"اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-ج1

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-ج1

    "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء1
    الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
    التاريخ الإنساني
    التاريخ البشري (الإنساني) لا يزيد عن كونه تاريخ أمّة من الناس كانت مجتمعة وتفرّقت في أرض الله الواسعة، وأنّ هذه الأمّة كانت تملك لسانا واحدا فتحوّل إلى لهجات ولغات مختلفة مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز:
    ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أوتوه مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(سورة البقرة: 213).
    وقوله تعالى ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾.
    وقوله تعالى: ﴿ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ﴾
    وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾.
    وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾(سورة الزخرف: 33).
    فلا مجال للقول أن الإنسان اخترع اللغة لأنّها تتناقض مع قوله تعالى: ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( (33 ) ﴾.
    آدم عليه السلام هو تلك النفس الواحدة ومنه وجدت كلّ النفوس البشريّة حتّى الأم حوّاء، قال تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين (189) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ( 190 ) )سورة الأعراف.
    ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجه حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13 )).
    وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء (1) الآية ( النساء) .

    وقال تعالى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ).
    كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة (الروم : 21 )).
    لكنّ الأحداث التي شهدتها الإنسانية على مرّ الزمان، لعبت الدور الأبرز في تشكيل (ألسن) لغات أعجميّة مختلفة بتفاوت عن اللسان الذي نطق به التلميذ الأوّل (آدم عليه السلام) يوم الامتحان العظيم أمام الملائكة عند عرضه للأسماء التي تعلّمها، فقد ورد في تفسير تلك الأسماء أنها لكلّ شيء مما نراه ونلمسه ونسمعه في الحياة الدنيا، قال مجاهد عن قوله تعالى ( ( وعلم آدم الأسماء كلها ) أي : علّمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء).
    وعبثا يحاول اللسانيّون والباحثون في تاريخ الحضارات أن يقنعونا أن هذا اللسان هو لسان قريش أين بدأ تنزّل الوحي على رسوله الكريم لأنّه لسان جميع الأنبياء مصداقا لقوله تعالى: ( فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وقوله عن القرآن: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103النحل)) لأنّ الله قد تحدّى جميع الخلائق أن يأتوا بمثله:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(يونس 38)).
    وقال تعالى:( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
    وقوله جلّ جلاله:( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين) هود.
    وقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين).
    حتّى تأويل القرآن كانوا عاجزين عنه فتحدّاهم الله أيضا بقوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).
    ويعود السبب في عجزهم عن تأليف ما يشبه القرآن أو حتّى تأويله رغم أنهم (عرب قريش) لجهلهم عديد الأسماء التي لا يعلمها إلاّ هو تبارك وتعالى ومن علّمهم من النبيين لأنّهم حملة علمه.
    يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (سورة سبأ:28-30)).
    ويقول تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )(سورة الأعراف:158).
    وكذلك:( تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (سورة الفرقان:1).
    أمّا ادعاء هؤلاء العرب (الأعراب) من (قريش) أن هذا الرسول الخاتم هو جاهل (أمّي) لا يقرأ ولا يكتب فذلك أنّهم هم الأمّيون بصريح الآية:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (الجمعة3)).
    وقوله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ ْالأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (سورة العلق)).
    ونختم بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾( سورة النحل)89.
    والسؤال الأوّل:"كيف يكون الرسول شهيدا على الأشهاد إذا كان لا يعرف لغتهم وكانوا أمما مختلفين في لهجاتهم؟"، بل إنّنا لا نستغرب أن يستحدث الناس لسانا جديدا مختلفا أو لسانا يجمع جميع اللهجات الموجودة في العالم إذا كانت الكلمة والاسم والفعل من إنتاج البشر لا يعرفه إلا المتكلّمون به.
    السؤال الثاني:"إذا سلّمنا أنّ القرآن محفوظ من قبل الله تعالى، فهل أنّ العرب الذين تنزّل القرآن بلسانهم قد جاءهم وعد من السّماء أن يكونوا باقين ما بقي هذا القرآن فهما وعلما بما جاء فيه وبمفرداته ومعانيه وأنّهم لن يتركوا هذا الدّين إلى غيره من الأديان الأخرى سواء قهرا أو عن اقتناع أو أن يبادوا عن بكرة أبيهم، هل ستصبح تلك الآيات نصوصا تاريخيّة لقوم آخرين يجعلونها في متحف الذكريات؟".
    تنبيه: وجب التنبيه أن البلدان العربية اليوم جميعها تتكلّم لغات أجنبية وتمارس الحياة المدنيّة وتطلع على جميع الحضارات فتتبدّل تقاليدها وعاداتها ومعاملاتها وسلوكاتها ولباسها في كل يوم يمرّ (وتلك سنة الحياة) وحتّى الكلمات لم يبق من معانيها إلا ما هو ضروري للمعاملات اليوميّة.
    السؤال الثالث:"إذا كان الخلق المعمّر لهذه الأرض من نفس واحدة هو "آدم عليه السلام" وهو قد تلقّى العلم من ربّه فاستخلفه فيها فكتب الله له من العمر ما جعله أبا وجدا لجميع الخلائق البشريّة، ألا يجدر بنا أن نقول أنّه كان المعلّم فأخذوا عنه علم الكلام كما يأخذ أطفالنا منّا ، فكيف ندّعى أن اللغة لم تكن موجودة واستحدثتها الضرورة؟".
    تنبيه: يمكننا أن نفترض أن هنالك من البشر من نسي علم هذا الكلام فأحدث لغة جديدة، والاجابة عن هذه الاشكاليّة تكون منطلقاتها دينية بالأساس والعلم الحديث يمكنه تأكيدها بما لا يدع مجالا للشكّ، حين نستشهد بآيات القرآن أن الله لم يترك الخلق من غير معلّم على طول الأزمنة سمّاهم الأنبياء والرسل فجاؤوا لتصحيح المسارات الخاطئة لأنّه من الواجب تذكير الانسانيّة بسبب وجودها وتعريفها بأوامر الله ونواهيه وهو ما نسميه المعرفة التامّة بالتشريع الإلهي وهذا بديهي عند المتدينين الذين لا يختلفون أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو: التعليم والتربية وإقامة العدل والقسط في المجتمع وهداية الناس إلى جادة التوحيد، وبالتأكيد فإنّ مثل هذه المسؤوليّة تعتبر مهمة شاقة وعسيرة وتحتاج إلى معرفة تامة واطّلاع واسع بأحوال النّاس لكي يتسنّى للنبي أن يقوم بالمهمة الخطيرة الموكلة إليه على أحسن وجه وأيضا بالسنن الإلهية.
    نحن لا يمكننا أن نتصوّر أنّ اللّه سبحانه وتعالى يكلّف طائفة من الناس ويرسلهم للقيام بمهمة خاصة وتحقيق هدف معين ولا يزودهم في الآن ذاته بالوسائل والإمكانات الضرورية التي يحتاجون إليها لتحقيق وإنجاز ما يراد منهم.
    ومن الممكن معرفة ولمس حقيقة علم الأنبياء من خلال مراجعة الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن علومهم (عليهم السلام) نذكر نماذج منها:
    1. ما ورد في حقّ داود (عليه السلام) :( ...وَآتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ).
    2. وقال سبحانه في حقّ يوسف (عليه السلام) :(وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً... )
    3. وأمّا لوط(عليه السلام) فقد وصفه سبحانه بقوله:( وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْما.ً...(
    4. وقال سبحانه واصفاً موسى (عليه السلام): ( وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً...) .
    كل هذه الآيات وغيرها تمكّننا من التأكيد أن هنالك سرّا الهيا ومفتاحا للتواصل بين الخالق سبحانه وجميع أنبيائه وكذلك خلقه وهذا البحث يعتبرذلك المفتاح (اللغة الأمّ) وهو بالنسبة إلينا (اللسان العربيّ المبين) الذي تفرعت عنه جميع الألسن في كامل أرجاء الأرض، وسنحاول أنّ نؤكد تبعا لذلك أنّه يحمل جميع الأسماء والمعاني الصالحة لحياة البشر في كل المجالات ليتكلّموا به عن أنفسهم وما حولهم، مع التأكيد أننا لا نعلم بوجود مثل هذا اللسان إلا لدى من اختصهم الله تعالى بعلمه من الأفراد وليس من الشعوب أو الأمم والقبائل ونقصد بهم (المبعوثون من الأنبياء والرسل عليهم السلام) وهو ما يجعلنا نخلص إلى أن علمنا ناقص بالكثير من مفردات وكلمات واشتقاقات هذا (اللسان العربي المبين) الذي تنزّل به الوحي على خاتم المرسلين وسمّي القرآن الكريم، بعد أن أصبح الخلق شعوبا وقبائل تختلف حاجاتهم بحكم ممارساتهم اليوميّة وطريقة عيشهم والعناصر الطبيعية التي تحيط بهم وهو ما يحقق مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه والذي لا يحتاج إلى شيء ينساه)، ومن الإعجاز الموجود في القرآن (ذلك اللسان العربي المبين) الذي هو نتاج (اللغة الأم) ، أنّه قادر على الوصف بطرق لا يمكن لعقل بشري ناقص أن يستوعبه كلّه، فطرق المشي والّأكل واللباس والمعاملات وما يختلج في العقل والأنفس وأسماء الحيوانات والكواكب والتراب والنبات قد تمكّن من وصفها والحديث عنها بأيسر السبل وأقل الكلمات فقال عنه تعالى:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(الآية) وقد فسّر الإمام جعفر الصادق هذه القولة بقوله:" فيه ( أَى في القرآن ) خبر السماءِ ، وخبر الارض ، وخبرَ ما يكون ، وخبر ما هو كائن (فيه تبيان كل شيء)". فكيف يمكن التدليل على هذا البيان وهذا الاعجاز من خلال قوم من الأقوام لم يعرف عندهم علم كثير تسمّوا قبائل عربيّة وفي هذه الآية بشرى للمسلمين، وهم أجناس كثر ليس فيهم من ينطق بهذا اللسان إذا كانت العربية خاصّة بأقوام من يتم تسميتهم بالعرب منذ ما يقرب عن ألف وخمس مائة عام؟.
    لا شكّ أننا في حاجة لمعرفة جديدة تقيم الدّليل أن اللغة واحدة وأن اللهجات والألسن كثر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لسان العرب هو الأقل إعجاما (تغيّرا) من الألسن الأخرى لأنّ فيه كلمات القرآن كما تقرأ وتنطق، وغيرها قد حدث فيه تبديل وتغيير كبير حتّى أصبحت كأنها لغة جديدة مع كتابة تختلف من حيث الرسم.

