بالنهر مثل الناس ، قام معها الشيخ ورمى ملحه هو الآخر في النهر مصدقا ما درت عليه أفكاره من كذبة اختلقها في طريق عودته الى القرية ........
    ترى ،هل تجد في مجتمعنا اليوم رجالا ك (لفتة ) اختلقوا كذبة وحكاية لا أصل أو أساس لها وأوهموا بها الآخرين ثم صدّقتها أنفسهم ودافعوا عنها كثيرا، نعم ، نجد ذلك ليس لدى الناس البسطاء بل عند المثقفين والساسة
    اليوم بأطر وأساليب ماكرة وملتوية ..... فكم من كذبة ابتدعوها ودافعوا عنها واعتبروا من لا يصدّقها مارقا وخارجا على القانون--- وهكذا نحن الآن لا ندري الى أين والى متى يسير بنا الركب مع (كذبة لفتة )



    محمد السويجت


يعمل...
X