الوطن في رؤى المبعدين
الشخصيات الثانوية:
1-عائلة رامي: (الأم، الأخت، الأب)
2-أعضاء المحكمة: ثلاثة قضاة ومحامي الدفاع،جنديان
3-أفراد المدرسة: معلمة وأربعة طلاب
4-موظفان من مجلس الأمن
5-حيوانات الغابة: أرنب، ثعلب، كنغر، طيور
6-الفرق الاستعراضية: فرقة الغناء الشعبي- فرقة الدبكة الشعبية- فرقة الحجارة)
المشهد الأول
(ثورة الحجارة)
يظهر رامي وتلاحقه بقعة الضوء يحدث نفسه بنبرة حزينة: ما لنا والخطوب تأخذ منّا، العدو احتل أرضنا، وضيم أحرارنا، ورّوع حمانا، لكننا لم نسكت ولن نذلّ، فالصمت للجبناء.(ثورة الحجارة)
يبدأ إيقاع موسيقي لأغنية "يا حجار أنت الحلم" يرفع ذراعيه مشيرا بعلامة النصر، فتظهر مجموعة من الفتيات ترتدي أعلاماً فلسطينية ملصق بها قطع بولستر بيضاء وملونة بلون الحجارة، ملصقة على الأثواب.
الحجارة غاضبة(: سنكون لك عوناً على إنهاء وجود البغاة من الأرض المقدسة، اضربهم بالحجارة وسنحيل سباتهم قلقا وراحتهم جنونا، واترك عنك بكاء القانطين، كن قويا.
رامي (يصيح عاليا): أنا الجسور، فالّنار مهدي والبطولة وشاحي.
الحجارة(بحزم وصلابة): إذن، فلنتعاهد على النضال.
رامي مدوّيا: فلنتعاهد،وليستقر الذعر في قلوبهم ولتنتفض حجارة الأرض.
الحجارة: هيا، وبعهد الإباء والبطولة، ارمنا عليهم لتبلغ النفوس رجاها.
يقف بينهم ويعلنون: لتكن ثورة الحجارة وليحمل الأثير صداها للعالم، وليغش الطوفان الكيان المحتل ( تُرفع الأيدي وتؤدي الحجارة ورامي رقصة على أغنية"يا حجار أنت الحلم" (يخرجون بعد عرض اللوحة).
المشهد الثاني
(المحاكمة)
(المحاكمة)
القاضي1(بصوت لئيم): تقدم، يا من أحلت هدوءنا عواصف.
الفتى(بصرامة): أنتم من احتل أرضنا، وشرّد شعبا أعزل بسطوة السلاح، وسنقاومكم بالحجارة التي ستحررنا من طغيانكم.
القاضي 2 (بصوت ماكر): كفاك هذرا لأن قضيتك معقدة لاعترافك بالمقاومة، سأحاول أن أجد لك منفذا لتخفيف الحكم.
القاضي 3 )متسائلا في نكران(: ألا تخافون أيّها الفتية.
رامي (مستهينا):وجودكم الجاثم علينا بلاء،وخوف البلاء شرّ بلاء.
القاضي1(مأخوذا بكلامه): يا لوقاحتك، أين هيبة وجودنا.
القاضي(2بشراسة الظالم): لقد ثبت بالدليل القاطع إجرامك، حين حملت الحجارة وقذفت بها جنودنا.
رامي (بروية): أنتم القتلة، لقد جثمتم فوق أرضنا كعاصفة هوجاء.
القاضي3 (جادّا):اسكتوه فصوته كطنين الدبابير،فليتكلم الدفاع باسم عدالتنا.
الدفاع(بحيادية): لا يعي كلامه ولا يقدر العواقب، نطلب له الرحمة.
رامي(واثقا): اطلبوا الرحمة من غضبنا، سنقاومكم حتى الرمق الأخير.
الدفاع (مهدئا): نرجو التزام الصمت، كلامك فيه إدانة لك .
موجها كلامه للقاضي: سيدي انه لا يملك سلاحا حقيقيا حتى يدان ما هي إلا حجارة الطريق قد يكون حملها لّلعب ليس إلا.
القاضي1 ( بهستيرية): سالت دماء الجنود بسبب حجارته، إنه إرهابيّ.
رامي(بجرأة) : إنّ للحجر سحرا فعلى ضيائه لمست جراحي ومن صلابته أخذت قوتي، أما الإرهاب والرياء في طبعكم.
القاضي2(متذمرا): حجارة، حجارة،إنها كارثة، ما نطويه في المساء ينشروه في الصباح، وكّلهم فتية، نكاد نصاب بالجنون.