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    #2
    "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء2
    الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
    *-* قالوا عن العربيّة:
    1- كيف وبماذا تميّزت اللغة العربية عن غيرها من اللغات:
    للعربية خصائص كثيرة قد لا نتمكّن من حصرها ، لذا سأقتصر على محاضرة للدكتور فرحان السليم ، ولمن أراد التوسع، الرجوع إلى أمهات الكتب في هذا المجال .
    1 – الخصائص الصوتيـة :
    إن اللغة العربية تملك أوسع مدرج صوتي عرفته اللغات، حيث تتوزع مخارج الحروف بين الشفتين إلى أقصى الحلق. وقد تجد في لغات أخرى غير العربية حروف أكثر عدداً ولكن مخارجها محصورة في نطاق أضيق ومدرج أقصر، كأن تكون مجتمعة متكاثرة في الشفتين وما والاهما من الفم أو الخيشوم في اللغات الكثيرة الغنة ( الفرنسية مثلاً)، أو تجدها متزاحمة من جهة الحلق .
    وتتوزع هذه المخارج في هذا المدرج توزعاً عادلاً يؤدي إلى التوازن والانسجام بين الأصوات. ويراعي العرب في اجتماع الحروف في الكلمة الواحدة وتوزعها وترتيبها فيها حدوث الانسجام الصوتي والتآلف الموسيقي. فمثلاً لا تجتمع الزاي مع الظاء والسين والضاد والذال. ولا تجتمع الجيم مع القاف والظاء والطاء والغين والصاد، ولا الحاء مع الهاء، ولا الهاء قبل العين، ولا الخاء قبل الهاء ، ولا النون قبل الراء ، ولا اللام قبل الشين .
    وأصوات العربية ثابتة على مدى العصور والأجيال منذ أربعة عشر قرناً. ولم يُعرف مثل هذا الثبات في لغة من لغات العالم في مثل هذا اليقين والجزم. إن التشويه الذي طرأ على لفظ الحروف العربية في اللهجات العامية قليل محدود، وهذه التغيرات مفرقة في البلاد العربية لا تجتمع كلها في بلد واحد. وهذا الثبات، على عكس اللغات الأجنبية، يعود إلى أمرين : القرآن، ونزعة المحافظة عند العرب .
    وللأصوات في اللغة العربية وظيفة بيانية وقيمة تعبيرية، فالغين تفيد معنى الاستتار والغَيْبة والخفاء كما نلاحظ في : غاب ، غار ، غاص ، غال ، غام. والجيم تفيد معنى الجمع : جمع ، جمل، جمد ، جمر. وهكذا .
    وليست هذه الوظيفة إلا في اللغة العربية ، فاللغات اللاتينية مثلاً ليس بين أنواع حروفها مثل هذه الفروق، فلو أن كلمتين اشتركتا في جميع الحروف لما كان ذلك دليلاً على أي اشتراك في المعنى. فعندنا الكلمات التالية في الفرنسية مشتركة في أغلب حروفها وأصواتها ولكن ليس بينها أي اشتراك في المعنى Ivre سكران oeuvre أثر أو تأليف ouvre يفتح livre كتاب lèvre شفة .
    2 – الاشـتـقـاق :
    الكلمات في اللغة العربية لا تعيش فرادى منعزلات بل مجتمعات مشتركات كما يعيش العرب في أسر وقبائل. وللكلمة جسم وروح، ولها نسب تلتقي مع مثيلاتها في مادتها ومعناها : كتب - كاتب - مكتوب - كتابة - كتاب.. فتشترك هذه الكلمات في مقدار من حروفها وجزء من أصواتها .
    وتشترك الألفاظ المنتسبة إلى أصل واحد في قدر من المعنى وهو معنى المادة الأصلية العام. أما اللغات الأخرى كالأوروبية مثلاً فتغلب عليها الفردية . فمادة ( ب ن و ) في العربية يقابلها في الإنكليزية : son ابن و daughter بنت. أما في الفرنسية فتأتي مادة ( ك ت ب ) على الشكل التالي : كتاب livre مكتبة عامة bibliothèque محل بيع الكتب librairie يكتب ècrire مكتب bureau .
    وثبات أصول الألفاظ ومحافظتها على روابطها الاشتقاقية يقابل استمرار الشخصية العربية خلال العصور، فالحفاظ على الأصل واتصال الشخصية واستمرارها صفة يتصف بها العرب كما تتصف بها لغتهم، إذ تمكن الخاصة الاشتقاقية من تمييز الدخيل الغريب من الأصيل .
    إن اشتراك الألفاظ ، المنتمية إلى أصل واحد في أصل المعنى وفي قدر عام منه يسري في جميع مشتقات الأصل الواحد مهما اختلف العصر أو البيئة، يقابله توارث العرب لمكارم الأخلاق والمثل الخلقية والقيم المعنوية جيلاً بعد جيل. إن وسيلة الارتباط بين أجيال العرب هي الحروف الثابتة والمعنى العام .
    والروابط الاشتقاقية نوع من التصنيف للمعاني في كلياتها وعمومياتها، وهي تعلم المنطق وتربط أسماء الأشياء المرتبطة في أصلها وطبيعتها برباط واحد، وهذا يحفظ جهد المتعلم ويوفر وقته .
    إن خاصة الروابط الاشتقاقية في اللغة العربية تهدينا إلى معرفة كثير من مفاهيم العرب ونظراتهم إلى الوجود وعاداتهم القديمة، وتوحي بفكرة الجماعة وتعاونها وتضامنها في النفوس عن طريق اللغة.
    3 – خصائص الكلمة العربية ( الشكل والهيئة أو البناء والصيغة أو الوزن ) :
    إن صيغ الكلمات في العربية هي اتحاد قوالب للمعاني تُصبُّ فيها الألفاظ فتختلف في الوظيفة التي تؤديها. فالناظر والمنظور والمنظر تختلف في مدلولها مع اتفاقها في أصل المفهوم العام الذي هو النظر. الكلمة الأولى فيها معنى الفاعلية والثانية المفعولية والثالثة المكانية .
    وللأبنية والقوالب وظيفة فكرية منطقية عقلية. لقد اتخذ العرب في لغتهم للمعاني العامة أو المقولات المنطقية قوالب أو أبنية خاصة : الفاعلية - المفعولية - المكان - الزمان - السببية - الحرفة - الأصوات - المشاركة - الآلة - التفضيل - الحدث .
    إن الأبنية في العربية تعلم تصنيف المعاني وربط المتشابه منها برباط واحد، ويتعلم أبناء العربية المنطق والتفكير المنطقي مع لغتهم بطريقة ضمنية طبيعية فطرية .
    وللأبنية وظيفة فنية، فقوالب الألفاظ وصيغ الكلمات في العربية أوزان موسيقية، أي أن كل قالب من هذه القوالب وكل بناء من هذه الأبنية ذو نغمة موسيقية ثابتة. فالقالب الدال على الفاعلية من الأفعال الثلاثية مثلاً هو دوماً على وزن فاعل والدال على المفعولية من هذه الأفعال على وزن مفعول .
    وإن بين أوزان الألفاظ في العربية ودلالاتها تناسباً وتوافقاً، فصيغة ( فعّال) لمبالغة اسم الفاعل تدل بما فيها من تشديد الحرف الثاني على الشدة أو الكثرة، وبألف المد التي فيها على الامتداد والفاعلية الخارجية .
    وتتميز اللغة العربية بالموسيقية فجميع ألفاظها ترجع إلى نماذج من الأوزان الموسيقية، والكلام العربي نثراً كان أم شعراً هو مجموع من الأوزان ولا يخرج عن أن يكون تركيباً معيناً لنماذج موسيقية .
    وقد استثمر الشعراء والكتاب العرب هذه الخاصة الموسيقية فقابلوا بين نغمة الكلام وموضوعه مقابلة لها أثر من الوجهة الفنية. فمثلاً يقول النابغة الذبياني :
    ميلــــوا إلى الــدار مـن ليلى نحييـهـــا نـعــم ونســـألهـا عن بعــض أهليـهــــا
    حيث ينقلك إلى جو عاشق يهيم ويتأمل وتهفو نفسه برقة وحنان إلى آثار الحبيب بما في البيت من نعومة الحروف وكثرة المدود وحسن توزعها وجمال تركيب الألفاظ .
    ويقول البحتري متحدثاً عن الذئب :
    عوى ثـــم أقـعــى فارتجــزت فهجتـــــه فأقـبــــل مثــــل البـرق يتبعه الرعد
    فينقل تتابع حركات الذئب السريع في ألفاظ قصيرة الأوزان متوالية الحركات .
    وقد بلغت هذه الخاصة الموسيقية ذروتها في التركيب القرآني، فأنت تحس، مثلاً في سورة العاديات ، عدو الخيل : (( والعاديات ضبحاً. فالموريات قدحاً. فالمغيرات صبحاً. فأثرن به نقعاً. فوسطن به جمعاً )).
    وكان لأوزان الألفاظ أثر في جمال الكتابة العربية، فالكلمات التي على وزن واحد تتشابه ألفاظها الكتابية مثل الكلمات على وزن فاعل أو على وزن مفعول. إن هذه الكلمات في التركيب يكون منها ما يشبه الزخارف العربية .
    وتتأرجح الصيغ بين الثبات والتطور، والثبات غالب ولا يسبب هذا جمود العربية، فإن لها على حالتها الحاضرة من الصيغ والأبنية غنى لا تضارعها فيه لغة أخرى من اللغات الراقية التي تفي بحاجات الإنسان في مثل هذا العصر .
    إن الإخلال بهذه الأبنية وإفسادها إفساد لنظام اللغة، فلذلك كان العرب إذا أدخلوا كلمة أعجمية احتاجوا إليها صاغوها على نماذج ألفاظهم وبنوها على أحد أبنيتهم وجعلوها على أحد أوزانهم .
    وبين العربية والطبيعة صلة وثقى، فالأجسام في الطبيعة على كثرتها ترجع إلى عناصر بسيطة محدودة العدد تتشابه وتختلف بحسب تشابه تركيب مادتها واختلافه. وكذلك اللغة العربية ترجع كلماتها التي لا تكاد تحصى إلى عناصر محدودة ثابتة هي الحروف. وفي الطبيعة تشابه ونمطية وتكرر، فللشجرة مهما كان نوعها أوراق وأغصان جذع وثمر. وفي اللغة أيضاً تشابه بين أبنية الفاعلين والمفعولين والمكان والزمان. ولكل فرد من أفراد الجنس الواحد في الطبيعة ذاتيته مع مشابهته لسائر أفراد الجنس. وكذلك للفظ ذاتيته مع مشابهته لسائر الألفاظ المشتركة معه في الأصل أو البناء والصيغة. وفي الطبيعة تسلسل وتوارث يقابله تسلسل وتوارث في اللغة. وفي الطبيعة محافظة وتجديد، وكذلك في اللغة محافظة وتجديد أيضاً .
    4 – التعـريـب :
    يتشابه نظام العربية مع نظام المجتمع العربي. فكما يرتبط أفراد المجتمع العربي وقبائله بصلات القربى والنسب والتضامن والتعاون، ترتبط ألفاظها في نسق خاص في حروفها وأصواتها، ومادتها وتركيبها ، وهيئتها وبنائها .
    وحين يدخل غريب على المجتمع فلا بد لـه لكي يصبح عضواً فيه من أن يلتزم بأخلاقه وعاداته، فكذلك اللفظة الأعجمية إذا دخلت يجب أن تسير على أوزان العربية وهيئاتها وصيغها لكي تصبح عضواً كامل العضوية في الأسرة اللغوية .
    ويُستعمل في العربية مصطلح التعريب بينما في اللغة الأجنبية استعارة emprunt. والتعريب أحد مظاهر التقاء العربية بغيرها من اللغات على مستوى المفردات.
    وكانت الألفاظ الدخيلة في العصر الجاهلي قليلة محدودة تتصل بالأشياء التي لم يعرفها العرب في حياتهم. وهي محصورة في ألفاظ تدل على أشياء مادية لا معنوية مثل : كوب - مسك - مرجان - درهم.. وتعود قلة الدخيل إلى سببين : انغلاقهم على أنفسهم واعتدادهم بأنفسهم وبلغتهم .
    أما بعد الإسلام فقد اتصلت العربية باللغات الأخرى فانتقلت إليها ألفاظ جديدة تتعلق كلها بالمحسوسات والماديات مثل أسماء الألبسة والأطعمة والنباتات والحيوان وشؤون المعيشة أو الإدارة. وقد انعدم التأثير في الأصوات والصيغ والتراكيب .
    إن هذا الداخل على الغالب لم يبق على حاله بل صيغ في قالب عربي، ولذلك كانت المغالاة والإكثار من الغريب وفسح المجال من غير قيد مظهراً من مظاهر النـزعة الشعوبية في الميدان اللغوي قديماً وحديثاً .
    وكانت طريقة العرب في نقل الألفاظ الأجنبية أو التعريب تقوم على أمرين :
    أ – تغيير حروف اللفظ الدخيل، وذلك بنقص بعض الحروف أو زيادتها مثل :
    برنامه ـــــــــــــــــــــ> برنامج - بنفشه ـــــــــــــــــــــ> بنفسج
    أو إبدال حرف عربي بالحرف الأعجمي :
    بالوده ـــــــــــــــــــــ> فالوذج - برادايس ـــــــــــــــــــــ> فردوس
    ب – تغيير الوزن والبناء حتى يوافق أوزان العربية ويناسب أبنيتها فيزيدون في حروفه أو ينقصون، ويغيرون مدوده وحركاته، ويراعون بذلك سنن العربية الصوتية كمنع الابتداء بساكن، ومنع الوقوف على متحرك ، ومنع توالي ساكنين ...
    وأكثر ما بقي على وزنه وأصله من الألفاظ هو من الأعلام : سجستان – رامهرمز..
    أما دليلهم إلى معرفة الدخيل فهو إحدى ثلاث طرق :
    أ – فقدان الصلة بينه وبين إحدى مواد الألفاظ العربية :
    بستان : ليس في العربية مادة بست .
    ب – أن يجتمع فيه من الحروف ما لا يجتمع في الكلمة العربية :
    ج ق جوسق – ج ص جَِصّ – ج ط طازج ...
    ج – أن أن تكون على وزن ليس في العربية :
    إِبْرَيْسَم إفعيلل – آجر فاعُلّ ..
    (أحسن الحرير )
    5 – خصائص معانـي الألفـاظ العربيـة :
    تقوم طريقة العربية في وضع الألفاظ وتسمية المسميات على الأمور التالية :
    أ - اختيار صفة من صفات الشيء الذي يراد تسميته أو بعض أجزائه أو نواحيه أو تحديد وظيفته وعمله واشتقاق لفظ يدل عليه .
    ب - تحتفظ العربية بالمعاني الأصلية الدالة على أمثال هذه المسميات ، فألفاظها معللة على عكس غيرها من اللغات التي لا تحتفظ بهذه المعاني .
    ج - الإشارة إلى أخص صفات المسمى وأبرزها أو إلى عمله الأساسي ووظيفته، على عكس اللغات الأجنبية التي تشير إلى ظاهره وشكله الخارجي أو تركيبه وأجزائه. فمثلاً تسمية الدراجة في العربية تشير إلى وظيفتها وعملها وحركتها. أما في الفرنسية فإن bicyclette (ذات الدولابين) تشير إلى أجزائها وتركيبها وحالتها الساكنة. ومثل ذلك السيارة التي تشير تسميتها إلى عملها بينما في الفرنسية كلمة automobile تعني المتحرك بنفسه.
    ويظهر تفكير العرب وحياتهم واضحين جليين في مفردات لغتهم، فكلمة العامل، مثلاً بعد الإسلام، أخذت معنى الوالي والحاكم، وهذا يدل على أن الولاية عمل من الأعمال وليست استبداداً، وأن الحكم تكليف وليس تشريفاً. ولفظ ( المرأ ) للمذكر و (المرأة) للمؤنث يدل على تساوي الرجل والمرأة عندهم في الأصل. والمروءة هي الصفات المستحسنة المأخوذة من أخلاق الإنسان ذكراً كان أو أنثى.
    وللغة العربية طريقة في تصنيف الموجودات، فمفرداتها تدل على أن العرب صنفوا الوجود تصنيفاً شاملاً دقيقاً منطقياً يدعو إلى الدهشة والتعجب، ويدل على مستوى فكري قلما وصلت إليه الأمم في مثل هذا الطور المبكر من تاريخ حياتها .
    وهناك ألفاظ تدل على الموجودات بمجموعها مثل ( العالَم) و (العالَمين ) فهي تشتمل على الخلق كله. وكذلك الشهادة ( الحس) وعكسه الغيب .
    وتظهر في الألفاظ العربية أنواع الموجودات كالنبات والحيوان. ويتضمن الحيوانُ الإنسانَ والوحوش والطير والسباع والهوامَّ والسوائم والحشراتِ والجوارحَ والبغاث .
    وتظهر أيضاً الأخلاق والمشاعر كالمكارم والمثالب، والمحاسن والمساوئ ، والفرح والحزن، والحسيات والمجردات .
    ولم تقتصر العربية على الحسيات كما تقتصر كل لغة في طورها الابتدائي. فبالإضافة إلى ما فيها مما لا يكاد يحصى من الألفاظ الدالة على الحسيات لم تهمل المعنويات والمجردات. إننا نجد في العربية سعة وغزارة في التعبير عن أنواع العواطف والمشاعر الإنسانية. كما أنهها اشتملت على الكلمات الدالة على الطباع والأفعال والمفاهيم الخلقية. واشتملت كذلك على المفاهيم الكلية والمعاني المجردة. لقد جمع العرب في لغتهم بين الواقعية الحسية والمثالية المعنوية ، فالمادية دليل الاتصال بالواقع ، والتجريد دليل ارتقاء العقل .
    ولها باع في الدقة والخصوص والعموم، إذ تمتاز برقة تعبيرها والقدرة على تمييز الأنواع المتباينة، والأفراد المتفاوتة، والأحوال المختلفة سواء في ذلك الأمور الحسية والمعنوية. فإذا رجعنا إلى معاجم المعاني وجدنا أموراً عجباً. فتحت المشي الذي هو المعنى العام أنواع عديدة من المشي :
    درج حبا حجل خطر دلف هدج رسف اختال تبختر تخلج
    أهطع هرول تهادى تأود...
    والأمثلة كثيرة في كتب معاجم المعاني كفقه اللغة للثعالبي وهو مجلد صغير، والمخصص لابن سيده الذي يقع في 17 جزءاً .
    ومن ضروب الدقة ما يظهر في اقتران الألفاظ بعضها ببعض، فقد خصص العرب ألفاظاً لألفاظ ، وقرنوا كلمات بأخرى ولم يقرنوها بغيرها ولو كان المعنى واحداً.
    فقد قالوا في وصف شدة الشيء : ريح عاصف - برد قارس - حر لافح .
    وفي وصف اللين : فراش وثير - ثوب لين - بشرة ناعمة - غصن لدن .
    وكذلك في الوصف بالامتلاء، والوصف بالجدة، والوصف بالمهارة في الكتابة والخطابة والطب والصنعة ووصف الشيء بالارتفاع الحقيقي أو المجازي وغيرها وغيرها .
    لا شك أن هذا التخصص في تراكيب العربية في النعت والإضافة والإسناد نوع من الدقة في التعبير، لأن هذه الألفاظ المخصصة ببعض المعاني والأحوال توحي إلى السامع الصورة الخاصة التي تقترن معها. فلفظ باسق يوحي إلى الذهن معنى الارتفاع وصورة الشجرة معاً، كما توحي كلمة وثير معنى اللين وصورة الفراش. وكثيراً ما يحتاج المتكلم إلى أن ينقل إلى مخاطبه هذه المعاني والصور متلازمة مقترنة ليكون أصدق تصويراً وأدق تعبيراً وأقدر على حصر الصورة المنقولة وتحديدها .
    وفي العربية منـزلة للتخصيص والدقة والتعميم، فلا ينطبق عليها وصف الابتدائية لكثرة ما فيها من الألفاظ الدالة على الكليات والمفاهيم والمعاني العامة والمجردة . وما فيها من الدقة والتخصيص قرينة على أن أصحابها بلغوا درجة عالية في دقة التفكير ومزية وضوح الذهن وتحديد المقصود والدلالة. والمستعرض للشعر الجاهلي يجد نماذج من الوصف تتضمن الجزئيات والتفصيلات في الألوان والأشكال والحركات والمشاعر إلى جانب شعر الحكم الذي يتضمن قواعد عامة في الحياة ومعاني عالية من التعميم والتجريد .
    إن دقة التعبير والتخصيص سبيل من سبل تكوين الفكر العلمي الواضح المحدد .
    والتخصيص اللغوي والدقة في التعبير أداة لا بد منها للأديب لتصوير دقائق الأشياء وللتعبير عن الانفعالات والمشاعر والعواطف .
    لقد ألف اللغويون العرب مؤلفات خاصة بإبراز الفروق بين الألفاظ مثل : الفروق لأبي هلال العسكري، وأدب الكاتب لابن قتيبة ، وفقه اللغة وأسرار العربية للثعالبي. ونجد مثل هذه الدقة في الوصف عند كثير من كتاب العربية في مختلف العصور ولا سيما في القرون الأربعة الأولى بعد الإسلام .
    وفي العربية عموم وألفاظ عامة إذ يحتاج الإنسان في مراحل ارتقائه الفكري إلى ألفاظ دالة على معان عامة سواء في عالم المادة أو في عالم المعنويات. وسدت اللغة العربية هذه الحاجة، وأمدت المتكلم بما يحتاج إليه وبذلك استطاعت أن تكون لغة الفلسفة كما كانت لغة العلم والفن والشعر .
    6 – الإيجــاز :
    الإيجاز صفة واضحة في اللغة العربية . يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أوتيت جوامع الكلم )). ويقول العرب (( البلاغة الإيجاز )) و (( خير الكلام ما قلّ ودلّ )). وفي علم المعاني إيجاز قصر وإيجاز حذف .
    الإيجاز في الحرف : والإيجاز في العربية على أنواع ، فمنها الإيجاز في الحرف، حيث تكتب الحركات في العربية عند اللبس فوق الحرف أو تحته بينما في اللغات الأجنبية تأخذ حجماً يساوي حجم الحرف أو يزيد عليه. وقد نحتاج في اللغة الأجنبية إلى حرفين مقابل حرف واحد في العربية لأداء صوت معين كالخاء (KH) مثلاً ولا نكتب من الحروف العربية إلا ما نحتاج إليه، أي ما نتلفظ به، وقد نحذف في الكتابة بعض ما نلفظ : لكن - هكذا - أولئك. بينما في الفرنسية نكتب علامة الجمع ولا نلفظها، وأحياناً لا تلفظ نصف حروف الكلمة. ونكتب في الإنكليزية حروفاً لا يمر اللسان عليها في النطق ، كما في كلمة (right) مثلاً التي نسقط عند النطق بها حرفين من حروفها (gh) نثبتهما في كتابتها .السبب لأن أصل الكلمة راجح (رجحت) هكذا عرفوه فكتبوه ولكنه يمثل ثقلا في النطق فنلافوه وأبقوا الكلمة على أصلها.
    وفي العربية إشارة نسميها ( الشدة )، نضعها فوق الحرف لندل على أن الحرف مكرر أو مشدد، أي أنه في النطق حرفان، وبذلك نستغني عن كتابته مكرراً، على حين أن الحرف المكرر في النطق في اللغة الأجنبية مكرر أيضاً في الكتابة على نحو (frapper) و (recommondation) .وهي ضرب و كموندي تكماندا اتفقت تعاهدت استوصيت
    ونحن في العربية قد نستغني كذلك بالإدغام عن كتابة حروف بكاملها، وقد نلجأ إلى حذف حروف. فنقول ونكتب ( عَمَّ ) عوضاً عن ( عن ما ) و ( مِمَّ ) عوضاً عن ( من ما ) و (بِمَ) عوضاً عن ( بما) ومثلها ( لِمَ ) عوضاً عن ( لِما ) .
    الإيجاز في الكلمات : وبمقارنة كتابة بعض الكلمات بين العربية والفرنسية والإنكليزية نجد الفرق واضحاً :

    العربية: أب=2 حرفان
    الفرنسية:PERE= حروف4
    الانكليزية:father= حروف6

    وليست العربية كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع، وهي ثانياً لا تحتاج للدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى المفرد ليصبح مثنى، على حين أنه لا بد في الفرنسية من ذكر العدد مع ذكر الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة :
    الباب البابان - البابين les deux portes - the two doors
    الإيجاز في التراكيب : والإيجاز أيضاً في التراكيب ، فالجملة والتركيب في العربية قائمان أصلاً على الدمج أو الإيجاز . ففي الإضافة يكفي أن تضيف الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها :
    كتابه son livre كتابهم leur livre
    وأما إضافة الشيء إلى غيره فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية أي صوتاً بسيطاً إلى آخر المضاف إليه فنقول كتاب التلميذ ومدرسة التلاميذ، على حين نستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك فنقول : le livre de l’élève ، l’école des élèves .
    وأما في الإسناد فيكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه وتترك لعلاقة الإسناد العقلية المنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة، فنقول مثلاً ( أنا سعيد ) على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة الفرنسية أو الإنكليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط فتقول :
    ( je suis heureux ) ، ( I am happy ) .
    وتستعمل هاتان اللغتـان لذلك طائفـة من الأفعـال المساعدة مثل (avoir , étre) في الفرنسـية و (to have , to be) في الإنكليزية .
    كما أن الفعل نفسه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه أحياناً، فنقول (أكتب) مقدرين الفاعل المستتر، بينما نحتاج إلى البدء به منفصلاً دوماً مقدماً على الفعل كما هو الأمر في الفرنسية (je-tu…) وفي الإنكليزية (I , you ...). وكذلك عند بناء الفعل للمجهول يكفي في العربية أن تغير حركة بعض حروفه فتقول : كُتب على حين نقول بالفرنسية ( il a été écrit ) وفي الإنكليزية ( it was written ) .
    وفي العربية إيجاز يجعل الجملة قائمة على حرف : فِ ( وفى يفي )، و (ع) من وعى يعي، و ( ق ) من وفى يفي، فكل من هذه الحروف إنما يشكل في الحقيقة جملة تامة لأنه فعل وقد استتر فيه فاعله وجوباً .
    وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخرى بمثل عددها من الألفاظ كأسماء الأفعال.
    نقول في العربية : ( هيهات ) ونقول في الإنكليزية ( it is too far )
    ( شتان ) ( there is a great difference )
    وحرف الاستقبال مثل : ( سأذهب ) ( I shall go )
    والنفي أسلوب في العربية يدل على الإيجاز :
    العربية : ( لم أقابله ) ، الإنكليزية: ( I did not meet him )
    الفرنسية : ( Je ne l’ai pas rencontré )
    العربية : ( لن أقابله ) ، الإنكليزية : ( I will never meet him )
    الفرنسية : ( Je ne le rencontrerai jamais )
    الإيجاز في اللغـة المكتوبـة :
    فمثلاً سورة ( الفاتحة ) المؤلفة في القرآن من 31 كلمة استغرقت ترجمتها إلى الإنكليزية 70 كلمة .
    ويقول الدكتور يعقوب بكر في كتاب ( العربية لغة عالمية : نشر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بالقاهرة 1966 ) : (( إذا ترجمنا إلى العربية كلاماً مكتوباًُ بإحدى اللغات الأوروبية كانت الترجمة العربية أقل من الأصل بنحو الخمس أو أكثر .))
    أثر اللغة العربية في اللغات الأخرى :
    إن الكلمات العربية في اللغات الإسلامية : الفارسية والتركية والأوردية والمالاوية والسنغالية أكثر من أن تحصى. والكلمات العربية في الإسبانية والبرتغالية ثم في الألمانية والإيطالية والإنكليزية والفرنسية ليست قليلة أيضاً .
    لقد التقت العربية بالفارسية والسريانية والقبطية والبربرية. وكان عندها أسباب القوة، فهي لغة القرآن، وتتميز ببناء قوي محكم، وتملك مادة غزيرة .
    لقد حملت رسالة الإسلام فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عما جاء به الإسلام من مفاهيم وأفكار ونظم وقواعد سلوك. وأصبحت لغة الدين والثقافة والحضارة والحكم في آن واحد .
    غزت العربية اللغات الأخرى كالفارسية والتركية والأوردية والسواحلية فأدخلت إليها حروف الكتابة وكثيراً من الألفاظ. وكان تأثيرها في اللغات الأخرى عن طريق الأصوات والحروف والمفردات والمعاني والتراكيب .
    وأدى اصطدام العربية باللغات الأخرى إلى انقراض بعض اللغات وحلول العربية محلها كما حصل في العراق والشام ومصر, وإلى انزواء بعضها كالبربرية وانحسار بعضها الآخر كالفارسية .
    لقد أصبحت لغات الترك والفرس والملايو والأوردو تكتب جميعها بالحروف العربية . وكان للعربية الحظ الأوفر في الانبثاث في اللهجات الصومالية والزنجبارية لرجوع الصلة بين شرق إفريقيا وجزيرة العرب إلى أقدم عصور التاريخ .(من محاضرة للأستاذ الدكتـور فرحـان السـليـم- موقع www.saaid.net على الشبكة)

