**مخطط الإشغال والتفكيك الجيوسياسي لدول الربيع العربي !!**http://salahabughali.files.wordpress....jpg**بقلم الكاتب السياسي / م. صلاح أبو غالي***عقودٌ مضت ، إمبراطوريات تفككت واندثرت ، وأخرى صعد نجمها وأصبحت تحكم العالم ، زعامات رحلت بفعل الثورات ، وأخرى بفعل القدر ، وكلها مشيئة الله في أرضه ..**تمكنت دول الاستعمار القديم الجديد أن تحاصر وتمزق بل وتفتت الجسد العربي , وشهدنا طيلة العقود الماضية تجريد القدرة العربية من أبسط مقوماتها وبعمل عسكري ومخابراتي منظم ، مستخدمة مختلف الوسائل والإمكانيات لتفكيك القدرة السياسية العربية والعسكرية وإبعاد معظمها قسرياً عن المشهد السياسي ، بل وحرصت الامبريالية العالمية على تجريد معظم هذه الدول من الجيوش القتالية وأبقت على جيوشٍ من ورق للعروض العسكرية فقط ، كما جردتها من أسلحة الردع الاستراتيجي ، هذا إلى جانب وقف قدراتها العلمية ووقف عجلة التطور عند حدود مفروضة ومنعاً لها من التقدم والرقيّ ، ووقف منظومة التسابق الزمني والمكاني لتبقيها بلا حراك كالجثة الهامدة .**كيف لا وقد أرست في بعض الدول العربية قواعد عسكرية تعمل تحت مصطلح “الحرب العالمية على الإرهاب” ، وأخرى تحت مصطلح “حماية المصالح الغربية” وبهذا عملت على اهتراء منظومة الأمن القومي العربي وجعلتها غير مستقرة وأفقدتها قوة الردع بل أصبحت كمن يقف على سطح الماء ويلتحف بالسماء .**تغيَّر الزمن وتغيَّرت الوجوه وتبدَّلت الأفكار والمفاهيم لدى البعض وخاصة الشباب العربي المُثقَّف ، وتحركت في الأفق ملامح الثورة والتمرد ورفض المستعمر ، وما دعا لذلك نزعة الظلم والقهر بفعل الأنظمة المهترئة والخائنة والتي تجثم فوق جسد شعوبها ، وبفعل مُحرِّك آخر قديم جديد ألا وهو التفكيك الجيوسياسي لفلسطين وهدر حقوق شعبها ، والهجمات الاستيطانية المتكرِّرة على أراضي الفلسطينيين ومقدساتهم ، بالإضافة إلى الفعل الأكبر والمُحرِّك الرئيس لتلك الفئة المثقفة ورفض الظلم ألا وهي الحربين الأخيرتين على غزة والتي شنها الاحتلال الصهيوني وأباد الشجر والحجر والبشر دون أدنى حراك من الأنظمة العربية ولا حتى عبارات الشجب أو الاستنكار ، وما زاد الحراك فوق الحراك حصار غزة ومحاولة إبادة شعبها ، فكان لا بد من وقفة وتحرك ونزول للشوارع والتظاهر والمطالبة برفع الظلم والقهر ولجم العدوان ، إلا أن قمع الأنظمة لشعوبها خدمة لأمريكا ودولة الكيان الصهيوني أوجد غضبة شديدة قلبت كل الموازين ، وبمقارنة قدرات الشعب الفلسطيني البسيط وما فعله من مقاومة للمحتل ومقارعته رغم قوته المتعاظمة ووصفه بالجيش الذي لا يقهر ، مقارنة بخوف الشباب العربي من جبابرة العروش والأنظمة الظالمة ، عملت على تَبَدُّد الخوف وخلعت رداؤه ، وعملت على التجمُّع تحت لواءات وتجمُّعات شبابية بدأت تنزل للشوارع وأصبح حراكها ثورات امتدَّت بالتوالي من تونس ، إلى ليبيا ، فاليمن ، فمصر ، ثم سوريا ولا يزال الحراك قائماً لتغيير هذه الأنظمة القمعية واستبدالها بالإرادة الشعبية وأن تكون الحاكمية لله في الأرض أولاً ومن ثم للشعب ثانياً ، وقد نجحت هذه الثورات في بعض تلك الدول ولكن !!