القاضي3(بصرامة): يجب إنهاء وجودكم عن هذه الأرض .
رامي ثائرا: إنّها أرضنا وجذورنا هنا، أنتم كيان فطري تسلق جذعا باسقا.
القاضي1(محتدا): أتتجرأ أيضا على هيبة المحكمة؟
رامي: ليت أصدقاء الحجارة معي، ولن يشفي غليلي إلا النيل منكم.
يتشاور القضاة فيما بينهم، ثمّ يدقّ بمطرقته القاضي2: ما الحكم الذي يستحقه هذا المجترئ على هيبتنا.
القاضي3(متساهلا): أطلق سراحه لأنه فتى غرير.
القاضي1( مغتاظا): الحيرة تقلقنا،كيف يعاقب العاقل غريرا؟
القاضي(مغتاظا)2: نقتله برصاصة طائشة والفاعل مجهول .
القاضي3 (يطرق قليلا): لو فعلنا ذلك قبل المحاكمة.
القاضي1 (كمن يرمي عبئا عن كاهله): إذن نطلق سراحه.
القاضي 2( بعصبية): لا،لا،لأنه سيعود ويرمينا بالحجارة.
القاضي3(بمكر): القضية تأزمت، أنحكم على صبيّ غرير بالسجن المؤبد.
القاضي1 (باستياء): قولك هراء، بأفكارك تجعلنا مهزلة للعالم.
القاضي2 (محتارا): إنها قضية معقدة ونريد حلا عادلا ويكمن الإجرام فيه.
القاضي3 ( مراوغا): الإبعاد فكرة تتوافق مع مواصفاتنا الإجرامية الجوهر، العادلة المظهر.
القاضي1 (مهتاجا): نرميه خارج دولة إسرائيل.
القاضي2(مبتسما بأريحية): فكرة رائعة؟ لا توجد في أسفار قوانين العالم.
القاضي3(واثقا): من قوانين العقوبات: الإيقاف،الحكم الإداري ،الأسر، النفي،الإعدام،والآن الإبعاد.
القاضي1 (تأخذه نوبة سعال خانقة): فلنسرع في إصدار الحكم.
القاضي(بلهجة خطابية)2: باسم العدالة المستبدة، حكمت المحكمة على المتهم رامي بالإبعاد إلى الأرض العراء المعزولة ما بين حدود شمال دولة إسرائيل والجنوب اللبناني.
يعلو صوتا جماعيا: عاشت شريعة الغاب، عاشت العدالة الممسوخة !!
تتقدم أم رامي مع إيقاع موسيقي حزين من هيئة المحكمة باكية(راجية): لا تبعدوه، اسجنوه، قد أزوره في سجنه، بل أقتلوه فأذرف الدمع على قبره، الرحمة يا قلوبا لا تعرف الرحمة، آه يا ولدي، أبعدوك،وجراح قلبي تلتهب، بالأمس جعلتم الزوج شهيدا واليوم الابن مبعدا، أين الأعوان، الرحمة! أين شعاراتكم فكيان البغي يحرقنا، العدل يا منظمات العدل الإنسانية.(تخرج الأم وهيئة المحكمة، يجرّ رامي جنديان والضوء القوي مسلّط عليه في عتمة المسرح ويُرمى عند لوحة رسمت عليها شجرة كبيرة يسار المسرح).
المشهد الثالث
(أحلام رامي في أرض الإبعاد)
(أحلام رامي في أرض الإبعاد)
يحدث نفسه راجيا: ليتني طيرا أعود إلى أرضي السليبة، رباه، أأظل في الهضاب الوعرة والأشجار كالأشباح تخيفني ليلا، ثيابي رقيقة لا تجلب لي الدفء، طعامي يكاد ينفد، لا، لا لن أهزم، فأنا قوي واغترابي عزّ وفخار، واغتراب الضعيف فناء،(يسمع صوتاً): من هناك؟؟آه إنّه أرنب بريّ.
الأرنب ينظر برفق: أليس لك جحر تأوي إليه من ضواري الطبيعة.
رامي (بأسىً): لا أملك شيئاً.
يقترب الثعلب: ألديك القليل من العنب، سأطعمك الجبن اللذيذ.
رامي(بقهر): أضحكتني، حيلك ليست غريبة، قرأتها في كتبي المدرسية، آه لقد اشتقت لمدرستي وكتبي ولمداعبات أصدقائي.
(يقترب الكنغر حاضنا صغيره) رامي: أيّها الكنغر الصغير هنيئاً لك حضن أمك الدافئ، فأمي تذرف دمع الحسرات من أجلي.
