النص حين يكون مشحوناً بالمعنى / قراءة نقدية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عدنان الفضلي
    عضو الملتقى
    • 19-06-2007
    • 146

    النص حين يكون مشحوناً بالمعنى / قراءة نقدية

    النص الشعري حين يكون مشحوناً بالمعنى
    قراءة في نصوص الشاعرة العراقية نورية العبيدي

    عدنان الفضلي



    القنوات الشعرية التي انفتحت على بعضها البعض من خلال قصيدة النثر ، جعلت العلاقة بين الشاعر والمتلقي تتباين من قصيدة الى أخرى ، ليس من باب الذائقة أو التقنية كما هو متعارف عليه في القصيدة العمودية ، بل من ناحية اتساع منظومة البث لدى الشعراء نتيجة تلاقح التجارب الشعرية ، حيث أصبحت قصيدة النثر تحتل مكاناً اكبر بين الأجناس الأدبية الأخرى على مستوى العالم ، ولابد من الإقرار بأنها أضحت قصيدة الحاضر والمستقبل ، كونها الأكثر قدرة على ربط وتوثيق العلاقة بين الصيغة الشعرية والتوغل في مجاهيل الشعر القادمة من كل أركان البلدان المنتجة والمصدرة للأدب .
    وعالمنا العربي لم يبتعد عن كل هذه التغيرات التي طالت الشعر برغم ان القصيدة العمودية هي رمزه الشعري – لكنه ساير المدارس الحداثية واختط له نهجه الذي يمكن تسميته بالقصيدة العربية الحديثة ، من خلال الانطلاق في أجواء التحديث المتواصل الذي أنتج شعراً اختلفت سماته كثيراً عما هو متداول ، من حيث التوظيف الانفعالي والمكاني كون المجتمع العربي له اشتغالات خاصة به تعتمد الموروث الاجتماعي والأخلاقي وغيرها من مميزاته التي لا يشبه بها مجتمع آخر فكانت له نتاجاته الأدبية التي تخصه .
    وأنا هنا أحاول أن اثبت ذلك من خلال تناولي لبعض نتاجات شاعرة وأديبة عراقية نفثت من خلال النثر قصيدتها الخاصة ، وفق أسلوب الانثيال المركز والتناول غير المرتكز على الفوضوية الشعرية التي ينتهجها بعض الشعراء العرب . فالشاعرة ( نورية العبيدي ) التي انا بصدد إجراء قراءة سريعة لنصوصها ، تحاول ورغم صعوبة المهمة أن تحقق لنفسها تفرداً تؤسس له عبر أشكال توصلت لها دون أن تضعها في اطر أو حدود واضحة ، بل راحت تنتج نسيجاً شعرياً يكون القلب فيه هو المحور ، وتوجت اسلوبها ببنية شعرية تختفي وراء ذائقة وتصور ورؤية يغلب عليها الحس الشعري وجزالة اللفظ ورشاقته .
    قلب هذا الشاعرة مليء بالكثير من الحب والعاطفة المشتعلة توزعها على الوطن والحبيب والعائلة ، لذلك لن يصعب على الباحث عنها كشاعرة .. التقاط الصورة الرقيقة والراقية التي تحتويها نصوصها الشعرية التي أنتجتها طوال تجربتها الأدبية التي تنوعت بين الشعر والقصة والترجمة والبحث ، ولو تمعنّا في هذا المقطع الشعري الذي اجتزأته من نص بعنوان ( رسالة غير خاصة .. اليه ) والذي تقول فيه :
    " أود أن أضمّك بكل جِراحك إلى صدري ، / لكن المشكلة / أنّ صدري صغير /وحجمُك كبير!"
    فحتما إننا سنتوقف عند تفاعلها الحسي مع قضية الوطن حين بثت لنا صوراً مجسمة لكنها غير مرئية .. تدلنا على عمق التصاقها بذلك الوطن الذي أوجعها أن تراه يساق الى مقصلة الغرباء . لكن هذه الشاعرة لم تتجه للنواح أو التباكي على جرح الوطن كونها مؤمنة تماماً ، بان وطن - علم الإنسانية كل هذه المعارف – لا يمكن أن يموت بيد حثالات ، لذلك كان جانبها المشرق هو من يكتب العراق ويؤرخه كبيراً وعظيما الى الأبد .
    وفي قصيدة أخرى عنونتها بـ ( مع انك غير عادي ) وجدتها تؤكد إن الشعر العربي يرتبط تماماً بالموروث الشعبي حتى وان دارته شاعرتنا بمسحة لها سمات - لربما تقمصتها من قراءات سابقة لنتاجات غربية ، كون الشاعرة تعمل في مجال الترجمة ، وحتماً إنها تأثرت ببعض الشعراء الحداثيين الذين قرأت أو ترجمت لهم . وها هي تقول :
    " فبحثتُ بعيدا / لربما.. / يكون حيث أكون / من يملك أن يكون ملجأً !/ أُبلغُ منه تحديا / أُبلغُ أنَّه غيرُ عادي / فيحملني على جنحِ عصفورةٍ / أو يخبأني في سِبْرِ غَوْرٍ / له أن يغير الأمور!!! "
    وهنا وجدتها تكتب نصها عبر انثيال بصيغة شهادة لواقع تعيشه هي وتعرف تفاصيله ، لكني اجزم إنها كتبت هذا النص دون ان تكون قد أعدت أفكاراً مسبقة ، لذلك تركت أثراً نفسياً فاعلاً في المتلقي لهذا النص من خلال الإسقاط الذاتي على الواقع ، والذي يتشابه في داخل اغلب الأشخاص المتمتعين برقة تزدحم في ثناياها حالات إحباط نفسي ومواجع متوارثة.
    أما الصورة اللافتة لدى هذه الشاعرة فهي : إنها حين تسترسل في انثيالها الشعري تذهب ودون وعيها - نحو التضبيب من خلال جمل أراها أنا : متلكئة بعض الشيء برغم كونها مشحونة بالمعنى بحسب تعبير ( عزرا باوند ) ، وحين أقول ذلك فلست أعدها مثلبة ، فانا مؤمن جداً بان الشاعر يعيش أحياناً هواجس مضببة ، وحين يبثها قد تضيع على المتلقي الاعتيادي ، لكنها على المتلقي الآخر ستكون شبه واضحة أو واضحة تماما وهذه الصورة وجدتها عبر هذا النص الذي أخذت من عمقه هذا المقطع الذي امتلأ بإرهاصات تعود لداخل الشاعرة ذاتها حيث تقول :
    " هكذا أنتَ / حينَ تُحِبُّ "تَقْتُلْ! / فظننتَ بفخرٍ أَنيّ رُشِّحْتُ، / حينَ أحبَبْتَنيِ ، "قتيلة !! "
    في نصوص أخرى للشاعرة ( نورية العبيدي ) وجدتني لا أوافقها كثيراً حين أراها تضع الصور الشعرية بمباشرة تامة وإسراف في السرد و لم تترك لنا وقفات تأمل ، حين جعلتنا نلتهم تلك النصوص دفعة واحدة ، في حين كان عليها أن تترك المتلقي يستقبل جملها الشعرية بدون المعنى الحرفي لما رغبت أن تقوله او توصله الى من أرادت له ان يعيش تلك التفاصيل . وأظن أن شفافية روح شاعرتنا قد أجبرتها على البوح الصريح . فهي امرأة تأثرت بما حولها من صور الحب / الحرب / الدمار / الشوق وغيرها من الصور الحياتية التي يعيشها الإنسان العادي .
    وبرغم كل ذلك فإنها صنعت ومن خلال تلك النصوص أفقاً آخر يخصها ، دارته بجملها النقية وانثيالاتها الموغلة بالشجن العراقي الأصيل ، كيف لا .. وهي العراقية المدججة بحزن سومري وشجن توارثته الأجيال العراقية عبر سنين تكررت لستة آلاف مرة ، وتعيش في عالم تحيط به السنة النار من جهة وصوب .
    وحين أريد التحليق بالقرب من ذلك الأفق ، فلابد من التوقف عند احد تلك النصوص وأعيش تفاصيله ، لأعرف أسباب نزوحها نحو تلك المباشرة في الطرح وقد وجدتني متوقفا هنا عند هذا المقطع الذي أعدت ترتيله لأكثر من مرة ، ووجدتها من خلاله وقد أغلقت باب الاستفهام لتتركنا ندور عند النص ونستشف منه قلقها والوجع المطلق الذي جعل منها تهذي بما جادت به قريحتها لتمنحنا أشياء غير نحيبية ووجع خال من البكائيات التقليدية حيث تقول في نص حمل عنوان ( صورة بلا اطار ) :
    " كسروا جناحي، / فبتُّ فراشةً بلا جناح / امتصوا عبيري../ فصرتُ وردةً بلا عبير، / حطّموا إطاري / فأصبحتُ صورةً بلا إطار "
    وقبل أن انتهي من التفاصيل التي احتوتها قراءتي لهذه الشاعرة أود أن الفت الانتباه إلى إني كنت هنا محصوراً بين القارئ والناقد ، بمعنى إني ما استخدمت أدوات نقدية كاملة ولا كنت قارئاً سطحياً مرت به النصوص ولم ينتبه للتفاصيل المثيرة التي تحتويها .
    كانت هذه الشاعرة مستفزة لي جداً ، عبر الصور الشعرية التي قربتها لي ، وجعلتني أنظرها مليئة بروح الإبداع والدلالات الجمالية التي تنثرها بدون إطار نثري مزخرف ، بل وفق مخيلة شاعرة قادرة على التشكيل وتركيب القصيدة بحيث لا تكون مماثلة للواقع تماماً . وجعلتني ايضاً اقرأ لها على انها امرأة تحمل مقومات ذوقية سمحت لها باحتفاظها بملامح محلية خاصة ، دون إقحام ملامح لا تعود للمكان الدرامي الذي تشتغل عليه . وبذلك ابتعدت عن التمرد ولم تتركه يهيمن على نصوصها ويخلطه بالفوضى ، كما فعلن بعض الشاعرات العربيات الحداثيات اللوات لم يتمسكن بسمات القصيدة العربية .




    [IMG]http://www.alnqa.net/amal1/uploads/images/alnqa-1ea866c830.jpg[/IMG]
يعمل...
X