في انتظارها٠٠الكل ينتظرها٠٠ ينتظر طلعتها٠٠تكوم الناس بغير نظام فوق رصيفها ، البعض يلغي و يلغط ، والبعض الآخر يعاكس٠٠ وآخرون يتناولون حبات حمص كمون٠٠! فوضى تبدو من هنالك وكأنك تشهد وقفة احتجاجية أو إعلانا عن إضراب٠٠وعندما تدنو تجد الكل في انتظارها ٠ هاهي تبدو قادمة٠٠السائق استثاره منظر الجمع الحاشد ؛ فرمل رويدا ، ثم ضغط على الدواس زيادة في السرعة . فرمل مرة أخرى ، وكأنه بذلك يعطي إشارة انطلاق سباق الماراتون٠ أمواج "البقــر" عفوا البشر تتزاحم و تتكدس خلف بابي الحافلة ؛ السائق من الواجهة الزجاجية ؛ يأمرهم بالتريث لنزول ركاب محتجزين٠ : زعيق٠٠صراخ و صفير٠٠
شبان يحملون أدوات إيقاع ـ طبل وبنادير ـ يبدو أنهم كانوا يشجعون إحدى فرقهم الرياضية٠٠٠نساء يتعال أنينهن بفرط الضغط على ظهورهن٠٠فوضى تعم المكان ، وليس أي مكـــان. إنها محطة حافلات العــاصمة . يفتح السائق البابين معلنا انطلاقة مسابقة الثيران التي اشتهرت بها المدينة الكاتالانية الإسبانية كموعد سنوي للاحتفال في الشارع العام٠٠المحتجزون بالداخل يصارعون من تطأ أقدامهم درج الحافلة للنزول ؛ والصاعدون في سباق عدو نحو المقاعد ( لقد اخترقت القاعدة القانونية الخاصة بالصعود و النزول؛ الباب الأمامي للنزول والخلفي للصعود ؛ أصبحت كل الفتحات تؤدي إلى الجوف)٠
الأقوى يضغط على الضعيف بمنكبيه، والضعيف يقاوم ظلم الأقوى و عسفه٠٠والنساء تولولن من جراء الدفع و أشياء أخرى٠٠الأزواج يبلون البلاء الحسن في المحافظة على مؤخرات زوجاتهن٠٠الأطفال يصرخون مما أصابهم من انتهاك حقوقهم٠٠ المثقفون و الصحفيون والمربون والمسرحيون٠٠والمرضى و العاجزون والمعاقون و ٠٠٠يراقبون الوضع من بعيد ٠
السائق والجابية يتابعان من عال ما يجري و يدور بكل استهزاء٠٠المارة يعلقون على ما يرون كل حسب ثقافته و تربيته و تكوينه و تنشئته٠٠!٠
هدأت العاصفة٠٠استقلت شابة الحافلة بعدما انسحب آخرون جراء الزحام ؛ جاورت النافذة وجلست ، بجانبها جلس رجل تجاوز الأربعين ؛ نحيل البنية ، قصير القامة ؛ يتأبط محفظة وكأنه بائع(الكريمات الذهنية) المستوردة من الصين٠٠!٠ المكلفون بمراقبة الحافلات ، والساهرون على أمن وسلامة ركابها في غياب تام ؟٠
امتلأت الحافلة عن آخرها؛إستل صاحب المحفطة سيجارة رخيصة من علبته ؛ أشعلها وسط ذلك الزخم ؛ علت الاحتجاجات ؛ طْــف،طْــف،لكــارو٠٠آهيا لحمـ٠٠!٠ وضع حدا لها بعد أن ـ قجـٌـها ـ وبدأ يهمهم بكلام مبهم ؛ فاحت على إثره رائحة كحول اشتعال ؛ فتح محفظته ؛ اعتقد من يراقبه بأنه يود إخراج كتاب أو مجلة أو صحيفة٠٠فإذا بالمحفظة تتضمن قنينة خضراء و خبزة٠
