نبهــــــــــــــــان النهمــــــــــــــــــــــــان
الشخصيات الثانوية : الخادم العجوز ،مبروك الشحاذ، أربعة أولاد.
ترفع الستارة عن لوحة تتصدر المسرح رُسم فيها بيوت قروية فقيرة وقصر فخم، تظهر مجموعة من الأولاد ثيابهم رثه واضعين أيديهم على بطونهم من قسوة الجوع، يتجمهرون حول قصر الثريّ: يا سيّد نبهان الجوع أهلكنا ،هم،هم،هم،نريد طعاما،أشفق علينا يا كريم.
يطلّ من نافذة القصر رجل سمين(غاضبا): يا لشراهتكم أيها السفهاء، من قال لكم إني أوزع الطعام على فقراء القرية؟ انصرفوا بعيداً عني، وإلا رميت عليكم القاذورات، هيا ابتعدوا (يغلق النافدة).
يتفرق الأولاد خوفا من صراخ نبهان ثم يعودون لتقديم أغنية "أسق العطاش تكرما" مع أداء حركيّ يعبر عن حاجات الأولاد(يخرجون).
يظهر نبهان وسط الساحة وبيديّه بعض الفاكهة (مستنكرا): هل أنا مسؤول عن جوعهم، هذه الحثالة الضالة من أهل القرية، ما أطمعهم! (يأكل بشراهة اللئام)، ينظرون بحسد إلى ما بيدي من طعام، الاستجداء هذا المرض اللعين في دمائهم، ألا يوجد غيري لديه كمية بسيطة من الطعام لا تكاد تكفيني، كم أنا مسكين حتى أن صحتي في تدهور مستمر، والسبب عيونهم الحسودة وأنفسهم الجشعة،أعوذ بالله (يضرب كفا بكفٍ ويعلو صوته مناديا: يا أم الويل،الويل لك هل أعددت الطعام؟
تظهر عجوز (ترتجف رعبا):نعم سيدي، أعددت لك أشهى الأطعمة.
نبهان(يقهقه مسرورا): هيا أخبرني، ماذا أعددت من أطايب الطعام؟
العجوز (متغافلة عن فهم رغبته): سامحني، اليوم لم أستطع أن أعد الكمية الكافية التي تلبي حاجتك من الطعام، لأنّي متوعكة قليلا.
نبهان(منفعلا يبصق على الأرض): ماذا تقولين يا لئيمة أنك بلا شك تهذين، وأنت متآمرة عليّ مع هؤلاء الفتية، هم يريدون طعامي وأنت تقللين الكمية، تريدون أن أموت جوعا يا لئام، ماذا أعددت؟
العجوز( مضطربة): سامحني يا سيدي، أعددت فقط خمس دجاجات محمرة، وفخذ خروف مع الأرز والسلطات والمقبلات.
نبهان( بشراسة ولؤم) يا لئيمة،أ تريدين أن أموت جوعا!( يدق الأرض بقدميه): وهل تذوقت شيئا من الطعام؟
العجوز( ترفع كفها): أقسم بالله لم أتذوق شيئا بل شممت الرائحة فقط؟
نبهان(يهزّ كتفها): يا خسيسة، شممت الرائحة، ألم أقل لك استعملي الغطاء الواقي للأنف كي لا تستمتعي بالرائحة الشهية وتزين نفسك بتناول شيء من الطعام، إياك ثم إياك أن تقومي بهذه الفعلة الشنعاء.
تنحني العجوز قليلا: سيدي سأنفذ أوامرك واستعمل غطاء الأنف.
نبهان مناديا: سلمان، أحضر بعض فاكهة البستان لأفتح شهيتي.
تظهر مجموعة الأولاد راجية: يا عم نبهان، بستانك أشجاره وارفة وثماره ناضجة، دعنا نتقيأ ونلهو في نعم الله التي أنعماها عليك.
نبهان متسائلا في نكران: ماذا تقولون؟ هل جننتم، ويحكم يا فتية الأزقة القاتمة، ويلكم مني لو ألقيت القبض عليكم.
فتى نحيف(مستعطفا): انظر يا عم نبهان إلى ملابسي إنها ممزقه وبالية أعطني مما عندك، فلديك الكثير من ملابس أولادك الجديدة.
نبهان(ثائرا يلوح بذراعية): ما هذه الوقاحة، اغربوا عني، عريكم خداع، لن أهب لكم الملابس ها،ها،ها.(يخرج الأولاد)
يتحرك نبهان وسط الساحة جيئة وذهابا متذمراً متأففاً يضرب بذراعيه على جنبيه، يظهر الأولاد يحملون كراسات وأقلام: عم نبهان الكريم، نريد مدرسة ومعلما، فلديك المال الكثير.
نبهان (ضجرا بطلباتهم): ماذا، تريدون مدرسة ومعلما،هل أصابكم الخبل؟ انصرفوا وإلا كسّرت العصا على رؤوسكم الفارغة.
يدور نبهان حول نفسه ضاربا كفا بكف: ماذا أصاب أولاد القرية؟ هل لهم عندي حقوق، إنها أموالي أتمتع بها وحدي، كيف يجرؤون على ذلك؟ (في سخرية لاذعة): مؤكد أنا احلم، بل أعيش كابوسا مريعا، ِلمَ يطالبونني بالغذاء والكساء والتعليم والعلاج وحدائق الترفيه؟
الأولاد بصوت واحد: نريد المعاملة الحسنة وتلبية احتياجاتنا، ورعاية الأيتام والمعاقين، ألسنا رجال الغد وبناة الوطن؟ من حقنا أن نعيش بكرامة.
نبهان( بعصبية): حقا، هم مجانين، ويثيرون أعصابي،لا أصدق ما يريدون!! بيوتا صحيّة بدل العيش بالأكواخ الحقيرة.
نبهان(تأخذه نوبة سعال خانقة): لن أحقق لكم هذه المطالب،لا وألف لا.
يدور الأولاد حوله في حركة دائرية، وهو في حالة هذيان،على إيقاع موسيقي صاخب، ثمّ يرفع العصا ويصيح بهستيريّة: أوغاد، إياكم والعودة إلي هنا، سأقطعكم إرباً إرباً، مجانين، من أين جئتم بهذه الأفكار اللعينة، كلام فارغ(يحمل القاذورات يرميها عليهم)( يخرج).
فتى1 (مقطبا جبينه): هذا الرجل يتسبب لنا بالأذى.
فتى2(بصوت محايد): كثير البخل!! يجب أن نقوم بثورة ضده.
فتى3( يضحك بمرارة): يستحوذ على مقدراتنا، وكأنّ الكون مسخر له!!
فتى4(مهموما): لم تنجُ البيئة من أذاه، إنّه يلوث الهواء بدخان نارجيلته.
فتى1(بقهر): أنه يتمتع بخيرات قريتنا ونحن ننظر إليه وقد أهلكنا الجوع.
فتى2(اشتدت ملامحه): يختزن الأموال ولا ينفقها علينا، ولنا فيها حقوق.
فتى 3(محتدا): إنّه لا يفكر إلا في نفسه.