الكنغر (بإشفاق): أتحب أن أحملك مع ولدي؟
رامي: لا يمكن، أتوافقون على اللعب معي يا أصدقائي الحيوانات؟
تؤدّى حركات تعبيرية على إيقاع أغنية للأطفال فيها أصوات الحيوانات (تخرج الحيوانات) يسمع صوت تساقط المطر وعصف الريح فيحدث نفسه: البرد قارص فلأشعل أعوادي لتجلب الدفء، فيشعل العود (شمعة): قد أغفو على دفء هذا العود في خيمتي، (رسم لخيمة) ولأحلم، رب حلم في الكرى يرينا أمانينا التي باتت شبه مستحيلة(محدقا): خيام، خيام، أينما نذهب، خيام،سأقتلعها، لكنّها الآن أرحم من العراء (ويغفو).
الحلم الأول
(ليلة عيد)
(ليلة عيد)
يسير رامي كالنائم: رباه، لقد جنّ المساء وكفّن الثلج الثرى مناديا: أمي.
تظهر الأم بفرح غامر: إنهم يحتفلون بعيد الميلاد وبعودة السلام إلى المدينة المقدسة بعد أن انزياح الاحتلال عن الصدور.
رامي مبتهجا: إنّها ليلة الميلاد، الأشجار تشع بالأضواء، والمدينة تترنم بالأجراس وتراتيل المصلين، ما أروع أن نحيا أحرارا بسلام في وطننا.
الأم: الأنوار تشع في كنيسة القيامة والصلوات تلفّ المدينة بخشوع.
الأخت( مستبشرة): انزاح الكابوس الجاثم على صدر المدينة المقدسة لا احتلال ولا يهود،ولا قمع ولا ظلم.
الأم بفرح: أتسمعين صوت الآذان من الحرم القدسيّ مناديا للصلاة بأمان، وكأن الأثير يحمل في طياته سلام ،سلام، سلام.
رامي(مبتهجا): السلام والأعياد تزف إلينا بشائر الفرح في مدينتي المقدسة.
الأخت(باعتزاز): مدينة رائعة، عبق النبوة في مسرى الرسول ومعراجه وطرقاتها العتيقة تحكي أمجاد تاريخها.
تصدح موسيقي "زهرة المدائن"وعلى إيقاعها تقدم لوحة استعراضية.
الحلم الثاني
(يوم مدرسيّ)
(يوم مدرسيّ)
تظهر أم رامي باتجاه السرير وبصوت دافئ: قم إلى المدرسة، سيقرع الجرس، يا كسول، قم هيا.
رامي (متثائبا): صباح الخير، أمي هل تعلمين أن مدرسة ابن عمي في يافا ستقيم احتفالا وطنيا تكريما للذين يساهمون في قطاف البرتقال من البيارات المعطاءة، أتسمحين لي بالمشاركة؟
الأم : موافقة، علينا الاحتفال، بأعيادنا لنبني هذا الوطن الحر.
الأخت هاتفة: ليتنا نقضي عطلتنا على شواطئ حيفا وروابي الخليل.
الأم(بفرح): بإذن الله، الربيع يغدق على بلادنا سحرا وعبقا عطرا.
الأخت(بلهفة): رامي، أسرع، سيارة المدرسة بالانتظار.(يخرجون)
يرتفع علم فلسطين في المدرسة، يقرع الجرس،يدخل الطلاب في طابور، تقرأ الفاتحة، ويقف رامي أمام العلم يعلن النداءات التالية ويردّ الطلاب عليه: الإسلام: ديننا/ فلسطين: الوطن الحرّ ومهد الديانات /العدل: نهجنا /القدس: سلام،سلام،( تصفيق) وتؤدى مغناة"موطني"للشاعر إبراهيم طوقان. ( يدورون في المسرح ويجلسون على مقعدين للدراسة، المعلمة(مرحبة): السلام عليكم، أين كانت رحلتكم بالأمس.
طالب1: رحلتنا شملت معظم أنحاء فلسطين من شمالها لجنوبها.
المعلمة(باهتمام): حدثونا عن المعالم المميزة في وطننا الحرّ فلسطين.
الطالب2: شعرت بالفخار عند أسوار عكا وخلت هزيمة نابليون عليها.
الطالب3: وبحيرة طبريا تحتضنها الجبال كجوهرة قرمزية وتحيطها المناظر الساحرة.
الطالب4: وحين مررنا بمحاذاة الشاطئ الفلسطيني، فإنّ زرقة البحر تعانق خضرة البساتين، وكأنها اللآلئ يشع منها النور.