**لم تغب هذه الثورات عن عين الرَّقيب “أمريكا” ، بل دعمت بعضها بالمال وسخَّرت لهم وسائل الإعلام تارة في السِّر وأخرى في العلن تحت مفهوم “دعم الديمقراطية” ، للإطاحة بهذه الأنظمة وإنجاح هذا الحراك ، ويستغرب البعض وتختلط عليه المفاهيم عندما يتوصل ويتبادر لمفهومه أن بعض هذه الثورات قد أسهمت في إنجاحها مخابرات غربية وخاصة المخابرات المركزية الأمريكية ، ولكن لغاية أبعد من نظرية التحرر وإرساء قواعد الديمقراطية بكثير ، فنحن لم ننسى أنها هي من أوجدت وزرعت تلك الأنظمة القمعية في الماضي القريب ، لتعمل الآن على الإطاحة بها وهكذا تستمر المعادلة ، بناء ثم هدم وفق نظرية المصالح والمتغيرات على الأرض لتبقى بيدها السلطة العليا في المنطقة .**بدأ الحراك المخابراتي والأمني يأخذ دوره وتزداد وتيرة تأثيره ، فما أن سقط زين الدين بن علي ومن بعده القذافي وعلي عبدالله صالح ، ليلحق به مبارك ، وتهتز الأرض تحت عرش الأسد حتى ظهرت نظرية الإشغال والتفكيك تطفو على السطح ، خاصة بعد أن انقلب السحر على الساحر وتحرَّرت بعض الشعوب من ظلم أباطرتها ولم تنجح المؤامرة الغربية في تسيير الوجوه الجديدة وفق معادلة المصالح ودوران الأفلاك في الكون الأمريكي ، بل خرج كل فلك عن مساره ، فبدأت نظرية المؤامرة تستبد وبدأت خيوطها تنسج وتمتد للأيادي القديمة لتعود من جديد بوجه آخر ، في محاولة لإشغال الشارع العربي بتناحر سياسي وطائفي وتقاسم جغرافي ، فبدأ سيناريو إشغال تونس والتناحر والاغتيالات بين قيادة الثورة والزعامات القديمة ، وإشغال رجال وزعامات المقاومة الليبية بمن يسيطر على الأرض ومن له النصيب الأكبر من السلطة لتقاسمها وفق هذا المنظور ، وتفكيك لبنان دينياً وطائفياً وزعزعة استقراره وتمزيق جسر التواصل اللبناني السوري تبعاً للولاءات ، وتفكيك وتمزيق العراق طائفياً سعيا لتقسيمه وإبادة شعبه ، وتفكيك وتقسيم السودان جغرافياً وسياسياً “جيوسياسياً” ، ودعم الأمريكان والصهاينة للجنوب وإشعال الحرب بين الشمال ممثلاً في الدولة السودانية ، والجنوب ممثلاً في معارضة تزعَّمها “سلفاكير” وحتى الجنوب تم اشغاله بفتنة أخرى بين سلفاكير ونائبه في صراع مرير على كرسي الحكم ، وكذا الصومال واليمن تم اخضاعها لميدان التقسيم الطائفي العرقي أيضاً ، وما أن نجحت الثورة في مصر وتبوأ الإخوان المسلمون سدة الحكم حتى بدأت نظرية الإشغال والتفكيك تصل إلى أوجها ، لتسخِّر أمريكا ترسانتها الإعلامية والمادية والسياسية لدعم الدولة العميقة وللأسف نجحت في قلب المعادلة وتناحر الفرقاء وحدث ما لا يحمد عقباه “مجازر ومحارق ودماء” وتم تفكيك الشعب المصري الواحد بين ما هو إسلامي وآخر علماني ، والقائمة تطول وستصل إلى كل من السعودية والكويت والبحرين والأمارات ، ومعالم هذا التفكيك باتت واضحة وتلوح في الأفق .**هذا التفكيك السياسي جاء بعد التفكيك الجغرافي ، وتقطيع العالم العربي إلى مشرق ومغرب يفصل بينهما الكيان الصهيوني في الموقع الاستراتيجي ليسهل عليهم التحكم في عصب الأمة ومقدراتها عبر الزمن وحماية للمصالح الغربية الممتدة من الغرب إلى الشرق ومن الشمال إلى الجنوب ، وليبقى الوطن العربي الكبير والممتد قاعدة عسكرية متقدمة لهذا الاستعمار المُرَكَّب .