في ظاهرة تداخل النوع الأدبي بين السردية والشعرية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • احمد رشاد حسانين
    أديب وناقد
    • 30-08-2012
    • 1

    في ظاهرة تداخل النوع الأدبي بين السردية والشعرية


    مدخل :
    تأسيساً علي عوامل عدة ترجع إلي :
    قانون التطور والارتقاء للأجناس والأنواع ، وحقيقة كل مجتمع ما إلى الميل لشكل أو أشكال أدبية ملائمة ، تعبر عن ظروفه وحاجاته (1) ، ورغبة كثير من المبدعين الملحة في التجريب ورفض المألوف والمستقر وذلك من منطلق الوعي والممارسة ، إضافة إلى : عوامل ترجع إلي طبيعة العصر الذي نعيشه والمتسم بالثورة الاتصالية والانفجار المعرفي والمعلوماتي وتعدد أشكال وأساليب التواصل وتآكل السلطات التقليدية في المجتمعات المعاصرة ، وتنوع الأدوات التعبيرية لغوية وغير لغوية . كل هذه العوامل ، حدت بتفاعلها إلي حدوث ظواهر أدبية عدة طرأت على الأدب وفنونه ، خاصة الفن السردي ، وهي ظواهر حدثت في الآداب الغربية وكذلك في أدبنا العربي الحديث والمعاصر . لقد صرنا نري أعمالاً روائية وقصصية كثيرة " لا تكسر فقط الحواجز بين الأنواع الأدبية ، بل تعمل أيضا علي تفجير النوع الأدبي من داخله ، فهذه الأعمال تتمرد علي القيم الجمالية للنوع الروائي وعلي التقنيات السردية الروائية التقليدية ، وعلي الطرق التقليدية في تصوير الشخصيات وتصوير الزمان والمكان ، بل تفتت الحبكة والحكاية معاً " (2) كما أن القصة العربية المعاصرة غدت باحثة عن بني وتقنيات تعبيريه جديدة ، تخرج بها من عالم رأته محدوداً إلي عالم أكثر رحابة ، فكان أن اتكأت القصيدة علي الأنماط والبني السردية ، واعتمدت في ذلك – أنماطاً تجريبية عدة ، تنوعت بين التجريب في الشكل والتجريب في الموضوع " . (3) إن حركة النقد الأدبي تنشغل الآن بدراسة الغني والتنوع الرؤيوي والأسلوبي داخل النصوص الأدبية المعاصرة والتي صارت حافلة بظواهر التداخل النوعي للأجناس الأدبية وتوظيف تقنيات بعضها البعض توظيفا واعياً وذلك حتى تكون قادرة علي التعبير عن أزمات واغترابات الإنسان المعاصر الذي يعيش عالماً سريع التحول والتغير ، كثير الإشكاليات والصراعات ، وأقل ما يمكن أن يقال في هذا الشأن ، هو صراع الفرد وكثير من المجتمعات في هذا العالم بين عولمة نمطية تلغي الحدود والهويات وتذيب الفوارق والملامح المائزة وبين هويات وقوميات تحاول جاهدة أن تستعصم بخصائصها وتحافظ علي ما تبقى من سماتها المميزة ، العرقية والفكرية والمجتمعية . إن منظري الأدب ، " يكاد يجمعون علي أن الأنواع الأدبية ليست ثابتة الأركان ، ولا مطلقة الوجود ، بل كيانات متحركة متحولة أبداً ، بما يجعل من انقراض أنواع وتولد أخرى جديدة وتحولها أمراً طبيعياً ، بل يكاد يمثل قانون وجود هذه الأنواع ذاتها ، من حيث أن الفن بطبيعته ، تجاوز دائم بصفته إبداعاً وخلقاً متجدداً " . (4) إن