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء3
      الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)

      2--اللهجة المحلّية التونسية:
      كل ما تعرّفنا عليه من خصائص تهمّ اللغة العربيّة بشكلها الحاليّ الذي وصلنا عبر الأزمنة يجعلنا نعتبر أن اللغة العربية الأمّ هي وعاء أشمل من لسان قوم من الناس يطلق عليهم منذ العصور الماضية عربا، والدليل على ذلك أن القرآن الذي تنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم وهو بشر عاش بينهم، ولم يغادر حدود ديارهم إلا لماما، ولم يتلق أية معرفة من العلماء وتلقّوا منه كل مفردة من مفرداته، كانوا بعيدين كل البعد عن فهم مدلول كلماته ومعانيه، (ليس لأنه كلام علميّ أو تاريخي أو جغرافي أو غير ذلك من العلوم التي تتطلب البحث والمعرفة والاكتشاف) بل حتّى على صعيد الأمثال والحكمة والعبادات والمعاملات، ويعود ذلك إلى النقص في معاني المفردات، حيث يمكن أن نجد للكلمة الواحدة أكثر من استعمال فتعرف في مكان ما بشيء ولا تعرف بنفس ذلك المعنى في مكان آخر. ولعلّ الكلمات التي نستعملها في شمال إفريقيا وخاصّة تونس ونسميها لهجة عامّية وننسبها إلى أجدادنا من البرابرة أكبر دليل فمثلا:
      * قلتة ماء= كلتت = لا تستعمل في اللهجات العربية للخليج ولكنها من صميم اللغة العربيّة، حيث تستعمل كلمة قليل وقلة، أما القَلْتَةُ : فهي مَشَقُّ مَا بين الشاربين، وقلْتُ السَّيل : الحُفْرَة في صَخر يستنقِع فيها ماؤه. والمقصود بهذه الكلمة في لهجتنا العاميّة هي مكان صغير لتجمّع مياه المطر ونحوه.
      * تتكازت = عرافة=دكازة(دقازة)، بمعنى منجّمة أو التي تقرأ الطالع، وهو فعل عربي صحيح لا يستعمل عند من يدعون أنهم العرب الأقحاح وأصله (دقس) تحوّلت (السين إلى زاي)، وتقول العرب في معنى دقس في لسان العرب دَقَسَ في الأَرض دَقْساً ودُقُوساً ذهب فتَغَيَّب والدُّقْسَةُ دُوَيْبَّة صغيرة ودَقْيُوسُ اسم مَلِكٍ أَعجمية الليث الدقس ليس بعربي ولكن الملك الذي بنى المسجد على أَصحاب الكهف اسمه دَقْيُوسُ قال الأَزهري ورأَيت في نوادر الأَعراب ما أَدري أَين دَقَسَ ولا أَين دُقِسَ به ولا أَين طَهَسَ وطُهِسَ به أَي أَين ذهب وذُهب به . وهذه العرافة أو الدكاسة هي التي تأتي بالخبر الصحيح، بينما يستعمل هذا الفعل في الصيغ التالية، دَقَسَ الوتِدُ في الأرضِ : مضى ، دَقَس فلانٌ في البلاد : أوغَلَ فيها ، دَقَسَ خَلْفَ العدوّ : تَبِعَه وحَمَل عليه.
      * منداف = تمندافت، وهو الفخّ الذي يستعمل لصيد الطيور أو الحيوانات، أمّا عند العرب فنجده من الفعل مندف جمع مَنادِفُ : اسم آلة من ندَفَ / ندَفَ بـ : آلة يُطرق بها القطنُ ليرِقّ ويزول تلبّده .
      *سفنارية = اسفينخ = جزر، وهو طبعا من الخضروات، نقول بلسان العرب، سنف : زؤان في القمح والشعير . - سنف : صنف ، نوع . - سنف : غلاف النبات الطويل : الذي يكون فيه الحب . - سنف : غصن مجرد من الورق ، وإِسْفِينٌ:( س ف ن ): حَديدَةٌ ثَخينَةٌ على شَكْلِ وَتِدٍ غَليظِ الرَّأْسِ مُسْتَدَقِّ الطَّرْفِ ، يُسْتَعْمَلُ لِشَقِّ أَو قَلْعِ الخَشَبِ .
      * دشرة = قرية: ومعناها منازل متفرّقة، وأصل الكلمة من انتشر أو تناثر وتقول العرب ناثرَ يتناثر ، تناثُرًا ، هو مُتناثِر - تَنَاثَرَتْ أوْرَاقُ شَجَرِ الخَرِيفِ : تَسَاقَطَتْ مُتَفَرِّقَةً -تَنَاثَرَ الغُبَارُ : تَشَتَّتَ ، تَفَرَّقَ.
      * بلوطة = تبلوط = الاقراط = الحلق، والقرط: قرِطت الأذنُ : كان بها قُرْط سميت بهذا الاسم للتشابه بين هذه الحلي وشجر البلوط(ربّما): البلّوط شَجَرٌ مِنْ فَصِيلةِ البَلُّوطِيَّاتِ ، غَلِيظُ السَّاقِ مَتِينُ الخَشَبِ.طَوِيلٌ كَالأُصْبُعِ ، لَهُ قِمْعٌ عَلَى رَأْسِهِ وَقِشْرَةٌ يَابِسَةٌ بِدَاخِلِهَا البِزْرَةُ ، يُسْلَقُ.
      أماّ الاشتقاق بلّط فيقال بَلَّطَ أُذُنَه : ضربَها بطرف سَبَّابته ضرباً يوجعه.
      * كرومة= تاكرومت=رقبة أو عنق، وهي من الكلمة العربية كرم وكروم،ويقال الكَرْمُ البَرِّيُّ : شُجَيْرَةٌ مُعَرَّشَةٌ لَهَا أَغْصَانٌ طَوِيلَةٌ مُتَفَرِّعَةٌ تَلْتَصِقُ بِالْجُدْرَانِ وَأَعْوَادِ القَصَبِ الْمُهَيَّأَةِ لِهَذَا الغَرَضِ ، يُطْلَقُ عَلَيْهَا الدَّالِيَةُ، ووجه الشبه في طول الجذع، والأَكْرُومَةُ: الفَعْلَةُ الكريمة .
      * كرايم = مفاصل، ويقال للأولاد أنهم ظهر الرجل، أكْرَمَ الرَّجُلُ : أتَى بِأَوْلادٍ كِرَامٍ.
      * مسلان= ظهر: الأمعاء ، ، والمسلان في العربية جمع مسيل و المَسِيل ُهو : مجرى الماءِ وغَيرِه. هذه المعطيات تجعلنا نعتبر أن مفهوم العرب يمكن أن يكون أشمل من مجرّد قوم سكنوا الجزيرة العربيّة وأنّ اللغات العالمية جميعها (ربّما) عربية ولكنها انقسمت بتعدد اللهجات لتتغيّر بعض حروفها فتصبح (أعجميّة) ومثال ذلك من اللغات واللهجات التي تدّعي أن أصولها لاتينية مثل الفرنسية والايطالية والانجليزية، كما سنحاول التأكيد أن الاختلاف في الكتابة لا يمنع من كون اللغة واحدة أو مصدرها واحد بتقديم أمثلة عديدة.

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • حاتم سعيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 02-10-2013
        • 1180

        #4
        "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء4
        الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
        3---- اللغة الفرنسيّة:
        يقول الباحث صلاح غمريش في محاضرته بعنوان ذاكرة الكلمات الفرنسية من أصل عربي في أسبوع الفرانكفونية للرابطة الفرنسية ، سنة 2008 بالمنامة (البحرين) :"
        في كل معجم فرنسي، تقدم إتمولوجيا ( دراسة أصول الكلمات) الكلمات من أصول غير أوروبية طبقا لعدة أوجه. وعندما يتعلق الأمر بالعربية فإما يؤكد الأصل بوضوح كما هو الحال بالنسبة للجبر أو الصفر أو يقال أنه "ربما عربي" أو "محتمل أن يكون عربيا" أو "من أصل شرقي" عندما لا يكون "من أصل مبهم" أو حتى " من أصل غير معروف" كما هو الشأن بالنسبة لكلمة " ."Trafic
        فقد علمتني التجربة (من خلال التردد على قواميس من القرن 17 إلى القرن 20 ) في مجال تعريف الإتمولوجيا أنه يمكن أحيانا التحدث عن تزوير أو تحريف. فالتزوير هو صناعة لكل أجزاء إتمولوجيا تقدم على شكل علمي إلى درجة انخداع القارئ.
        أما التحريف فمفاده تجاهل الأصل العربي (أو التركي أو الفارسي) مع تقديم بديل يوناني أو لاتيني. وخير ما نستدل به على هذه الممارسة ما كتبه الشهير شامبوليون " Champollion "لاشيء يلزم الإتيمولوجي بتعقب جذور الكلمة حتى أصولها : بل عليه فقط أن ينسبها للغة السائدة و الأقرب و في الحالة الراهنة فإنها اللاتينية..."
        وقد مورس فيما بعد ما اصطلح عليه بالتجنيس اللاتيني أو الإغريقي للكلمات مما أدى إلى تشوهات تجعل الكلمة أحيانا مجهولة المصدر وهذا ينطبق بصفة أكثر وضوحا على أسماء العلم. فأين نحن اليوم من ابن سينا في أفيسين Avicenne وابن رشد من أفيرويس Averroès وكذا جبار(بن موسى) من جبر أو جبروس Geber ou Geberus ومن يستطيع التعرف في الخوارزمي على ألغوريثم algorithme طبقا لما كتبه الإيطالي جيرار دو كريمونا Gérard de Cremona (القرن 12) في كتابه تحت عنوان "ديكسيت الغوريسمي" "Dixit Algorismi"الذي يتناول موضوع الترقيم العشري عند عالم الرياضيات أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي نسبة إلى مسقط رأسه بخوارزم سنة 780 والمتوفى ببغداد سنة 850. وفي بيشريل " Bescherelle توحي h"" الواردة ب algorithme بأصول لاتينية أو يونانية فما بالك ب "y" واثنين من "h" في algorhythme التي وجدتها بقاموس الأكاديمية الفرنسية، طبعة 1835 و التي تحيل حتما إلى إيقاع rythme الذي ظل يكتب rhythme أي ب "y " و اثنين من "h" حتى القرن 19.
        وفي سنة 1881 بأحد أعداد مجلة اللغات الرومانية يشير مارسيل ديفيك Marcel Devic الذي يرجع له فضل القاموس الشهير للكلمات الفرنسية من أصول شرقية إلى هذا التحريف فيما يتعلق بكلمة نبات الكاكنج وهو نبات للزينة يدعى بفرنسا كوكري coqueret ، حب في قفص أو توت الشتاء. فهو عشب بري ينمو بمزارع العنب المهجورة وعندما يزرع يلقب بالفانوس الصيني نسبة لثماره ذات اللون البرتقالي الأحمر والشبيهة بالفانوس التي تنسب إليها التقاليد العربية بعض الخصائص العلاجية وكذلك الشأن بالنسبة للتوت أو الكرز. وكلمة الكاكنج موثقة بالإسبانية منذ 1555. إلا أن معاصري مارسيل ديفيك يشتقونها من اليوناني الذي تمت نسبته إلى اللاتينية: هاليكاليبيس halicalicabus » مما يدفع بالايتمولوجي إلى القول "مهما كان اشمئزاز الايتمولوجيا الفرنسية المستعارة من العربية فمن يصدق أن المصطلحات العلمية العربية المعاصرة لابن سينا في القرن 11 قد استعيرت من الفرنسية؟..."
        ويرى الليساني هينرييت والتير Henriette Walter أنه من بين 35000 كلمة التي تتضمنها الفرنسية المتداولة ،4192 منها أتت من لغات أجنبية: 25% من الانجليزية، 16% من الإيطالية،13% من الجرمانية. ويحوي القاموس الفرنسي 280 كلمة فرنسية من أصل عربي ( أما الباقي، أي حوالي 120 فهو موزع بين التركي والفارسي) وهذا يعني أنه من ضمن 4129 كلمة فرنسية من أصل أجنبي حوالي 7% منها عربية. مما يدل أيضا على أن العربية أعطت للفرنسية عددا أكبر من الكلمات مما قدمته عدة لغات أوربية كالاسبانية مثلا. بل يوجد ضعف الكلمات الفرنسية من أصول عربية مما عليه الحال بالنسبة للكلمات الفرنسية من أصل غولي!...
        مما يوضح ما أكده أنطوان دي ريفارول Antoine de Rivarol في خطابه حول عالمية اللغة الفرنسية الذي ألقاه بأكاديمية برلين سنة 1874 خاصة في قوله:" لم يوجد أبدا على الأرض لا عرق صاف ولا لغة دون اختلاط وتناقح".

        "صلاح غمريش"
        كاتب جزائري صحافي سابق، يعيش في فرنسا منذ عام 1976. من بين مؤلفاته : حب الجهاد ، رواية تاريخية حول معركة بواتيي (Balland ، باريس 1995) وقد حاز على جائزة مولود معمري ، و جائزة جمعية الكتاب باللغة الفرنسية ،) كما أصدر قاموس الكلمات الفرنسية من أصل "عربي (التركية والفارسية) ، مع مقدمة لآسيا جبار من الأكاديمية الفرنسية (دور النشر).
        ويزداد تعجّبنا باكتشاف بعض الباحثين أن اللغة الفرنسيّة يتواجد فيها قرابة 600 كلمة مأخوذة من العربية بلا جدال، ولكنهم يرجعون ذلك إلى أخذهم بعض العلوم عن العرب الذين كانوا في الأندلس ولكنهم شوّهوا تلك الكلمات بحيث يصعب معرفة مصدرها(مثال- الخوارزمي:ألجوريتم)و(جباربن موسى): ألجبر) وغير ذلك كثير...

        من أقوال الامام علي عليه السلام

        (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
        حملت طيباً)

        محمد نجيب بلحاج حسين
        أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
        نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

        تعليق

        • حاتم سعيد
          رئيس ملتقى فرعي
          • 02-10-2013
          • 1180

          #5
          "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء5
          الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
          4---- ثراء معاني كلمات اللغة العربيّة وامكانيّة تغيير وتبديل الحروف:
          هل يكون السبب وراء اختلاف اللغات؟ :

          * العربية:
          نجد في شعوب وقبائل العرب أو من يتكلمون العربيّة العاميّة اختلافات في النطق لبعض الأحرف:
          ومن هذه الحروف التي تلفظ بطرق متعدّدة حرف القاف:
          فهو ينطق كالهمزة (أ) في أنحاء من لبنان و فلسطين و سوريا و مصر.
          وينطق كالكاف [k] في بعض مناطق سوريا وبعض مناطق الجزائر وبعض المناطق من فلسطين.
          ينطق كالجيم (الأصلية) في اللهجة العراقية وبعض لهجات الخليج فيقولون «قاسم» كأنها «جاسم.
          ينطق كالجيم الغير معطشة [g] (الجيم المصرية) في غالب لهجات دول الخليج العربي وبدو الأردن وحضرها وبعض مناطق سوريا ومصر( بدو سيناء) وأغلب مناطق ليبيا.
          ينطق بالنطق الأصلي [q] قاف كما هي في أغلب لهجات المغرب العربي الجزائر والمغرب وتونس وبعض مناطق سوريا وشمال العراق .
          ظاهرة قلب الحروف أو نطق حرف مكان حرف آخر ظاهرة شائعة في جميع اللهجات العربية وأكثر من ذلك أنها ليست قاصرة على اللهجات المعاصرة بل هي ظاهرة قديمة عند العرب قدم اللغة العربية ذاتها ، وقد وقف فقهاء اللغة الأوائل عند هذه الظاهرة وسموها " القلب " وقاموا برصدها ووجدوا أن كل قبيلة من القبائل العربية تخصصت في قلب حرف معين إلى حرف آخر فقبيلة تميم مثلا عرفت بقلب الهمزة أحيانا إلى عين فينطقون سؤال بدل سعال ومن هنا نسبوا هذه الظاهرة إلى تميم فقالوا عنعنة تميم .
          بعض قبائل ربيعة عرفت بقلب الكاف شينا لا سيما في خطاب المؤنث فيقولـون عليـش ومنـش أي عليـك ومنـك وهذه الظاهرة موجودة إلى اليوم في بعض دول الخليج وعرفت قديما بالكشكشة فقالوا كشكشة ربيعة .
          عند قبائل اليمن عرفت الشنشنة لأنهم يقلبون الكاف شينا فيقولون: (لبيش اللهم لبيش ) بدل (لبيك اللهم لبيك).
          عند قبائل قضاعة عرفت العجعجة وهي قلب الياء جيما والجيم ياء، فتجدهم يقولون شيرة بدل شجرة ومسيد بدل مسجد .
          وجدت أيضا قبائل من ربيعة مثل مازن وبكر بن وائل كانت تبدل الميم باء كما يفعل عدد من السودانيين فيقولون بكان وبنبر وأصلها مكان ومنبر .
          ولا يمكننا أن نستهجن هذه التبديلات والتغييرات و نجعلها خاطئة بدون تمحيص وسداد رأي فهناك من يعتبر أن القرآن قد جارى هذه الظاهرة في آياته في قوله تعالى : " أن أول بيت وضع للناس للذي ببكة " وهي المعروفة بمكة .

