جيل جديد من الفئران

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمود خليفة
    عضو الملتقى
    • 21-05-2015
    • 298

    جيل جديد من الفئران





    جيل جديد من الفئران
    بقلم: محمود خليفة
    أعطانا الكفيل شقة مفروشة بالدور الأرضي ضمن شروط العقد.
    وقبل الذهب للعمل صباحا، كان زميلي وأنا نُخرج الخبز من الفريزر ليفك الثلج من على جسمه المتجمد، وكان جل طعامنا مجمدا.
    ولاحظنا في أحد الأيام، تآكل الأرغفة من حوافها بنظام (القرقضة)، ولكن ظلت الأرغفة سليمة في منتصفها!
    فأيقنا بوجود فأر يقضم الأرغفة كل صباح، وكان محترما معنا في المساء حين العشاء فلم يكن يقضم أي رغيف، أما الغذاء فكان في مكان الدوام.
    والعجيب في حالة فأْرنا والذي سميناه "الفأر الفأرور" أنه لم يظهر فضلاته في أرضية حجرة المطبخ ولا في أي مكان، ولكن لما بحثنا عنه فوق خشب المطبخ وقرب سقف الحجرة، وجدنا برازه الأسود موجودا!
    فقد كان هذا الفأر محترما معنا فلم يترك أي بصمات له إلا في مكان عالٍ جدا، ويبدو أن هذا من فصيل جديد من الفيران غير الفصائل الغبية فيما مضى حينما يترك الفأر فضلاته في كل مكان ليدل عليه بمنتهى السذاجة...
    وتساءلنا:
    من أين أتي هذا الفأر؟
    فلم نهتدِ إلا إلى فتحة الحوض والغير مغطاة بشبكة، وتركناها مفتوحة لكي يعود منها كما جاء.
    في إحدى المرات، دخلنا المطبخ وقبل أن نضيء المصباح وجدناه يجري بسرعة خارقة أما أعيننا ويدخل وراء الثلاجة؛ ففتحنا الأنوار كلها وضربنا بعصا المقشة مكان الموتور وراء الثلاجة فلم يخرج، فلما يئسنا، حركنا الثلاجة بقوة فجرى بسرعة ودخل فتحات البوتاجاز من الخلف، فحركنا البوتاجاز بغل وحقد شديدين فجرى منا تحت دهاليز وقنوات المطبخ، فانبطح زميلي ليتبع الفأر فقلت له: يا مجنون أين ستدخل؟ وكيف ستدخل تحت المطبخ والمسافة لا تتعدى عشر سنتيمترات؟!
    والمشكلة الكبرى أن خشب المطبخ يلف الحجرة كلها ماعدا مكان الثلاجة والبوتاجاز، وحتى الحوض داخل في هذا المطبخ العملاق، ويوجد مسافة مفتوحة أسفل المطبخ يستطيع أن يختبأ فيها الفأر وعائلته وعائلة كل الفئران في مدينة الطائف المبتلاة بهذه الفئران من زمان...
    وضربنا أخماسا في أسداس؛ فلا المطبخ نستطيع أن نزيله من مكانه لأنه مثبت في الحجرة كلها، ولا الفأر الفأرور نستطيع أن نحدد مكانه تحت هذه الدهاليز الطويلة أسفل هذا المطبخ الضخم، ولا نستطيع في الوقت ذاته، أن نسد فتحات تلك الدهاليز أسفل المطبخ لأن الفأر يمكن أن يموت من الجوع ولا نستطيع أن نخرج جثته إلا بنزع المطبخ من مكانه وهذا أمر ليس بالسهل.