الطالب5: الدفء يغمر أريحا، ونخيلها السامق بإباء كالأحرار.
الطالب1: المنظر المهيب الذي ملأ النفس عزّة، مرأى أعلامنا الفلسطينية تحيط بالمدينة المقدسة كإحاطة السوار بالمعصم،واعترانا الخشوع لصديح الآذان في معراج النبي عليه الصلاة والسلام.
الطال3ب: وتجلّت هيبة المغارة التي احتضنت السيدة مريم وابنها المسيح عليهما السلام في بيت لحم.
الطالب4: لقد استمتعنا بزيارة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل.
الطالب5: وزرنا نابلس مدينة الثوار،وجبل النار،وموطئ الأحرار.
المعلمة : هنيئا لنا وطننا الحر، فلنعمل على بنائه ليبقى حرا، ونتمنى أن لا تعود أيام ذقنا فيها الويل زمن الاحتلال الصهيوني.
الطالب1: ما أجمل إحساس المواطن بحريته وقد صدق الشاعر:
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه في الخلد نفسي
المعلمة:إنّ حديث الرحلة الممتع شغلنا عن ذكرى غالية، غدا"30 آذار "يصادف ذكرى غالية على قلوبنا، من يذكرها؟
الطالب3: إنّه يوم الأرض، ذكرى تحرير فلسطين من المغتصب.
المعلمة: علينا التحضير لحفل مدرسيّ لهذه الذكرى الغالية واحتفاء بالعيد الوطني العظيم.( يخرج الطلاب).
رامي متثائبا: الأحلام تشعرني بالسعادة، والحفل المدرسي في الحلم ممتع جدا، ليتني أظل نائما لأرى في الحلم ما أرجوه في الواقع، لكنّ البرد قارص وأعوادي احترقت والجوع أضعفني، ورائحة أشهى الأطعمة تملأ أنفي، اشتهي الحساء الساخن سأغفو قليلا على آخر عود لأحلم بطبق شهيّ.
الحلم الثالث
(لقاء الشهداء)
(لقاء الشهداء)
رامي (بفرح): مرحى برفاق الانتفاضة، مشتاق لكم، أنت"علي"، كنت على مقربة منك حين فجّرت الرصاصة رأسك، بكيتك وفخرت بنضالك،"هاشم" كم عانيت حين حطّمت عصبة الإثم عظامك، لم تحتمل الآلام فأسلمت روحك الطاهرة إلى بارئها، آه يا محمد كم عانيت من العذاب في معسكرات التعذيب واختارك الموت بعد صيام طويل وعذاب أليم. (ينسحبون).
يظهر والد رامي وبلهفة حارقة: أبي، لقد استشهدت وتركتني مع أمي وأختي، لكني لم احتمل رؤية العدو الصهيوني يغتصب أرضي، ويسحق كرامتي، فرميتهم بالحجارة، فأبعدوني عن وطني، الإبعاد عقوبة قاسية تضاف إلى مسميات عذاباتنا من مهاجرين ونازحين وغرباء اجتياح وأسرى المعسكرات وشهداء ومبعدون، لا استطيع الحياة في العراء مع الحيوانات المفترسة ولن أعود لأرضي المحتلة، أتمنى أن أكون معك، خذني إلى عالم الشهداء، لا احتمل الوحدة والإبعاد، لقد احترقت أعوادي ونفذ طعامي، اشتقت إليك. (يخرجون، ويسقط رامي أرضا جثة هامدة)
المشهد الأخير
الثاني: قم يا رامي، لتحملك سيارة الهيئة الدولية إلى دولة عربية مضيفة، إنّه لا يتحرك، أنفاسه خامدة، أنّه ميت،تأخرنا بالوصول.
الأول: دائما، نحن متأخرون، لا نحقق عدلا، لا ننشر سلاما، لا ننصر مظلوما، لا نأوي مبعدا ولا نعاقب ظالما، قراراتنا تذل الضعفاء، فلنغلق مجلسنا ولنحرق علمنا مع أعواد رامي المحترقة ولنعلنها للعالم: شريعة الغاب هي المسيطرة على العالم، أيها العالم التعس،لا تنتظر الرحمة والعدل منا، نحن بحاجة إلى من يحررنا من سطوة الدول الكبرى علينا.
الثاني: يا للخزي، مسكين رامي !! المشكلة المستعصية الآن، من سيقبل دفن هذه الجثة الهامدة في أرضه!!( يخرجان على صوت أغنية غابت شمس الحق).
انتهت