          هنالك أيضا تبديلات أخرى تحدث بين التاء والطاء والذال والدال والصاد والسين والذال والزاي والضاد والظاء والميم والنون، فكأنه لم يوجد حرف واحد في اللغة العربيّة لم تشمله هذه الظاهرة.
          يقول الدكتور جواد علي في الجزء الرابع من كتابه المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام (الفصول 137-168):"
          لغات العرب
          قال "الطبري" في تفسيره: " كانت العرب وإن جمع جميعها اسم انهم عرب، انهم مختلفو الألسن بالبيان متباينو المنطق والكلام". وأن ألسنتهم كانت كثيرة كثرة يعُجز عن احصائها. وقد ذكر غيره مثل ذلك، ذكر أن لغات العرب كانت متباينة، وأن بعضها كانت بعيدة بعُداً كبيراً عن عربيتنا، كالألسنة العربية الجنوبية ومنها الحميرية. قال "ابن جني": "وبعد فلسنا نشك في بعُد لغة حمير ونحوها عن لغة بن نزار"، وقال "أبو عمرو بن العلاء": " ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا". وذكر "ابن فارس"، أن ولد "اسماعيل"، يريد بهم الغسنانية "يعيرون ولد قحطان أنهم ليسوا عرباً ويحتجون عليهم بأن لسانهم الحميرية، وأنهم يسمون اللحية بغير اسمها مع قول الله - جل ثناؤه - في قصة من قال: لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي، وأنهم يسمون، الذئب القلوب مع قوله: وأخاف أن يأكله الذئب... وما أشبه ذلك"،. وقد عرف ذلك الكتبة "الكلاسيكيون" وغيرهم.
          فذكر مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري". "Periplus mare Erythrae"، أن سكان سواحل البحر الأحمر الذين كانوا يقيمون بين مدينة "Leuke Kome"، وميناء "Muza" يتكلمون بلهجات مختلفة ولغات متباينة، قلّ منهم من يفهمها عن الثاني، وبعضها بعيد عن بعض بعداً كبيراً. وقد عاش مؤلف هذا الكتاب في القرن الأول للميلاد، والساحل الذي ذكروه هو ساحل الحجاز.
          وأصبح اليوم من الأمور المعروفة أن أهل العربية الجنوبية كانوا يتكلمون بلهجات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، بدليل هذه النصوص الجاهلية التي عثرر عليها في تلك الأرضين، وهي بلسان مباين لعربيتنا، حيث تبين من دراستها وفحصها أنها كتبت بعربية تختلف عن عربية الشعر الجاهلي، وبقواعد تختلف عن قواعد هذه اللغة. وهي لو قرئت على عربي من عرب هذا اليوم، حتى إن كان من العربية الجنوبية، فإنه لن يفهم منها شيئاً، لأنها كتبت بعربية بعيدة عن عربية هذا اليوم، وقد ماتت تلك العربية، بسبب تغلب عربية القرآن عليها.
          كما عثر في العربية الغربية وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب على نصوص معينية و لحيانية وثمودية وغيرها، وهي مختلفة بعضها عن بعض، ومختلفة أيضاً عن "العربية" لغة القرآن الكريم.
          ومع إدراك الرواة وعلماء اللغة وجود الخلاف في ألسنة العرب، فإنهم لم يدونوا اللهجات على أنها لهجات مستقلة ذات طابع لغوي خاص، لها قواعد نحوية وصرفية، تختلف اختلافاً متبايناً عن نحو و صرف عربية القرآن الكريم، وإنما "تناقلوا من ذلك أشياء كانت لعهد الإسلام، وأشياء أصابوها في أشعار العرب مما صحت روايته قُبيل ذلك. أما سواد ما كتبوه، فقد شافهوا به العرب في بواديها وسمعوه منهم، وهو بلا ريب من بقايا اللهجات التي كانت لعهد الجاهلية".
          على انهم لم يدونوا من كل ذلك إلا كفاية الحاجة القليلة في تصاريف الكلام أو ما تنهض به أدلة الاختلاف بين العلماء المتناظرين من شواهد في الغريب والنادر وفي القواعد. أما تدوين اللهجات على إنها أصل من أصول اللغة، و تسجيل قواعد صرف ونحو تلك اللهجات، فهذا ما لم يحفل به أحد، ولم يقدم عليه عالم فيما نعلم من أخبار الكتب التي وصلت الينا، لأن أكبر غرضهم من جمع اللغة وتدوينها يرجع إلى علوم القرآن والحديث، ولغتهما اللغة الفصحى،اللغة التي تعلو على اللغات، أما ما دونها فلغات دونها في المنزلة والفصاحة، وألسنة شاذة غير فصيحة، ليس من اللائق بالعالم إضاعة وقته في البحث عنها، وفي التنقيب في قواعد نحوها وصرفها، وهي فوق ذلك لغات بطون وعشائر وقبائل ومواضع، ليس لها أتباع كثيرون، وقد أقبلوا على استعمال عربية الإسلام، وفي إحياء العربيات الأخرى إحياء للجاهلية.
          "رأينا علماء اللغة وأهل العربية قد طرحوا أمثلة اختلاف اللغات في كتبهم، فلا قيمة لها عندهم الا حيث يطلبها الشاهد وتقتضيها النادرة.فيُ عرض كلامهم، لأنهم لم يعتبروها اعتباراً تأريخياً، فقد عاصروا أهلها، واستغنوا بهذه المعاصرة عن توريث تأريخها لمن بعدهم، ولو إن منهم من نصب نفسه لجمع هذه الاختلافات وإفرادها بالتلوين يعد استقصائها من لهجات العرب، وتمييز أنواعها بحسب المقاربة والمباعدة، والنظر في أنساب القبائل التي تتقارب في لهجاتها والتي تتباعد،وتعيين منازل كل طائفة من جزيرة العرب والرجوع مع تأريخها إلى عهدها الأول الذي يتوارث علمه شيوخ القبيلة وأهل أنسابها،لخرج من ذلك علم صحيح في تأريخ اللغة وأدوار نشأتها الاجماعية، يرجع اليه على تطاول الأيام وتقادم الأزمنة، ولكان هذا يعد أصلا فيما يمكن أن يسمى تأريخ آداب العرب، يفرعون منه ومحتذون مثاله في الشعر وغيره من ضروب الأدب.
          ولكن القوم انصرفوا عن هذا وأمثاله لاعتقادهم أصالة اللغة، وانها خلقت كاملة بالوحي والتوقيف، وان أفصح اللهجات انما هي لهجة اسماعيل عليه السلام، وهي العربية القديمة الجيدة كما قال سيبويه".
          "وعلى هذا اعتبروا لهجات العرب لعهدهم كأنها أنواع منحطة خرجت عن أصلها القرشي بما طرأ عليها من تقادم العهد وعبث التأريخ، فلم يجيئوا ببعضها إلا شاهداً على الفصاحة الأصلية في العربية وخلوّها من التنافر والشذوذ، وتماماً على الذي جمعوه من أصول العربية، وتفصيلاً لكل شيء إلا التأريخ".
          " ويستمر "الرافعي" في حديثه هنا، فيقول: "نقول هذا وقد قرأنا ما بين أيدينا من كتب الفهرست والتراجمُ والطبقات على كثرتها، وتبينا ما يسرد فيها من أسماء الكتب والأصناف" عسى أن تجد من آثار احد الرواة أو العلماء ما يدل على وضع كتاب في تأريخ لهجات العربُ يميز لغاتها علي الوجه الذى أومأنا إليه، او ما عسى أن نستدل به على انهم كانوا يعتبرون ذلك اعتباراً تأريخاً، ولكنا خرجنا منها على حساب ما دخلنا فيها: صفر في صفر، ولم يزدنا تعدادُ أسماء الكتب علما بموت هذا العلم وأنه لا كتب له، للسبب الذي شرحناه من اعتبارهم أصالة العربية".
          وفي كتاب "فهرست" لابن النديم، وفي المؤلفات الأخرى أسماء كتب وضعها علماء اللغة في اللغات، من ذلك "كتاب اللغات" ليونس بن حبيب " 183ه" من علماء العربية، وكان أعلم الناس بتصارف النحو، و "كتاب اللغات" لأبي زبد الانصارى "215ه"، و"كتاب اللغات" للاصمعي "213ه "، "17 2 ه"، و "كتاب اللغات" لابن دريد "321 " و "كتاب اللغات" لأبي عمرو الشيباني "213ه"، و "كتاب مجرد الغريب" على مثال العين وعلى غير ترتيبه، "وأوله هنا كتاب ألفه في غريب كلام العرب ولغاتها على عدد حروف الهجاء الثمانية والعشرين"، وهو لعلي بن الحسن، ويكنى أبا الحسن الهنائي، إلى غير ذلك من مؤلفات دونت في هذا الباب.
          لكننا لا نستطيع أن نتحدث عما عالجته من موضوعات وعما ورد فيها من بحوث، بسبب اننا لا نملك نسخاً منها، فلا ندري إذا كانت قد وضعت فى خصائص لغات العرب من نحو وصرف ومفردات، أم أنها ألفت في الشواذ والنوادر وفي الأضداد واختلاف الألفاظ.
          وقد بني سبب اهمالهم اللهجات الأخرى، على اعتقادهم انها لهجات رديئة فاسدة، وأن اللغة الفصحى هي اللغة الوحيدة التي يجب ضبط قواعدها والعناية بها، لأنها لغة القرآن الكريم، وأن الباحث في اللهجات الأخرى يؤدي إلى تثبيت لغات فاسدة إلى جانب لغة الوحي.
          وأجمل ما ذكره هنا علماء العربية من مواضع اختلاف العربيات الاخرى عن العربية المحضة في الأمور الآتية: أحدها الإختلاف في الحركات، نحو نسْتعين ونستِعين بفتح النونُ وكسرها فهي مفتوحة في لغة قريش، واسد وغيرهم يكسرها، ونحو الحصاد والحصاد.
          والوجه الاخر، الإختلاف في الحركة والسكون نحو مَعَكم ومَعْكم.
          ووجه آخر هو الإختلاف في إِبدال الحروف، فى: أولئك و أولالِك.
          ومن ذلك: الإختلاف في الهمز والتليين فى مستهزئون ومستهزُون.
          ومنه: الاختلاف في التقديم والتأخير، نحو صاعقة وصاقعة.
          ومنها: الإختلاف في الحذف والاثبات، نحو استحييت واستحيت، وصددت و أصددتُ.
          ومنها: الاختلاف في الحرف للصحيح يبدل حرفا معتلاَ، نحو أمّا زيد، و أيما زيد.
          ومنها: الإختلاف في الإمالة والتفخيم مثل قضى و رمى، فبعضهم يفخّم وبعضهم يميل.
          ومنها: الاختلاف في الحرف الساكن يستقبله مثله فمنهم من يكسر الأول، و منهم من يضم، نحو اشتروا الضلالة.
          ومنها: الاختلاف في التذكير والتأنيث، فان من العرب من يقول: هذه البقر، وهذه النخل، ومنهم من يقول: هذا البقر، وهذا النخل.
          ومنها: الاختلاف في الإدغام نحو: مهتدون ومٌهُدوّن.
          ومنها: الاختلاف في الإعراب نحو.: ما زيدٌ قائماً، وما زيد قائم، وإن هذين، و ان هذان، وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب.
          ومنها: الاختلاف في التحقيق والإختلاس نحو: يامرُ كم ويأمرْكم، وعُفي له،وعُفْى له.
          ومنها: الاختلاف في الوقف على هاء التأنيث مثل: هذه أمّهَْ و هذه أمّت.
          ومنها: الاختلاف في الزيادة نحو: أنظٌرٌ، وأنظٌورُ.
          ومن الاختلاف اختلاف التضاد"، و ذلك كقول حمير للقائم: ثب، أي اقعد، وثب بمعنى اقفز.
          ُمنها الاختلاف في الكلمة، فقد يقع فيها ثلاث لغات، نحو: الزٌّجاج، والزَّجاج،والزِّجاج " وقد يقع في الكلمة أربع لغات، فى الصِّداق،والصَّداق و الصٌّدقة، و الصَّدقة. ويكون فيها خمس لغات، نحو: الشَّمال،والشَّمْل،والشَّمْأل، والشَّيْمل، والشَّمَل. ويكون فيها ستُ لغات، نحو: قٌسْطاص،وِقسْطاص، قَسْطاط، وقستاط، وقِسّاط، وقٌستاط، وقِسَّاط، ولا يكون اكثر من هذا.
          ومنها الاختلاف في صورة الجمع، فى اسرى واسارى، ومنها الاختلاف في التحقيق والاختلاس، نحو يامرٌكم ويامرْكم، وعٌفى وعفى له.
          ُقد أشار "أبو العلاء" المعري في رسالة الغفران إلى ان "عدي بن زيد" العبادي، كان يجعل "الجيم" "كافا"، فيقول: "يا مكبور" يريد "يا مجبور"، "وهي لغة رديئة يستعملها أهل اليمن. وجاء في بعض الأحاديث إن الحارث بن هانئ. بن ابي شمر بن جبلة الكندي، استلحم يوم ساباط، فنادى: ياُ حٌكْر يا حٌكْر، يريد يا حجر بن عدي الأدبر، فعطف عليه فاستنقذه، ويكب في موضع يجب". و"الحارث بن هانئ" من كندة، وهو من الصحابة، وكندة من العربية الجنوبية في الأصل، فلا يستبعد منه نطق الجيم كافاً على الطريقة المصرية في الوقت الحاضر، إذ يقول العرب الجنوبيون "هكر" في موضع "هجر"، ولكن "عدي بن زيد" من "يميم"، وليست "تميم" من العربية الجنوبيهّ، ثم إن "المعري"، يقول عنه: "فيقول عدي بعباديته يا مكبور لقد رزقت ما يكب لن يشغلك عن القريض"، لي: "يا مجبور لقد رزقت ما يجب أن يشغلك عن القريض" فجعل قلب الجيم كافاً من سمات لغة العباديين.
          ولخص بعض العلماء الوجوه التي تتخالف بها لغات العرب، في سبعة أنحاء لا تزيد ولا تنقص:
          1-الوجه الأول ابدال لفظ بلفظ كالحوت بالسمك وبالعكس، وكالعهن المنفوش، قرأها "ابن مسعود" كالصوف المنفوش.
          2- الثاني: ابدال حرف بحرف كالتابوت والتابوه.
          3-الثالث: تقديم وتأخير ما في الكلمة، نحو: سلب زيد ثوبه، سلب ثوب زيد. وأما في الحروف نحو: أفلم ييأٍس الذين، أفلم يإيس.
          4- الرابع زيادة حرف أو نقصانه نحو: ماليه وسلطانيه، فلا تكُ في مِرْية.
          5- الخامس: اختلاف حركات البناء نحو تحسين بفتح السين وكسرها.
          6- السادس: اختلاف الأعراب نحو ما هذا بشر بالرفع.
          7- السابع: التفخيم والإمالة. و هذا اختلاف في اللحن والتزيين لا في نفس اللغهّ.والتفخيم أعلى واشهر عند فصحاء العرب. فهذه الوجوه السبعة التي بها اختلفت لغات العرب.
          وجمع "مصطفى صادق الرافعي" أنواع الاخلاف الواردة في كتب اللغة، فحصرها في خمسة أقسام.