الأشكال الأدبية الجديدة في أدبنا العربي الحديث والمعاصر كديوان الحالة (ديوان القصيدة الواحدة) وقصيدة النثر والرواية القصيرة والأقصوصة والومضة القصصية والقصيدة القصة والقصة القصيدة واللقطة الوامضة ، سواء أكانت هذه الأشكال سردية أو شعرية وربما غيرها من الأشكال أيضاً ، تثير بلا شك قضية النوع الأدبي ، حيث نشأت في الآونة الأخيرة أعمال أدبية يصعب التعامل معها بالمعايير القديمة أو التقليدية ، خاصة تلك التي تضع حدوداً فاصلة بين الأنواع ، ليس فقط علي مستوي الشعر والقصة ولكن أيضاً علي مستوي الأعمال المنسوبة للرواية . لقد بات واضحاً ، " أن النموذج السردي الجديد غداً يرتكز علي شعرية النص وشعرية الأداء أيضاً ، محاولاً أن يعيد للغة وظيفتها الأولي باعتبارها طاقات انفعالية ، لهذا يتجه كثير من هذه النماذج والنصوص السردية لشعرية اللغة المركزة المكثفة ، وهو أمر طبيعي لسرد اتجه معظمه إلي تقديم الواقع الداخلي للإنسان ، أكثر من اهتمامه بالواقع الخارجي والذي لم يعد كافياً لإبرازه علي مستوي حركتيه الداخلية والخارجية ، وهو ما نلاحظه في تكنيك المنولوج الداخلي الذي أصبح ظاهرة في صياغة السرد المعاصر " . (5) وتبدو هذه الظاهرة منتشرة بصورة أكثر وضوحاً في الكتابات الشبابية القصصية والروائية الراهنة . وتحاول هذه الورقة ، الوقوف علي ظاهرة التداخل هذه والإشارة إلي بعض محاولات نقادنا في التعامل معها . والبحث عن العوامل التي تؤدي إلي تفاعلها وحدوثها . 1- عن بعض ملامح الرواية الحديثة والمعاصرة :
    ربما كانت الأشكال السردية ، الروائية والقصصية من أكثر الأشكال الأدبية تطويعاً ومرونة وأسرعها للاستيعاب وتطوير أنماطها وأساليبها وتقنياتها " فالشكل الروائي يتميز بالإنسيابية والمرونة ، ومن ثم يغدو قادراً علي استلهام أدوات فنية من الفنون الأخرى كالشعر والدراما والسينما والتراث الأدبي الشفاهي ، وهو بمزجه بين الأساليب المتنوعة وصهرها في بوتقة السرد ، يتميز عن سائر الأنواع الأدبية بقدرته الفائقة علي التمرد علي الحدود والقواعد ، وعلي ذاته أيضاً" (6) ويؤكد الناقد الفرنسي " جان إيف تادييه (TAdie ) " : " إن فن الرواية الذي كان يبدو في القرن التاسع عشر أقل أهمية من الشعر والمسرح ، لا يجلس هذا الفن الآن في الصف الأمامي فحسب ، بل إن الرواية امتصت كل الأجناس الأدبية الأخرى " (7) ويدلل علي ذلك بقوله : " إنها تنافس الشعر مستخدمة وسائله عندما تنافس بنيتها بنية البيت الشعري ، عندما تمتلئ بالاستعارة ، أو عندما تلعب بموسيقي الكلمات . وتأخذ من المسرح المونولوج والحوار " بل يذهب الناقد الفرنسي إلي القول بأنها "تستعير من النقد الأدبي غاياته ووسائله " ، ودليله علي هذا القول بعض أعمال " بروست " عندما تقدم بنفسها نظريتها في الأدب بتحليل بروست لبعض الأعمال العظيمة " هذا فضلاً – كما يؤكد – عما تزخر به روايات