أخرج الخبزة ؛ مزق قطعة منها بطريقة بوهيمية وألقى بها في جوفه ؛ بدأ يلوك قطعة الخبز الحافي في فم لا يتوفر على طقم أسنــــــــان؛ مد للشابة المجاورة له قطعة منه ، رفضت بلطف شاكرة٠٠الجابية تخترق القامات لتوزع التذاكر٠٠وهي تقترب منه طلب من الشابة أن تمده بثمن تذكرة ؛ طمأنته بأنها ستتكفل بالأداء بدله ؛ رفض لأنه يود ثمن التذكرة؛ أما من حيث التأدية فإنه يتوفر على بطاقة ركوب مجانية ذات خطين مائلين بالأحمر و الأخضر٠٠رفضت مطلبه ؛ وعندما أوشكت الجابية منها مدتها بتذكرتها ؛ أما هو فلم يثر فضولها٠٠بعد ذلك بدأ يتفوه بكلام ساقط بذيء كان سببا في إصابته بلكمة في وجهه من طرف أحد الركاب كان يجلس أمامه رفقة زوجته ؛ وكأن اللكمة التي أصابته زر مذياع تم الضغط عليه ليتدفق شريط متنوع من السباب
و الشتم٠٠ أراد صاحب اللكمة أن يعيد الكرة ، لكــن٠٠جوبه بالــــرفض٠٠!!٠
إرتفعت همهمات الركاب فمن قائل: يجب أن يقذف بهذا الزنديق من النافذة ! ومن قائل :
يجب تحويل الحافلة إلى أقرب مخفر للشرطة !٠ ومن قائل : الحافلة ديال سيدي موسى هي هــــذي٠
الشبان يواصلون الإيقاعات المختلفة الشعبية منها و الكناوية٠٠! بالأمام تقدم مسرحية صاحب المحفظة٠٠و بالمؤخرة حفل موسيقي لكشكولات غنائية٠٠وبين هذا و ذاك مزيج كورالي بين الإيقاع و الاحتجاج ، واللغط و الضحك تحط الحافلة على إثره الرحال بمحطة باب الخميس ٠
قذفت الحافلة من جوفها من أنهوا المسير ؛ إمتطاها آخرون ؛ طالبت الجابية المراقبين المتواجدين بهذه المحطة الصعود لمحاسبة الشبان غير الراغين في أخذ تذاكرهم ؛ لبوا النداء ثلاثتهم ؛ أراد الشبان أخذ تذاكرهم بعدما تأكدوا من صعود المراقبين ؛ رفضت الجابية لكونها طلبت منهم ذلك من قبل ؛ أدوا الثمن مضاعفا بعد التهديد و الوعيد و السب و الشتم٠٠توقف ضجيج الإيقاعات الطبلية و البنديرية بانسحاب الشبان في محطة موالية٠٠انتهزت الشابة فرصة تواجد المراقبين طالبة منهم إبعاد صاحب المحفظة عنها لفذاحة رائحة الكحول التي تنبعث منه٠٠ لبوا طلبها بعدما رفض صاحبنا تغيير مقعده ؛ وبدأ يرغي و يزبد ويتفوه بكلام سفيه ؛ نقل على إثره طائرا إلى مؤخرة الحافلة؛ مما جعله يطالب بمحفظة خبزه وقنينته٠٠ مدوه بالمحفظة ؛ طالب بالخبزة ؛ طمأنوه بتأدية ثمنها له فور وصوله مكان نزوله ٠!٠
توقفت الحافلة ؛ فتح بابها الخلفي ؛ نزل صاحب المحفظة مطالبا بثمن الخبزة ؛ دلوه على البقال ؛ أقفل الباب وتابعت الحافلة المسير ٠ في المحطة الموالية نط المراقبون الثلاثة بعدما قاموا بواجبهم٠٠بعدها أخذت الحافلة وضعها الطبيعي ؛ وبدأ الإحســـاس بهواء نقي يخترق نوافذها مجففا ما لوثه شباب متهور٠٠ و متناول لكحول اشتعال بحافلة عمومية كادت أن تشتعل في أي لحظــــــــــــة .
ـ هامش :