فتى4(مسترسلا في طرح الحلول): يجب أن نفكر بطريقة ما، نلقنه فيها درسا، ونعلمه كيف يحب الناس ويتعاطف معهم ويعطيهم حقوقهم.
فتى1(بصورة قاطعة): يجب أن يتغير نبهان النهمان إلى إنسان كريم وعطوف، لأن هذه الأموال التي يكنزها ليست من حقه وحده بل هي أموالنا، جناها من خيرات القرية، يجب أن يستمتع بها الجميع، علينا التفكير في حل من أجل التغيير.ولن نأخذها عنوة بل بإرادته وعن طيب خاطر.
يظهر الأولاد في حالة يأس يفكرون ثمّ يجلسون على الأرض مكونين حلقة، وإذ بأحدهم يقفز من نافذة نبهان ويركض وراءه أحد الخدم بعصا ويضربه بها، فيقفز بشكل دحرجة أمامية إلى وسط الدائرة واقفا، وكل من حوله مذهولاً به وبصوت واحد: ماذا حدث لك يا عم مبروك ؟
يقف مبروك متألماً: آخ، آخ، ظهري، قدماي،آه، عيني، كسروني الأنذال.
الأولاد( باستغراب وذهول): خير، خبّر ماذا حدث لك؟
مبروك( يأخذ أنفاسا بطيئة وعميقة يعاود سعاله وتأوهه): كنت نائما تحت شجرة غير مثمرة قرب بيت نبهان النهمان، وكما تعلمون أنني فقير لا أملك شروى نقير، وفجأة تسربت إلى أنفي رائحة شواء، فأثارتني إلى حد العواء،وجعلتني أقف على قدميّ صائحا: أخ يا بطني ما أشهى هذه الرائحة، ولكن من أين هي قادمة، وانطلقت مسرعا لاهثا إلى مصدرها لأعرف مخبرها، وعرفت، وبسرعة تصرفت وبقليل من الحيلة وجدت الوسيلة وبخفة جريئة وجدت نفسي داخل بيت نبهان النهمان وفي غرفة الطعام، ويا لهول ما رأيت يا كرام، عيناي سددتهما إلى محجريهما خوفا من أن تقفزا إلى طاولة الطعام، صعقت فشهقت وأخذت فرائصي ترتعد، وأمعائي تخفق جوعا،يا الله!ّ خروفاً محشواً يتربع وسط المائدة وأبخرة الشواء تنبعث منه نافذة إلى أعماقي الجائعة وحوله أصناف السلطات والمأكولات المقبلات، والعم نبهان في صراع اللئام مع الطعام وبحركة سريعة وجدت نفسي مستأنساً بجوار الخروف مستأسدا بنهم، والعم نبهان النهمان فاغراً فاه وعيناه تدوران بمحجريهما متسائلا"إنس أم جان؟ من أين أتيت؟ من دعاك إلى مائدتي ومشاركتي وليمتي؟" أجبته متقافزا بخفة ولعابي يسيل"الله سبحانه وتعالى دعاني وهذا رزق أتاني" ولم تتوقف يداي عن جمع النعم، وفمي عن زرد اللقم، في البداية اهتز وارتجف ودبّ الخوف في عروقه ،واعتراه الذهول والوجل" مرددا: جنيّ يقتحم مائدتي" وأنا أنهل مما لذ وطاب، وانتزع لحم الخروف انتزاعا، بالعاً لقيمة وأخرى في كيسي، فرصة لن تعوّض وأنا موقن بالنتيجة، بعد أن اخبره احدهم أني "مبروك الشحاذ"،هدأت أوصاله، رماني بنظرة رهيبة حسبتها مميتة صارخا بغضب"ها،ها، أنت المبروك، أنت الشحاذ؟ وأصبح كثور هائج، شتائمه أغرقتني، وأشار إلى الخدم "خذوه واضربوه وفي قارعة الطريق ارموه، أريد لهذه الكمية من الطعام إن تخرج من جوفه" ولم أر إلا لكمات وكدمات رفس، وقرص، وعض، وعمّ الظلام، وكأنني اشتهيت هذه العلقة فشبعت منها، وفي النهاية وصلت إليكم بهذه الدحرجة الأمامية، ألم تكن رائعة، أدام الله فضلكم ولا أذاقكم مثلها أبدا، وقام متمايلا متألما: سأذهب لآكل ما خبأته في اللحظات البيضاء لهذه اللحظات السوداء(يخرج). ويغني الأولاد" تضربني على أكلة وتجور"مع حركات إيقاعيّة تعبر عن الموقف.
يعقد الأولاد اجتماعا للتشاور في قضية هذا المستبد الطمّاع.
الأول(عاقدا بين حاجبيه): يجب أن نلقنه درسا في الكرم، من دون سب وضرب وخدش وتأديب وتعذيب.
فتى2(يقوم بحركات تمثل فكرته):عندي فكرة نعرقله فيقع فتأتني بحبل ونشد وثاقه بحبل متين وندخل بيته ونطعمه كميات هائلة من الطعام حتى يكره الطعام ويشعر انه علينا ان نشاركه الطعام حتى لا يصاب بالتخمة.
الثالث(مترددا): بل نقيده ونجره إلى مكان مهجور ونتركه أياما بلا طعام، ليشعر بألم الجوع الحقيقي، فيطعمنا.
فتى4(مستاء): لكن، هل علاقة الإنسان في هذه الحياة جوع وشبع؟ هناك سلوكيات لها علاقة بالخلق الكريم.
الأول( بنباهة): طبعا لا هناك سلوكيات أو طباع كثيرة يجب أن يعتاد عليها الإنسان، أين لطف القول وأدب المعاملة والأخلاق العالية واحترام الآخرين والمشاركة الوجدانية والتعاون والإيثار وووو..
فتى2( باهتمام): نريده أن يتغير نوعا، ويصبح إنسانا بمفهوم الإنسانية، له قلب طيب عطوف يفكر بغيره قبل أن يفكر بنفسه.
فتى2(في هياج يخالف صوته الحقيقي): يجب أن نتعامل معه وكأنّه لبنة من مجتمعنا القروي البسيط وليس جزءا أنانيا مدمرا بل إنسانا.
الثالث( بحكمة بالغة): يعني، أن يموت فيه الإنسان الأناني الجشع ويحيا الإنسان الطيب الكريم، لإعادة تكوين شخصيته من جديد.
فتى2 يائسا: اعتقد أن هذا مستحيل.
فتى4 (مزيلا للإبهام): نجعله يتوهم انه ميت في نظر الناس.
فتى1(محتارا): كأنّك تقص علينا لغزا أو أحجية.
فتى2 ( بابتسامة حائرة): كلامك غير مفهوم يا صديقي.
الثالث : أوضح لنا الفكرة،.يبدو أن خيالك واسع.
فتى4 (رفع يده للتمهل): أعطوني فرصة لتوضيح الفكرة، فالخطة بدأت تترابط في ذهني،(يفكرا للحظات ثمّ يعلو صوته) إليكم الخطة!
