من قصة يوسف في نظْم البشر
وبعدَ حينٍ منْ بلوغِ يوسفَ حُلُماً، أبلغَهُ اللهُ أشُدَّهُ عقلاً وجسماً، وآتاهُ على شطرِ الحُسنِ حُكماً وعلماً، فقد قامتْ تلكَ تراودُهُ متبرجةً، وامتطتْ إليهِ ظهرَ الشيطانِ متأرّجةً، كأنها الشمسُ ظهراً متوهجة، لعلّهُ ولوْ جبريّاً، يقضي لها وطَراً جنسيّاً، فدارتْ بهما الدارُ، كأنَّهما القطّةُ والكَنارُ، ولمّا كادَ يُبدي ميلاً قليلاً قلبيّاً؛ إذْ جعلَ ما فوقَ القميصِ رَمْياً مرميّاً، كأنَّما وافقَ جسديّاً، غلّقتِ الأبوابَ متسرّعةً مسارعةً، ورجعتْ إليْهِ متراقصةً مُتضوِّعةً هارعةً، تدعوهُ ذائبةً مضطجعةً نازعةً، فاستعصمَ مستعيذاً باللهِ الذي سوّاهُ، ومخلِصاً لزوجِها الّذي ربّاهُ، رافضاً أنْ يخسرَ دنياهُ وأُخراهُ، مغلِّقاً منَ القميصِ كلَّ الفروجِ، ما أبقى فيهِ سبيلاً للوُلوجِ، مثلما سدَّتْ عليهِ طريقَ الخروجِ.
وبعدَ هدوءٍ وهُدنةٍ عاودَها إلى الفورانِ توتُّرٌ منْ حرارةٍ وشُحنةٍ، كأنَّها قلبُ الشمسِ يستعرُ تحتَ قِدرةٍ، وكأنّها كلُّ الكهرباءِ السالبةِ تجمّعتْ في رأسِ إبرةٍ، فراودتْهُ بتهديدٍ ووعيدٍ، أنْ يقومَ وهو على وقيدٍ، فينزعَ القميصَ غيرَ قديدٍ، وإنْ لمْ يفعلْ فستسبقهُ بالوشايةِ إلى العزيزِ، ليضربَهُ على خطيرِ الجنايةِ بيدٍ منْ حديدٍ، فتوعّدَها بالسبقِ لفضحِ الحكايةِ منَ الأوّلِ إلى النهايةِ، وأنَّها يومَها بالعُريِ راودتْهُ، ومنْ قبلُ غازلتْهُ، بالرقصِ وبالغميزِ. ولمّا رأى قميصَهُ مّما فوقَهُ قدْ تعرّى، واختفتْ ثيابُهُ التي رمى، لا يدري أهَيَ في الثريّا أمِ الثرى، أصبحَتْ منْهُ النفسُ حرّى وحيْرى، فخارتْ عزيمتُهُ، وغارتْ بصيرتُهُ. وفي عَجَلٍ هيّأتْ حيلتَها؛ فخلعتْ زينتَها، وأخذتْ تزيلُ العطورَ؛ تقشِرُ ثوماً وأبصالاً، وأنهتِ العُرْي َوالسفورَ؛ تلبسُ ثِقالاً طوالاً، تُشهدُها أنَّ بها انشغالاً، وأذكتِ الفحمَ اشتعالاً؛ فالعزيزُ عزيزٌ يستأهلُ الشِّواءَ مُتبَّلاً تَتْبالاً.