أخرى من حوارات فلسفية وما تعج به بعض الروايات من تجارب أسلوبية ومغامرات لغوية . إن الرواية علي حد قوله " تفكر ، وتقدم جماليتها الخاصة " . (8) ويلاحظ د. مجدي توفيق أثناء رصده للمشهد الروائي (المصري) المعاصر أن استخدام مجموعة من الروائيين المصريين لتيار الوعي " سمحت بألوان من تداخل الأنواع وتماساتها ، كالتراوح بين السرد السيري والسرد الروائي التخيلي ، وكالقفز خارج السرد الروائي إلي شكل مقالي ، أو إلي تأملات نظرية عامة قد تكون لها طابع فلسفي " (9) إلي جانب أننا لا نستطيع أن نغفل غلبة السرود الشعرية في الرواية الحديثة والمعاصرة مما يقربها من بنية الخطاب الشعري حيث تبلغ اللغة الروائية قمة توترها حين تتوسل بالاستعارة والمجاز والرمز . إن حلول مثل هذه الظواهر والتقنيات الشعرية حدت إلي ظهور ما يسمي " بالرواية ذات الأسلوب الغنائي" التي تتسم بقوة الإيقاع الداخلي الذي " يرتكز علي نسبة تكرار الخواطر واللمحات والحالات النفسية ، علي تلك المساحة الداخلية للشخصية ، لا علي ما يتراءي من علاقة بالعالم الخارجي " (10) ويضع د. صلاح فضل في هذا الإطار روايات : " الآن هنا " لعبد الرحمن منيف ، و" هاتف المغيب " لجمال الغيطاني و "تجربة في العشق" للطاهر وطار ، و" كناسة الدكان " ليحي حقي و "سرايابنت الغول " لإميل حبيبي . بل إنه يتقدم زمنياً ويتعامل مع رواية "دعاء الكروان " لطه حسين تحت ما أسماه " شعرية الحياة عند طه حسين " ويؤكد ، إن كتابة طه حسين "بشذراتها الثمينة وكشوفها الصغيرة وتجلياتها المتفجرة هي الإنجاز الحقيقي لكتابة طه حسين القصصية ، وهي كتابة تصل من الشعرية بمفهومها المحدث إلي صميمها " . (11) وسبق للناقد د. صلاح فضل في كتابة المؤسس "بلاغة الخطاب وعلم النص" أن وقف علي طبيعة اللغة والأسلوب الذي يستخدمه الروائي حين يميل إلي استخدام نمط أسلوبي يرتفع بلغته إلي مستوي الشعرية وقرر أنه " إذا انتزعت الكلمة في السرود دور البطولة من بقية العناصر واستقلت بشعريتها عن شبكة العلاقات السردية ، أخذ العمل الروائي يميل تجاه الغنائية ويصبح شعراً بالمعني المحدود للكلمة ، وهذا ما يحدث غالباً في النصوص المختلطة التي لا تقوي علي توظيف الخواص النوعية للرواية " . (12) وهو يقصد بالطبع نصوصاً عابرة للنوع . كما يؤكد د. يوسف نوفل أن " شاعرية التصوير " ركن من أركان التجربة اللغوية في الأعمال الأدبية ، تتجلي أكثر في الشعر لكنها في الوقت نفسه تسهم في الأعمال القصصية والمسرحية إذا ما وظفت التوظيف الملائم والمناسب علي مستوى السرد والحوار علي حد سواء بما فيها من تجسيم وتجسيد وحركة وصوت ولون " (13) ويسجل د. صلاح السروي عن إدوارد الخراط : أنه يؤصل في كتابه " الكتابة عبر النوعية " - لنوع من الكتابة ظهر في أعمال يحيي الطاهر عبد الله ومحمد المخزنجي ومنتصر القفاش وناصر الحلواني واعتدال عثمان ونبيل نعوم وابتهال سالم ، حيث يؤكد أن هذا النوع من الكتابة قديم نسبياً ، فقد كتب بدر الديب في أواخر الأربعينات نصوصاً تستعصى علي الاندراج في مألوف الكتاب وتتأبي علي الانتساب إلي نوع أو جنس أدبي محدد بعينه . أهي شعر منثور ، أم تأملات فلسفية (هكذا في النص) علي شكل قصائد نثرية ؟ أم قصص طليعي ، أم هي في النهاية قصص قصائد؟ " (14) ويحلل د.عبد الرحيم الكردي رواية " فدوي " للكاتبة الشابة "فدوي حسن" الصادرة عام 2008م ، ويتساءل : " إن أسلوب العمل وشكله لا يسير وفق الأعراف والتقاليد الروائية ولا يستخدم تقنيات الفن الروائي ، وإن لم يكن هذا العمل رواية فماذا يكون ؟ إنه يستخدم لغة الشعر الغنائي التصويرية وتحليقه الخيالي وتقطيعاته الموسيقية القصيرة وعاطفته الجياشة ". (15) وبالرغم من تفاوت الكتابات الإبداعية الروائية في درجة التداخل النوعي وعمقه ، إلا أن شيوع الظاهرة يدلل علي أنها في طريقها لأن تصير إحدى سمات الإبداع وحقيقة من حقائقه ، والدليل الكثير مما تصدره المطابع اليوم من أعمال روائية أضحت تتعامل مع المتلقي بذائقة جديدة كأعمال منتصر القفاش وسعيد نوح ومنى الشيمي وسيد الوكيل وحمدي أبو جليل . 2- بعض الظواهر الجديدة في الشعر الحديث والمعاصر :
    يعتبر فن الشعر ، من أقدم الفنون القولية العربية ، وأطولها امتدادا وأعمقها ضرباً في جذور البيئة الأدبية العربية . لقد أرّخ دارسو الأدب رسمياً – للشعر في العصر الجاهلي – بداية من فترة تسبق ظهور الإسلام بحوالي قرن ونصف من الزمان ، وربما كانت البدايات أقدم من ذلك ، استناداً إلي حقيقة استواء القصيدة والمعلقة في العصر الجاهلي ونضجهما ، مما يؤشر بوجود مراحل أو مرحلة سابقة . ولقد شهدت القصيدة العربية طوال عصورها وحتى عصرنا الراهن تطورات وتحولات ، خاصة فيما يتعلق بالمضامين والموضوعات ويظل شكلها التقليدي محافظاً علي هيئته وسمته لفترات طويلة ، إلا أن أكثر تحولات هذه القصيدة وتطوراتها إثارة للجدل والحجاج النظري حدثت في العصر الحديث ، حيث مرت القصيدة العربية وكما هو معروف بمراحلها الثلاث ، الكلاسيكية والرومانسية والواقعية (مدرسة الشعر الجديد) ، وفي هذه المرحلة الأخيرة الهامة من تطور القصيدة ، حل الشعر التفعيلي محل العمود الشعري التقليدي فكان ذلك خطوة فارقة في تجديد شكل القصيدة وأسس بنائها . لقد فتحت المرحلة الواقعية للشعر ومنذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها – آفاقاً رحيبة وفضاءات واسعة وجديدة نحو التغيير والتطور في المنطلقات والشكل والمضمون معاً ، وأسهمت بقدر أو بآخر في "كسر" عمودية الشعر التقليدي وفتحت المجال لاستخدام وظائف تقنيات فنون أدبية أخرى كالأسطورة والملحمة والقصة والمسرح وفن السينما ، إلا أنها بالرغم من ذلك كله ، ظلت حريصة ومحافظة علي موسيقي الشعر العربي وجوهره الإيقاعي . وتظل هذه الخاصية هي نقطة الخلاف الرئيسية