          النوع الاول:
          الكشكشة: وقد عده علماء اللغة من مستبشع اللغات، ومستقبح الألفاظ، ولذلك أطلقوا على اللغات التي تمارسها: اللغات المذمومة وهي ابدال الشين من كاف المخاطب للمؤنث خاصة، كعليش ومنش وبش، في عليكِ، ومنكِ، وبكِ، في موضع التأنيث، أو زيادة شين بعد الكاف المجرورة. تقول عليكش، واليكش، وبكش، ومنكش، و ذلك في الوقف خاصة. ولا تقول عليكش بالنصب. وقد حكى كذا كش بالنصب. وإنما زادوا الشين بعد الكاف المجرورة لتبين كسرة الكاف فمؤكد التأنيث، و ذلك لأن الكسرة الدالة على التأنيث فيها تخفى في الوقت فاحتاطوا للبيان أن أبدلوها شيئاً، فإذا وصلوا حذفوا لبيان الحركة، ومنهم من يجري الوصل يجري الوقف فيبدل فيه أيضاً. وربما زادوا على الواو في الوقف شيناً حرماً على البيان أيضاً، فإذا وصلوا حذفوا الجميع وربما ألحقوا الشين فيه. وذكر أن "الكشكشة" في بني أسد وفي ربيعة. "وفي حديث معاوية تياسروا عن كشكشة تميم، أي ابدالهم الشين من كاف الخطاب مع المؤنث.و الكشكشة في ربيعهّ ومضر. يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً. فيقولون رأيتكش ومررت بكش.
          الكسكسة: يجعلون بعد الكاف أو مكانها شيئاً في المذكر. يجعلون بكاف المؤنث سيناً عند الوقف دون الوصل. يقال: اكرمتكس مررت بكس، أي أكرمتك ومررت بك. ومنهم من يبدل السين من كاف الخطاب، فيقوك أبوس وأمس، أي ابوك وأمك، وقيل: الكسكسة لهوازن. ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف؛ فيقول: منِشْ وعَليش، والديش بالكسر: الديك، لغة فيه عند من يقلب الكاف شيناً، شبه كافه بكاف المؤنث لكسرتها.
          الوتم: في لغة اليمن، بجعل الكاف شيئاً مطلقاً. كلبيش اللهم لبيش. ومن العرب من يجعل الكاف جيماً كالجعبة يريد الكعبة". وقيل: "الوتم في لغة اليمن، تجعل السين تاء كالنات في الناس".
          وقد استشهد علماء اللغة على الوتم بشعر نسبوه إلى "علباء بن ارقم" هو: يا قبح الله بني الـسـعـلات عمرو بن يربوعٍٍ شرار النات، ليسوا أعـفـاء ولا أكـيات. فاستعمل النات بدل الناس، والأكيات بدل الأكياس. ولكن الشاعر من "بكر" لا من حمير.
          الفحفحة: في لغة هذيل، يجعلون الحاء عيناً. الوكم والوهم: كلاهما في لغة بني كلب. من الأول يقولون: عليكِم وبكمِ حيث كان قبل الكاف ياء أو كسرة في موضع عليكم وبكم، ومن الثاني يقولون: منهم وعنهم وبينهِم، وإن لم يكن قبل الهاء ياء ولا كسرة". "وهم يكمون الكلام بكسر الكاف من يكمون، أي يقولون السلام عليكم بكسر الكاف". ومن أمثلة الفحفحة قولهم عياة في موضع حياة، وعلى لغتهم قرأ "ابن مسعود" عَتى عِين في قوله تعالى: حتى حين، فكتب إليه "عمر" إن القرآن لم ينزل على لغة هذيل، فاقرئ الناس بلغة قريش. ومن الفحفحة قولهم: العسن في الحسن، واللعم في اللحم، وذكر إن ثفيفاً كانت تفحفح في كلامها، فتقول عتى في موضع حتى. وقد ورد في "تاج العروس"، أن "الوكم" "لغة أهل الروم الان"، ولعل هذه اللغة انما جاءتهم من "كلب"، وهم من عرب بلاد الشام القدماء.
          "قال الفراء: حتى لغة قريش وجميع العرب إلا هذيلاً وثقيفاً، فإنهم يقولون: عتى. قال: وأنشدني بعض اهل اليمامة: لا أضع الدلو ولا أصلتي عتى أرى جلّتها تولـي ، صوادراً مثل قباب التلَّ".
          قال أبو عبيدة: من العرب من يقول: اقم عنيّ عتى آتيك، وأتى آتيك ؛ بمعنى حتى آتيك، وهي لغة هذيل".
          العجعجة: في قظاعة كالعنعنة في تميم. يحولون الياء جيماً مع العين، يقولون: هذا راجع خرج معج، أي راعي خرج معي. وقيل: "العجعجة في قضاعة. يجعلون الياء المشددة جيماً: يقولون في تميمي تميمج".وكانت قضاعة إذا تكلموا غمغموا، فلا تكاد تظهر حروفهم. وقد سمى العلماء ذلك الغمغمة قضاعة.
          الاستنطاء: قول أنطى بدل أعطى. "قال الجوهري: هي لغة اليمن. وقال غيره: هي لغة سعد بن بكر. والجمع بينهما أنه يجوز كونها لهما"، وقيل: "هي لغة سعد بن بكر، وهذيل، والأزد، وقيس، والأنصار يجعلون للعين الساكة نوناً إذا جاورت الطاء... وهؤلاء من قبائل اليمن، ما عدا هذيل. وقد شرفها النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى الشعبي " أنه صلى الله عليه وسلم، قال لرجل: أنطه كذا وكذا، أي اعطه. وفي حديث آخر أن مال الله مسؤول ومنطى،أي معطى. وفي حديث الدعاء: لا مانع لما أنطيت.
          وفي حديث آخر: اليد المنطية خير من اليد السفلى. وفي كتابه لوائل: وأنطوا الثبجة. وفي كتابه لتميم الداري: هذا ما أنطى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخره. ويسمون هذا الانطاء الشريف. وهو محفوظ عند أولاده. وقرىء بها شاذاً إنا انطيناك الكوثر".
          التلتلة: وعرفت في لغة "بهراء". وتلتلة بهراء كسرهم تاء تفعلون. مثل كسر تاء تعلم، في موضع الفتح. وكسر التاء من "تكتب". و ذلك انهم يكسرون احرف المضارعة مطلقاً. "ونسب ابن فارس في فقه اللغة هذا الكسر لأسد وقيس، إلا انه جعله عاماً في أوائل الألفاظ، فمثل له بقوله: مثل تعِلمون وتعِلم وشعِير وبعير".
          القطعة: عرفت في لغة طيء: وهي قطع اللفظ قبل تمامه، فيقولون في مثل يا أبا الحكم: يا أبا الحكا. وهي غير الترخيم المعروف في كتب النحو، لأن هذا مقصور على حذف آخر الاسم المنادى، أما القطعة فتتناول سائر أبنية الكلام".
          الكسر: ومن لغة تميم كسر الشين في شهيد، وكذا كل فعيل حلقي العين سواء كان وصفاً كهذا، واسماً جامداً كرغيف وبعير. "قال الهمداني في اعراب القرآن: أهل الحجاز وبنو أسد يقولون رحيم ورغيف وبعير بفتح أوائلهن. وقيس وربيعة وتميم يقولون: رحيم ورغيف وبعير بكسر أوائلهن. وقال السهيلي في الروض: الكسر لغة تميم في كل فعيل عين فعله همزة أو غيرها من حروف الحلق، فيكسرون أوله كرحيم وشهيد. وفي شرح الدريدية لابن خالويه: كل اسم على فعيل ثانيه حرف حلق يجوز فيه اتباع الفاء العين كبعير وشعير ورغيف ورحيم. وحكى الشيخ النووي في تحريره عن الليث آن قوماً من العرب يقولون ذلك وإن لم يكن عينه حرف حلق ككبير وكريم وجليل ونحوه. قلت: وهم بنو تميم كما تقدم".
          ومما اختلفت به تميم عن قريش أنها تذكر السوق والسبيل والطريق والزقاق والصراط والكلاء، وهو سوق البصرة، أما أهل الحجاز فيذكرون الكلّ.
          العنعنة: ومن ميزات لهجة تميم، أنها تنطق بالهمزة إذ وقعت في أول الكلمة عيناً. فيقولون في أسلم عسلم ويسمي العلماء ذلك "العنعنة". "وعنعنة تميم ابدالهم العين من الهمزة. يقولون: عن موضع أن". "قال الفراء: لغة قريش ومن جاورهم أن، وتميم وقيس وأسد و من جاورهم يجعلون ألف أن إذا كانت مفتوحة عيناً. يقولون أشهد عنك رسول الله، فإذا كسروا رجعوا إلى الألف وفي حديث قيلة: تحسب عين نائمة، وفي حديث حصين بن مشمت أخبرنا فلان عن فلاناً حدثه. أي آن فلانأَ حدثه. قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: كأنهم يفعلونه لبحح في أصواتهم. والعرب تقول: لأنك ولعنك، بمعنى لعلك. قال ابن الأعرابي لعنك لبني تميم، وبنو تيم الله بن ثعلبة يقولون رعنك. ومن العرب من يقول رغنك بمعنى لعلك". "قال الفرّاء: العنعنة في قيس وتميم. تجعل الهمزة المبدوء بها عيناً، فيقولون في انك عنك وفي أسلم عسلم".
          وذكر إن العنعنة في كثير من العرب، في لغة قيس وتميم، وقيل في لغة قضاعة أيضاً، وفي لغة أسد ومن جاورهم، يجعلون الهمزة المبدوء بها عيناً، فيقولون في انك عنك، وفي أسلم عسلم، وفي أذُن عُذن، وفي ظننت أنك ذاهب، ظننت عنك ذاهب.
          ومن مواضع الاختلاف بين لغة أهل الحجاز، ولغة تميم، الاختلاف في عمل ما وليس النافيتين. وتزداد الكلمة بين الإدغام والفك، وبين الإتمام والنقص، أو بين الصحة والإعلال والإعراب والبناء، فمثلاً أهل الحجاز يفكون المثلين من المضارع المجزوم بالسكون وأمره، وتميم تقولهما بالإدغام، وخثعم وزبيد تنقص نون من الجارة، فيقولون: خرجت ملبيت في قولهم: خرجت من البيت وغيرهم يتمها.
          و "ضللت" بفتح العين في الماضي وكسرها في المضارع. وهذه هي اللغة الفصيحة، وهي لغة نجد. و "ضللت تضل مثل مللت تمل، أي بكسر العين في الماضي وفتحها في المضارع، وهي لغة الحجاز والعالية. وروى كراع عن "بني تميم" كسر الضاد في الأخيرة ايضاً. قال اللحياني: وبهما قرىء قوله تعالى: قل إن ضلت فإنما أضل على نفسي. الأخيرة قراءة أبي حيوة، وقرأ يحيى بن وثاب اضل بكسر الهمزة وفتح الضاد. وهي لغة تميم. قال ابن سيده: وكان يحيى بن وثاب يقرأ كل شيء في القرآن ضلت وضللنا بكسر اللام. ورجل ضال تال". و "الضلالة والتلالة".
          واللخلخانية العجمة في المنطق، وهو العجز عن ارداف الكلام بعضه ببعض. ورجل لخلخاني غير فصيح. ويعرض ذلك في لغة أعراب الشحر وعمان.كقولهم في ما شاء الله مشا الله. والطمطمانية تعرض في لغة حمير، كقولهم طابم هوا، أي طاب الهواء. "وطمطمانية حمير بالضم ما في لغتها من الكلمات المنكرة، تشبيهاً لها بكلام العجم. وفي صفة قريش ليس فيهم طمطمانية حمير، أي الألفاظ المنكرة المشبهة بكلام العجم". وذكر أن الطمطمانية كانت أيضاً عند بعض عشائر طيء، "وهي ابدال لام التعريف ميماً. فيقولون في السهم والبر والصيام: امسهم، وامبر، وامصيام، وهذا ليس ابدالاً، وإنما هي لهجة يمنية، إذ كانوا يعُرّفون بالألف والميم، ولعل في ذلك ما يدل على صحة ما ذهب إليه النسابون من أن طيء قبيلة يمنية". ولكن حمير لا تعرف بالألف والميم، وانما تعرف ب "ان" "ن"، تضع هذه الأداة في آخر الكلمة التي يراد تعريفها. ولهذا، أخطاً من ذهب إلى أن هذه الطمطمانية ابدالاً، أو "لبس ابدالاً، وانما هي لهجة يمنية، إذ كانوا يعرفون بالألف والميم"، لما ذكرته من أن التعريف يلحق في الحميرية أواخر الكلم، ولا يكون في اولها، ويكون بالأداة "ن" "ان"، لا بالألف واللام، كما هو الحال في عربيتنا، وان التنكير عندهم يكون بإلحاق حرف "الميم" أواخر الألفاظ التي يراد تنكيرها، ولم يصل إلى علمي أن أحداً من الباحثين عثر على نص جاهلي في العربية الجنوبية عرف ب "ال" اداة التعريف في عربية القرآن الكريم.
          ومن الشائع بين الناس، أن الرسول قال: "ليس ممبرم صيامم فم سفر"، أي "ليس من البر الصيام في السفر"، وعندي إن هذا الحديث من الأحاديث الضعيفة أو المكذوبة، وقد وضع ليكون شاهداً على "الطمطمانية" المذكورة، جاءوا به شاهداً على تكلم الرسول بلسان حمير، ولكن لسان حمير لم يكن يعرّف الغير معرف بهذه الأداة من التعريف، وقد يكون لهجة من لهجات بعض القبائل على نحو ما نسب إلى بعض عشائر طيء، كما ذكرت ذلك قبل قليل.
          ومن العرب من يجعل الكاف جيماً كالجعبة يريد الكعبة. ومنهم من يستعمل الحرف الذي بين القاف والكاف كما في لغة تميم، والذي بين الجيم والكاف في لغة اليمن، وإبدال الياء جيماً في الاضافة نحو غلامج، وفي النسب نحو بصَرجّ وكوفج. ومن ذلك الحرف الذي بين الباء والفاء، مثل بور إذا اضطروا قالوا: فور.
          ومن النوع الثاني، وهو الخاص بلغات منسوبة غير ملقبة عند العلماء: إبدال "فقيم" الياء جيماً، ولغتهم في ذلك أعم من لغة قضاعة التي مرت في النوع الأول، لأنها غير مقيدة، فيقولون في بُختى وعليّ ? بُختجٌّ وعلجٌّ. وحجتج في حجتى، وبج في موضع بي. "وقال ابن فارس في فقه اللغة: إن الياء تجعل جيماً في النسب عند بني تميم، يقولون غلامج، أي غلامي، وكذلك الياء المشددة تحول جيماً في النسب، يقولون بصَرجَ وكوفِّج في بصريّ وكوفي. وعكس هذه اللغة في تميم - على ما نقله صاحب المخصص- و ذلك انهم يقولون: صِهريٌ والصهاري، في صهريج والصهاريج".
          في لغة مازن يبدلون الميم باءً والباءَ ميماً، فيقولون في بكر: مكر، وفي اطمئن اطبئن، ويقولون با اسمك ؟ مكان ما اسمك ؟ وفي لغة طيء يبدلون تاء الجمع هاءً إذا وقفوا عليها، إلحاقاً لها بتاء المفرد؛ وقد سمع من بعضهم: دفن البناه من المكرماه، يريد: دفن البنات من المكرمات.وحكى قول بعضهم: كيف البنون والبناه، وكيف الإخوه والأخواه ؟ وفي لغة طيء أيضاً يقلبون الياء ألفاً بعد إبدال الكسرة التي قبلها فتحة، و ذلك من كل ماض ثلاثي مكسور العين، ولو كانت الكسرة عارضة كما لو كان الفعل مبنياً للمجهول، فيقولون في رضى وهُدى: رضَا وهدُى، بل ينطقون بها قول العرب: فرس حظيِة بظّية فيقولون: حظاة بظاة، وكذلك الناصاة، في الناصية.
          ومن لغتهم أنهم يحذفون الياء من الفعل المعتل بها إذا أكّد بالنون، فيقولون في اخشَينَّ وارمينَّ: اخشنّ وارمنَّ، وجاء في الحديث على لغتهم: "لتؤدن الحقوق إلى اهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء تنطحها"، وتنسب هذه اللغة إلى فزارة ايضاً.
          وورد في بعض الروايات انهم يبدلون الهمزة في بعض المواضع هاءً فيقولون هنِ فعلت، يريدون إن فعلت.
          وورد أن بعض "طيء" كان يقلب "العين" همزة، فيقول: دأني بدلاً من دعني.
          وفي لغة تميم انهم يجيئون باسم المفعول من الفعل الثلاثي إذا كانت عينه ياءً على أصل الوزن بدون حذف، فيقولون في نحو مبَيِع: مبيوع، ولكنهم لا يفعلون ذلك إذا كانت عين الفعل واواً إلا ما ندر" بل يتبعون فيه لغة الحجازيين، نحو: مقول، و مصوغ.
          وفي لغة هذيل لا يبقون ألف المقصور على حالها عند الاضافة إلى ياء المتكلم، بل يقلبونها ياءً ثم يدغمونها، توصلاً إلى كسر ما قبل الياء، فيقولون في عصاى وهواي: عَصِيّ وهوَيّ، ولا يفعلون ذلك إذا كانت الألف في آخر الاسم للتثنية، كما في نحو "فَتيَاي"، بل يوافقون اللغات الأخرى.
          وفي لغة فزارة وبعض قيس، أنهم يقلبون الألف في الوقف ياءً، فيقولون: لهُدى. وافعى وحبلى، في مكان الهدى وأفعى وحبلى.
          ومن تميم من يقلب هذه الألف واواً، فيقول: الهُدَو، وأفعوا، وحُبلوَ. ومنهم من يقلبها همزة، فيقول: الهُدأ وافعأ وحُبلأ.
          في لغة خثعم وزبيد يحذفون نون "مِن" الجارة إذا وليها ساكن. وقد شاعت هذه اللغة في الشعر واستخفها كثير من الشعراء فتعاوروها.
          في لغة "بلحرث" "بلحارث" يحذفون الألف من "على" الجارة واللام الساكنة التي تليها، فيقولون في على الآرض علأرض، في لغة قيس وربيعة وأسد، وأهل نجد من بني تميم، يقصرون "أولاء" التي يشار بها للجمع ويلحقون بها "لاماً" فيقولون: أولاِ لك.
          في لغات أسماء الموصول: بلحرث بن كعب وبعض ربيعة يحذفون نون اللذين واللتين في حالة الرفع. وتميم وقيس يثبتون هذه النون ولكنهم يشددونها، فيقولون: اللذانّ واللتانّ، وذلك في أحوال الإعراب الثلاث.
          وطيء تقول في الذي: ذو، وفي التي ذات، ولا يغيرونهما في احوال الإعراب الثلاث رفعاً ونصباً وجراً. وقد عرفت ب "ذي" الطائية، وترد "ذ" "ذو" هذه بهذا المعنى في الصفوية واللحيانية والثمودية.
          في لغة ربيعة يقفون على الاسم المنوَّن بالسكون في كل أحوال الاعراب، فيقولون: رأيت خالد، ومررت بخالد، وهذا خالد، وغيرهم يشاركهم الا في النصب.
          وفي لغة الأزد يبدلون التنوين في الوقف من جنس حركة آخر الكلمة، فيقولون: جاء خالدو، ومررت بخالدي.
          وفي لغة سعد يضعفون الحرف الأخير من الكلمة الموقوف عليها إلا إذا كان هذا الحرف همزة أو كان ما قبله ساكناً، فيقولون: هذا خالد، ولا يضعفون في مثل رشأ وبكر.
          في لغة بلحرث وخثعم وكنانة، يقلبون الياء بعد الفتحة ألفاً، فيقولون في اليك وعليك ولديه: إلاكَ، وعلاك، ولداه، ومن لغتهم أيضاً إعراب المثنى بالألف مطلقاً، رفعاً ونصباً وجراً، وذك لقلبهم كل ياء ساكنة انفتح ما قبلها الفاً، فيقولون: جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان.
          وورد في بعض الروايات أن بني سعد بن زيد مناة، ولخم ومن قاربها، يبدلون الحاء هاءً، فيقولون في مدحته، مدهته. وأن بني أسعد بن زيد مناة و من وليهم يبدلون من الهاء فاءً، فيقولون فودج في موضع هودج.
          وورد أن أزد شنوءة تقول: تفكهون، وتميم يقولون: تفكنون، بمعنى تعجبون.
          وورد أن "الكلابيين" يلحقون علامة الإنكار في آخر الكلمة، وذلك في الاستفهام إذا أنكروا إن يكون رأي المتكلم على ما ذكر في كلامه أو يكون على خلاف ما ذكر.
          فإذا قلتَ: رأيت زيداً، وانكر السامع إن تكونَ رأيته، قال: زيداً إنيه ! بقطع الألف وتبيين النون، وبعضهم يقول: زيد نيه ! كأنه ينكر أن يكون رأيك على ما ذكرت.
          وذكر "الرافعي" الأمور التالية على النوع الثالث، من تغيير الحركات في الكلمة الواحدة حسب اختلاف اللهجات: هَلُمّ في لغة أهل الحجاز تلزم حالة واحدة بمنزلة رويد، على اختلاف ما تسند إليه مفرداً أو مثنى أو جمعاً، مذكراً أو مؤنثاً؛ وتلزم في كل ذلك الفتح ؛ وفي لغة نجد من بني تميم تتغير بحسب الإسناد، فيقولون: هلمَّ يا رجل، وهلمي، وهلما، وهلمّوا، وهلمُمنَ ؛ واذا اسندت لمفرد لا يكسرونها. فلا يقولون: هَلمَّ يا رجل، ولكنها تكثر في لغة كعب وغنى.