وطرقَ العزيزُ البابَ صائحاً على حينِ غفلةٍ، كأنَّهُ صوتُ الرعدِ يصيبُ بجفلةٍ، ويوسُفُ في وجَلٍ منْ مكرِها ووَهْلةٍ، فاستبقا إليْهِ بلا مهلةٍ، وظنَّ أنَّهُ فرّطَ فتورَّطَ، بلا لمسٍ ولا قُبلةٍ. ولمّا أنْ أبطأتْ بيوسُفَ خوفَ القميصِ رجلاهُ، شقّتهُ منْ خلْفٍ بينَ يسراهُ ويمناهُ، وصاحتْ بالعزيزِ الهلوعِ تشكو إليْهِ بالدموعِ: يا ويلتاهُ!.. واغَوْثاهُ!.. واأهلاهُ!.. وازوْجاهُ!.. يا سيِّديَ الحبيبَ، يا بعليَ المهيبَ، يا أيُّها العزيزُ الإبريزُ، قدْ ناداكَ حسنُ حظِّكَ بالرجوعِ، فأنجيتَني مِمََّنْ أرادَ سوءاً بشرفِكَ الرفيعِ، وعِرْضِكَ المنيعِ، فجازِهِ على أسرعِ السريعِ، قمعاً وردْعاً: سجناً مقيماً، أوْ عذاباً أليماً. فقالَ لها: طاعةً وسمعاً، سأُريهِ حرماناً ومنعاً، وأُصليهِ سِياطاً وقرعاً، فلا يبدو بعدُ في القميصِ، ولا يعدو أبداً إلى القصدِ الرخيصِ.
وعلى الفوْرِ، رفضَ يوسُفُ التهمةَ في وثوقٍ وسكينةٍ، مُلقياً بها على الغيْرِ، داعياً اللهَ تعالى أنْ يصرفَ عنهُ الغُمّةَ بنجاةٍ أمينةٍ. ثمَّ بدا للعزيزِ منها أمرٌ يُريبُ، فرفعَ إلى أهلِها قولاً بهمُ يَهيبُ، وطلبَ حُكْماً فَصْلاً لا يخيبُ، فدسّتْ منهمْ شاهداً مأجوراً، جعلَ القميصَ ليوسُفَ برهاناً مُجيراً؛ إذْ قالَ بصوتٍ عالٍ، في اختصارٍ وإجمالٍ، بدونِ تطويلٍ وإملالٍ: إنَّ القميصَ المشقوقَ منْ دُبُرِهِ لََبُرهانُ أنَّها أرادتْ أنْ تلبسَ صاحبَهُ منْ قُبُلِهِ، تطبِّقُهُ تطبيقاً، وتغتصبُهُ عشيقاً، لعلّهُ يصيرُ في عُسَيْلتِها غريقاً.
وتصديقاً منَ العزيزِ بأمانةِ الذي هوَ في بيتِهِ، رغمَ شبهةٍ منَ القميصِ في ظهورِ باكورةِ استجابتِهِ، وبأنَّ الشاهدَ مدسوسٌ دسّاً لتبرئتِهِ، ومهابةً منْ ملكِ دولتِهِ، شقيقِ حماتِهِ، وشعوراً بأنَّ عرضَهُ بقيَ نظيفاً في سلامتِهِ، فقدْ حكمَ بأنَّ الأمرَ كلَّهُ منْ كيْدِ امرأتِهِ، وأجّلَ كلَّ أمرٍ إلى مناسبِ أوقاتِهِ.
ومنعاً لاتسّاعِ الفضيحةِ، أرشدَ يوسُفَ بالنصيحةِ: أنْ يجعلَ الموضوعَ نسياً منسيّاً، وأنْ لا يحدِّثَ بهِ إنْساً ولا جِنِّيّّاً، فوعدَ يوسُفُ وأوفى علناً وسِرِّيّاً. وتمنّى العزيزُ على عزيزتِهِ، مشبعةِ غريزتِهِ،لوْ تعتذرُ اعتذاراً جليّاً، فرفضتْ رفضاً أبيّاً؛ تخافُ أْنْ يحتسبَها صارتْ بغيّاً. وفاجأها منْ بعدُ أنَّ نسوةَ الأكابرِ، قدْ صعدْنَ على المنابرِ، ووصفنَها بالعاشقةِ، وفضحنَها منَ المغربِ حتّى الشارقةِ، فأعدَّتْ لهنَّ الأرائكَ والموائدَ، وأرسلتْ لهنَّ الداعينَ، ونصبتْ لهنَّ الشرائكَ والمصائدَ، فأعطتْهنَّ الفاكهةَ والسكاكينَِ، فبزغَ يوسُفُ عليْهنَّ مأموراً، وبدا شمساً وبدراً منيراً، فزاغتْ منهنَّ الأبصارُ، وراغتِ الأفكارُ، وبانتِ الأسرارُ، وهتفْنَ وقدْ شعلَلَهُنَّ الهياجُ: يوسُفُ، أقبلْ، نحنُ الكبشُ وأنتَ النعاجُ!..