بين تيار القصيد التفعيلي وتيار قصيدة "النثر" الحدثية . وما زال الجدل والنقاش ثائراً حولها منذ أكثر من أربعة عقود من الزمان ، وما زالت تحاول من خلال شعرائها الكبار والمميزين من الشعراء الشباب – أن تؤسس بصورة أكثر قوة وفاعلية ، طامحة لأن تفرض وجودها علي الساحة الأدبية العربية . والملاحظ أنها قطعت شوطا كبيرا في هذا الأمر ، خاصة وأن روادها خاضوا وباقتدار مرحلة الشعر التفعيلي ، بل إن بعضهم بدأ قرضه للشعر في صورته العمودية . وعودة إلي قصيدة الشعر التفعيلي التي ربما كان بناؤها الهندسي الشعري علي نحو ما تصمم القصة أو المسرحية بأجزائها ووحداتها مع تقسيم هذا البناء إلي فقرات . - كذلك استثمارها لعناصر السرد من زمان ومكان وحدث وشخصيات . - واتكاء الكثير منها علي الأسلوب الدرامي واستلهام روح الملحمة وتوظيف تقنيات الفن السينمائي علي نحو ما أثبت الأستاذ الدكتور صلاح فضل في كتابة " قراءة الصورة " (16) ، مطبقاً علي شعر أمل دنقل والبياتي وحجازي . وتقف د. اعتدال عثمان علي قصيدة " الأرض " في " ديوان أعراس" لمحمود درويش وترصد تداخلاً في بنية القصيدة يشتمل علي مستويات عدة " تظهر في أوضح صورها في الجمع بين النثري والسردي من ناحية ، والغنائي من ناحية أخرى " (17) كما يرصد د. محمد عبد المطلب " سيطرة البنية الحكائية " في شعر أحمد سويلم من خلال دراسته الأسلوبية لديوانه (الشوق في مدائن العشق) ويبين أثر هذا البعد الحكائي في دفعه للتصادم الزمني " لإشعال الدراما في الموقف الشعري " (18) وفي تلخيصه لبعض ظواهر شعرية محمد أحمد حمد في ديوانه " قطف القمر" بعد دراسته أسلوبياً ، يقرر أن من هذه الظواهر – " إفادة الشاعر من بعض الوسائل الفنية في القصة والمسرحية وتوظيفها شعرياً كأسلوب الحكاية والسرد والحوار " (19) ويقرر الأستاذ الدكتور يوسف نوفل ، أن السرد القصصي يعد أهم عناصر البناء الفني للخطاب الشعري في ديوان " أنشودة الطريق " للشاعر كمال نشأت ويثبت من الناحية العددية ، أن هذا العنصر " يحتل أكبر عدد من قطع الديوان " حتى تبدو وهذه القطع وكأنها " قصة شعرية ". (20) كما يشير في نفس الكتاب إلي قضية التراسل بين الأجناس الأدبية وينطلق من هذه النقطة إلي ظاهرة " مزج الغنائي بالدرامي " في ديوان " تنويعات درامية " للشاعر محمد أحمد العزب ويصف هذه التنويعات بأنها " تقوم بهندسة شعرية علي غرار الهندسة الوراثية وفيه تتحرك القصيدة – الغنائية – تحركا عضويا درامياً " (21) . والجدير بالذكر أن د.نوفل تعرض لقضية (تجنيس القول الشعري) بشئ من التفصيل في الفصل الثاني من كتابه "طائر الشعر" وتحدث في هذا الفصل عن علاقة الشعر بالفنون الأخرى ويقف علي العلاقة بين السرد والشعر عند عدد كبير من الشعراء وجد شعرهم يتداخل مع السرد خاصة القصصي – في كثير من الأدوات مثل : - التقسيم إلي فصول أو القصيدة المفصلية .
    - الحوار .
