" لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك ":عبد الحميد الغرباوي/ج 1 محمد المهدي السقال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك ":عبد الحميد الغرباوي/ج 1 محمد المهدي السقال

    لا أنت رأيتنا ول&#.jpg

    من الإيهام بالواقع إلى الإيهام بالحلم


    أو

    القصة الذهنية
    في المجموعة القصصية الجديدة:

    " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "

    للسارد المغربي عبد الحميد الغرباوي.
    محمد المهدي السقال
    مدخل:
    جاءت قراءتي لمجموعة الكاتب المغربي عبدالحميد الغرباوي" لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك"، بدافع الرغبة في الوقوف على ما انتهى إليه مساره القصصي من خلال آخر منجزاته السردية، بعد مواكبة نصوصه متفرقة في الصحف بمختلف المنابر الثقافية منذ السبعينات، قبل الإصدارات التي انطلقت مع مجموعته الأولى سنة 1988، تحت عنوان (عن تلك الليلة أحكي)، عدا ما قرئ له في متفرقات النشر الصحفي قبل ذلك.
    لا شك أن القراءة لمثل هذه الأسماء الوازنة بتجذرها في الساحة القصصية، بقدر ما تغري بالمتابعة لمتعتها الفنية، بقدر ما تدعو إلى الحذر في اقتفاء أثرها لثقل صاحبها برصيده في الكتابة القصصية على مدى يقارب الأربعين عاما، خاصة حين يكون الصدور فيها، عن عميق الوعي بإشكالاتها و أسئلتها، في خضم تسارع تطوراتها التي عايشها الكاتب مبدعا ومنخرطا في البحث عن أجوبة لها، من خلال مسايرة التجديد في النوع القصصي وما تثيره قضاياه ذات الصلة بالقصة القصيرة والقصيرة جدا تحديدا.
    لذلك لا تتوخى هذه المقاربة أن تصنف تحت أي عنوان نقدي، يمكن أن يفرغها من مجهود التفاعل الذاتي مع المتن القصصي، خاصة إذا كان ذلك النقد باسم الصرامة الموضوعية و الانضباط لمنهج بعينه، يبقى محاصرا بالتشيع المنغلق لمذهب فكري على الولاء له واليقين في صدقيته وحجيته.
    فبعد الوقوف على أكثر من منهج نقدي يسير في هذا الاتجاه، وبعد تطور لافت في المواقف من التلقي، أعاد الاعتبار لوجود القارئ كفاعل حيوي في امتداد حياة النص الإبداعي، تبين أن القراءة تنحو للتخلص من عباءة النقد، حين يعوق تفاعلها الذاتي ويأسرها في خانات هوامش الهوامش، بعد مصادرة حرية القراءة المتعددة المستويات والمداخل، بأحكام جاهزة تناقض منطلقاتها بادعاء مطلق الحقيقة.
    و أقصى ما تطمح إليه، نسبتها إلى مصطلح القراءة، باعتبارها فعلا إراديا يقع على نص إبداعي شعرا أو نثرا، بعد التوسل بما تشكل من ذائقة فنية و إدراك معرفي، يجدان صداهما في ذاكرة التلقي، باعتبارها وعاء ترسبات الاتصال والتفاعل مع الثقافي و الأدبي، و مرجع الرؤية لجمالية لإبداع باللغة.
    غير أن هذه القراءة في النهاية، لا تلغي شرط المعرفة بتحيز المقروء، ليس من زاوية العلم بأسباب النزول وما يتصل بها من خارجيات تحيط بوجوده، ولكن من زاوية إدراك خصائص الأصل الذي ينتسب إليه ذلك المقروء أدبيا و فنيا، وما عرفه من مظاهر التطور في بنياته ومحتوياته.
