أفول الليل * تأليف: الطاهر محفوظي/قراءة: محمد المهدي السقال

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد المهدي السقال
    مستشار أدبي
    • 07-03-2008
    • 340

    أفول الليل * تأليف: الطاهر محفوظي/قراءة: محمد المهدي السقال

    أفول الليل *
    يوميات من سنوات الرصاص
    تأليف: الطاهر محفوظي

    قراءة:محمد المهدي السقال

    مشاركتي المتواضعة في ندوة حول "أدب الاعتقال السياسي"، مؤلف " أفول الليل" نموذجاً، بدعوة من "جمعية أفق للثقافة والإبداع" بسيدي سليمان.

    سأحاول مقاربة مؤَلَّف "أفول الليل"، للكاتب المغربي الطاهر محفوظي، باعتباره تعبيرا واقعيا عن تجربة معيشة في المحدد من الزمكان، لم تكن معزولة عن سياقات واقع الاعتقال السياسي بمختلف صوره وتجلياته ما ظهر منها وما بطن، لذلك ستجد الورقة نفسها منزاحة في كثير من الوقفات إلى استحضار مخرجات ما يعرف بـ "هيأة الإنصاف والمصالحة"، لارتباط صدور التأليف في ماي 2004 بالتأسيس الرسمي للهيأة في يناير من السنة نفسها.
    ذات حوار تساءلت عما إذا كان من الممكن الحديث عن تأدُّب كتابة الاعتقال السياسي في المغرب، وليس عن أدبه. ذلك أنّ الأدب من فعل أدُب دلالة على الحذق والإجادة فيما يقع على فنون التعبير من طرف الأديب، قد لا ينطبق على مجمل ما يندرج ضمن عنوان " أدب الاعتقال السياسي"، لاعتبارات تتصل بطبيعة الخطاب الأدبي وآليات اشتغاله الفني، بحكم خصوصية تلك الكتابة ذات الصلة بالسير ذاتي، وما تستدعيه من مقامات الصدق والتوثيق والأمانة التاريخية، بعيدا عن التخيل إلا بمقدار ما لا يخرج بالمتن عن الحقيقة في جوهرها.
    أما اقتراح "تأدُّب الاعتقال السياسي"، فيسوغه عندي ما يدل عليه المبنى مصدرا من الفعل المزيد على وزن " تفعَّل"، بما تواتر عنه من معاني المطاوعة والاتِّخاذ والتكلُّف والتجنُّب، ذلك أن المطاوعة بالإرادة في تلك الكتابة، تبقى محكومة بحصار الموضوعية في الأقصى تجنبا للوقوع في التكلف المجاني، وبالتالي فقدان مصداقية التمثل الذاتي في شروطه الواقعية للتجربة الشخصية.
    أتصور إمكانية ترجيح استعمال لفظ " التأدّب "، خروجا عن سلطة المتداول تحت تصنيف "الأدب، بالنسبة للكتاب الذين عاشوا التجربة شخصيا وسعوا إلى ترجمتها باللغة لتكون شهادة للتاريخ، قبل توخي صناعتها الجمالية لتكون إبداعا فنيا خالصا، يسمح بهامش للحرية في الحكاية، بعد مراعاة ضوابط التلقي في محيطه السوسيوـ سياسي
    ).
    وإذا كان تصنيف تعبيرات رواد السجون ممن تواجدوا فيها بأحكام قضائية في قضايا الحق العام ضمن الأدب، بحكم طبيعة التجربة السجنية وقابليتها لإعادة الكتابة عنها بصيغ تقبل الحكاية الفنية بحذق وإجادة الكاتب فيها أدبيا، فإن التأدب يبقى الأقرب إلى توصيف كتابة الاعتقال، لصدورها عن تلك الرغبة الإرادية في الحكاية عن معاناة " الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والاعتداء الجنسي والحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية والاغتراب الاضطراري".
    يضاف إلى ذلك ارتباط لفظ التأدب، بمنحنيات كتابة الاعتقال السياسي باعتبارها بعدية التأليف، إذا تبقى متأرجحة لدى الكثيرين بين التصريح والتلميح، متفاعلة مع إكراهات الواقع الجديد، أو متأثرة بظلال ترسبات التجربة، وما نتج عنها من فيوبيا الاعتقال نفسيا ووجدانيا وذهنيا، تمظهرت في التردد بين البوح في الأقصى بمكابدة ذلك الاعتقال المعلق في اللازمكان، وبين التراجع النسبي تحت عنوان النقد الذاتي أو المراجعة لما يعتبره البعض أخطاء مرحلة سبقت النضج والوعي بالتفاصيل التي حجبتها ظروف ما.
    وقد يرتبط التأدب، بفسح مجال أوسع لهامش ما يمكن اعتباره نوعا من النقد الذاتي بغية انسجام المراجعة مع موضوعية أكبر، كما يمكن أن يرتبط ذلك التأدب باختيار التناسب مع عموم الخطاب الموجَّه والموجِّه لمسار مشروع الإنصاف والمصالحة، بعيدا عن تلك المواجهة الواردة والمحتملة، حول قضايا بقيت شائكة أو معلقة لاعتبارات شتى
    .
    في هذا السياق أستحضر ورقة منشورة تعود لسنة 2008 تحت عنوان: " ورقة متأخرة حول هيأة الإنصاف والمصالحة في المغرب: في انتظارِ اكتمالِ النِّصابِ بِالأحْياء ".
    أثرت فيها جملة تساؤلات، أعتقد أنها ما تزال قابلة للتداول، بحكم استمرار القفز على كثير من جوانبها في مواصلة التعاطي مع موضوعة الاعتقال السياسي
    .
    وقد أحببت إعادة طرحها، أملا في الاستماع أكثر لما يمكن أن يصحح لي تصوري أو رؤيتي المتواضعة حول الموضوع.
    هل كانت الهيأة منذ البداية، استجابة لضرورات المرحلة التاريخية، على خلفية التحول في رؤية النظام الرسمي، لمفهوم وممارسة اللعبة الديموقراطية ؟!؟
    ! أم أنها في النهاية، محصلة مخاض سياسي، عاشته النخب الإيديولوجية الطليعية، في صدامها مع المؤسسة الحاكمة ؟!؟!
    كيف انتصر العزف على نغمة الحاضر وآفاق المستقبل على الأمل والرجاء، بديلا عن النقر في الماضي وتعريته وافتضاح الحقيقة (والتي استبدلت بالمصالحة لاحقا بعد تأسس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والانصاف سنة 1999 كيف تم تغييب كل المعنيين بالشهادة على العصر، في موضوع انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب، تحقيقا لاكتمال النصاب القانوني، واكتساب الحكم المُتداوَل بشأنها، مصداقية إجرائية قمينة بالإقناع قبل المواساة
    .
    وهنا تساءلت كيف تم احتواء الفاعلين الرئيسين في الصراع، بحيث لم نسمع إلا لماما جرأة حزب سياسي أو نقابة عمالية، للحديث عن لجنة وطنية مستقلة، تناط بها مهمة الفحص والتحري في ملفات الفساد والتواطؤ، كما توكل إليها مهمة الاستماع إلى كل المتضررين والشهود، ولو على سبيل إعادة الاعتبار ونفض الغبار.؟؟.
    أما بعد، فهذه ورقة حول مؤلف " أفول الليل "، للكاتب المغربي الطاهر محفوظي، أحد وجوه الاعتقال السياسي في مغرب ما صار يُتداول تحت عنوان سنوات الرصاص، ولا أزعم أنها تبحث عن إضافةٍ أكاديمية للنقد المُنشغل والمشتغل على أدب الاعتقال عامة، لأنها لا ترغب في أكثر من ممارسة غواية القراءة، في نص فرض وجودَه على تلقِّي الشخصي، لاِعتباراتٍ تجدُ صداها في تميُّز حضورِه ضمن أسئلةٍ جديدة ومُتجددة لموضوع صار قديما، بعيداً عن المُزايدة فيما سيروجُ تحت الطلب في سوق التَّزَلّف بالكتابة في الموضوع
    .
    لن أعود الى مفاصل الكتاب الكثيف في حجمه، (332 صفحة من القطع المتوسط) من خلال تتبع فهرس محتوياته، لأن المائة وستة وثلاثين عنوانا، جاءت واضحة الدلالة على مضامينها، محددة الإحالات على أسماء واقعية وأحداث معيشة، لتكون شهادة موازية لما يروج حول كثير من الحقائق الموضوعية بقلم المعنيين بالتجربة لأنفسهم بأنفسهم، بعيدا عما تم تداوله كتابٌ بالوكالة لسبب من الأسباب، ليس الآن تحليل دوافعها و مراميها.
    في هذا السياق، سأحاول تجاوز ما تم تناوله نقديا على هامش المتابعات الجادة التي حظِيَ بها مؤلَّف " أفول الليل "، دفعا لاجترار كثير من الملاحظات التي وقفت عنده، باعتبارما تحقق له ضمن البواكير الأولى للكتابة في الموضوع من اهتمام لافت، لما حققه من تمَيُّزٍ على مستوى التأليف، سواء من حيث صيغته التعبيرية وبنيته الفنية، أو من حيث صدقية التناول للتفاصيل الحدثية الصغيرة بأمانة تاريخية، هيمنت عليها البساطة والابتعاد عن التكلف في الحكاية، فكانت أقرب إلى الوجدان التاريخي في الكيان النفسي والسياسي للإنسان المغربي، بالرغم من ظهور بوادر الميل إلى توظيف التخيل في مستواه الرمزي، ضمن ما أصفه بالخيال العاقل، لكونه لم يجنح إلى تصوير ما ليس له خلفية في واقع المعاناة الشخصية في سياقاتها الموضوعية كما قلت
    . صدرت الطبعة الأولى لـ " أفول الليل " في ماي سنة 2004، متزامنة مع بداية بوادر الانفراج في التعاطي مع موضوعة الاعتقال السياسي، ارتباطا بسياق تأسيس ما سيعرف بهيأة الإنصاف والمصالحة رسميا في يناير 2004 بالمغرب، و هو ما يمكن أن يثير لدى البعض سؤال تأجيل الصدور بعد قرابة الثلاثين عاما من الإفراج، وضمنه سؤال حول ما إذا كتابة المتن نفسه، قد تمت خلال مقاساة الاعتقال والسجن، في شكل ورقات استدركها المؤلف بالجمع والتنسيق، أم أن المؤَلَّف لاحق التوثيق لتلك التجربة من الذاكرة؟
    بالنظر لمحتويات كتاب " أفول الليل" وطريقة العرض ،يبدو أن الكاتب سيبقى حريصا على توفير أقصى حد من الموضوعية في الحكاية عن الذاتي ، سواء مما كان عبارة عن شذرات متفرقة تمت إعادة صياغتها، أو مما تم استحضاره من تلك الذاكرة بمنتهى الصدق مع النفس والآخر في التوثيق بأمانة ونزاهة، بدءا من الاعتقال في الثالث من مارس 1973، " بالمنزل رقم “10” وهو المقر السري للمنظمة التي كان ينتمي إليها، والتي امتدت أكثر من عامين إلى حدود أبريل 1975، بين مفوضية الشرطة بالمعاريف وسجن"اغبيلة "، قبل انتهاء مخاضها بحكم البراءة على الجميع).
    هل كان عنوان" أفول الليل "اعتباطيا؟ أم جاء استجابة لوعي متجدد بالمرحلة التي رأى فيها الكاتب النور بعد جحيم الظلام بكل مفردات العنف النفسي والجسدي؟ بمعنى آخر، هل كان الأفول أفولَ ليل الزمن الشخصي لتجربة الاعتقال في حياة الكاتب؟ أم كان أفول ليل الزمن التاريخي ذي الصلة بظروف وأسبابِ ما تعرض له الكاتب ورفاق الدرب، عقابا لهم على أفكارهم وانتماءاتهم وأحلامهم بالتغيير؟
    قد نجد في مقاربة ما تجمع عليه المعاجم اللغوية حول المعنى العام لمصدر" الأفول"، مُختَزَلا في الغروب والغياب والاستتار والاختفاء بعد ظهور، وهنا أتساءل باستمرار كيف يتم تجاوز لفظ الإخفاء لفائدة استعمال الاختفاء وبينهما من الفرق ما يعني الكثير، لقراءة أبعد من المستوى اللغوي، ارتباطا بحُمولة المؤَلَّـف، خاصة إذا استحضرنا من المعاجم نفسها، ما استدركتْ به على ذلك المعنى العام، حين ربطت " الأفول" بحالةٍ من الضعف التدريجيّ تتبع النموّ أو العظمة أو النَّجاح في مسار وجود أو شيء ما.
    غروب الليل/ غياب الليل/ استتار الليل/ اختفاء الليل/ ثم ربط الليل بحالةٍ من الضعف التدريجيّ تتبع النموّ أو العظمة أو النَّجاح في مسار وجود أو شيء ما. سأزعم أن المعانيَ تحيل على" أفول الليل " ارتباطا بالظرف السياسي المؤطر لفضاء المرحلة في سيرورتها وصيرورتها التاريخية، من حيث هو غروب مؤقت قابل للعودة والظهور، أو غياب معلق على أسباب تبرر استتاره واختفاءه إلى حين، اتصالا بالمعنى اللاحق للأفول، باعتباره حالة من الضعف أعقبت قوة النظام ونجاحاته الوهمية في مرحلة المعيش السياسي من حياة الاعتقال
    . أثير تلك العلاقة الواردة بين العنوان ومضامين ورقات التأليف، للوقوف عند ثلاث فقرات بعينها، تضمنتها كل من الأولى في الصفحة (76) تحت عنوان: "بين الحكومة والدولة والقصر" أثناء التحقيق في الاعتقال، والثانية في الصفحة (25)، خلال حديث الكاتب عن محنة تردده بين الردهات الإدارية من أجل تجديد جواز السفر، بينما تقع الفقرة الثالثة في الصفحة (313)، تحت عنوان "أيها الرفيق الجلاد تعال لنتصالح".
    في الورقة الأولى، و جوابا عن سؤال في التحقيق: "إذن أنتم ضد القصر"يقول الكاتب: صعقت من أثر المفاجأة ولم أظهر ذلك... إنه يريد توريطي في المس بالمقدسات وقلب النظام الملكي وأنا الذي كنت أنأى عن اهذه المنطقة الحساسة! إننا ضد الحكومة ولا علاقة لنا بالقصر! ... وبعد شرح معارضتنا للدولة والحكومة وانتقادنا لهما وتقديم الحجج، سألني من جديد: هذا يعني أنكم ضد القصر؟ تتآمرون ضده؟!
    أما الورقة الثانية فسيقول فيها مُعلقا على رد القائد عن استفسار المنع: "هذا أمر عجيب": " لم أقل له إنه أكثر من عجيب وأنه سريالي، مخافة أن يغضب! ولإذابة الجليد ولبدء مفاوضات كنت أعرف أنني لن أجني منها طائلة قلت: لعل السبب هو السجن...!
    (للتذكير فقط، ستتواصل محنة الكاتب مع جواز السفر ومغادرة التراب الوطني الى حدود 2002
    )
    الواضح أن القناعة راسخة بكون الليل لم يغرب ولم يغب، وأن الوضع لم يعرف أدنى تحول في ممارسة العنف في حق ضحايا الاعتقال السياسي حتى بعد انتهاء محكوميتهم وبراءتهم في النهاية. غير أن القارئ العابر لهذه الفقرة، قد يجد ما يمكن اعتباره تراجعا ناجما عن التحول في الرؤية للوجود بعد تجربة مريرة مع الاعتقال، يمكن وصفها بالتراجع تحت ضغط إكراهات التجربة أو تحت ضغط اليأس من الاستمرار بالنفس ذاته مصدر التجربة، وقد تكون قراءة بالفعل عابرة ومتسرعة، باعتبار استبعادها لإمكانية تطور الوعي بالواقع في ظل كثير من المتغيرات التي طبعت المرحلة اللاحقة، أو عدم استحضارها لمستوى النضج الوارد في ذلك الوعي بالذات، بعد معايشة أكثر واقعية للتحولات التي طبعت تغير وتبدل كثير من المفاهيم والأفكار ذات الصلة بالنسق الإيديولوجي المهيمن على الوعي السياسي في مرحلة الانتماء للفصيل الطلابي في مستواه التلاميذي خلال بداية السبعينات من القرن الماضي.
    وبالتالي لا يمكن وصف المهادنة مع السلطة في موقف مخصوص، بكونه تراجعا بأي شكل من الأشكال، بقدر ما يمكن اعتباره تحفظا على الانسياق وراء الانفعال الطافح بالثورة والغضب، لفائدة التروي والتعقل في مواجهة الاستفزازات التي تبقى حريصة على استعادة الزمن المقيت.
    ولنفي أي تسرع في الحكم القيمي على الموقف (المرتبط بسنة 1981 والجرح ما زال طريا في النفس والوجدان، والمرحلة ما زالت تلقي بظلالها على كثير من الأحداث والتطورات في الساحة النقابية والسياسية والاجتماعية)، كانت الحاجة ملحة لاستحضار معطى لافت تضمنته الورقة قبل الأخيرة، يحيل على حقيقة الموقف الثابت للكاتب، ارتباطا بسياق ما سيعرف بهيأة الإنصاف والمصالحة في المغرب.
    (كان صدور الكتاب في ماي 2004، أي بعد تأسيس تلك الهيئة رسميا في يناير 2004)،
    وقد تم اعتماد نهاية فقرة الورقة قبل الأخيرة من الكتاب، تحت عنوان: "أيها الرفيق الجلاد تعال لنتصالح"، لكونها تقدم بوضوح ما يشي برؤية نقدية للمخرجات المحتملة لهيأة الإنصاف والمصالحة، والمخولة بحكم صلاحياتها لتقييم ضرر التنكيل والتعذيب وإهدار الكرامة باعتبارهم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، لا بد من إنصافهم ورد الاعتبار لهم
    .
    فقد شرط الكاتب باعتباره الشاهد والضحية، لتنازله ومسامحته وصفحه عن ذلك الجلاد الشبيه عنده بالكلب المسعور، إحضار " كل الشهداء" للتنازل عن " آلامهم ودمهم" والعفو عنه. غير أن القبول بإمكانية الاستعداد " للمصالحة والمسامحة والإنصات وما بينهما من متشابهات"، يبقى مواجها / حتى لو تحقق الشرط المستحيل / برفض قبول الكاتب الضحية، لمسامحة الجلاد له أو إنصافه أو العفو عنه، مادام بالنسبة إليه " أحقر"، وهو " أكبر من أن" يتساوى معه.
    لعل هذه الصرخة القوية، إنما تعبر عن موقف حازم من المزايدة على معاناة الاعتقال السياسي، وهي نبرة حادة قليلا ما استمعنا إليها، بعد انخراط أكثر من صوت ضمن ضحايا سنوات الرصاص، في لعبة التعاطي مع السلطة بمنطق " عفا الله عما سلف"، أو بمنطق تجدد الوعي بالحقبة السوداء، على خلفية أطروحة النقد الذاتي وما جاوره.
    أما بعد، فقد حاولت تلمس ملمح من ملامح الإضافة النوعية التي حققتها كتابة "أفول الليل" للطاهر محفوظي، متمثلة أساسا في رفض اختزال محنة الاعتقال السياسي في إطار معاناة الذات الفردية لانتهاكات حقوق الإنسان على المستوى الشخصي، إذ تجاوزت تلك الرغبة فـي البوح بصوت مرتفع، تحت عنوان استعادة التوازن النفسي والمصالحة مع العالم بعد تحقق المكاشفة، لتصبح صرخة مسترسلة يتوازى فيها حق التاريخ على الكاتب في الوفاء لقيم الصدق والأمانة والدقة في توثيق التفاصيل المادية لمحنة الاعتقال والسجن، مع حق الواقع الراهن في مواجهة الجلاد وتعرية تمظهرات امتداد الأسباب الجوهرية لتلك المعاناة. خاتمة مفتوحة: هل ستتاح فرصة تجديد قراءة " أفول الليل " للطاهر المحفوظي، من زوايا نظر تبقى معتمة في غياب مناخ أفضل لحرية التعبير ومراجعة الأسئلة التي تبقى معلقة لحساسيتها السياسية في المرحلة الراهنة؟ علما بأن ثمة أكثر من جانب في التأليف، يفرض نفسه على المتلقي، وهو يحاول مساءلة كثير من التفاصيل التي بقيت إشارات وتلميحات تستفز الذاكرة التاريخية وتعيد للواجهة طرح إشكالات المرحلة في ضوء الراهن السياسي؟ سيبقى بالنسبة إلي مؤلف " أفول الليل"، رائدا في مجال الكتابة عن الاعتقال السياسي بأبجدياته الواقعية، لكونه يسـتمد مفرداته مـن قاموس الأحداث وتطوراتها، كما كانت متداولة في سياقها التاريخي، دون مزايدة عـلى اللغـة التي يمكن أن تـستـفـيد من رواج الخطاب اللغوي لأدب الاعـتـقال فـي المغرب، والتي يمكن وصفها بـالتوظيف السياسي ضمن حسابات ظرفـية أو حساسيات ضيقة
    .
    .

    » (1)أفول الليل« الطاهر محفوظي/مطبعة القرويين الطبعة الثانية 2004

    " مُـجَـرَّدُ كَـلاَمِ عَـجُـوزٍ لَـمْ يُـدْرِكْـهُ الْـبُـلُـوغ "
يعمل...
X