    - اختيار العنوان الدال علي القص ، واستخدام فعل السرد التراثي "كان" ، ومن هؤلاء الشعراء : أمل دنقل ، فاروق شوشة ، محمد أحمد حمد ، ومحمد إبراهيم أبو سنة . (22) وننتقل مكتفين بهذه النماذج إلي رصد السردي في الشعري عند شعراء قصيدة النثر ونحاول الوقوف علي نماذج لأكثر من جيل من أجيال شعراء هذه القصيدة وذلك للتأكيد علي ظاهرة التداخل في شعرنا الحديث والمعاصر من خلال ما أثبته كبار دارسينا وباحثينا حول تجليات مختلفة للظاهرة تبدت في " قصيدة النثر " . وبدايةً ، فمن طبائع الأمور ، أن قصيدة النثر بتحررها من موسيقي الشعر الخارجية فإن المجال يصبح أمامها فسيحاً للاستفادة من التقنيات السردية بكافة أنواعها وتعدد وظائفها . ونقف فيما يلي علي تجليات السردية الواضحة في قصيدة النثر عند نقادنا ودارسينا الكبار . فعند دراسة الأستاذ الدكتور صلاح فضل لديوان الشاعر محمد سليمان "بالأصابع التي كالمشط" - يقف علي ملاحظة هامة وهي "أن نظم السرد الشعرية ، خاصة في أساليب الحداثة ، لا يمكن أن تسير في خط زمني طولي متطور ، بل تصنع دوائرها ودواماتها وحفائرها الظاهرة والباطنة في جسد النص ونقوشه المجازية فتبدو كما لو كانت تحكي شيئا بينما هي في الحقيقة تغزله وتنسجه " (23) ويكتب د. حسن فتح الباب عن القصة القصيدة والقصيدة القصة ويتناول قصائد عديدة لعبد المنعم عواد يوسف وكمال نشأت ومدحت قاسم وعماد غزالي وعبد العليم إسماعيل ، ليرصد فيها آليات سردية مثل : الإيجاز والتكثيف واللقطة الدقيقة الموحية المبرزة للحدث والمصورة له . (24) أما د. محمود الضبع فيرصد ظواهر سردية في دواوين رفعت سلام " إنها تومئ لي " و " هكذا قلت للهاوية " و " إلي النهار الماضي" ويلاحظ أن القصائد تمضي في الديوان " وكأنها سرد قصصي أو نص روائي يتحدث عن الذات ويروي الأحداث " . أما عند الشاعر أحمد الشهاوي في ديوانه " مياه في الأصابع " فيقف د. محمود الضبع علي ظاهرة سردية وهي تقنية " فتح قوس " في بداية النص " نص الحالة " – يتضمن مساحة من سرد مسكوت عنه ، ثم في حركة سردية أخرى يبدأ قوس آخر في مساحة أقل ولا ينغلق القوسان حتى نهاية الديوان أو " حالة المياه " ويقف علي تجربة سابقة علي الشهاوي . حيث عمد الشاعر أمجد ريان للتجريب السردي في ديوانه " أيها الطفل الجميل اضرب " حيث يرصد الشاعر في مشاهد تميل في شعريتها إلي السرد – حياة أطفال الانتفاضة " وكذلك الشاعر سمير درويش في ديوانه " الزجاج " حيث يستخدم ضمير الأنا في تحولاته الموضوعية بين المقاطع فيما يشبه الحديث عن سيرة ذاتية (25) وتستوعب دراسة د. محمود الضبع شعراء آخرين مثل : جمال القصاص في ديوانه (السحابة التي في المرآة) والشاعر حلمي سالم في (سراب التريكو) وبالتالي تضع دراسته يدها علي المزيد من الآليات السردية الموظفة في قصيدة النثر ، كتحديد عناصر المكان والزمان والحدث ، تعدد الخطاب الشعري ، تداخل المونولوج والحوار ، توظيف البناء الدرامي القصصي ، وأيضاً التعريف بالشخصيات وأحوالها . إن شيوع ظواهر السردية في قصيدة النثر الحداثية ، فضلاً عن موقفها من الشعر التقليدي والتفعيلي وتعاملها الإبداعي بمفاهيم ورؤى مغايرة ومفارقة حدت بهذه القصيدة أن تصنع لنفسها " بلاغة جديدة " علي حد تعبير أستاذنا الدكتور محمد عبد المطلب في كتابة " شعراء السبعينات وفوضاهم الخلاقة"(26) ويجدر هنا التنويه والإشادة بتلك الدراسات المستفيضة المتأنية للأستاذ الدكتور محمد عبد المطلب حول قصيدة النثر ، وذلك من منطلق اهتمامه الكبير بمسيرة الشعر العربي وتتبع تطوراته وظواهره ، خاصة في مراحل تحولات الشعرية العربية ، وله أيضاً دراسات عديدة . وفي كتاب "شعراء السبعينات وفوضاهم الخلاقة " الذي أشرنا إليه آنفاً ، يتناول دراسة وتحليل دواوين ثمانية من شعراء النثر البارزين ومن خلاله تلقي الدراسة المزيد من الإضاءات الكاشفة والفتوحات النقدية حول خصائص وسمات فنية عامة لشعراء الحداثة النثريين مع تحديد السمات الخاصة التي تميز كل شاعر منهم (27) ولأن هذه الورقة الدراسية مقيد العمل فيها بفترة زمنية محدودة سواء من ناحية الإعداد أو العرض من خلال جلسة بحيث لا يستغرق عرضها أكثر من ثلثي الساعة مراعاة لوقت باحثين آخرين ، فنضطر مكتفين بما عرضناه خالصين إلي أهم ما جاء في الورقة على النحو التالي : أولاً : إن قضية تداخل الأجناس الأدبية فرضت نفسها علي منظري الأدب وباحثيه ، سواء في الغرب أم في أدبنا العربي ، خصوصاً للظرف التاريخي والمحدد الاجتماعي وحتمية قانون التطور . ثانياً : بناء علي ما سبق فمن طبيعة الأمور أن تتداخل حقول المعرفة وتتماس ليس علي مستوى الآداب فحسب وإنما على مستوى العلوم والفنون أيضاً . ثالثاً : إن تجليات الشعري في السردي في أدبنا العربي خاصة الحديث والمعاصر كثيرة ومتنوعة ، بل إن بعض منظرينا من النقاد والباحثين يؤصل لها في الأدب العربي راجعاً بها إلي عصوره القديمة . رابعاً : إن تجليات السردي في الشعر ، صارت سمة من سمات الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة . ولقد تفاوتت هذه التجليات حضوراً وحلولاً إلي أن صارت ظاهرة وحقيقة خاصة عند مدرسة الواقعية (الشعر الجديد التفعيلي ) وازدادت حضوراً عند شعراء قصيدة النثر ويرجع هذا التفاوت لرسوخ قيم الشعر العربي القديم وخصائصه الفنية ، خاصة الشكلية وسيادتها طويلاً علي اعتبار أن الشعر كان "ديوان العرب" وفنهم الأول بلا منازع . أحمد رشاد حسانين
    ناقد وعضو اتحاد الكتاب
    تليفون:+201220598928
    بريد اليكتروني:Ahmed_m_rashad@hotmail.com





    الهوامش :-
    1- راجع في ذلك : "رينيه ويلك " "مفاهيم نقدية " ترجمة د. محمد عصفور – سلسلة عالم المعرفة – العدد 110 - الكويت 1987 ، وفي الفصل الثاني عشر من الكتاب بعنوان "نظرية الأنواع الأدبية ص376 يقرر "ويلك" أن التمييز بين الأنواع الأدبية ، لم يعد ذا أهمية في كتابات معظم كتاب عصرنا ، فالحدود بينها تعبر باستمرار والأنواع تخلط أو تمزج وأشار المؤلف في هذا الصدد إلي هجوم "كروتشه" في "الاستطيقا 1902م " علي مفهوم النوع الأدبي واوستن وارن في كتابة "نظرية الأدب" الذي شبه فيه وجود النوع الأدبي بوجود المؤسسة التي يستطيع من خلالها المرء أن يعبر عن نفسه من خلالها وأن يخلق مؤسسات جديدة . - ود. عبد المنعم تليمة "مقدمة في نظرية الأدب" ص 123 – دار الثقافة للطباعة والنشر – القاهرة 1973م . وفي الفصل الثاني من الكتاب يؤكد د.تليمة : أن المبدأ العام في تطور الأنواع الأدبية هو أن النوع الأدبي محكوم في نشأته وتطوره بوضع تاريخي اجتماعي محدد . وانظر : " قضايا القصة الحديثة " ربيع الصبروت ص 61 وفيه يؤكد د.