الجميع بصوت واحد: ما الخطة، اسرد خطط ذكائك المتقد؟
الأول(أحاطه بنظرة كاشفة للحل): يا جماعه اهدؤوا.
فتى4(يغيب في ضحكة مجلجلة): نسقيه شرابا منوما ونجتمع حوله وندعي الحزن والبكاء ونعلن موته.
فتى1(محتارا): إذا اكتشف طبيب القرية انه نائم.
فتى4 (صيغة من توصل إلى خلاصة حتمية): بل نتفق معه على ورقة الدفن ونطلعه على الخطة، لأنّ الكل مستاء من تصرفاته.
الثالث (باندفاع): ولو علم أهل القرية أنّ هذا العمل فيه خير للجميع لتعاونوا معنا.
فتى2(مؤيدا بقوة): نعم أنها فكرة جيدة.
فتى2 (قلقا): ما الفائدة من موته أم نومه المؤقت؟
فتى4 بتروٍ: نستدعي إمام الجامع لإتمام إجراءات الجنازة والدفن.
فتى1(جلجل بصرخة): لكن إذا دفن حيّا يموت وهذه جريمة قتل.
فتى4 (وزّع نظراته بينهم): نشرح للإمام خطتنا، ونتولى الدفن.
الأول: نطمر نصفه الأسفل في التراب ويتركه الجميع.
الثالث (بنبرة ثابتة): وبعد ذك يستيقظ نبهان ويرى نفسه في القبر فيخرج بصعوبة والكفن يلفه، ليعود إلى القرية وتبدأ معاناته الحياتية.
الجميع (بصوت زاعق): فكرة رائعة، يحيا الذكاء من أجل الحياة .( أغنية جماعية تعبر عن انتصاره، ثمّ يخرج الجميع وتغلق الستارة)
تبقى الستارة مغلقة، يحاور الأولاد بعضهم، فتى1يطل من شقّ الستارة وفتى2 يقف بين المتفرجين.
فتى2: هيا اخبروني، هل نفذتم الخطة كما رسمناها؟
الأول(يصف ما يحدث داخل المسرح): لقد أعطيناه منوما وصبغنا وجهه بقليل من اللون الأصفر حتى تبدو عليه ملامح الموت، ها هو طبيب القرية يكشف عليه ويدّعي بأنه ميت.
فتى2 مسرورا: حسنا فالخطة تسير على ما يرام.
فتى1واصفا باهتمام: إنهم يجهزونه للدفن، لقد أنزلوه القبر وأهالوا كمية من التراب على نصفه السفليّ، انصرف الجميع.
فتى2 بارتياح: هيا، نعلن موت نبهان النهمان (تفتح الستارة)
يظهرالثالث (برويّة):يجب أن نلقنه درسا في كيفية التعامل مع أهل القرية.
فتى2 باهتمام : عليه ترك الأنانية الفظة والشح الذي ينشرالبغضاء في الصدور.
الثالث: سنتركه يحيا وحيدا، ونعلّمه كيف تكون الحياة بلا حبّ الناس.
الأول: الحياة بالمحبة والعطاء جميلة، وحياة الأنانية البغيضة كئيبة.
فتى2 قلقا:متى سيصحو؟(ينظر بعيدا) ها هو قادم،( يخرج الأولاد)
يظهر نبهان، ملتفا بقطع من القماش(الكفن) ينظر حوله بذهول، متسائلا بنكران: أين إنا؟ آه، لقد خرجت من الحفرة بصعوبة، كدت اختنق، لكن لماذا كنت في حفرة والتراب فوقي،(ينظر إلى نفسه باستغراب) ما هذا الرداء؟ كل الدلائل تشير إلي إني كنت موجودا في قبر، آه تذكرت، بالأمس نمت نوما ثقيلا لا أدري سببه، فاعتقدوا أني ميت، فدفنوا نصفي الأسفل، أمر غريب، لكن هذا من حسن حظي، الحمد لله استطعت الخروج، لكن كأن القرية غير مأهولة وساحتها خاوية تماما، هل مات أهلها؟ وأنا الحيّ الوحيد، أمرهم غريب! ثمّ ينادي: يا أهل القرية أنا نبهان، ما زلت حيّا، اقبلوا إليّ، هل حلّت بكم كارثة؟ كيف أعيش وحيدا في هذه القرية،الحقيقة هذا أفضل الوحدة سعادة بالنسبة لي، كي لا ينظروا إلى طعامي ولا أرى نظرات الحسد في عيونهم وارتاح من توسلاتهم وطلباتهم الكثيرة.
تظهر مجموعة أولاد لتؤدي أغنية تدل على فرحهم بالخلاص من نبهان وتعبر عن تفاؤلهم بحياة رغيدة بعد موت نبهان (بعد الانتهاء من الأغنية
يقف نبهان بينهم ضاحكا قائلا: يا أغبياء، أنا ما زلت حيا، انظروا إليّ، كنت نائما واعتقدتم أني ميت، يتظاهر الأولاد بعدم سماع أي صوت ويأخذون باللعب والضحك، ويزداد غضب نبهان قائلا: أنا مازلت حيّا، ألا تخافون مني؟ ألا تهتمون لوجودي؟
الأول( يهمس بهم): تذكروا، يجب أن نوهمه أننا لا نراه ولا نسمعه ونشعره أنه ميت.
فتى2 بفرح: الحمد لله، موت نبهان يعطينا فرصة للعيش بسعادة.
فتى2(مؤكدا): لقد تخلصنا من جشعه وطمعه.
فتى 3(يده على خاصرته مائلا في وقفته): ونستطيع أن ندخل قصره ونلعب في ساحته الجميلة ونأكل من الثمار الشهية دون خوف وهلع.
فتى4 (يكلم نفسه بهدوء): بموته ستصبح خيرات القرية من حق أهلها.
يعلنون بصوت واحد: الآن عادت إلينا حقوقنا، لن نعود للتسول والجوع، ولن نسكن الأكواخ الحقيرة وسنرتدي الملابس الجديدة.
الأول( في جدية خالصة): سنترك التسكع في الشوارع ونلتحق بالتعليم.
فتى2(باهتمام): من حقنا أن نحيا بكرامة، ولا نعمل بالأعمال الشاقة.