    و إذا كان ذلك الشرط لازما في عملية التلقي، كي يتحقق ذلك التفاعل المنشود مع النص القصصي خاصة، بعد تجاوز استقباله السلبي الواقف عند متعة الحكاية في مجملها، إلى استقبال فاعل يستنبط ممكنات التأويل للإيحاءات والرموز والإحالات المسكوت عنها، فإنه بالنسبة للكاتب ملزم، إذ من الصعب استساغة القول بإمكان بلوغ الكتابة القصصية رهانها الدلالي و الفني، دون توفر حدود دنيا من المعرفة بطبيعتها ومكوناتها، عدا ما يتم استحضاره بخصوص مسارها و تطورها، قبل الانحياز لاختيار نوع تعبيري يكون أبعد في التمثيل عن الذات في شروط تحولاتها الموضوعية،مع التفاوت طبعا في الاهتمامات و درجات الوعي الأدبي بمقاصد وميكانيزمات الإبداع القصصي، كواحد من التعبيرات الفنية باللغة عن الوجود الإنساني، بأبعاده الفكرية والجمالية.
    قصص المجموعة:
    تشكلت المجموعة من تسعة نصوص أعلنت عن انتمائها السردي إلى القصة ، وهي على التوالي:
    1- ولا يزال يضحك
    2- تلك اليد
    3- اللحظات الأخيرة
    4- ما لا أود أن أرى
    5- قطار التاسعة مساء
    6- خلفيات
    7- الخروج من المرآة
    8- 9999
    9- أسير الرائحة
    تسعة نصوص سردية وليس ثمانية أو عشرة، حصر في التسعة أزعم أنه ليس اعتباطيا، بالنظر لما سيظهر من احتفاء الكاتب بهذا العدد، بل أزعم أن للرقم (9) وجودا قويا في منطقة ما من وعي الكاتب بالعالم، بدليل حضوره في جل النصوص، إما علامة على مسمى، (حافلة يحمل خطها رقم تسعة)، و إما عددا لشيء مادي، (أبواب تسع/ الباب التاسع)، فيما توزع الرقم نفسه بصورته أو بحرفيته ست نصوص، (9سنوات/9 سنوات/9999/ التاسعة /التسعين / تسعةفيما حضر الرقم نفسه بما يؤول عليه جمعا بين العددين أربعة وخمسة في : " في اليوم الرابع من الشهر الخامس " / " لم أنم خلال الخمسة و أربعين ساعة الأخيرة " / " الخامسة و أربعون دقيقة طبعا صباحا " / " كانت الساعة تشير إلى الخامسة صباحا وأربعين دقيقة ".
    تصورت إمكانية تفسير طفو الرقم (9) بين ثنايا القصص، برمزيته في بنية الكاتب الذهنية والثقافية، نظرا لما يمكن أن يكون قد ترسب من معرفة به عند المصريين الذين وقفوا بإكمال عملية الخلق عند تسعة آلهة،أو ما ظهر به الرقم في النص القرآني مثلا، إذ توزع حضوره بين المدنس عددا لرهط المفسدين في الأرض ((وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون: سورة النمل الآية 48 ) )) والمقدس، حين حصر الآيات على التمييز في ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىَ تِسْعَ آيَاتٍ بَيّنَاتٍ : الإسراء-100.)
    يضاف إلى ذلك، ما لهذا الرقم من اعتبار في الحساب، ليس فقط لكونه أعلى رقم في الوحدات، فيما الباقي من الأعداد، إنما يكرر الرسمَ اتصالا به في العشرات فما فوق، و لكن بوصفه منتهى العد قبل التحول في الكم والكيف مع كل وصول إلى الرقم تسعة، في حساب التوالي العددي إلى ما لا نهاية، ولا بأس من ختم هذه الملاحظة بطرفة حول العدد (9)، تتعلق بتمثيله لأكبر الأعداد ضمن ما يعرف بالكثرة المطلقة، بحيث يكون مجموع مضاعفاته دائما مساويا للعدد تسعة.
    لست من المغرمين بتمحل قراءة أبعاد أو إيحاءات الغلاف الخارجي للمؤلف الإبداعي، رغم ذهاب البعض إلى إمكانية الربط بين الاستنتاجات المفترضة في تلك الوقفة، وبين دلالات النصوص وما يمكن أن تهربه من رسائل مشفرة، استئناسا بما يسعف به التحليل السيميائي للصورة أو العنوان، وهو يرسم خارطة الطريق، لاستشراف أفق انتظارات القراءة.