"يوسُفُ أعرِضْ عن هذا"
وبعدَ هدوءٍ وهُدنةٍ عاودَها إلى الفورانِ توتُّرٌ منْ حرارةٍ وشُحنةٍ، كأنَّها قلبُ الشمسِ يستعرُ تحتَ قِدرةٍ، وكأنّها كلُّ الكهرباءِ السالبةِ تجمّعتْ في رأسِ إبرةٍ، فراودتْهُ بتهديدٍ ووعيدٍ، أنْ يقومَ وهو على وقيدٍ، فينزعَ القميصَ غيرَ قديدٍ، وإنْ لمْ يفعلْ فستسبقهُ بالوشايةِ إلى العزيزِ، ليضربَهُ على خطيرِ الجنايةِ بيدٍ منْ حديدٍ، فتوعّدَها بالسبقِ لفضحِ الحكايةِ منَ الأوّلِ إلى النهايةِ، وأنَّها يومَها بالعُريِ راودتْهُ، ومنْ قبلُ غازلتْهُ، بالرقصِ وبالغميزِ. ولمّا رأى قميصَهُ مّما فوقَهُ قدْ تعرّى، واختفتْ ثيابُهُ التي رمى، لا يدري أهَيَ في الثريّا أمِ الثرى، أصبحَتْ منْهُ النفسُ حرّى وحيْرى، فخارتْ عزيمتُهُ، وغارتْ بصيرتُهُ. وفي عَجَلٍ هيّأتْ حيلتَها؛ فخلعتْ زينتَها، وأخذتْ تزيلُ العطورَ؛ تقشِرُ ثوماً وأبصالاً، وأنهتِ العُرْي َوالسفورَ؛ تلبسُ ثِقالاً طوالاً، تُشهدُها أنَّ بها انشغالاً، وأذكتِ الفحمَ اشتعالاً؛ فالعزيزُ عزيزٌ يستأهلُ الشِّواءَ مُتبَّلاً تَتْبالاً.
وطرقَ العزيزُ البابَ صائحاً على حينِ غفلةٍ، كأنَّهُ صوتُ الرعدِ يصيبُ بجفلةٍ، ويوسُفُ في وجَلٍ منْ مكرِها ووَهْلةٍ، فاستبقا إليْهِ بلا مهلةٍ، وظنَّ أنَّهُ فرّطَ فتورَّطَ، بلا لمسٍ ولا قُبلةٍ. ولمّا أنْ أبطأتْ بيوسُفَ خوفَ القميصِ رجلاهُ، شقّتهُ منْ خلْفٍ بينَ يسراهُ ويمناهُ، وصاحتْ بالعزيزِ الهلوعِ تشكو إليْهِ بالدموعِ: يا ويلتاهُ!.. واغَوْثاهُ!.. واأهلاهُ!.. وازوْجاهُ!.. يا سيِّديَ الحبيبَ، يا بعليَ المهيبَ، يا أيُّها العزيزُ الإبريزُ، قدْ ناداكَ حسنُ حظِّكَ بالرجوعِ، فأنجيتَني مِمََّنْ أرادَ سوءاً بشرفِكَ الرفيعِ، وعِرْضِكَ المنيعِ، فجازِهِ على أسرعِ السريعِ، قمعاً وردْعاً: سجناً مقيماً، أوْ عذاباً أليماً. فقالَ لها: طاعةً وسمعاً، سأُريهِ حرماناً ومنعاً، وأُصليهِ سِياطاً وقرعاً، فلا يبدو بعدُ في القميصِ، ولا يعدو أبداً إلى القصدِ الرخيصِ.