تليمه علي المبدأ السابق . - ود.شاكر عبد الحميد "التفضيل الإجمالي " ص315 – سلسلة عالم المعرفة – العدد 267 – الكويت 2001م . وفي الفصل العاشر تحت عنوان "التفضيل الجمالي والأدب" يلفت د.شاكر عبد الحميد – الانتباه إلي ميل النقاد المعاصرين لرفض فكرة النوع الأدبي الخالص حيث تميل الأنواع الأدبية الآن إلي الامتزاج . 2-"أسئلة السرد الجديد (مجموعة أبحاث) د.عبد الرحيم الكردي تحت عنوان "السرد الروائي وتداخل الأنواع" – ص 280 ، كتاب أبحاث مؤتمر أدباء مصر – مرسي مطروح 2008 م . 3- المصدر السابق د. محمود الضبع ص 333 تحت عنوان "السردي في الشعر / الشعري في السرد ". 4- "تداخل النصوص والأنواع الأدبية " مجموعة أبحاث وشهادات ، د.صلاح السروي ص143 تحت عنوان "الأنواع الأدبية العابرة للنوع" جامعة الزقازيق – الزقازيق مارس 2009 م . 5- "اتجاهات جديدة في القصة المعاصرة " مجموعة أبحاث وشهادات د. السعيد الورقي ص18 كتاب أبحاث مؤتمر القصة باتحاد الكتاب القاهرة يناير 2008م . 6- "أنماط الرواية العربية الجديدة" د.شكري عزيز الماضي ص37 سلسلة عالم المعرفة ، العدد 355 - الكويت سبتمبر 2008م . 7- " الرواية في القرن العشرين" جان إيف تادييه ترجمة محمد خير البقاعي ص159 – مكتبة الأسرة هـ.م.ع للكتاب – القاهرة 2006م. 8- المصدر السابق ، نفس الصفحة . 9- "المشهد الروائي العربي" مجموعة أبحاث ، المجلس الأعلي للثقافة ص420 - القاهرة 2008م بمناسبة انعقاد ملتقي القاهرة الرابع للإبداع الروائي العربي . 10- "أساليب السرد في الرواية العربية" د.صلاح فضل ص169 - دار سعاد الصباح - القاهرة 2008 . 11- "شفرات النص" د. صلاح فضل ص203 سلسلة كتابات نقدية –هـ.ع لقصور الثقافة العدد 85 –القاهرة فبراير 1999م . 12- "بلاغة الخطاب وعلم النص" د.صلاح فضل ص 294 –سلسلة عالم المعرفة العدد 164 – الكويت أغسطس 1992 م . 13- "النص الكلي " د.يوسف نوفل ص292 –سلسلة كتابات نقدية ، العدد 142، هـ.ع لقصور الثقافة ، القاهرة 2004 . 14- "تداخل النصوص والأنواع الأدبية " مصدر سابق انظر : د.صلاح السروي ص 141. 15- "اسئلة السرد الجديد " مصدر سابق ص 302:303 .
    16- انظر " قراءة الصورة " د.صلاح فضل ، مكتبة الأسرة – هـ .م.ع للكتاب – القاهرة 2003م . 17- "إضاءة النص " د. اعتدال عثمان ص 103- هـ.م.ع للكتاب ، سلسلة دراسات أدبية – القاهرة 1998م . 18- "قراءات أسلوبية في الشعر الحديث" د.محمد عبد المطلب ص189 هـ .م. ع للكتاب –سلسلة دراسات أدبية - القاهرة1995. 19- المصدر السابق ص 214.
    20- "النص الكلي " ص 79 مصدر سابق .
    21- المصدر السابق ص 123 .
    22- انظر "طائر الشعر " د.يوسف نوفل ص215 وما بعدها .
    23- "نيران الخطاب الشعري" د.صلاح فضل ص193 مكتبة الأسرة - هـ.م.ع للكتاب – القاهرة 2004 م. 24- راجع بالتفصيل "اتجاهات جديدة في القصة المعاصرة"ص48 ، مصدر سابق . 25- راجع " أسئلة السرد الجديد " مصدر سابق ص337 وما بعدها .
    26- والكتاب صدر عن مكتبة الأسرة هـ . م.ع للكتاب القاهرة 2009م
    27- الكتب التي تضمنت دراسات د.محمد عبد المطلب حول قصيدة النثر : - "تقابلات الحداثة في شعر السبعينات " 1995م.
    - "هكذا تكلم النص" 1997م .
    - "النص المشكل " 1999 "
يعمل...
X