يصرخ نبهان ويلقي عليهم إطلالة حائرة: يا أغبياء أنا حيّ، ما بكم لا تشعرون بي(يمشي وراءهم، كلما تحركوا، ولكنهم لا يهتمون به وكأنه غير موجود) يجلس على الأرض صارخا : يا ويلي يبدو إنّي طيف، لا احد يراني ولا يسمعني، هل أنا موجود أو غير موجود،(يجلس القرفصاء) أنا أراهم واشعر بهم واسمع أصواتهم، كم هذا محزن، كيف سألعنهم وهم لا يشعرون بي، لكنّ أهل القرية سعداء بدوني، خاصة الأولاد، أأنا شرير لهذه الدرجة؟ نبهان يطرق معاتبا نفسه:أنا سيء للغاية، هذه حقيقة، كنت امنع عنهم الطعام وانفرد به، أحرمهم الكساء واللهو، واجعلهم يعملون ليلا نهارا صغيرهم وكبيرهم، أنا آخذ الكثير من حقوقهم، وأعطيهم القليل بل الفتات، كنت جشعا، عليّ أن اعترف بالحقيقة، أنا أنانيّ طمّاع، لهم الحق كلّ الحق بما فعلوه بي، لقد فرحوا لموتي، ولكنّي حائر كيف أكون ميتا وأنا اشعر بالحياة تدب في عروقي، كيف أراهم ولا يروني، كيف اسمعهم ولا يسمعوني، لقد كنت استمتع بعذابهم، والآن أنا أموت قهرا بكلّ لحظة، لأنهم لا يهتمون بي، حين كنت أرى العذاب والقهر في عيونهم أشعر بسعادة غامرة، الآن أتعذب وأتألم مثلما كانوا يتألمون ويتعذبون، ما أصعب الألم والقهر والوحدة، كم كنت لئيما، مساكين تحمّلوا مني الكثير،والآن جاء دوري في العذاب، بينما هو واقف مرّ من أمامه أحد شباب القرية يحاكيه قائلا: أنا نبهان، أنا حيّ هل تراني، سأعطيك ما تريد، هل تراني، قل شيئا! لكن الشاب لا يلتفت إليه وكأنه غير موجود ثم تمر امرأة عجوز، يكلمها: استمعي إلي سأجعلك تأكلين من طعامي بل كلّ طعامي، انظري إلي وتحدثي معي(لكن العجوز تسير بلا اهتمام).
يجلس نبهان على الأرض حزينا باكيا: يا ويلي الآن أنا منبوذ، الحياة حولي ولا أحياها، أنا استحقّ كلّ هذا، لقد كنت قاسيا وذاقوا بسبب جشعي ألوانا من الحرمان، هذه هي النتيجة، موجود في الحياة وميت في نظر الناس، حي ميت ، يا الله ارحمني، هذا نتيجة عملي وأنا استحق هذا، كما قال احدهم:إن من لم يعط ما أعطته الحياة فإنه أحمق لا يستحق الحياة، آه، آه، ما هذا العذاب يا ربي، أنا لا شيء.
يهبّ واقفا بنباهة: لكن، لا، سأحاول من جديد، يجب أن تكون أمامي فرصة لعمل شيء ما، لم لا أكون كريما، أوزع الخيرات والأموال، فسأعطي من يستحق، يجب أن أتغيّر، لكن كيف سيعرفون أنّ هذا من عندي، لدي فكرة أنا عندي أموال كثيرة وذهب ولا احد يعرف مكانه، سأدخل قصري واجمع أموالي في أكياس صغيرة وأتجول في القرية وإن رأيت متسولا أو محتاجا أرمي له كيسا وبداخل الكيس ورقة "صدقة من نبهان"(يخرج).
يظهر نبهان عند نافذة القصر، يحمل أكياسا صغيرة.
يمر تحت النافذة الشحاذ مبروك: يا ليت لدي بعض النقود، أطفالي جياع عراة (يرمي نبهان له كيسا) يقول باندهاش: لا أصدق هذا،أموال ومكتوب عليها بطاقة صدقة من نبهان، الله يرحمك يا عم نبهان يا رجل الخير.
تمرّ عجوز: الفقر أقعدني وأولادي جياع، إيه أيام كنت أعمل في بيت نبهان كنت أتقاضى القليل، لكنّه يسدّ الرمق أما الآن فلا شيء.
يرمي نبهان بين يديّ العجوز كيسا من المال وآخر من الثياب،(في دهشة مما يحدث): أموال وملابس من نبهان، أمر لا يصدق، الله يرحمك يا سيد نبهان، جزاك الله عنّا كلّ خير في الدنيا والآخرة.
تظهر مجموعة من الناس يتحاورون بينهم بأصوات غير واضحة ثمّ يقول أحدهم: أمر غريب ما يحدث بيننا هل سمعتم عن الخير الذي عم البلد؟
الجميع(بصوت واحد عال) : سمعنا
فتى2 باعتزاز:ما نتمناه يصلنا وعليه بطاقة مكتوب عليها "صدقة من نبهان"
امرأة (فرحة): بالأمس وقع ولدي في حفرة وقيل أن هناك يدا ضخمة قوية امتدت وأنقذته، هذا أمر غريب عم نبهان الذي كنا بوجوده نعيش في حالة يرثى لها من الفقر، نحن الآن ننعم بأشياء كثيرة ولم نعد نعاني من الحرمان وكل شيء يأتينا باسم نبهان.
فتى2( فرحا): عمّت السعادة في كل بيت، الحقيقة إنّه إنسان يستحق الدعاء له.
الثالث ( بفخر): كم أحب هذا الإنسان!!
فتى4 (باندفاع): وأنا أكنّ له كل حب وتقدير، هيا نحييه بأغنية محبة.
(أغنية تعبر عن دور التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع)
يظهر نبهان مناجيا نفسه: ليتكم تروني كما أراكم يا أحبائي.
يطلقون صوتا واحدا: نحن نراك ونسمعك يا عم نبهان.
نبهان(مستغربا): أحقيقة ما تقولون؟ ألست في نظركم إنسان ميت.
الأولاد بفرح عظيم: كلا، أنت على قيد الحياة، أنت إنسان المحبة والخير.
نبهان(مبتسما):الحيرة تقلقني لقد كنتم لا ترونني ولا تشعرون بي.
الثالث(يحتضنه بحب): نحن تجاهلنا وجود الكائن الشرير الذي في داخلك ليفنى ويعود كائن الخير المتأصل بالفطرة في داخل كل إنسان.
نبهان (يضع يده على صدره امتنانا وينحني انحناءة خفيفة): الآن أدركت هدفكم وأشكركم لأنكم جعلتم السعادة تغمرني والمحبة كشجرة تنمو داخلي، قد أدركت معنى الحياة عندما رأيت السعادة في عيونكم، كم هي جميلة ورائعة بالمحبة والخير وكم هي قاسية بالشر والقسوة، إنا منكم ولكم، سأتنازل عن كلّ أموالي وممتلكاتي لعمل الخير ومن أجل الخير ومن أجل الطفولة التي هي الأمل والخير للمستقبل الواعد وسأساعدكم لاستثمار مشاريع منتجة من أجل تحسين مستوى المعيشة في القرية، ما أسعدني بكم! لقد أدركت أن الحياة بدون خير ومحبة وتعاون لا تكون حياة وان مت سأترك لكم ذكرى طيبة وسمعة حسنة. (يضع نبهان يده على صدره من شدة الألم ثمّ يقع على الأرض ميتا.)
يجتمع حوله الأولاد: إنّه لا يتحرك، جسمه بارد، الآن مات العم نبهان رجل البر والتقوى (سيطر الحزن عليهم).
ويقف احدهم: عم نبهان لم يمت بل هو حيّ في قلوبنا، وذكراه الطيبة العطرة تملأ الأجواء وستبقى للأبد، ادعوا له بالرحمة وأن يبني الله له قصرا في الجنة، لأنه رجل الخير والتقوى وتختم بأغنية جماعية.