**والحقيقة لو راجعت الأنظمة المتهالكة في الدول العربية سلسلة تحالفاتها الدولية والإقليمية ستجد عدم فاعليتها ولتوصلت لمفهوم “الشعب أحق بالسلطة المطلقة” ، وأنه يجب العودة للشعب وإرساء قواعد الديمقراطية بشكلها المتكامل صوناً لمقدراتها العسكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية ، وحفاظاً على النسيج المجتمعي من التدمير والتفكك ، بل والحفاظ على السيادة المطلقة على جغرافية الأرض والمكان .**لقد ساهم الاحتلال بوجهه الجديد في تفكيك القدرة العربية بكامل مكوناتها الجيوسياسية والفكرية والعقائدية والعسكرية والاقتصادية في استهداف واضح يُجَسِّد الأطماع الأمريكية والأوربية والصهيونية بل والإيرانية في المنطقة ، للسيطرة ونهش الجسد العربي عن آخره .**ولقد بات مفهوم “الحرب على الإرهاب” ، والوجه الآخر منه “الحفاظ على الديمقراطية” هما السلاح الناجع والفاعل لدى مربع المؤامرة للتحكم في العالم العربي والإسلامي على مر الزمن ، حيث قامت باستغلال الثورات العربية القديمة لتأتي بوجوه خائنة لا زال بعضها يجثم على صدور الأمة ، فتعود مرة أخرى لنفس الحكاية وتستغل الثورات الجديدة “ثورات الربيع العربي” بأصابع شيطانية قذرة وتحوِّل بعضها إن لم يكن كُلُّها إلى خريفٍ بائس وبارد بصورة مشوَّهةٍ وشاحبة ، وأرض متحوِّلة كما البراكين ، وأضحت العروش الجديدة كما القديمة ترسو فوق سطح الماء وتلتحف السماء .** لقد أضحى مفهوم الإشغال الداخلي للأنظمة العربية بذاتها وبمعارضتها ، هدفاً يوصل إلى التفكيك التام والتمزيق السياسي وتفتيت النسيج المجتمعي ، كما يهدف إلى التقسيم الجغرافي والديمغرافي , ولعل ما حدث ويحدث على الأرض خير دليل على ما أقول ، بل وللأسف يؤكد بالمقابل عجز النظام الرسمي العربي المثقل بالتناحر الداخلي والاختلافات والمثقل بالديون من تحقيق الحد الأدنى من القوَّة والحضور ككيان فاعل بين الأمم .***وهنا تثار جملة من التساؤلات المستفزة لحفيظة كل منا :***متى تتم ترجمة إرادة الشعوب العربية لتصبح سيدة الموقف ، ومرجعية اتخاذ القرار المطلق الرامي لتحقيق المصير والنابع من ممارسة الديمقراطية الحقيقية المتكاملة ؟؟؟**ثم أين هي جامعة الدول العربية الهزيلة بمكونها الذي لا يرقي لحل أي أزمة عربية ما طيلة مراحل تشكيلها ، ثم ألم يحن الوقت بعد لتعزيز القدرة العربية سعياً لتحقيق مكانة دولية متميزة تجسد الحضور والقدرة العربية الفاعلة والمؤثرة في القرارات الدولية تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية ؟؟؟** هل العرب يفتقدون للعقيدة السياسية القادرة على مواجهة التحديات والتهديدات التي تعصف بأمنهم القومي ، وهل باتوا غير قادرين على صون واستغلال مرتكزات الدين الإسلامي الحنيف والبعد الحضاري العربي وكلاهما من عناصر القوة ؟؟؟**وهل نحن “أمة غادرت تاريخها طوعاً وأضحت تغادر جغرافيتها كراهة ، وطَمَست حضارتها عنوةً ” وهل من صحوة تنقذ جسد الأمة العربية من مخطط الإشغال والتفكيك الجيوسياسي والتفتيت الديموغرافي لكل مكوناتها والتي تعصف بها منذ زمن ؟؟؟!!!*
أكثر...
أكثر...