    أما وقد اختير العنوان، من صلب نص قصصي في المجموعة نفسها، فلا بأس من مراودة بنيته اللغوية، قبل محاولة وصل تأويلات العبارة باللوحة التشكيلية التي شغلت حجم الواجهةَ الخارجية الأول للغلاف.
    استمد الكاتب جملة العنوان، من سياق الاستجواب الذي وُوجِهَ به "عبد الله الساكت" في النص الأول للمجموعة " ولا يزال يضحك "، ضمن سياق إغرائه بالجواب / الإقرار، كي يريح ويسترح من معاناة الاستنطاق:
    " بقي سؤال واحد،... لا ثاني له، نطرحه عليك، إن تجب عليه بصراحة نخل سبيلك، وننس جميعنا الموضوع... لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك...
    -" لماذا أنت دائم السكوت والابتسام؟"
    " لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك..."
    لعل المؤلف بهذا الاختيار، إنما تعمد حصر مجال انشغال القارئ باحتمالات التأويل من داخل النص، باعتبار العنوان بوصلة موجهة للقراءة، لا يمكن فصلها عن قصدية الكاتب ذات الصلة برؤيته للواقع.
    تتقاسم العنوانَ جملتان اتصالا بما تحيلانه عليه علاقة بالصورتين، أو علاقة بالسياق الذي وردتا فيهما داخل النص.
    توسط العنوانُ بجملتيه المنفيتين برابط العطف على التناظر بين دلالتيهما الفعلية رغم صيغتهما الاسمية،وجهيْ الكائنين الآدميين بجملتين متوازنتين، يفصل بينهما رابط العطف النسقي بالواو، على الجمع بين مشترك نفي الفعلية فيهما، فجاءت عبارة ( لا أنت رايتنا) في الوجه على اليمين/ بينما جاءت ( لا نحن رأيناك) في الوجه على اليسار.
    تحيزت الجملتان معا على الترتيب في أسفل العينين، بفاصل الواو الواقع في منطقة مشتركة في الوسط بين الوجهين، ربما لإفادة الترتيب على مطلق الاتصال بين المعطوف والمعطوف عليه، بلا فاصل في الزمان كما تدل الفاء و ثم مثلا. ورَد الفعل المشترك المنفي بصيغة الماضي إخبارا بسابق الحدوث، غير أن المعنى السياقي للفعلين، إنما يثبت الوقوع في الحاضر على الامتداد نحو المستقبل، من خلال رهنهما بما ينتج عن تحققهما، بدءاُ من إخلاء السبيل و انتهاءً بنسيان الموضوع.
    يؤكد هذا المنحى صدور الفعلين بصيغة الماضي، عن المخبر في الاستجواب، باعتباره ممثل السلطة الزمنية في الواقع، والقادر على أجرأة نفي فعل الرؤية إزاء الآخر، حين ينتهي شغبه بالاعتراف على نفسه، بما يشغل تلك السلطة من عوامل اهتزاز وجودها.
    غير أن القبول بتساوي نفي الرؤية بين الطرفين، لا يتأسس على صراع متكافئ بينهما من موقع كل منهما، فبينما يصدر المخبر عن ضجر من الفشل في الوصول إلى فهم حالة عبد الله الساكت، والمتمثلة في إصراره على مواجهة الفعل بالسكوت و الابتسام، يبدو عبد الله الساكت مصرا على التمادي برد الفعل نفسه، حين " تجتاحه هستيريا ضحك، يهز الغرفة ضحكا يشبه النحيب"أليست عبثية الفعل التي لا تقبل المقايضة بغير رد الفعل العبثي ؟.