المشهد الأول
الشخصية الرئيسة: نبهان النهمانالشخصيات الثانوية : الخادم العجوز ،مبروك الشحاذ، أربعة أولاد.
ترفع الستارة عن لوحة تتصدر المسرح رُسم فيها بيوت قروية فقيرة وقصر فخم، تظهر مجموعة من الأولاد ثيابهم رثه واضعين أيديهم على بطونهم من قسوة الجوع، يتجمهرون حول قصر الثريّ: يا سيّد نبهان الجوع أهلكنا ،هم،هم،هم،نريد طعاما،أشفق علينا يا كريم.
يطلّ من نافذة القصر رجل سمين(غاضبا): يا لشراهتكم أيها السفهاء، من قال لكم إني أوزع الطعام على فقراء القرية؟ انصرفوا بعيداً عني، وإلا رميت عليكم القاذورات، هيا ابتعدوا (يغلق النافدة).
يتفرق الأولاد خوفا من صراخ نبهان ثم يعودون لتقديم أغنية "أسق العطاش تكرما" مع أداء حركيّ يعبر عن حاجات الأولاد(يخرجون).
يظهر نبهان وسط الساحة وبيديّه بعض الفاكهة (مستنكرا): هل أنا مسؤول عن جوعهم، هذه الحثالة الضالة من أهل القرية، ما أطمعهم! (يأكل بشراهة اللئام)، ينظرون بحسد إلى ما بيدي من طعام، الاستجداء هذا المرض اللعين في دمائهم، ألا يوجد غيري لديه كمية بسيطة من الطعام لا تكاد تكفيني، كم أنا مسكين حتى أن صحتي في تدهور مستمر، والسبب عيونهم الحسودة وأنفسهم الجشعة،أعوذ بالله (يضرب كفا بكفٍ ويعلو صوته مناديا: يا أم الويل،الويل لك هل أعددت الطعام؟
تظهر عجوز (ترتجف رعبا):نعم سيدي، أعددت لك أشهى الأطعمة.
نبهان(يقهقه مسرورا): هيا أخبرني، ماذا أعددت من أطايب الطعام؟
العجوز (متغافلة عن فهم رغبته): سامحني، اليوم لم أستطع أن أعد الكمية الكافية التي تلبي حاجتك من الطعام، لأنّي متوعكة قليلا.
نبهان(منفعلا يبصق على الأرض): ماذا تقولين يا لئيمة أنك بلا شك تهذين، وأنت متآمرة عليّ مع هؤلاء الفتية، هم يريدون طعامي وأنت تقللين الكمية، تريدون أن أموت جوعا يا لئام، ماذا أعددت؟
العجوز( مضطربة): سامحني يا سيدي، أعددت فقط خمس دجاجات محمرة، وفخذ خروف مع الأرز والسلطات والمقبلات.
نبهان( بشراسة ولؤم) يا لئيمة،أ تريدين أن أموت جوعا!( يدق الأرض بقدميه): وهل تذوقت شيئا من الطعام؟
العجوز( ترفع كفها): أقسم بالله لم أتذوق شيئا بل شممت الرائحة فقط؟
نبهان(يهزّ كتفها): يا خسيسة، شممت الرائحة، ألم أقل لك استعملي الغطاء الواقي للأنف كي لا تستمتعي بالرائحة الشهية وتزين نفسك بتناول شيء من الطعام، إياك ثم إياك أن تقومي بهذه الفعلة الشنعاء.
تنحني العجوز قليلا: سيدي سأنفذ أوامرك واستعمل غطاء الأنف.
نبهان مناديا: سلمان، أحضر بعض فاكهة البستان لأفتح شهيتي.
تظهر مجموعة الأولاد راجية: يا عم نبهان، بستانك أشجاره وارفة وثماره ناضجة، دعنا نتقيأ ونلهو في نعم الله التي أنعماها عليك.
نبهان متسائلا في نكران: ماذا تقولون؟ هل جننتم، ويحكم يا فتية الأزقة القاتمة، ويلكم مني لو ألقيت القبض عليكم.
فتى نحيف(مستعطفا): انظر يا عم نبهان إلى ملابسي إنها ممزقه وبالية أعطني مما عندك، فلديك الكثير من ملابس أولادك الجديدة.
نبهان(ثائرا يلوح بذراعية): ما هذه الوقاحة، اغربوا عني، عريكم خداع، لن أهب لكم الملابس ها،ها،ها.(يخرج الأولاد)
يتحرك نبهان وسط الساحة جيئة وذهابا متذمراً متأففاً يضرب بذراعيه على جنبيه، يظهر الأولاد يحملون كراسات وأقلام: عم نبهان الكريم، نريد مدرسة ومعلما، فلديك المال الكثير.
نبهان (ضجرا بطلباتهم): ماذا، تريدون مدرسة ومعلما،هل أصابكم الخبل؟ انصرفوا وإلا كسّرت العصا على رؤوسكم الفارغة.
يدور نبهان حول نفسه ضاربا كفا بكف: ماذا أصاب أولاد القرية؟ هل لهم عندي حقوق، إنها أموالي أتمتع بها وحدي، كيف يجرؤون على ذلك؟ (في سخرية لاذعة): مؤكد أنا احلم، بل أعيش كابوسا مريعا، ِلمَ يطالبونني بالغذاء والكساء والتعليم والعلاج وحدائق الترفيه؟
الأولاد بصوت واحد: نريد المعاملة الحسنة وتلبية احتياجاتنا، ورعاية الأيتام والمعاقين، ألسنا رجال الغد وبناة الوطن؟ من حقنا أن نعيش بكرامة.
نبهان( بعصبية): حقا، هم مجانين، ويثيرون أعصابي،لا أصدق ما يريدون!! بيوتا صحيّة بدل العيش بالأكواخ الحقيرة.
نبهان(تأخذه نوبة سعال خانقة): لن أحقق لكم هذه المطالب،لا وألف لا.
يدور الأولاد حوله في حركة دائرية، وهو في حالة هذيان،على إيقاع موسيقي صاخب، ثمّ يرفع العصا ويصيح بهستيريّة: أوغاد، إياكم والعودة إلي هنا، سأقطعكم إرباً إرباً، مجانين، من أين جئتم بهذه الأفكار اللعينة، كلام فارغ(يحمل القاذورات يرميها عليهم)( يخرج).
فتى1 (مقطبا جبينه): هذا الرجل يتسبب لنا بالأذى.
فتى2(بصوت محايد): كثير البخل!! يجب أن نقوم بثورة ضده.
فتى3( يضحك بمرارة): يستحوذ على مقدراتنا، وكأنّ الكون مسخر له!!
فتى4(مهموما): لم تنجُ البيئة من أذاه، إنّه يلوث الهواء بدخان نارجيلته.
فتى1(بقهر): أنه يتمتع بخيرات قريتنا ونحن ننظر إليه وقد أهلكنا الجوع.
فتى2(اشتدت ملامحه): يختزن الأموال ولا ينفقها علينا، ولنا فيها حقوق.
فتى 3(محتدا): إنّه لا يفكر إلا في نفسه.