          وفي لغة تميم يكسرون أول فَعِيل وفعِل إذا كان ثانيهما حرفاً من حروف الحلق الستة، فيقولون في لئيم ونحيف ورغيف وبخيل: لئيم، وِ نحيف بكسر الأول، ويقولون: هذا رجل لعِبٌ، ورحلِ محِكٌ، كل ذلك بالكسر وغيرهم بفتحه.
          في لغة خزاعة يكسرون لام الجر مطلقاً مع الظاهر والضمير، وغيرهم يكسرها مع الظاهر ويفتحها مع الضمير غير ياء المتكلم؛ فيقولون: المال لكَ وِلهُ.
          هاء الغائب مضمومة في لغة أهل الحجاز مطلقاً إذا وقعت بعد ياء ساكنة، فيقولون: لديهُ وعَلَيهُ؛ ولغة غيرهم كسرها.
          في لغة الحجازيين يحكون الاسم المعرفة في الاستفهام إذا كان علماً كما نُطق به، فإذا قيل: جاء زيد، ورأيت زيداً، ومررت بزيد، يقولون: من زيدُ ؟ ومن زيداً ؟ ومن زيد ؟ أما إذا كان غير علم: كجاءني الرجل، أو كان علماً موصوفاً: كزيد الفاضل، فلا يستفهمون إلا بالرفع، يقولون: من الرجلُ ؟ ومن زيدٌ الفاضلُ ؟ في الأحوال الثلاث.
          واذا استفهموا عن النكرة المعربة ووقفوا على أداة الاستفهام، جاءوا في السؤال بلفظة "مَن" ولكنهم في حالة الرفع يُلحقون بها واواً لمجانسة الضمة في النكرة المستفهم عنها، ويلحقون بها ألفاً في حالة النصب، وياءً في حالة الجر، فإذا قلتَ: جاءنيِ رجل، ونظرت رجلاً، ومررت برجل، يقولون في الاستفهام عنه: منَوُ ؟ ومنَا ؟ ومني ؟ وكذلك يلحقون بها علامة التأنيث والتثنية والجمع. فيقولون: مَنهَ ؟ في الاستفهام عن المؤنثة، ومنان ؟ ومنين ؟ للمثنى المذكر، ومَنتان ؟ ومنَتين ؟ للمثنى المؤنث: ومنون ؟ ومنين ؟ للجمع المذكر، ومنات ؟ للجمع المؤنث. وهذا كله إذا كان المستفهم واقفاً، فإذا وصل أداة الاستفهام جردها عن العلامة، فيقول: منَ يا فتى ؟ في كل الأحوال.
          وبعض الحجازيين لا يفرق بين المفرد وغيره في الاستفهام، فيقول: منَو، ومنا، ومَني، إفراداً وتثنية وجمعاً في التذكير والتأنيث.
          وحفظ عن أهل الحجاز انهم يعاقبون احياناً بين الواو والياء، فيجعلون احدهما مكان الأخرى، فيقولون في الصوّاغ: الصياغ، وقد دوّخوا الرجل وديّخوه. وسمع عن بعض أهل العالية قولهم، لا ينفعني ذلك ولا يضورني، أي يضيرني، وسمع عن قوم قولهم: في سريع الأوبة: سريع الأيبة. ومنهم من يقول في المصايب: مصاوب، ويقول حكوت الكلام، أي حكيته. وأهل العالية بقولون: القصوى، ويقول أهل نجد: القصيا.
          وقد وردت أفعال ثلاثية تُحكى لاماتها بالواو والياء، مثل عزوت وعزيت، وكنوت وكنيت. وهي قريب من مائة لفظة.
          في لغة بكر بن وائل وأناس كثير من بني تميم، يسكنون المتحرك استخفافاً، فيقولون في فخذ، والرّجُل، وكَرُمَ، وعلمَ: فخَذ، وكرم، والرّجل، وعَلمَ، وهذه اللغة هي في كثير من تغلب، ثم إذا تناسبت الضمتان أو الكسرتان في كلمة خففوا أيضاً، فيقولون في العُنُق والإبلِ، العُنق، و الإبل.
          وحكى أن في لغة أزد السراة تسكين ضمير النصب المتصل.
          ولبعض القبائل لغات في كلمات: فتميم نجد يقولون نهرٌ، للغدير،وغيرهم يفتحها. والوتر في العدد حجازية، والوِتر بالكسر فيَ الذّحل: الثأر، وتميم تكسرهما جميعاً، وأهل العالية يفتحون في العدد فقط.
          ويقال وَتِد، ووتَد، وأهل نجد يدغمونها فيقولون. ودٌ. وبعض الكلابيين يقولوَن: الدِّواء، وغيرهم يفتحها. والعرب يقولون شُواظٌ من نار،و الكلابيون يكسرون الشين.
          والحجازيون يقولون لعمري، وتميم تقول: وعملي. واللص في لغة طيء، وغيرهم يقول: اللِّصت.
          وهناك لغات في الأعراب: فتستعمل "هذيل" "متى" بمعنى "مِن" ويجرون بها، سمع من بعضهم قوله: أخرجَها متى كُمِّه، أي من كُمه.
          وفي لغة تميم ينصبون تمييز "كم" الخربة مفرداً، ولغة غيرهم وجوب جرّه وجواز افراده وجمعه، فيقال: كم درهمّ عندك، وكم عبيدٍ ملكت ! وتميم يقولون: كم درهماً، وكم عبداً ! في لغة الحجازيين ينصب الخبر بعد "ما" النافية نحو: ما هذا بشراً، وتميم يرفعونه.
          في لغة اهل العالية ينصبون الخبر بعد إن النافية، سمع من بعضهم قوله: إن أحدٌ خيراً من أحدٍ إلا بالعافية.
          الحجازيون ينصبون خبر ليس مطلقاً، وبنو تميم يرفعونه إذا اقترن بإلا، فيقول الحجازيون: ليس الطيب إلا المسك، وبنو تميم: إلا المسكُ.
          في لغة بني أسد يصرفون ما لا ينصرف فيما عِلّة منعه الوصفية وزيادة النون، فيقولون: لست بسكرانٍ، ويلحقون مؤنثه التاء، فيقولون: سكرانة.
          في لغة ربيعة وغنم يبنون "مع" الظرفية على السكون، فيقولون: ذهبتُ مَعهُ، وإذا وليها ساكن يكوسرنها للتخلص من التقاء الساكنين، فيقولون ذهبت مع الرجل.
          في لغة "بني قيس بن ثعلبة" يعربون " لَدُن" الظرفية، وعلى لغتهم قرئ "من لدنهِ علماً"، وغيرهم يبنيها.
          الحجازيون يبنون الأعلام التي على وزن فعَال: كحذام، وقطام، على الكسر في كل حالات الإعراب؛ وتميم تعربها ما لم يكن آخرها راءً وتمنعها من الصرف للعلَمية والعدل، فإذا كان آخرها راء كوبار، اسم قبيلة وظفار اسم مدينة فهم فيها كالحجازيين.
          وتعرب هذيل "الذين" اسم الموصول إعراب جمع المذكر السالم، فيقولون: نحن الَّذون صبوا الصّباحا يوم النخيل غارة ملحاحا
          ومن لغة هذيل أيضاً، فتح الياء والواو في مثل بَيضات، وهيآت، وعَورات، فيقولون: بيضَات، وهَيآت، وعوَرات، وبقية العرب على إسكانها.
          وذكر "الرافعي" بعض الأمثلة على المثال الرابع من قبيل: إبدالهم أواخر بعض الكلمات المجرورة ياء، كقولهم في الثعالب والأرانب والضفادع: الثعالي والأراني والضفادي. وقد يبدلون بعض الحروف ياء كقولهم في سادس: سادي، وفي خامس: خامي.
          ومن العرب من يجعل الكاف جيماً، فيقول مثلاً: الجعبة، في الكعبة، وبعضهم ينطق بالتاء طاء: كأفلطني، في أفلتني، وهي لغة تميمية.
          وتقول بعض العرب اردت عَن تفعل كذا، وبعضهم يقول: لألني، في"لعلني". وفي لعل لغات يقولها بعض العرب دون بعض، وهي: لعليّ، ولعلني، وعلّي وعلّني، ولعنيّ، ولفني. ورَعَنَ، ورعنّ، وعنّ، وأن، و لعاء.
          وورد تلعثم وتلعزم في لغة بعض الناس، وتضيفت الشمسُ للغروب، وتصيفت.
          وفي "عند" لغات، هي: عنِدي، وعُندي، وعَندي، وفي لدن ثماني لغات، وهي لَدُن، ولُد ن، ولدَىَ، ولَدُ، ولدَن، ولُدن، ولَد، و لَدَى ؛ وفي "الذي": الذي، واللِذ، واللّذ، واللذيُّ، وفي التثنية اللذان، واللذانَ، و اللذا، و في الجمع: الذَين، والذون، و الملاءون، واللاءو، واللائي، - باثبات الياء في كل حال - و الألى ؛ وللمؤنث اللائي، واللاء، واللاتي: واللت، واللت، واللتان، واللتا، واللتانِّ، وجمع التي اللاتي، واللات، و اللواتيَ، و اللوات، و اللوا، واللاء، واللاتِ.
          ومن لغات "هو" و "هي": هُو، وهِي، وهُوّ، وهِيّ وهُ،هِِ.
          و من لغات لاجرم: لاجرَ، ولا ذا جرم، ولا ذا جر، ولا إن ذا جرم، ولا عن ذا جرم.
          ومن لغات نعم، حرف الايجاب: نَعِم، ونِعِم، ونَحَم.
          وبعض العرب يبدل هاء التأنيث تاءً في الوقف، فيقول: هذه أمت، في أمة، وبقرت في بقرة، وآيت في آية.
          وذكر "الرافعي" إن النوع الخامس، هو النوع الخاص باللثغة من المتكلم. كالألفاظ التي وردت بالراء والغين وبحروف أخرى.
          ومن مواضع الاختلاف التي ذكرها "الرافعي"، والتي وقعت في القرآن بسبب القراءات: تحقيق الهمز وتخفيفه، والمد والقصر، ولفتح والإمالة وما بينهما، والاظهار والادغام، وضم الهاء وكسرها من عليهم وإليهم وإلحاق الواو فيهما في لفظتي منهُمُو وعنهُمو، إلحاق الياء في اليه وعليه وفيه،وفى ذلك، فكان كل أهل لحن يقرءونه بلحونهم.
          وللتضجيع: الإمالة، وكانت تميم وقيس وأسد تميل إلى إمالة الألف، وكان الحجازيون ينطقونها بتفخيم فلا يُميلون، ويظهر أن ذلك لم يكن عاماً في القبيلة الواحدة، فقد كان بعض منها يميل وبعض منها لا يميل، وفي ذلك قول سيبويه: "اعلم أنه ليس كل من أمال الألفات وافق غيره من العرب ممن يميل، ولكنه قد يخالف كل واحد من الفريقين صاحبه، فينصب بعضٌ ما يميل صاحبه، ويميل بعضٌ ما ينصب صاحبه. وكذلك من كان النصب في لغته لا يوافق غيره ممن ينصب، ولكن أمره وأمر صاحبه كأمر الأولين في الكسر "الإمالة" فإذا رأيت عربياً كذلك فلا ترينه خلط في لغته ولكن هذا من أمرهم".
          وذكر "ابن فارس"، إن من اختلاف العرب في لغاتهم، اختلافهم "في التذكير والتأنيث، فإن من العرب من يقول: هذه البقر، ومنهم من يقول: هذا البقر، وهذه النخيل، وهذا النخيل"، واختلافهم "في الإعراب، نحو: ما زيد قائماً، وما زيد قائم، وإن هذين، وإن هذان، وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب"،واختلافهم "في صورة الجمع، نحو أسرى وأسارى". وفي هذه اللغة فسر المفسرون الآية: (إن هذان لساحران)، اذ قالوا إنها نزلت على لغة بني الحارث بن كعب ومن جاورهم، "وهم يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف.وقد أنشدني رجل من الأسد عن بعض بني الحارث ابن كعب:
          فأطرق اطراق الشجاع ولو يرى مساغاً لناباه الشجاع لصمما
          ويظهر من اختلاف العلماء - الذي رأيناه - في نسبة الأمور المذكورة إلى ألسنة القبائل وفي عدم اتفاللهم في كثير من الحالات في تثبيت اللغات المذكورة الى قبيلة معينة او حصرها في قبائل وترددهم في أقوالهم، إن ما ذكروه من اختلاف لم يكن حاصل دراسة استقرائية عميقة، وانما هو حاصل اتصال بأفراد أو بعدد قليل من الأعراب ومن المدعين بالعلم في ألسنة العرب، ولهذا نجد التناقض بادياً في أقوالهم، وصارت دراساتهم المتقدمة ناقصة غير كاملة، لا تتناول إلا أموراً جانبية لا تمس صلب اللغة ولا تنال قواعدها في الصميم، وعلى علماء اللغة في الوقت الحاضر واجب الخروج على الجادة القديمة التي يسيرون عليها اليوم في دراسة اللغة، بالذهاب بأنفسهم من جديد إلى مواطن اللغة، للأخذ من أحجارها المكتوبة إن وجدت ومن ألسنة الأحياء الباقين، أخذاً علمياً مقروناً بدراسات حديثة مبنية على تسجيل الأصوات، للاستعانة بها في الكشف عن لغات العرب بأسلوب علمي حديث.
          ويلاحظ أيضاً أن علماء اللغة، قد جمعوا بعض الملاحظات التي ظهرت لهم، من دراساتهم للغة اهل الحجاز، وللغة تميم. فسجلوها في كتب اللغة والقواعد، وقد أشرت إليها فيما تقدم بأيجاز. واذا قلت أهل الحجاز، فلا أعني لغة قريش وحدها، انما لغات القبائل الحجازية، التي تكون مجموعة لا لقبائل الساكنة في الحجاز. فإن العلماء حين شرعوا بتدوين اللغة، وجدوا أن لغة أهل مكة لم تعد صافية نقية بسبب اختلاط أهلها بالأعاجم، وظهور الفساد على لسانهم، لذلك، لا نجد لهم ذكراً بارزاً عند علماء اللغة، وانما حل عليهم مصطلح: أهل الحجاز. ويظهر إن عرب "تميم" من علماء اللغة، ووجود عدد من عشائرها في العراق على مقربة من المصريين، ونزول رجال منها البصرة والكوفة، ثم اشتهار رجال من تميم بالفصاحة والبلاغة والخطابة قبل الإسلام، كل هذه وأمور أخرى مكنت العلماء من تسجيل ملاحظات كثيرة عن لغة تميم، زادت بكثير عن الملاحظات التي دونتها عن القبائل الأخرى، وقد ذكر العلماء في مقابلها ما كان يختلف فيه أهل الحجاز عنهم، فتجمعت لدينا بذلك ملاحظات لغوية ونحوية ميزت لهجات تميم عن لهجات "أهل الحجاز"، وبعض القبائل الأخرى. وقد دخلت هذه الفروق في قراءة القرآن، فقرأ بعض القراء على لغة الحجازيين، وقرأ بعض آخر الآيات نفسها على لهجة تميم. كل قرأ على لسانه وتمسك بقراءته، وقد ساعد ذلك عدم وجود الحركات الضابطة للحروف، ولو كانت هناك حركات في مبدأ التدوين تضم الحرف أو تكسره أو تفتحه، لضاق نطاق هذا الاختلاف إذ كان على الناس القراءة وفقاً للمصحف المحرك المشكل الذي اتخذ إماماً لهم، ولكن عدم وجود مصحف إمام استعمل الشكل والإعجام، سهّل ظهور القراءات.
          والخلاف بين "أهل الحجاز" "لغة أهل الحجاز" وبين "تميم"، هو خلاف في إطار مجموعة واحدة من القبائل، هي مجموعة "مضر". فالقبائل الحجازية التى ذكروها هي قبائل مضرية، و "تميم" من قبائل مضر كذلك في عرف أهل الأنساب. وكان بين اهل مكة، أي "قريشاً" وبين "تميم" اتصال وثيق قبل الإسلام، وكانت بينهم مصاهرة، وقد عرفت "تميم" واشتهرت بالفصاحة، ولو اخذنا برأي أهل الأخبار، وبما ذكروه عن فصاحة "تميم" وعن كثرة وجود الخطباء والشعراء فيهم، وعن حكومتهم في "عكاظ"، وبما ذكروه عن "قريش" فاننا نخرج بنتيجة هي ان "تميماً"، كانت اكثر شهرة في بضاعة الكلام من "قريش"، وهي نتيجة تناقض زعمهم أن قريشاً كانت اصفى العرب لغة، وأن لسانها هو اللسان العربي الفصيح الذي نزل به القرآن، وانها كانت تجتبي أحسن الألفاظ وأعذبها من بين سائر لغات العرب حتى صار لسانها أفصح الألسنة، ذلك بدليل أستشهاد علماء اللغة بلغة تميم من نثر وشعر في شواهدهم وأدلتهم على قواعد اللغة، كثرة لا تقاس بها الشواهد لحي استشهد بها العلماء على ضبط اللغة والقواعد، المنتزعة من لسان قريش.
          ولو استقصينا ما دونه علماء اللغة عن مواطن الاختلاف بين لغات العرب، نصل إلى نتيجة أخرى، هي ان لغات كثير من القبائل تميل إلى ترجيح كفة "لغة تميم" على لغة أهل الحجاز، ففي الفتح والكسر، كما في "الوتر" ُ "الوتر"، نجد الفتح لغة أهل الحجاز، والكسر لغة تميم وأسد وقيس: وقد قرأ بالقرائتين في سورة: )والفجر. وليال عشرٍ. والشفع والوتر(. قال "الطبري": "واختلف القراء في قراءة قوله والوتر، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة وبعض قراء الكوفة. بكسر الواو. والصواب من القول في ذلك، أنهما قراءتان مستفيضتان معروفتان في قراءة الأمصار، ولغتان مشهورتان في العرب فبأيتهما قرأ القارىء فمصيب". فنرى من رواية "الطبري" المذكورة أن غالبية القراء، انما قرأت بقراءة تميم وأسد وقيس، وان كانت القراءة الثانية التي هي بالفتح لغة مكة صحيحة.
          ولقبائل: "تميم" و "قيس" و" أسد"، هي من القبائل التي أكثر علماء العربية أخذ اللغة عنها، ونصوا على اسمها بالذات، فقالوا: "والذين عنهم نقُلت اللغة العربية وبهم اقتدى، وعنهم أخذ اللسان العربي.من بين قبائل العرب هم: قيس، وتميم، وأسد، فإن هؤلاء هم الذين عنهم اكثر ما أخذ ومعظمه، وعليهم اتكل في الغريب وفي الإعراب والتصريف، ثم هذيل وبعض كنانة، وبعض الطائيين، ولم يؤخذ عن غيرهم من سائر قبائلهم". فهي في مقدمة القبائل التي ركن إليها علماء اللغة في اخذ اللغة عنهم، يليهم هذيل، فكنانة، وبعض الطائيين.
          ومعنى هذا أن بناء العربية، الذي قام به علماء،اللغة، انما أخذ معظم مادته من لغات القبائل الثلاث المذكورة، وهي قبائل أقامت في مواضع متجاورة منذ القدم،وكانت بطونها قد توغلت في بوادي العراق في الجاهلية القريبة من الإسلام وفي الإسلام، وفي البحرين ونجد وبعض مناطق اليمامة. فهي تكون جزءاً كبيراً من جزيرة العرب والعراق.
          ويلاحظ أن لغات القبائل لا تزال مختلفة، فمنهم من يقلب "الجيم" ياء فيقول: "المسيد"، بدلاً من "المسجد"، وهم قوم من اليمن والنمور في وادي محرم، ومنهم من يقلب القاف والكاف "تس"، فيقول "حكى" "حتسى"، وهم من أهل نجد، ومنهم من يقلب "الكاف" "تش"، فيقول: "بكى" "بتش"، ومنهم من يقلب "القاف" "صاداً" مفخمة، فيقول "كال" في موضع "قال"، وهي من لغات أهل نجد، ومنهمّ من يقلب "الكاف" "سيناً"، فيقول "عبيسي"، في موضع "عبيكي" ومنهم من يقلب "القاف" "جيما."، فيقول "العجير" في موضع "العقير"، ومنهم من يقلب "الظاء" "لاماً"، فيقول "اللهر" في موضع "الظهر"، ومنهم من يقلب "الصاد" "لاماً"، فيقول "الليف" في موضع "الضيف"، ومنهم من يجعل "الياء" بين الألف والباء، فيقول "امطاير" في موضع "مطير".
          ويلاحظ أن قبائل العراق لا تزال تستعمل مثل هذه اللهجات وغيرها،فيستعمل بعضها حرف العين في موضع الهمزة، فيقولون "سعال" في موضع "سؤال" وتستعمل بعض القبائل حرف "الياء" في موضع الميم"، فتقول "يومن"، في موضع "مومن"، أي "مؤمن"، وغير ذلك، وتستعمل بعضها الياء في موضع "الجيم"، فتقول: "ريال" في موضع "رجَّال"، أي "رجل". وذكر إن أهل اليمن يستعملون "الميم" في موضع "ال" أداة التعريف، فيقولون "أم بيت" في موضع "البيت،". وقد أشير في الحديث إلى هذه اللغة، ويظهر أنها لغة خاصة، ربما كانت حاصل ادغام حرف الجر "من" في الكلمة التي دخلت عليها، ف "أم بيت"، هي "من البيت" أو أنها لهجة من اللهجات التي تكلم بها أهل اليمن الشماليون، جعلت "الميم" أداة للتعريف. لأننا نعلم -كما سبق أن ذكرت- أن حرف "الميم" أداة للتنكير في اللهجات العربية الجنوبية، فيقال "بيتم" في موضع "بيت"، ونلحق آخر الأمم. أما أساة التعريف فحرف "ن" يلحق آخر الكلمة كذلك، ولا يدخل على أولها كما في "ال"، يقال "بيتنن" في موضع "البيت"، و "ملكن" في مقابل "الملك".