    يمكن الاستئناس بلوحة الغلاف على سبيل الإسقاط الوارد من زاوية تحليل بنية العنوان اللغوية والتعبيرية، ذلك أن اللوحة التشكيلية، تقدم وجهين آدميين متطابقين في الصورة على التوازي بعنقين طويلين، كأنهما يشرئبان معا نحو الأعلى لرؤية أفضل فيما تقع عليه العين، وكلاهما يتجهان بالرؤية في الاتجاه نفسه إلى الأمام في غياب انشغال أحدهما بالآخر، انسجاما مع امتداد ذلك النفي في جملة العنوان، بحيث يبدوان متقاسمين مجال الرؤية بشكل عمودي من غير تقاطع بينهما، بالرغم من كون المشترك بين الصورتين تحديدا، هو هذا النسخ على وحدة الأصل في الخلقة بين الوجهين في الشكل و اللون و القسمات.
    وقد تتغير قراءة العنوان لتأخذ منحى آخر، بافتراض شكلٍ إعرابيّ ما لضمير المخاطب بين الفتح والكسر، ليس بمنطق التمييز بين تذكير وتأنيث على أساس الجنس، ولكن على أساس ما يمكن تصوره لحمولة الرؤية بافتراض أحد الشكلين، من قبيل توهم الإحالة على حقل عاطفي بالكسر، أو الإحالة على ندية التضاد في حقل اجتماعي أو سياسي،باعتبار ما يثبته من نفي التواصل بين ال أنتَ و ال نحنُ، بعد تقرير انعدام رؤية أحدهما للآخر، رغم ما قد يكون بينهما من اتصال، والرؤية هنا ليست رهينة النظر بالإبصار، لما يمكن أن تتصل به من النظر بالبصيرة.
    أسفل العنوان مباشرة توسطت كلمة" قصص" عنقي الرأسين في اللوحة، إشعارا بالتصنيف الفني الذي تندرج فيه مجموعة" لا أنت رأيتنا ولا نحن رأيناك "، خلافا لما تضمنته الصفحة الداخلية المخصصة للتعريف بالكتاب، حين أعلنت عن وصف محتوياته بعبارة (قصص قصيرة)، هكذا بين قوسين.
    و بغض النظر عمن يكون واضع أحدهما أو كليهما بين الكاتب و الناشر، فإن القارئ لا يسعه إلا أن يتساءل عن أيهما أقوى في الدلالة على تصنيف النصوص ضمن النوع السردي، باعتبار ما يثيره لفظ " قصص" من جهته اللغوية و الاصطلاحية، وباعتبار ما تلفت الانتباه إليه عبارة (قصص قصيرة) من جهة أخرى، ارتباطا بما يتداول حولها من اصطلاح، أو اتصالا بالوضع بين قوسين، من خلال الإحالة على المتواضع عليه بخصوص علامات الترقيم، حيث الاتفاق على استخدامات القوسين في الحصر والتحديد والشرح لما توضعان له. فالتعريف بالقصص دون وصلها بوصف من قبيل الطويلة أو القصيرة أو القصيرة جدا، يثبت لها الانتماء إلى السردي في النثر الفني، على الحكائية من واقع أو من متخيل، في غياب توجيه مسبق بتحديدها على أساس المفردات التصنيفية المتداولة، ربما اعتبارا لكون حقيقتها الفنية الأولى، إنما تكمن في القص بمعناه العام والمتعارف عليه في أدبيات السرد قديمه وحديثه، فيما يثير التحديد الثاني(قصص قصيرة)، أسئلة فنية ترتبط بالنوع السردي القصصي، بعد اختيار التحيز ضمن القصير منه بمعنى من المعاني، وقد تجاوز وهم التحيين على خلفية المساحة والحجم الذي تشغله القصة منها لتنسب إلى القصيرة.
    مهما يكن، فإن التنصيص على ذلك الانتماء إلى " قصص" ، سيبقى بدوره موضوع تساؤلات تحتاج للجواب عنها من داخل النصوص نفسها، باعتبار ما يستدعيه التوقف عند الكلمة في مستواها اللغوي قبل الاصطلاحي، فأصلها الفعلي من " قصّ" لمعنى رواية أو خبر، قد يكون مصدرا بلفظ القصص على فتح القاف، كما يكون جمعا للقصة على اسم المرة منه ، فيرجع التمييز عند اللغويين على الواحدة من القِصص بكسر قافه.

    يتبع 2


    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
يعمل...
X