فتى4(مسترسلا في طرح الحلول): يجب أن نفكر بطريقة ما، نلقنه فيها درسا، ونعلمه كيف يحب الناس ويتعاطف معهم ويعطيهم حقوقهم.
فتى1(بصورة قاطعة): يجب أن يتغير نبهان النهمان إلى إنسان كريم وعطوف، لأن هذه الأموال التي يكنزها ليست من حقه وحده بل هي أموالنا، جناها من خيرات القرية، يجب أن يستمتع بها الجميع، علينا التفكير في حل من أجل التغيير.ولن نأخذها عنوة بل بإرادته وعن طيب خاطر.
يظهر الأولاد في حالة يأس يفكرون ثمّ يجلسون على الأرض مكونين حلقة، وإذ بأحدهم يقفز من نافذة نبهان ويركض وراءه أحد الخدم بعصا ويضربه بها، فيقفز بشكل دحرجة أمامية إلى وسط الدائرة واقفا، وكل من حوله مذهولاً به وبصوت واحد: ماذا حدث لك يا عم مبروك ؟
يقف مبروك متألماً: آخ، آخ، ظهري، قدماي،آه، عيني، كسروني الأنذال.
الأولاد( باستغراب وذهول): خير، خبّر ماذا حدث لك؟
مبروك( يأخذ أنفاسا بطيئة وعميقة يعاود سعاله وتأوهه): كنت نائما تحت شجرة غير مثمرة قرب بيت نبهان النهمان، وكما تعلمون أنني فقير لا أملك شروى نقير، وفجأة تسربت إلى أنفي رائحة شواء، فأثارتني إلى حد العواء،وجعلتني أقف على قدميّ صائحا: أخ يا بطني ما أشهى هذه الرائحة، ولكن من أين هي قادمة، وانطلقت مسرعا لاهثا إلى مصدرها لأعرف مخبرها، وعرفت، وبسرعة تصرفت وبقليل من الحيلة وجدت الوسيلة وبخفة جريئة وجدت نفسي داخل بيت نبهان النهمان وفي غرفة الطعام، ويا لهول ما رأيت يا كرام، عيناي سددتهما إلى محجريهما خوفا من أن تقفزا إلى طاولة الطعام، صعقت فشهقت وأخذت فرائصي ترتعد، وأمعائي تخفق جوعا،يا الله!ّ خروفاً محشواً يتربع وسط المائدة وأبخرة الشواء تنبعث منه نافذة إلى أعماقي الجائعة وحوله أصناف السلطات والمأكولات المقبلات، والعم نبهان في صراع اللئام مع الطعام وبحركة سريعة وجدت نفسي مستأنساً بجوار الخروف مستأسدا بنهم، والعم نبهان النهمان فاغراً فاه وعيناه تدوران بمحجريهما متسائلا"إنس أم جان؟ من أين أتيت؟ من دعاك إلى مائدتي ومشاركتي وليمتي؟" أجبته متقافزا بخفة ولعابي يسيل"الله سبحانه وتعالى دعاني وهذا رزق أتاني" ولم تتوقف يداي عن جمع النعم، وفمي عن زرد اللقم، في البداية اهتز وارتجف ودبّ الخوف في عروقه ،واعتراه الذهول والوجل" مرددا: جنيّ يقتحم مائدتي" وأنا أنهل مما لذ وطاب، وانتزع لحم الخروف انتزاعا، بالعاً لقيمة وأخرى في كيسي، فرصة لن تعوّض وأنا موقن بالنتيجة، بعد أن اخبره احدهم أني "مبروك الشحاذ"،هدأت أوصاله، رماني بنظرة رهيبة حسبتها مميتة صارخا بغضب"ها،ها، أنت المبروك، أنت الشحاذ؟ وأصبح كثور هائج، شتائمه أغرقتني، وأشار إلى الخدم "خذوه واضربوه وفي قارعة الطريق ارموه، أريد لهذه الكمية من الطعام إن تخرج من جوفه" ولم أر إلا لكمات وكدمات رفس، وقرص، وعض، وعمّ الظلام، وكأنني اشتهيت هذه العلقة فشبعت منها، وفي النهاية وصلت إليكم بهذه الدحرجة الأمامية، ألم تكن رائعة، أدام الله فضلكم ولا أذاقكم مثلها أبدا، وقام متمايلا متألما: سأذهب لآكل ما خبأته في اللحظات البيضاء لهذه اللحظات السوداء(يخرج). ويغني الأولاد" تضربني على أكلة وتجور"مع حركات إيقاعيّة تعبر عن الموقف.
يعقد الأولاد اجتماعا للتشاور في قضية هذا المستبد الطمّاع.
الأول(عاقدا بين حاجبيه): يجب أن نلقنه درسا في الكرم، من دون سب وضرب وخدش وتأديب وتعذيب.
فتى2(يقوم بحركات تمثل فكرته):عندي فكرة نعرقله فيقع فتأتني بحبل ونشد وثاقه بحبل متين وندخل بيته ونطعمه كميات هائلة من الطعام حتى يكره الطعام ويشعر انه علينا ان نشاركه الطعام حتى لا يصاب بالتخمة.
الثالث(مترددا): بل نقيده ونجره إلى مكان مهجور ونتركه أياما بلا طعام، ليشعر بألم الجوع الحقيقي، فيطعمنا.
فتى4(مستاء): لكن، هل علاقة الإنسان في هذه الحياة جوع وشبع؟ هناك سلوكيات لها علاقة بالخلق الكريم.
الأول( بنباهة): طبعا لا هناك سلوكيات أو طباع كثيرة يجب أن يعتاد عليها الإنسان، أين لطف القول وأدب المعاملة والأخلاق العالية واحترام الآخرين والمشاركة الوجدانية والتعاون والإيثار وووو..
فتى2( باهتمام): نريده أن يتغير نوعا، ويصبح إنسانا بمفهوم الإنسانية، له قلب طيب عطوف يفكر بغيره قبل أن يفكر بنفسه.
فتى2(في هياج يخالف صوته الحقيقي): يجب أن نتعامل معه وكأنّه لبنة من مجتمعنا القروي البسيط وليس جزءا أنانيا مدمرا بل إنسانا.
الثالث( بحكمة بالغة): يعني، أن يموت فيه الإنسان الأناني الجشع ويحيا الإنسان الطيب الكريم، لإعادة تكوين شخصيته من جديد.
فتى2 يائسا: اعتقد أن هذا مستحيل.
فتى4 (مزيلا للإبهام): نجعله يتوهم انه ميت في نظر الناس.
فتى1(محتارا): كأنّك تقص علينا لغزا أو أحجية.
فتى2 ( بابتسامة حائرة): كلامك غير مفهوم يا صديقي.
الثالث : أوضح لنا الفكرة،.يبدو أن خيالك واسع.
فتى4 (رفع يده للتمهل): أعطوني فرصة لتوضيح الفكرة، فالخطة بدأت تترابط في ذهني،(يفكرا للحظات ثمّ يعلو صوته) إليكم الخطة!
الجميع بصوت واحد: ما الخطة، اسرد خطط ذكائك المتقد؟
الأول(أحاطه بنظرة كاشفة للحل): يا جماعه اهدؤوا.
