نمنمات

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • كانيوار
    محظور
    • 12-08-2013
    • 7

    نمنمات

    نمنمات
    إلى أبي
    هاقد كبرتُ يا أبي وأصبح لي صوت جهوري كصوتك..وأصبح لي عدة حلاقة و بات الصغار ينادوني بالعم..أتتذكر يا أبتي كم كنتُ أتململ بين يديك كسمكةٍ تحاول الإفلات, لئلا تنخزني بذقنك الذي كان يزعجني أثناء التقبيل..؟
    كبرتُ يا أبي و أرحتك من أسئلتي اللحوحة و الكثيرة,المعقدة حيناً و المحرجة حينا آخر..بعض هذه الأسئلة برسم الأيام القادمة و بعضها قايضتني الحياة الصفعة بالإجابة..كبرتُ يا أبي و كبرتْ أسئلتي و ارتقتْ إلى ما يسمى بالأسئلة الكبرى أو الأسئلة الوجودية, فتطل برأسها بين الحين و الآخر (ما هو الموت, الحياة, الخلود, السعادة, اللذة, العبث..؟).

    أتتذكر يا أبي..؟ أتتذكر كم من المرات كنتَ تتملصُ من أسئلتي المعقدة أحيانا و عندما ألحُ عليك باللإستفسار تجيبني أجوبة خاطئة لئلا تظهر بمظهر الأب الغير المثقف أمام ابنك الصغير..كبرتُ يا أبي و لم أعد أبكي لأنك لم تصطحبني و أياك إلى القرية...هاقد كبرت يا أبي وأصبح للحياة مذاق آخر مذاق غير الذي كنتُ أستطعمه و أنا صغير.
    أصبحت شحيحَ الدمع يا أبي كما أنت..أصبحت لي دمعة مكابرة لا أجود بها إلا عندما تلوكني الحياة فترغمني على البكاء بصمت..إنها الدمعة المنكهة بمرارة الحياة ,سخرية القدر وعبثية الأيام.. العَبرة التي تكون سيدة الموقف عندما يقف الحياة كلها غصة في حلقي فيكون هذا الوليد ـ الدمعة ـ
    هرمتَ يا أبي و كبرتُ أنا ـ جدلية غريبة و موجعةـ هرمتَ لتحيلَ هذا الصغير إلى رجل و تفطمه من أسئلته الساذجة..آه يا أبتي ليتني لم أكبر..!! ليتني بذاك (الشورت) أركض في أزقة جنديرس أتعثرُ فأقع على ركبتي و أجهش بالبكاء و أنا أركض إلى البيت متحاشياً النظر إلى الدم الذي يرعبني على ركبتي الدامية..ما تزال ندب التعثر بارزة على ركبيتي.

    يقال أن التذكار شكل من أشكال اللقاء..!!ها أنا مع الطفل سلام وجهاً لوجه إنه يقابلني يا أبي..ماذا عساني أن أقول له..أأرتمي بين أحضانه و أجهش بالبكاء؟؟ أم أشفق عليه بعد أن خدعته الحياة!! ترى من خدعَ الآخر؟ من كان يستهذئ بالآخر..أطفالا كنا, نرى الحياة عجينة بين أيدينا لكن خدعتنا الحياة و بدلتْ الأدوار لتتكفل هي بعجننا كيفما تشاء..مازلت إلى الآن أتعثر و أسقط يا أبتي سوى أنه سقوط من نوع آخر..سقوط يستدعي بكاء من نوع آخر.. سقوط لا يعقبه دم بل دمعة.. سقوط لا يستدعي الهرع إلى البيت لتداويني أمي بل النهوض مجدداً لأنتشل جسدي المثقل راكنا أياه على أقرب أمل لألتقط أنفاسي و أستعيد قواي و أتابع السير.. نعم يا ابتي إلى الآن أتعثر لكن لا آتي على ركبتي ما كنت صغيراً, بل أن تضغط الحياة بثقلها على روحي فتهشمها و تهوي بي إلى هاوية لا قرار لها فأتمسك بتلابيب ثوب الأمل لأخرج من الهاوية لأبدأ السير مجدداً.
    ماتزال صورة إبتسامتك الباهتة التي اكتشفت سرها فيما بعد, طرية في البال..تلك الإبتسامة التي كنتَ تتوِجُ بها عبارتي التالية : لن يصعبَ علي شيء حينما أغدو رجُلا..كلما تذكرتها قفزً إلى ذاكرتي مقولة رائعة للفيلسوف جبران خليل جبران يقول :**عندما رماني الله حصاة صغيرة في هذه البحيرة العجيبة أزعجتُ هدوءها بأن أحدثتُ دوائرَ لا يحصى عديدها و عندما بلغتُ أعماقها أصبحت هادئة مثلها**

    انظر يا أبي ما هذا الذي يترائ هناك؟؟ أستميحك عذرأ يا أبتي لاني خدعتك, فليس ثمة ما يتراءى هناك لكن أود أن أمسح دمعتي دون أن تراني.
يعمل...
X