          من أقوال الامام علي عليه السلام

          (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
          حملت طيباً)

          محمد نجيب بلحاج حسين
          أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
          نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

          تعليق

          • حاتم سعيد
            رئيس ملتقى فرعي
            • 02-10-2013
            • 1180

            #6
            "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء6
            الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)


            5-----هل تكون اللغة العربية في الأصل مجموعة لهجات؟:
            س- هل نزل القرآن بسبعة أحرف؟
            س-لماذا لا نجد حرف القاف الأصليّ (الغائي)في اللغة العربيّة الحاليّة والذي ينطق به سكان شمال افريقيا والأوروبيون وغيرهم؟
            لقد تأكّد لدينا تاريخيّا أنّ
            كل قبيلة من قبائل الجزيرة العربية كان لديها لهجتها المميزة ولعل هذا هو السر في نزول القرآن بسبعة أحرف كما هو وارد في صحيح الحديث – أي سبع لهجات- وقيل أن العدد سبعة للتضعيف والكثرة كأنه نزل بجميع لهجات العرب . ولكن عندما جاءت لحظة تدوين القـرآن ، تم تدوينه بلهجة قريش وتم استبعاد اللهجات الأخرى وأصبحت لهجة قريش هي اللهجة السائدة في الكتابة إلى اليوم وهي المعروفة الآن باللغة العربية الفصحى دون غيرها من سائر اللهجات الأخرى التي صار يطلق عليها اللهجات العامية أو الدارجة .

            إذن يمكن القول أن قلب الحروف الذي نسمعه اليوم على ألسنة العرب ليس جديدا وإنما هو امتداد طبيعي كان سائدا عند العرب القدماء .

            إلا أن الملاحظة الأكثر إثارة للدهشة هي أن نطق القاف أشبه بالغين هو النطق الذي كان سائدا بين سائر العرب القدماء كما ذهب إلى ذلك بعض فقهاء اللغة العربية . إذ يرى الدكتور إبراهيم أنيس ، عميد كلية دار العلوم سابقا والعضو المؤسس لمجمع اللغة العربية بالقاهرة في كتابه " أصوات اللغة " أن نطق السودانيين للقاف نوعا من الغين هو النطق الأصلي لهذا الحرف حيث يقول : " .. على أننا نستنتج من وصف القدماء لهذا الصوت أنه ربما كان يشبه تلك القاف المجهورة التي نسمعها الآن بين القبائل العربية في السودان وبعض قبائل جنوب العراق فهم ينطقونها نطقا يخالف معظم اللهجات العربية الحديثة إذ نسمعها منهم نوعا من الغين " .

            ويواصل قائلا : " لهذا نفترض هنا أن القاف الأصلية كانت تشبه ذلك الصوت المجهور الذي نسمعه الآن من بعض القبائل السودانية ، إذ لا فرق بين نطق السودانيين وبين نطق المجيدين من القراء المصريين " .

            والأمر الذي يؤيد رأي د. إبراهيم أنيس هذا ويؤكد أن نطق القاف أشبه بالغين كان هو السائد عند عامة العرب قول أحد المتحذلقين يفخر بنطقه للقاف ويعيب نطق غيره له :

            قولي يقلقل القاف قلقلة
            وقولي غيري يغير القاف تغييرا

            فلو كان عامة العرب يقلقلون القاف مثلما يفعل لما كان له فضيلة عليهم ليتباهى بها . ومن ثم ندرك أن نطق السودانيين القاف نوعا من الغين سجية في اللسان العربي . مع التأكيد أن اللسان عيار اللغة وعيار اللسان الكلام والكلام سابق للكتابة والتدوين .
            المصادر :
            1/
            لسان العرب – ابن منظور – حرفا الهمزة والقاف – الطبعة الأولى .
            2/
            الصاحبي في فقه اللغة – ابن فارس – دار الكتـب العلميـة ببيـروت ص "29" .
            3/
            المزهر في علوم اللغة – السيوطي – الجزء الأول .
            4/
            معجم الألفاظ العامية في دولة الامارات العربية المتحدة – د. فالح حنظل .
            5/
            في اللهجات العربية – د. إبراهيم أنيس – الأنجلو المصرية – الطبعة التاسعة .
            6/
            أصوات اللغة – د. إبراهيم أنيس – الأنجلو المصرية .


            في كتابه (الأصوات اللغوية) يقدم الدكتور إبراهيم أنيس، رائد علم اللغويات العربية الحديثة وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة واستاذ اللغة العربية بكلية دار العلوم بالازهر وعميدها سابقا، يقدم وصفا علميا تفصيليا لكل حرف من حروف الابجدية العربية ومكان خروجه وكيفية تكونه وتنقل صوته بين اجهزة النطق المختلفة لدى الانسان من حنجرة وحلق ولهاة ولسان وحنك وفم وشفة واسنان وغيرها. ثم يقارن بين الصورة التي وصف بها علماء اللغة والقراءات القدماء هذا الحرف، وبين نطق الحرف السائد الآن في لغة القراءة بين عرب اليوم.
            وحينما يأتي للحديث عن صوت(حرف) القاف ينتهي إلى أن القاف التي نعرفها اليوم والتي توصف بالفصحى، ليست هي القاف التي وصفتها كتب اللغة والقراءات وأن نطق السودانيين لها أشبه بالغين هو الأقرب إلى القاف في الأبجدية النموذجية. يقول :
            «
            القاف كما ينطق بها الآن في مصر بين مجيدي القراءات صوت شديد مهموس، رغم ان جميع كتب القراءات قد وصفتها بانها احد الأصوات المجهورة. وقد تطورت القاف في اللهجات العربية الحديثة تطورا ذا شأن لا نستطيع معه ان نؤكد كيف كان ينطق بها الفصحاء من عرب الجزيرة في العصور الاسلامية الأولى. على أننا نستنتج من وصف القدماء لهذا الصوت أنه ربما كان يشبه تلك القاف المجهورة التي نسمعها الآن بين القبائل العربية في السودان، وبعض القبائل في جنوب العراق، فهم ينطقون بها نطقا يخالف نطقها في معظم اللهجات العربية الحديثة، إذ نسمعها منهم نوعا من الغين. لهذ نفترض هنا أن القاف الأصلية كانت تشبه ذلك الصوت المجهور الذي نسمعه الآن من بعض القبائل السودانية، ثم همس مع توالي الزمن وأصابته صفة الشدة فأدى هذا إلى ما نعهده في قراءتنا». – الأصوات اللغوية ص84،85.
            وما يعزز نظرية عابدين هنا ان هذا النطق نجده أيضا لدى أهل العراق والخليج وصعيد مصر واليمن وبعض النواحي الريفية بدول المغرب العربي. جاء في (معجم الالفاظ العامية في دولة الامارات) للدكتور فالح حنظل، في حرف القاف:» يقلب الحرف إلى الغين: فيقال غبايل اي قبائل. ويقال غصايد اي قصائد. ويقال غصر اي قصر».
            وفي ذلك يقول هادي العلوي: «في بعض لهجات الخليج وجنوب العراق والسودان يبدل القاف غينا، يقولون: غاسم وغسط بدل قاسم وقسط.. وقد وقفت على جماعة من جنوب العراق يبدلون القاف غينا والغين قافا فيقولون: غاسم في قاسم ويقولون قير في غير، ولا يستطيعون نطق القاف في قاسم ولا نطق الغين في غير». – المعجم العربي الجديد – ص 34،35.
            ويمضى عابدين أبعد في التدليل على أن نطق القاف نوعا من الغين أصل في لغات العرب إلى الاستشهاد بامهات المعاجم إذ يقول:» هنالك عدد من الالفاظ نجدها في معاجم الفصحى بالغين المجهورة والقاف المهموسة مثل: غثم وقثم، والغمس والقمس( اي الغوص).» ص، 48
            وبالرجوع إلى معجم لسان العرب، وجدنا، تأكيدا لما ذكره عابدين، ان «غمس» وردت مرة في باب حرف الغين « غمس» ومرة في باب حرف القاف «قمس» بذات المعنى. يقول صاحب اللسان : «قمس في الماء يقمس قموسا، وقمسه هو فانقمس اي غمسه فيه فانغمس. وفي الحديث: أنه رجم رجلا فصلى عليه، وقال إنه الآن لينقمس في رياض الجنة.» ويضيف:» القمس،الغوص، والقامس والقماس: الغواص، والقاموس: قعر البحر.»- لسان العرب.
            وهذا يعني أنه يجوز لك ان تكتب غمس بالغين والقاف وكذلك القاموس. وكل هذه الدلائل والشواهد القوية تؤكد ان نطق القاف نوعا من الغين او مشوبة بالغين او حتى إبدالها غينا، كان سائدا ومعروفا بين بعض قبائل الجزيرة العرب. وعندما سادت لغة الكتابة والتدوين في العصور الاسلامية الاولى اختفت هذه الظاهرة في لغة الكتابة بين كتاب ومثقفي ذلك الزمان، وتغلبت القاف المهموسة التي نسمعها اليوم في القراءة العربية وفي بعض اللهجات.
            هنالك بيت شعر يقول قائله:
            قولي يقلقل القاف قلقلة وقول غيري يغير القاف تغييرا
            ونحن لا ندري من القائل ولا في اي عهد قيل هذا البيت. وإذا ثبت أنه قيل في العصور الاسلامية الاولى متزامنا مع عصر التدوين او بعيده، فان ذلك مؤشر آخر على ان القاف كانت تنطق قريبة من الغين أو تبدل غينا على أقل تقدير. وينم هذا البيت أن القائل أحد مثقفي ذلك العصر رأى مَن حوله من الناس ينطقون القاف أشبه بالغين فاراد ان يتميز عليهم بنطقه المخالف للقاف شانه في ذلك شأن المثقفين المولعين بالجديد والمغاير في كل زمان.
            هذا، ونطق القاف مشوبة بالغين ليست الصورة الوحيدة لنطقها في لسان أهل السودان. فهي تنطق أيضا «كنطق الحرف g في الكلمة الانجليزية go وهو النطق الاصيل في لهجاتهم، والغالب عندهم، وقد تنطق كافا في عدد من الكلمات، ولكل صورة من تلك الصور مصدرها القديم.» عابدين ص43
            وذلك نجده في نطق كلمات مثل: قام وقال وقول وقدم وقدام وقحة وغيرها. ويذهب عبد المجيد عابدين إلى ان هذا النطق كان معروفا عند القدماء ويدلل على ذلك بوجود عدد من الالفاظ وردت في معاجم الفصحى بالقاف والجيم، مثل: المقذاف والمجداف القذ والجذ والقص والجص. أما نطق القاف كافا، فنجده في كلمات مثل: كتل وكاتل وبرتقان وفكي وغيرها وذلك في قتل وقاتل ووقت وبرتقال وفقيه.
            ويورد عابدين ان ابن سينا الفيلسوف أشار في (أسباب حدوث الحروف) إلى هذه القاف التي تنطق كافا. وكذلك أشار إليها ابن خلدون في (المقدمة) وعدها من خصائص البدو في الاقطار العربية شرقا وغربا. ويُسمى هذا النطق (القاف المعقودة). والواقع، كما يقول عابدين، أنها كانت لهجة مضر الاولين من أهل نجد «والتي عبر عنها القدماء بلغة تميم، وكانت تشمل قبائل عديدة من قيس وأسد.» وقد رروا لشاعر تميم:
            ولا أكول لقدر القوم كد نضجت * ولا أكول لباب الدار مكفول
            وقد سبق أن ذكر ذلك ابن فارس في كتابه (الصاحبي في فقه اللغة). وفي لهجات اليوم نجد القاف (المقعودة) في أرياف فلسطين وصعيد مصر والسودان وأظهر ما تظهر في كلام أهل اليمن. ويثبت عابدين ان نطق القاف كافا قد وجد طريقه إلى معاجم العربية الفصحى من خلال وجود ألفاظ تجمع بين القاف والكاف مثل: قنع وكنع، وكاتله الله وقاتله الله، وعربي قح وعربي كح وغيرها. وقياسا على ذلك يصح ان تكتب لفظ « قحة» كما يلفظ لا كما يكتب الآن «كحة».
            ومن أسباب نطق القاف كافا أو بين الجيم والكاف، تقارب المخرج. يقول ابن منظور في لسان العرب» ومخرج الجيم والقاف والكاف بين عكدة اللسان وبين اللهاة في أقصى الفم». أما نطق القاف همزة كما في كلام كثير من عرب اليوم فلا وجود له في لسان أهل السودان.
            وهذا يقودنا إلى الحديث عن الظاهرة اللغوية التي أطلق عليها فقهاء اللغة القدماء « الإبدال». فقد فطن هؤلاء العلماء إلى ظاهرة اختلاف نطق الحروف بين العرب ولكنهم لم يردوه، في الغالب الأعم إلى اختلاف لغات/ لهجات العرب وانما صوروه وكانه أمر حادث لا أصل له لانهم قاسوه على أصل واحد هو لغة الكتابة التي صارت منذ عصر التدوين وإلى اليوم الانموذج الأوحد للغة العربية (الفصحى) فسموا ما خالف أبجديتها بانه حدث فيه «قلب وإبدال».
            يقول ابن فارس:» ومن سنن العرب إبدال الحروف وإقامة بعضها مقام بعض» – فقه اللغة ص 154 وينقل السيوطي عن ابي الطيب اللغوي انه:» ليس المراد بإلابدال أن العرب تتعمد تعويض حرف من حرف، وانما هي لغات مختلفة لمعان متفقةالمزهر ص 460 وهذه من إلاشارات النادرة في كتب القدماء التي تنحو هذا النحو العلمي في تفسير خاصية الإبدال في الغة العربية.
            وتفسيرنا لهذه الظاهرة اللغوية أنه كانت لكل قبيلة من قبائل العرب القدماء طريقة خاصة في نطق الابجدية العربية ولما جرى تدوين الابجدية في عصر التدوين بطريقة واحدة، احتفظت كل قبيلة بمذهبها الخاص في النطق على مستوى الكلام، واضطرت، في الكتابة والقراءة، أن تأخذ بالابجدية الموحدة. وفي إضاءة لهذا الرأي نورد قول ابن الجزري:
            «وكانت العرب الذين نزل القرآن بلغتهم، لغاتهم مختلفة، وألسنتهم شتى، ويعسر على أحدهم الانتقال من لغته إلى غيرها أو من حرف إلى آخر بل قد يكون بعضهم لا يقدر على ذلك ولا بالتعليم والعلاج لا سيما الشيخ والمراة ومن لم يقرأ كتابا.. فلو كلفوا العدول عن لغتهم والانتقال عن ألسنتهم لكان من التكليف بما لا يستطاع.» – (النشر في القراءات العشر) ص، 24، 25.
            وظلت آثار هذا الاختلاف باقيا في لهجات العرب إلى اليوم في نطق الابجدية العربية. ولنأخذ شاهدا آخر، ففي دولة الامارات العربية هنالك أيضا أكثر من طريقة لنطق القاف، يقول الدكتور فالح حنظل:» ورد نطقه فصيحا عند الشحوح وبعض أعراب إمارة رأس الخيمة والفجيرة، فهم يحققون الحرف كاملا، فيقولون: قاف. إلا أن الشائع عندهم هو أن يقلب الحرف إلى الجيم كقولهم: جاسم والأصل فيه قاسم. وقولهم الشارجة والاصل فيها الشارقة. ويقلب إلى كاف، اي كاف في النطق الفارسي، فيقولون: دكيكة أي دقيقة. ويقلب الحرف إلى الغين، فيقال غبايل اي قبائل. ويقال غصايد اي قصائد. ويقال غصر اي قصر.» – معجم الألفاظ العامية بدولة الامارات العربية - ص 517.
            فكل عرب اليوم يبدلون ما شاء لهم الابدال حتى في قراءة اللغة (الفصحى). فالمتابع الفطن للاذاعات العربية المسموعة والمرئية، يلحظ في قراءة نشرات الاخبار أو في الحديث بالفصحى، أن الشوام والمصريين والمغاربة، يقرأون الزاي ظاء، مثل في: زيارة وزيارات ووزارة ووزارات، وغيره كثير. ويقرأون التاء طاء مثل في: تيار وتيارات وتوتر وتوترات وغيرها. ويبدلون السين صادا مثل في: سوق وسبق وأسعار ومسار وكثير غيرها. ويقرأون الدال ضادا مثل في: دورة ودوري وإدارة ورد ويرد وردود وخلافها. وينطق المصريون الجيم، أشبه بحرف g في الكلمة الانجليزية go مثل في: اجراء واجراءات وتجارة وتجاري وغيرها. وهم لكل ذلك ينطقون دستور مثلا «ضصطور» بإبدال ثلاثة أحرف.

