الاتي من غبش الزمن الغابر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • احمد حمزة طمبل
    أديب وكاتب
    • 26-04-2013
    • 34

    الاتي من غبش الزمن الغابر

    الآتي من غبش الزمنالغابر
    قصة قصيرة احمد حمزة طمبل [align=justify]من وراء النافذة الزجاجية كنت أرقب المشهد ، كالقزم ، يظهر الولدُ الصغيرُ من بطن الحجرة المظلمة ، دافعاً أمامه مائدة صغيرة ، يقترب ببطء ، ثم يختفي فجأة ؛كـأن الارض قد ابتلعته . يضع يديه النحيفتين علي حافة النافذة ، مقاوماً الجاذبية الأرضية يصعد برأسه شيئاً فشيئاً ... عندها تبدو ملامح وجهه أكثر وضوحاً .لا يتجاوز الثمانية ربيعاً ، شاحب الوجه ، أسود العينين ، تعلو شفتيه ابتسامة لا تفارقه . يمسح الشارع هنا وهناك بعيون لاتهدأ ، أحياناً يرتكز بكوع يده اليمنى على حافة النافذة ؛ واضعاً ذقنه وخده في حضن كفه ، كعجوز تجترّ ذكريات المساءات البعيدة . أحياناً أخرى وعندما يلفت انتباهه شيء ما يمد رأسه من فضاء النافذة ، ويظلُّ يتبعه بشغف شديد ، وقد يبالغ فى هذا الأمر حتى أنه يتكىء بكلتي يديه علي حافة النافذة مائلاً بصدرة إلى الأمام . عندها يستبد بي القلق ، أضرب فضاء الغرفة بيدي ، أكاد أن أصرخ . ولكنه وفي نفس اللحظة يلتفت الى الوراء مرتبكاً،كأن صوتاً ما يأتيه من الداخل محذراً ، يعود ليتضاءل كما كان . لحظات ويغوص برأسه إلى الاسفل ساحباً يديه معه ، يظهر في وسط الحجرة ، ثم يختفي في الظلام . يظل المشهد يتكرر بين الفينة والفينة . ولكن ... وما أن تدق الساعة معلنةً تمام الثالثة بعد الظهر حتي يتبدل الحال ، يمد رأسه الصغير من بين فضاء النافذة ، مسدداً بصره بشغف ناحية اليمين ، تارة يشرئب بعنقه إلى الأعلى، وتارة يحرك رأسه الصغير في غير انتظام ، وكأنه يصنع لبصره دروباً ملتوية بين الأجساد والأشياء .فجأة ... تبتسم عيناه وتنفرج أسارير وجهه ، يسحب رأسه من فضاء النافذة ، يغلقها وراءه ويختفي خلف الخشب .أما هو فيترأى من على البعد كشبح انبثق من غبش الزمن الغابر , او كشخصية مبهمة سقطت من بين دفتي كتاب قديم .عملاق ... يتأرجح في مشيته يمنة ويسرة ، عيونه غائرة ؛ كأنها تعبت وتريد ان ترتاح في مؤخرة رأسه ، أخاديد وجهه حادة غائرة غير منتظمة . فمه عار عن الأسنان إلا من واحدة في مقدمه فمه رفضت الرحيل ، ربما لاتريد ان تغادر الا معه . يرتدي جلباباً طويلاً ، كالح اللون ،أردفه بمعطف قصير ، مترب ، مرتّق في غير مكان ، فوق المعطف بقايا عمامة تحيط برقبته من الخلف وتتدلى على صدره من الجانبين . يسرع في خطواته المهتزة ،ينتزع نفسه من أتون الزحام ؛تاركاً وراءه ذرات غبار ، عبارات استهجان ، وشفاه مزمومة . يخلع معطفه المهلهل ويفرشه أسفل النافذة ، يقتعد الأرض فوقه مادّاً قدميه . حذاؤه المهتريء ، ينفر منه نصف إصبع أو يزيد . هي لحظات ويمرُّ الولد الصغير من فم البناية حاملاً صحناً بيد وبالأخرى رغيفين ، يمد العجوز يديه النحيفتين ويلتقطهما . بعد أن يأتي علي كل ما في الصحن ، يمد لسانه ويلعق أصابعه قبل أن يلويه إلى أعلى ويسحبه إلى داخل فمه ، يتبقى جزء من رغيف يمسحه بأصابعه ثم يسقطه فى جيب جلبابه .يفرك كفيه ، يمرّر كلٌّ منهما على الآخر ، ثم يرفعهما إلى الأعلى شاخصاً ببصره نحو السماء . يكون الولد الصغير قد عاد حاملاً كوباً من الماء ، ينهض ببطء ، ينفض التراب عن معطفه ويلقي به على منكبيه ، يرتشف الماء الذي ينساب بعض منه على صدره وينزلق حتي يلامس جلبابه ، يربتُ على رأس الولد الصغير ، الذي يتسلقه بعينيه من أسفل إلى أعلى، عندما تتلاقى أعينهما ، يتمتم العملاق بكلمات غير مفهومة ، يُخرج بعض الحلوى من جيبه ويدسُّها في يد الولد الصغير ، قبل أن يعطيه ظهره ويمضي إلى حال سبيله . يظل يتبعه بعينيه الصغيرتين حتى يختفي عن نظره ، او يغيّبه زحام . اليوم ... مرَّ شهرٌ أو يزيد علي رحيل الولد الصغير ، ولكن العملاق الآتي من غبش الزمن الغابر ، وما إن تدق الساعة معلنة الثالثة عصراً ، حتي يأتي من بعيد ، يفرش معطفه أسفل النافذة ويجلس فوقه ، يظل لفترة قد تطول او تقصر يوزّع نظرات ِالترقّب بين النافذة الموصدة ومدخل البناية ، قبل أن يلملم نظرات اليأس ويقف ببطء ، ينفض التراب عن معطفه ، يلقيه علي منكبيه ، وعلى غير ماكان يفعل فيما مضى ، يعود من حيث أتى .[/align]
    التعديل الأخير تم بواسطة احمد حمزة طمبل; الساعة 30-06-2013, 06:34.
يعمل...
X