فتى4(يغيب في ضحكة مجلجلة): نسقيه شرابا منوما ونجتمع حوله وندعي الحزن والبكاء ونعلن موته.
فتى1(محتارا): إذا اكتشف طبيب القرية انه نائم.
فتى4 (صيغة من توصل إلى خلاصة حتمية): بل نتفق معه على ورقة الدفن ونطلعه على الخطة، لأنّ الكل مستاء من تصرفاته.
الثالث (باندفاع): ولو علم أهل القرية أنّ هذا العمل فيه خير للجميع لتعاونوا معنا.
فتى2(مؤيدا بقوة): نعم أنها فكرة جيدة.
فتى2 (قلقا): ما الفائدة من موته أم نومه المؤقت؟
فتى4 بتروٍ: نستدعي إمام الجامع لإتمام إجراءات الجنازة والدفن.
فتى1(جلجل بصرخة): لكن إذا دفن حيّا يموت وهذه جريمة قتل.
فتى4 (وزّع نظراته بينهم): نشرح للإمام خطتنا، ونتولى الدفن.
الأول: نطمر نصفه الأسفل في التراب ويتركه الجميع.
الثالث (بنبرة ثابتة): وبعد ذك يستيقظ نبهان ويرى نفسه في القبر فيخرج بصعوبة والكفن يلفه، ليعود إلى القرية وتبدأ معاناته الحياتية.
الجميع (بصوت زاعق): فكرة رائعة، يحيا الذكاء من أجل الحياة .( أغنية جماعية تعبر عن انتصاره، ثمّ يخرج الجميع وتغلق الستارة)
تبقى الستارة مغلقة، يحاور الأولاد بعضهم، فتى1يطل من شقّ الستارة وفتى2 يقف بين المتفرجين.
فتى2: هيا اخبروني، هل نفذتم الخطة كما رسمناها؟
الأول(يصف ما يحدث داخل المسرح): لقد أعطيناه منوما وصبغنا وجهه بقليل من اللون الأصفر حتى تبدو عليه ملامح الموت، ها هو طبيب القرية يكشف عليه ويدّعي بأنه ميت.
فتى2 مسرورا: حسنا فالخطة تسير على ما يرام.
فتى1واصفا باهتمام: إنهم يجهزونه للدفن، لقد أنزلوه القبر وأهالوا كمية من التراب على نصفه السفليّ، انصرف الجميع.
فتى2 بارتياح: هيا، نعلن موت نبهان النهمان (تفتح الستارة)
يظهرالثالث (برويّة):يجب أن نلقنه درسا في كيفية التعامل مع أهل القرية.
فتى2 باهتمام : عليه ترك الأنانية الفظة والشح الذي ينشرالبغضاء في الصدور.
الثالث: سنتركه يحيا وحيدا، ونعلّمه كيف تكون الحياة بلا حبّ الناس.
الأول: الحياة بالمحبة والعطاء جميلة، وحياة الأنانية البغيضة كئيبة.
فتى2 قلقا:متى سيصحو؟(ينظر بعيدا) ها هو قادم،( يخرج الأولاد)
يظهر نبهان، ملتفا بقطع من القماش(الكفن) ينظر حوله بذهول، متسائلا بنكران: أين إنا؟ آه، لقد خرجت من الحفرة بصعوبة، كدت اختنق، لكن لماذا كنت في حفرة والتراب فوقي،(ينظر إلى نفسه باستغراب) ما هذا الرداء؟ كل الدلائل تشير إلي إني كنت موجودا في قبر، آه تذكرت، بالأمس نمت نوما ثقيلا لا أدري سببه، فاعتقدوا أني ميت، فدفنوا نصفي الأسفل، أمر غريب، لكن هذا من حسن حظي، الحمد لله استطعت الخروج، لكن كأن القرية غير مأهولة وساحتها خاوية تماما، هل مات أهلها؟ وأنا الحيّ الوحيد، أمرهم غريب! ثمّ ينادي: يا أهل القرية أنا نبهان، ما زلت حيّا، اقبلوا إليّ، هل حلّت بكم كارثة؟ كيف أعيش وحيدا في هذه القرية،الحقيقة هذا أفضل الوحدة سعادة بالنسبة لي، كي لا ينظروا إلى طعامي ولا أرى نظرات الحسد في عيونهم وارتاح من توسلاتهم وطلباتهم الكثيرة.
تظهر مجموعة أولاد لتؤدي أغنية تدل على فرحهم بالخلاص من نبهان وتعبر عن تفاؤلهم بحياة رغيدة بعد موت نبهان (بعد الانتهاء من الأغنية
يقف نبهان بينهم ضاحكا قائلا: يا أغبياء، أنا ما زلت حيا، انظروا إليّ، كنت نائما واعتقدتم أني ميت، يتظاهر الأولاد بعدم سماع أي صوت ويأخذون باللعب والضحك، ويزداد غضب نبهان قائلا: أنا مازلت حيّا، ألا تخافون مني؟ ألا تهتمون لوجودي؟
الأول( يهمس بهم): تذكروا، يجب أن نوهمه أننا لا نراه ولا نسمعه ونشعره أنه ميت.
فتى2 بفرح: الحمد لله، موت نبهان يعطينا فرصة للعيش بسعادة.
فتى2(مؤكدا): لقد تخلصنا من جشعه وطمعه.
فتى 3(يده على خاصرته مائلا في وقفته): ونستطيع أن ندخل قصره ونلعب في ساحته الجميلة ونأكل من الثمار الشهية دون خوف وهلع.
فتى4 (يكلم نفسه بهدوء): بموته ستصبح خيرات القرية من حق أهلها.
يعلنون بصوت واحد: الآن عادت إلينا حقوقنا، لن نعود للتسول والجوع، ولن نسكن الأكواخ الحقيرة وسنرتدي الملابس الجديدة.
الأول( في جدية خالصة): سنترك التسكع في الشوارع ونلتحق بالتعليم.
فتى2(باهتمام): من حقنا أن نحيا بكرامة، ولا نعمل بالأعمال الشاقة.