وعلى الفوْرِ، رفضَ يوسُفُ التهمةَ في وثوقٍ وسكينةٍ، مُلقياً بها على الغيْرِ، داعياً اللهَ تعالى أنْ يصرفَ عنهُ الغُمّةَ بنجاةٍ أمينةٍ. ثمَّ بدا للعزيزِ منها أمرٌ يُريبُ، فرفعَ إلى أهلِها قولاً بهمُ يَهيبُ، وطلبَ حُكْماً فَصْلاً لا يخيبُ، فدسّتْ منهمْ شاهداً مأجوراً، جعلَ القميصَ ليوسُفَ برهاناً مُجيراً؛ إذْ قالَ بصوتٍ عالٍ، في اختصارٍ وإجمالٍ، بدونِ تطويلٍ وإملالٍ: إنَّ القميصَ المشقوقَ منْ دُبُرِهِ لََبُرهانُ أنَّها أرادتْ أنْ تلبسَ صاحبَهُ منْ قُبُلِهِ، تطبِّقُهُ تطبيقاً، وتغتصبُهُ عشيقاً، لعلّهُ يصيرُ في عُسَيْلتِها غريقاً.
وتصديقاً منَ العزيزِ بأمانةِ الذي هوَ في بيتِهِ، رغمَ شبهةٍ منَ القميصِ في ظهورِ باكورةِ استجابتِهِ، وبأنَّ الشاهدَ مدسوسٌ دسّاً لتبرئتِهِ، ومهابةً منْ ملكِ دولتِهِ، شقيقِ حماتِهِ، وشعوراً بأنَّ عرضَهُ بقيَ نظيفاً في سلامتِهِ، فقدْ حكمَ بأنَّ الأمرَ كلَّهُ منْ كيْدِ امرأتِهِ، وأجّلَ كلَّ أمرٍ إلى مناسبِ أوقاتِهِ.
ومنعاً لاتسّاعِ الفضيحةِ، أرشدَ يوسُفَ بالنصيحةِ: أنْ يجعلَ الموضوعَ نسياً منسيّاً، وأنْ لا يحدِّثَ بهِ إنْساً ولا جِنِّيّّاً، فوعدَ يوسُفُ وأوفى علناً وسِرِّيّاً. وتمنّى العزيزُ على عزيزتِهِ، مشبعةِ غريزتِهِ،لوْ تعتذرُ اعتذاراً جليّاً، فرفضتْ رفضاً أبيّاً؛ تخافُ أْنْ يحتسبَها صارتْ بغيّاً. وفاجأها منْ بعدُ أنَّ نسوةَ الأكابرِ، قدْ صعدْنَ على المنابرِ، ووصفنَها بالعاشقةِ، وفضحنَها منَ المغربِ حتّى الشارقةِ، فأعدَّتْ لهنَّ الأرائكَ والموائدَ، وأرسلتْ لهنَّ الداعينَ، ونصبتْ لهنَّ الشرائكَ والمصائدَ، فأعطتْهنَّ الفاكهةَ والسكاكينَِ، فبزغَ يوسُفُ عليْهنَّ مأموراً، وبدا شمساً وبدراً منيراً، فزاغتْ منهنَّ الأبصارُ، وراغتِ الأفكارُ، وبانتِ الأسرارُ، وهتفْنَ وقدْ شعلَلَهُنَّ الهياجُ: يوسُفُ، أقبلْ، نحنُ الكبشُ وأنتَ النعاجُ!..