    *****
    تركنا المطبخ واشترينا مصيدة وضعنا بداخلها قطعة من الجبن الأبيض في الفخ المثبت بالداخل، ومرت أيام وأيام والفأر لم يدخل المصيدة!
    فقلت لزميلي: يا سيدي، هذا فأر فصيلته غير الفصائل المتخلفة القديمة والتي كانت تدخل المصيدة بمنتهى السذاجة!
    فقال الكفيل هو السبب لما نحن فيه.
    وفسر:
    -لماذا اختار لنا هذه الشقة المعتمة وبالدور الأرضي؟
    فقلت: شروط العقد ليس فيها ما يثبت وجود الشقة في الأدوار العلوية، وهو طبعا، حريص أن يختار أرخص شقة للتوفير.
    أخرجنا الجبن الأبيض ووضعنا قطعة جبن رومي صفراء فاقعة اللون مثل التي يحبها جيري في مغامراته مع توم.
    وفي اليوم التالي والثالث وحتى الخامس لم يدخل المصيدة ولم يقع في الفخ، وكنا نسمع صوت تحركه ليلا، يعني لم يزل موجودا.
    دخلنا في منتصف الليل فجأة وفتحنا الأنوار كلها فوجدناه ينزل من على الحوض ويجري بسرعة خارقة كالعادة ويدخل أسفل المطبخ؛ فصاح زميلي صارخا:
    - أمشي يا ابن الكـــــــــــــلب، وهو يمط حرف الكاف، فقلت له هو ابن فأر!
    وضحكنا وهو يقول: هذا فأر ابن حرام!
    فقلت: وهل يوجد فأر ابن حلال؟!
    وتعجبنا من حجمه المهول؛ فقد تغذى وسمن وتمطى طولا وعرضا...

    *****
    سألنا أهل الخبرة فدلونا على لاصق يوضع على ورقة مقواة أو لوح خشبي وتوضع قطعة الجبن في وسطها وحين يأتي الفأر فإنه سيلتصق باللاصق وتنتهي هذه الدراما المأسوية على خير.
    وفي اليوم التالي، وجدنا الفأر ابن الحرام قد أكل الجبن بدون أن يلتصق...
    تعجبنا من هذا الفصيل من الفئران الذي لا يلتصق باللاصق؟!
    غضب زميلي قائلا:
    -اللهم أخرب بيته.
    وأرغى وأزبد:
    -أنا لا أدري لماذا خلق الله هذا المخلوق الحقير؟ لماذا؟!
    فقلت له ضاحكا: لكي يقوم العلماء بتجربة ودراسة العقاقير الجديدة عليه (فأر تجارب).
    زودنا اللاصق بلاصق آخر وأحضرنا قطعا من جبن الأبيض والرومي والتشيدر والفلمنكا والثلاجة وو... لكي نغري الفأر لوجبة شهية ولا يقوم بعدها ولا يتزحزح أبدا.
    ومن سخرية القدر، أن الفأر ابن العفريتة أكل كلَّ قطع الجبن ولم يلتصق!
    وضربنا أسابعا في أثمان وأتساعا في أعشار!...
    فدعا زميلي الله قائلا:
    -يا رب كل الكائنات... خذ عبدك الفأر من عندنا...
    فأردفت خلفه:
    -آمين... آمين...
    وهنا جاءت له فكرة وملخصها أن نستفيد من معلوماتي الطبية الضحلة في التخلص من هذا الفأر، فقلت نضع أقراص شريطين من حبوب "الهستوب" والخاصة بالحساسية في قطعة جبن ونضع قليل من الماء لكي تلتصق بالجبن وبقطعة صغيرة من الخبز وسيأكل بالهنا والشفا...
    وعدنا من العمل، ووجدنا قطعة الجبن مع قطعة الخبز قد أتى عليهما الفأر تماما فحمدنا الله على فضله.
    ولكن هنا مشكلة وهي:
    أين مكان الفأر الآن؟
    الفأر قد دخل تحت دهاليز المطبخ الخشبي، ومن المتوقع أن ينام بعمق لأن حبة الهستوب تنوم جملا، وبعد النوم ستفشل كلاه وكبده وجهازه العصبي بسبب هذه الجرعة السامة والمميتة للبني أدمين قبل الفئران الفأرورة أو الغير فأرورة...
    واختفي الفأر في الصباح ولم يقضم من الخبز أي قضمة والحمد لله.
    وقلنا ستفيح رائحة جثته بعد أيام وسنضطر إلى نزع كل المطبخ من أماكنه حتى نهتدي إلى مكانها، وهذا عمل شاق ولا نستطيع القيام به، وربما سيُكسر المطبخ ذاته!
    ويا للعجب، وجدنا في صباح اليوم التالي حركة الفأر الفأرور المباغتة حينما يحس بأرجلنا!
    فالفأر لا يزال حيا!
    وكيف يكون حيا بعد عشرين قرصا من الهستوب؟
    أي كلى تتحمل هذا؟ وأي كبد يتحمل هذا؟ وأي قلب يتحمل هذا؟ وأي جهاز عصبي يتحمل هذا؟
    يخرب بيتك يا ابن العفريتة!...

    *****
    وسألنا زملاؤنا ما العمل في التخلص من هذا الفأر العجيب؟
    فأخبرنا دكتور جلدية وتناسلية بأن نحضر فأرة (أنثى) صغيرة السن لكي تصاحب هذا الفأر الذي سيقوم ليلا (بعملية فيها قلة أدب)؛ فتنهار قوته وتتحطم مناعته فيسهل التخلص منه، أما الفأرة فهي ضعيفة والتخلص منها سهل...
    وراقتنا الفكرة، وكان الحصول على الفأرة الأنثى صعبا.
    وبعدما حصلنا عليها من طبيب بيطري الذي زودنا أيضا بقطع مثل حبوب الأرز والقاتلة للفيران، زادت فرحة الفأر وتحسن مزاجه وقلت حركته المشاغبة...
    خشينا على عشيقته أن تموت بين يدي هذا الفحل (الفيراني) أثناء العملية السرية لأنها ضعيفة ونحيلة بالنسبة له، وخشينا أيضا أن تحمل عشيقته تلك وتلد عددا مهولا يصل على سبعة فيران، وسيفئر المكان[1].!
    ومرت الأيام وهو يأكل فضلات الطعام وخاصة الخبز المحروق والذي نرميه بكميات كبيرة كل يوم ثم يقوم ليلا بمضاجعة الفأرة الحبيبة، أما الفأرة فأكلها ضعيف ولا يذكر بالنسبة له وحركتها كانت ضعيفة، وكنا لا نكاد نحس بها (جنس لطيف)...
    ومرت تلك الأيام أيضا، وحبوب الأرز الصفراء والقاتلة خلف البوتاجاز لم ينقص منها شيئا...
    فقلنا:
    فصيل جديد من الفيران:
    يعلم الحبوب السامة ولا يقترب منها؟
    ويعلم المادة اللاصقة ولا يلتصق بها؟
    ويعلم المصيدة فلا يقع في فخها؟
    ولا تؤثر فيه جرعات قاتلة من الأدوية؟
    وحتى فضلاته يضعها في مكان سري؟!
    كيف تعلموا ذلك؟ وكيف علموا بعضهم بعضا؟!...
    وفي يوم من الأيام، لم نجدا قضما للخبز، فقلنا ربما مات من العمليات السرية التي يقوم بها ليلا وماتت معها رفيقته، ولكننا لم نجد له ولا لها رائحة في الأيام التالية وبعد التالية...
    فقلنا أكيد قد غادر حجرة المطبخ من ذات الفتحة التي دخل منها وهي فتحة الحوض، وطبعا غادرت معه الفأرة العشيقة، والحمد لله...
    وقمنا بسد فتحة الحوض بالضبة والمفتاح...

    الطائف في الجمعة 26/12/1436 9/10/2015



    [1] ستكثر فيه الفئران
    التعديل الأخير تم بواسطة محمود خليفة; الساعة 13-03-2016, 01:55.
يعمل...
X