يصرخ نبهان ويلقي عليهم إطلالة حائرة: يا أغبياء أنا حيّ، ما بكم لا تشعرون بي(يمشي وراءهم، كلما تحركوا، ولكنهم لا يهتمون به وكأنه غير موجود) يجلس على الأرض صارخا : يا ويلي يبدو إنّي طيف، لا احد يراني ولا يسمعني، هل أنا موجود أو غير موجود،(يجلس القرفصاء) أنا أراهم واشعر بهم واسمع أصواتهم، كم هذا محزن، كيف سألعنهم وهم لا يشعرون بي، لكنّ أهل القرية سعداء بدوني، خاصة الأولاد، أأنا شرير لهذه الدرجة؟ نبهان يطرق معاتبا نفسه:أنا سيء للغاية، هذه حقيقة، كنت امنع عنهم الطعام وانفرد به، أحرمهم الكساء واللهو، واجعلهم يعملون ليلا نهارا صغيرهم وكبيرهم، أنا آخذ الكثير من حقوقهم، وأعطيهم القليل بل الفتات، كنت جشعا، عليّ أن اعترف بالحقيقة، أنا أنانيّ طمّاع، لهم الحق كلّ الحق بما فعلوه بي، لقد فرحوا لموتي، ولكنّي حائر كيف أكون ميتا وأنا اشعر بالحياة تدب في عروقي، كيف أراهم ولا يروني، كيف اسمعهم ولا يسمعوني، لقد كنت استمتع بعذابهم، والآن أنا أموت قهرا بكلّ لحظة، لأنهم لا يهتمون بي، حين كنت أرى العذاب والقهر في عيونهم أشعر بسعادة غامرة، الآن أتعذب وأتألم مثلما كانوا يتألمون ويتعذبون، ما أصعب الألم والقهر والوحدة، كم كنت لئيما، مساكين تحمّلوا مني الكثير،والآن جاء دوري في العذاب، بينما هو واقف مرّ من أمامه أحد شباب القرية يحاكيه قائلا: أنا نبهان، أنا حيّ هل تراني، سأعطيك ما تريد، هل تراني، قل شيئا! لكن الشاب لا يلتفت إليه وكأنه غير موجود ثم تمر امرأة عجوز، يكلمها: استمعي إلي سأجعلك تأكلين من طعامي بل كلّ طعامي، انظري إلي وتحدثي معي(لكن العجوز تسير بلا اهتمام).
يجلس نبهان على الأرض حزينا باكيا: يا ويلي الآن أنا منبوذ، الحياة حولي ولا أحياها، أنا استحقّ كلّ هذا، لقد كنت قاسيا وذاقوا بسبب جشعي ألوانا من الحرمان، هذه هي النتيجة، موجود في الحياة وميت في نظر الناس، حي ميت ، يا الله ارحمني، هذا نتيجة عملي وأنا استحق هذا، كما قال احدهم:إن من لم يعط ما أعطته الحياة فإنه أحمق لا يستحق الحياة، آه، آه، ما هذا العذاب يا ربي، أنا لا شيء.
يهبّ واقفا بنباهة: لكن، لا، سأحاول من جديد، يجب أن تكون أمامي فرصة لعمل شيء ما، لم لا أكون كريما، أوزع الخيرات والأموال، فسأعطي من يستحق، يجب أن أتغيّر، لكن كيف سيعرفون أنّ هذا من عندي، لدي فكرة أنا عندي أموال كثيرة وذهب ولا احد يعرف مكانه، سأدخل قصري واجمع أموالي في أكياس صغيرة وأتجول في القرية وإن رأيت متسولا أو محتاجا أرمي له كيسا وبداخل الكيس ورقة "صدقة من نبهان"(يخرج).
يظهر نبهان عند نافذة القصر، يحمل أكياسا صغيرة.
يمر تحت النافذة الشحاذ مبروك: يا ليت لدي بعض النقود، أطفالي جياع عراة (يرمي نبهان له كيسا) يقول باندهاش: لا أصدق هذا،أموال ومكتوب عليها بطاقة صدقة من نبهان، الله يرحمك يا عم نبهان يا رجل الخير.
تمرّ عجوز: الفقر أقعدني وأولادي جياع، إيه أيام كنت أعمل في بيت نبهان كنت أتقاضى القليل، لكنّه يسدّ الرمق أما الآن فلا شيء.
يرمي نبهان بين يديّ العجوز كيسا من المال وآخر من الثياب،(في دهشة مما يحدث): أموال وملابس من نبهان، أمر لا يصدق، الله يرحمك يا سيد نبهان، جزاك الله عنّا كلّ خير في الدنيا والآخرة.
تظهر مجموعة من الناس يتحاورون بينهم بأصوات غير واضحة ثمّ يقول أحدهم: أمر غريب ما يحدث بيننا هل سمعتم عن الخير الذي عم البلد؟
الجميع(بصوت واحد عال) : سمعنا
فتى2 باعتزاز:ما نتمناه يصلنا وعليه بطاقة مكتوب عليها "صدقة من نبهان"
امرأة (فرحة): بالأمس وقع ولدي في حفرة وقيل أن هناك يدا ضخمة قوية امتدت وأنقذته، هذا أمر غريب عم نبهان الذي كنا بوجوده نعيش في حالة يرثى لها من الفقر، نحن الآن ننعم بأشياء كثيرة ولم نعد نعاني من الحرمان وكل شيء يأتينا باسم نبهان.
فتى2( فرحا): عمّت السعادة في كل بيت، الحقيقة إنّه إنسان يستحق الدعاء له.
الثالث ( بفخر): كم أحب هذا الإنسان!!
فتى4 (باندفاع): وأنا أكنّ له كل حب وتقدير، هيا نحييه بأغنية محبة.
(أغنية تعبر عن دور التعاون والتكافل بين أفراد المجتمع)
يظهر نبهان مناجيا نفسه: ليتكم تروني كما أراكم يا أحبائي.
يطلقون صوتا واحدا: نحن نراك ونسمعك يا عم نبهان.
نبهان(مستغربا): أحقيقة ما تقولون؟ ألست في نظركم إنسان ميت.
الأولاد بفرح عظيم: كلا، أنت على قيد الحياة، أنت إنسان المحبة والخير.
نبهان(مبتسما):الحيرة تقلقني لقد كنتم لا ترونني ولا تشعرون بي.
الثالث(يحتضنه بحب): نحن تجاهلنا وجود الكائن الشرير الذي في داخلك ليفنى ويعود كائن الخير المتأصل بالفطرة في داخل كل إنسان.
نبهان (يضع يده على صدره امتنانا وينحني انحناءة خفيفة): الآن أدركت هدفكم وأشكركم لأنكم جعلتم السعادة تغمرني والمحبة كشجرة تنمو داخلي، قد أدركت معنى الحياة عندما رأيت السعادة في عيونكم، كم هي جميلة ورائعة بالمحبة والخير وكم هي قاسية بالشر والقسوة، إنا منكم ولكم، سأتنازل عن كلّ أموالي وممتلكاتي لعمل الخير ومن أجل الخير ومن أجل الطفولة التي هي الأمل والخير للمستقبل الواعد وسأساعدكم لاستثمار مشاريع منتجة من أجل تحسين مستوى المعيشة في القرية، ما أسعدني بكم! لقد أدركت أن الحياة بدون خير ومحبة وتعاون لا تكون حياة وان مت سأترك لكم ذكرى طيبة وسمعة حسنة. (يضع نبهان يده على صدره من شدة الألم ثمّ يقع على الأرض ميتا.)
يجتمع حوله الأولاد: إنّه لا يتحرك، جسمه بارد، الآن مات العم نبهان رجل البر والتقوى (سيطر الحزن عليهم).
ويقف احدهم: عم نبهان لم يمت بل هو حيّ في قلوبنا، وذكراه الطيبة العطرة تملأ الأجواء وستبقى للأبد، ادعوا له بالرحمة وأن يبني الله له قصرا في الجنة، لأنه رجل الخير والتقوى وتختم بأغنية جماعية.
انتهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــت