نفحة رمضانية !!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عمرو محمد
    أديب وكاتب
    • 27-11-2011
    • 197

    نفحة رمضانية !!

    1
    كانت ساعة العصاري حين أشتري لفافة التبغ من الكشك الواقع بجوار مائدة الرحمن،جلس إلي مائدة الرحمن قبل الفطار بساعتين،يضع أمامه لفافة التبغ منتظراً الدخان الذي لا يطيق فراقه،لا يتذكر متي أخر مره فطر مع أسرته في المنزل،في السنوات الأخيرة أصبح لا يملك منزلا،حتي حين نام في الشارع لسنوات،لم يصبح المتسول ذات الأموال المخبئة في مكان مظلم ما،هدوم رثة،رائحة لا تطاق،تمر الساعة الأولي،يبدأ القائمون علي مائدة الرحمن وضع أكواب المياة،العيش،المخللات،وهو ينظر إلي تلك الأشياء التي ينتظرها من العام إلي العام،رمضان كريم،يفكر لو كان رجل صاحب أموال كان سيقيم مائدة ككل يوم،ولكنه يعلم بأن من لديهم أموال يقيمون موائد من أجل أن يتم ذكر أسمائهم،يلعنهم،ينظر إلي السيجارة،ينظر إلي الأطباق الساخنة التي بدأو بوضعها،ينظر إلي مئذنة المسجد القريب،يطلب من أحدهم الذي معه راديو أن يرفع الصوت كي يستمعوا إلي المدفع والأذان،ينتظر ممني نفسه بوجبه لذيذة ودخان رائع !!
    2
    يوماً ما كان فقيراً،يوما ما فهم الطريقة التي تستطيع أن تنجح بها في هذة البلد،يوماً ما قرر أن ينجح في هذة البلد،يوماً ما صار من أغنياء البلد،يوماً ما صارت له مائدة رحمن بإسمه،وأصبح من يمتص دم الفقراء نصير الفقراء !!
    3
    ينظر إلي المئذنة،قال أحدهم "تبقي دقيقة أو أقل"،أستمع إلي مدفع الأفطار من الراديو الذي كان قريباً،نظر إلي السيجارة،أخبرها بأنه سينهي الوجبة الساخنة سريعاً قبل أن يشربها بمزاج هادئ،حبيبته التي يستطيع الحصول عليها بقروش معدودة رغم أن تلك القروش زادت إلي أنها تتبقي قريبه منه،لا ينتظرها من العام إلي العام،أحيانا يضعف في نهار رمضان،ويعمل بالفتوي التي أفادت بإن الدخان لا يبطل الصلاة،أحيانا يفطر حين يتذكر بأن والدته أخبرته ذات مره وهو صغير "أحنا بنصوم عشان نحس بمعاناة الفقرا"،هو فقير فلماذا يصوم،ولكن تلك الفرحة وكأن هناك نقطة نهاية سيتحول بعدها كل الصبر إلي نتيجة جميلة تجعله تصوم،يلتهم كل ما أمامه بطريقة عشوائية تجعل الجميع ينفر منه،يطلب منه أحدهم أن يأكل بطريقة آدمية،يغضب يسب لهم جميع الملل،يخبرهم بصوت مرتفع بأنه فقير ولا يري اللحم والدجاج إلا في رمضان،يبكي،يشعر الجميع بالأسف من أجله،هو يعلم بأن الجميع مثله فقراء أو عابرين سبيل تأخروا علي موعد الأفطار،ولكنه كان أكثرهم فقراً فلما لا يبدون الأحترام له،يسبهم مرة أخري،يعود إلي الرصيف بجوار الكشك،يشرب لفافة التبغ،يغني "رمضان جانا"،يطلب من بائع الكشك لفافة تبغ أخري !!
    4
    ولكن كرجل أعمال،لابد أن يذهب كي يتم تصويره وسط الفقراء،الأكتفاء بصنع مائدة رحمن دون التصوير مع الفقراء بها يذهب الحسنات،ذهب إلي مائدة الرحمن قبل أن تنفض ومعه الكثير من العلب التي تحتوي علي مأكولات،أصطف عدداً لا بأس به منتظرين الحصول علي نفحة من صاحب الأموال التي لا تنتهي !!
    5
    بعد أن تناول لفافة التبغ الثانية،قال لنفسه ولكني فقير أستحق تلك النفحة أكثر منهم،قام،أقترب،وقف وسط الجميع،وبصوته المرتفع وشكله الذي يثير الأشمئزاز،أقترب،أفسحو له الطريق كي يتخلصو منه مسرعاً،حين أقترب ودقق في وجة رجل الأعمال،تعرف عليه،كانت المائدة بإسم رجل الأعمال وكان يعرف بأنه سمع ذلك الأسم ألف مره،ولكنه لم يكن يدرك بأنه ذلك الفتوة الذي كان السبب وراء تدمير منزل أسرته في يوماً من الأيام،كان ينتظره كان يعلم بأنه سيراه مرة أخري وأنه سينتقم،كان المشهد عبثياً يفكر مسرعاً،نفس الشخص الذي أطعمه هو من دمر أسرته،يتذكر المشهد الأخير،ديون والده التي جعلت من هذا الفتوة ملاك موت يدمر المنزل،كي يعود يوماً ما إلي أسرته فيجدهم موتي تحت الأنقاض،يتذكر السنوات التي ضاعت وهو ينتظر علي الرصيف،يتذكر البرد الحر وجبة الفطار التي ينتظرها من العام إلي العام،لفافات التبغ التي لا يستطيع الحصول عليها بالسهولة،السنوات الضائعة،يجد نفسه وجهاً لوجه مع الفتوة الذي تحول إلي رجل الأيمان والأعمال،وجد سكيناً قريباً،وجد دم علي يديه ورجل سقط،لا ينتبه إلا علي أيادي تبعده بالقوة،شتائم تنهال عليه،نظرة أخيرة بالأحتقار من رجل الأعمال،في وسط هذا الصخب،صوت الآذان يعلو من المسجد القريب،صوت عربات الأمن تقترب،سيذهب إلي الأعدام،وسيذهب رجل الأعمال إلي المسجد كي يصلوا عليه،يضحك بشدة،ينظر نظرة أخيرة إلي الرصيف الذي يشكل عالمه،ويتمني لو كان حراً كي يشعل ما تبقي من لفافة التبغ الذي ألقاها حين ذهب مسرعاً لينال نفحة من نفحات رمضان الكريم !
    حكاوى بشر ببلاش!
    https://www.facebook.com/7KAWYB4R
    وما البشر إلا حكاوى تصلح للسرد..
يعمل...
X