            المصادر:
            1- إبراهيم أنيس، الأصوات اللغوية، مكتبة الانجلو المصرية، طبعة 1990
            2- عبد المجيد عابدين، من أصول اللهجات العربية في السودان، دار المعرفة الجامعية، الاسكندرية، طبعة 1989
            3- الدكتور ابراهيم أنيس، في أصول اللهجات العربية، الانجلو المصرية، الطبعة التاسعة 1995
            4- هادي العلوي، المعجم العربي الجديد، المقدمة، دار الحوار، اللاذقية ، ط1 1983
            5- ابن الجزري، النشر في القراءات العشر(مجلد واحد)،المكتبة العصرية، بيروت، طبعة 2006
            6- ابن فارس، الصاحبي في فقه اللغة العربية ومسائلها وسنن العرب في كلامها، دار الكتب العلمية، بيروت طبعة 1997
            7- جلال الدين السيوطي، المزهر في علوم اللغة وآدابها، الجزء الأول، دار الفكر للطباعة والنشر.
            8- فالح حنظل، معجم الالفاظ العامية في دولة الامارات العربية، وزارة الاعلام والثقافة، الطبعة الثالثة 1998م.
            9- ابن منظور، معجم لسان العرب، حرفا القاف والغين
            المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام

            د. جواد علي

            الجزء الرابع – الفصول 137-168.

            ما أريد أن أضيفه لمزيد من الفهم أن اللهجة التونسية تستعمل حرف (ق) في كثير من الكلمات وتستعمل أيضا (ڤ) للدلالة على نفس تلك الكلمات وفي بعض الأحيان تفرّق بين بعضها ككلمة (القرآن) لا تنطق إلا بذلك الحرف.
            (مثال: منڤالة=ساعة يدوية-/-ڤورا=غرب-/-ڤصعة=قصعة-/-ڤدم=قظم-/-ڤرمش=قرمش).
            وهو ما يفتح باب السؤال، هل يكون هذا الحرف مفقودا في اللغة العربيّة الحاليّة وأنّه كان موجودا في اللغة العربيّة الأمّ؟.



            .

            من أقوال الامام علي عليه السلام

            (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
            حملت طيباً)

            محمد نجيب بلحاج حسين
            أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
            نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

            تعليق

            • حاتم سعيد
              رئيس ملتقى فرعي
              • 02-10-2013
              • 1180

              #7
              "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء7
              الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
              6------لمحة تاريخيّة عن نشأة الأصول العربيّة:
              تاريخ العرب:
              أجمع أكثر المؤرخين أن العرب ينحدرون من سلالة النبي نوح عليه السلام وأنهم من أصول ساميّة، لما ورد ذكره في الروايات التي جاءت في كتب التوراة ولكن اختلفوا في البقعة التي مثلت موطنهم الأصلي بين من يعتبره الجزيرة العربية وبين من يجعلهم قادمين ربّما من أرمينيا أو من قارة افريقيا أو من جزيرة سيلان أو من بابل بالعراق لكن الرأي الأخير يلقى رفضا بسبب ما يعتبره البعض تناقضا بين الثقافتين لأن مدينة بابل رمز حضري وليس لها علاقة بالصحراء التي تمثل الثقافة الكبرى للعرب.
              يفسر البعض من المؤرخين تاريخ نشأة العرب بما حدث قبل عشرة آلاف عام في العصر الجليدي الذي حول معظم بلاد العرب إلى مناطق صحراوية واسعة مما تسبب في الجفاف فنشأ الأعراب الذين يسكنون الصحراء ويبحثون دائما عن الماء لرعي أغنامهم.
              تنقسم الأصول العربية إلى ثلاثة أقسام : العرب البائدة والعرب العاربة والعرب المستعربة وأضاف العلامة ابن خلدون في مقدمته صنفا رابعا أسماهم العرب المستعجمة.
              تضم العرب البائدة سبعة قبائل :

              1. قبائل عاد: سكنوا اليمن زمن نبي الله هود الذي جاء ذكره في القرآن في سورة الفجر – (الم ترَ كيف فعل ربك بعاد ارم ذات العماد(الاية)).
              2. ثمود : سكنوا الحجاز زمن نبي الله صالح.
              3. طسم : سكنوا عمان.
              4. ثقيف: سكنوا الطائف.
              5. جاسم: سكنوا مكة.
              6. وبار: سكنوا اليمن.
              7. جديس: سكنوا اليمامة...
              أما العرب العاربة فهم عرب الجنوب ويدعون بالقحطانيين نسبة الى يعرب بن قحطان ولغتهم لغة سامية قديمة جدا يعتقد أنها تطورت إلى اللغة العربية لاحقا، وقد ساعد الموقع الجغرافي لعرب الجنوب على الاشتغال بالتجارة البحرية والبرية فكانت سفنهم تجوب بين بلاد السند ومصر وبابل.أما الزراعة عندهم فكانت رائجة لكثرة الأنهار والسدود. وكان سد مأرب أشهر السدود في اليمن.
              أما ديانتهم فكانت وثنية تعتقد بالثالوث المكوّن من:
              - القمر: ورمزه الحية.
              - الشمس: ورمزها اللات.
              - الزهرة: ورمزها العزى.
              وكان البابليون يعبدون الشمس ويدعونها شاماس. كما عبدوا آلهة الخصب ودعوها عشتار.
              - متى ظهرت كلمة (عرب Arab-)؟
              لم يُعرَف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثريّ ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري شلمنصر الثالث في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض - من علماء اللغات - أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سُمّيت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية.
              • يؤكد فريق من المستشرقين أن لكلمة عرب صلة بكلمة عرابا العبرية التي تعني الفوضى اما كلمة عارب فتعني تحرك وان العرب استعملوا كلمة اعراب اقتباسا من القرآن الكريم.
              • هناك من يعتبر مصطلح العرب مرادفا لتسمية عبير والذي يعني الرحيل أو المهاجر أو العابر.
              • هناك من يعتقد أن كلمة عرب جاءت من الإنابة والإفصاح عن الشيء كأن يقال للعربي أعرب لي أي بين لي كلامك ويقال أعرب الأعجمي أي أفصح وأبان، وكان نصارى الحيرة يسمون العرب الخلص بالمعربين لوضوح لسانهم.
              • هناك من يذهب إلى أن كلمة "عرب" مُشتقة من أصل سامي قديم بمعنى "الغرب".
              • ويمكن أن يكون هناك تحوّل في أصل الكلمة ذلك أن هذا الشعب كان يعرف (أعراب) عندما كانوا يرتحلون في شكل قبائل من مكان لآخر ولكنهم عندما استقرّوا عرفوا ك(عرب) ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التسميات الأخرى التي لا تنطق العين فتسميهم آراب (Arab) فيكون اشتقاقها من الفعل أرب الذي يعني حسب أمهات المناجد عدّة معان كالدهاء والبصر والخبث والشر والغائلة وسوء الضن أو الأعضاء.
              • وردت لفظة "عربية" و"عربة" وبلاد العرب في العهد القديم بمعنى البداوة والقفر: ولا تعمر إلى جيل فجيل ولا يضرب أعرابي فيها خيمة (أشعياء 13/20).

              - معني الاشتقاق (ع ر ب) أو (أ ر ب)؟
              لاحظوا ما ورد في قاموس تاج العروس:

              ملخّص لما ورد في كتاب تاج العروس :
              العُرْبُ بالضَّمِّ كقُفْل وبالتَّحْرِيكِ كَجَبلٍ : جِيلٌ من النَّاسِ معروف خِلاَفُ العَجَم وهما وَاحِد مثلُ العُجْم والعَجَم مُؤَنَّثٌ وتَصْغِيرُه بغَيْر هَاءٍ نَادِرٌ .
              والأَعْرَابُ مِنْهم أَي بالفَتْح هم سُكَّانُ البَادِيَةِ خَاصَّة والنِّسبَةُ إِليه أَعْرَابِيٌّ ؛ لأَنَّه لاَ وَاحِدَ لَهُ كما في الصَّحَاح وهو نَصُّ كَلاَمِ سِيْبَوَيْهِ . والأَعْرَابِيُّ : البَدَوِيّ وهم الأَعْرَابُ . ويُجْمَعُ على أَعَارِيبَ وقِيل : ليس الأَعْرَابُ جمعاً لعَرَب كما كان الأَنباطُ جمعاً لنَبَطٍ وإِنَّما العَرَبُ اسمُ جنس.
              العَرَبُ العَارِبَة هم الخُلَّص منهم. تَقُول:عَرَبٌ عَارِبَةٌ وعَرْبَاءُ وعَرِبَةٌ الأَخِيرُ كَفَرِحَةٍ أَي صُرَحَاءُ جمعُ صَرِيحٍ وهو الخَالِص.
              عَرَبٌ مُتَعَرِّبَةٌ ومُسْتَعْرِبَةٌ : دُخَلاَءُ لَيسُوا بخُلَّصِ . قال أَبُو الخَطَّابِ بْنُ دِحْيَةَ المعروفُ بِذِي النِّسَبَيْنِ : العربُ أَقْسَامٌ : الأَوَّلُ عَارِبَة وعَرَبَاءُ وهم الخُّلَّصُ وهم تسْع قَبَائِل من وَلَد إِرمَ بْنِ سَامِ ابْنِ نُوح وهي عَادٌ وثمودُ وأُميم وعَبِيل وطَسْم وجَدِيس وعِمْلِيق وجُرْهُم وَوَبار ومنهم تَعَلَّم إِسماعِيلُ عَليه السلام العربيةَ .
              القِسْمُ الثَّانِي المُتَعَرِّبَة ؛ وهم بَنُو إِسْمَاعِيل . وَلَدُ مَعَدّ بْنِ عَدْنَان بْنِ أُدَد . وقال ابن دُرَيْد في الجَمْهَرَة : العرب العَارِبَة سبعُ قَبَائِل : عادٌ وثَمُودُ وعِمْلِيق وطَسْم وجَدِيس وأُميم وجَاسِم . وقد انْقَضَى الأَكْثَرُ إِلاّ بقايا مُتَفَرّقِين في القَبَائِل . انظُر في تَاريخ ابْنِ كَثِير والمُزْهِرِ.
              وعَرَبِيٌّ بَيِّنُ العُرُوبَةِ والعُرُوبِيَّة بضَمِّهما وهُمَا من المَصَادر الّتِي لا أَفْعَالَ لَهَا وحكى الأَزْهَرِيّ : رجلٌ عَرَبِيٌّ إِذَا كَانَ نسبُه في العَرَب ثَابِتاً وإِن لم يَكُن فَصِيحاً وجمعه العَرَبُ أَي بحَذْفِ اليَاء . ورجُلٌ مُعْرِبٌ إِذَا كَانَ فَصِيحاً وإِن كَان عَجَمِيَّ النَّسبِ . ورجلٌ أَعْرَابِيٌّ بالأَلف إِذَا كان بَدَوِيّاً صَاحِبَ نُجْعَةٍ وانْتِوَاءٍ وارتِيَادٍ لِلْكَلإِ وتَتَبُّعِ مَسَاقِطِ الغَيْثِ وسَواءٌ كَانَ من العَرَبِ أَو مِن مَوَالِيهِم ويُجْمَعُ الأَعْرَابِيُّ على الأَعْرَابِ والأَعَارِيب .
              والأَعْرَابِيُّ إِذَا قِيلَ له يا عَرَبِيُّ فَرِح بذلِك وهَشَّ . والعَرَبِيُّ إِذَا قيل له يا أَعْرَابِيُّ غَضِبَ . فمَنْ نزل البَادِيَةَ أَو جَاورَ البَادِين فظَعَن بظَعْنِهم وانْتَوَى بانْتِوائِهم فَهُمْ أَعرابٌ ومَنْ نَزَلَ بلاد الرِّيفِ واستَوطَن المُدُن والقُرَى العَرَبِيَّةَ وغيرَها مما يَنْتَمِي إِلَى العَرَب فهم عَرَبٌ وإِنْ لم يَكُونُوا فُصَحَاء .
              يقولُ الله عَزَّ وَجَلّ : قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا هَؤُلاَء قَوْمٌ مِن بَوَادِي العَرَب قَدِمُوا على النَّبِيّ صَلَّى الله عليه وسَلَّم المدينةَ طمعاً في الصَّدَقَات لا رغبَةً في الإِسْلاَم فسَمَّاهم الله الأَعْرَابَ فقال : الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً ونِفَاقاً الآية . قال الأَزْهَرِيّ : والذِي لا يُفَرِّق بين العَرَب والأَعْرَاب والعَرَبِيِّ والأَعْرَابِيّ رُبَّما تَحَامَلَ عَلَى العَرَب بما يَتَأَوَّلُه في هَذِه الآيَة وهو لا يُمَيِّز بَيْنَ العَرَب والأَعْرَابِ ولا يَجُوزُ أَن يُقَال للمُهَاجِرِين والأَنْصَارِ أَعْرَابٌ إِنَّما هم عَرَبٌ لأَنَّهم استَوْطَنُوا القُرَى العَرَبِيَّة وسَكَنُوا المُدُنَ سواءٌ منهم النَّاشِي بالبَدْوِ ثمَّ استَوْطَنَ القُرَى والنَّاشِئُ بمَكَّة ثم هَاجَرَ إِلى المَدِينَة . فإِنْ لَحِقَت طائِفَةٌ منهم بأَهْلِ البَدْوِ بَعْدَ هِجْرَتِهم واقْتَنَوْا نَعَماً وَرَعوْت مَسَاقِطَ الغَيْثِ بعد مَا كَانُوا حَاضِرَةً أَو مُهَاجِرَةً قِيلَ : قَدْ تَعَرَّبُوا أَي صَارُوا أَعراباً بَعْدَ مَا كَانُوا عَرَباً .
              المُسْتَعْرِبَةُ : قَوْمٌ مِن العَجَم دَخَلُوا في العَرَب فَتَكَلَّموا بِلِسَانهم وَحَكَوْا هَيْآتِهِم ولَيْسُوا بصُرَحَاءَ فِيهِم . وَتَعَرَّبوا مِثْل اسْتَعْرَبُوا .
              العَرَبِيُّ : شَعِيرٌ أَبيضُ وسُنْبُلُه حَرْفَانِ عَرِيضٌ وحَبُّه كِبَارٌ أَكبرُ من شَعِير العِرَاقِ وهو أَجودُ الشَّعِير .
              الإِعْرَابُ بالكَسْر : الإِبَانَةُ والإِفْصَاحُ عن الشَّيء .
              يقال للعَرَبِيّ : أَعْرِبْ لي أَي أَبِنْ لي كلامَكَ . وأَعْربَ الكَلاَمَ وأَعرَب به : بَيَّنَه .
              يقَال : أَعْرِب عَمَّا في ضَمِيرِك أَي أِبِنْ, مِنْ هَذَا يُقَال للرَّجُل إِذَا أَفصحَ بالكلام : أَعْرَبَ .
              ورجل مُعْرِبٌ : معه فَرَسٌ عَرَبِيٌّ وفرسُ مُعْرِبٌ : خَلَصَت عَرَبِيَّتُه . الإِعْرَابُ : أَنْ لا تَلْحَنَ فِي الكَلاَمِ . وأَعْرَب كلاَمَه إِذا أَفْصَح في الكَلام يُقَال له : قَد أَعْرَبَ . وأَعْرَبَ عن الرَّجُلِ : بَيَّن عنه . وأَعْرَب عَنْه أَي تَكَلَّم بحُجَّتِه . الإِعْرَابُ : أَنْ يُولَدَ لَكَ ولدٌ عَرَبِيُّ اللُّوْنِ .
              الإِعْرَابُ : الفُحْشُ . وأَعْرَبَ الرجلُ : تَكَلَّم بالفُحْشِ . وفي حَدِيث عَطَاء أَنَّه كَرِهَ الإِعْرَابَ للمُحْرِم هُو الإِفْحاشُ في القَوْلِ والرَّفَثُ . ويقَال : أَرادَ بِهِ الإِيضَاحَ والتَصريحَ بالهُجْر وقَبِيح الكَلاَمِ كالتَّعْرِيبِ والعَرَابَةِ والعِرَابَةِ بالفَتْح والكَسْر وَهَذِه الثَّلاَثَة بمعْنَى ما قَبُحَ من الكَلام . وقَال ابنُ عَبَّاس في قَوْلِه تعالى : فلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ قال : وهو العِرَابَة في كَلاَم العَرَب .
              قال الفَرَّاءُ : أَعرَبْتُ إِعرَاباً وعَرَّبْتُ تَعْرِيباً وعَرْبَنْتُ إِذَا أَعْطَيْتَ العُرْبَانَ
              العَرُوب : العَاشِقَة له أَو المُتَحَبِّبَة إِلَيه. وقَال اللحيَانيّ : العَرِبَةُ : العَاشِقُ الغَلِمَةُ وهي العَرُوبُ أَيْضاً ج عَرِبَاتٌ .
              يقال : ماءٌ عَرِبٌ : كَثِير . ونهر عَرِبٌ : غَمْر . وبئرٌ عَرِبة : كثيرةُ.
              العَرَب : نَاحِيَةٌ بالمَدِينَة نقله الصَّاغَانِيّ .
              العَرَب : بَقَاءُ أَثَرِ الجُرْحِ بَعْد البُرْءِ .
              والتَّعْرِيبُ : تَهْذِيبُ المَنْطِقِ مِنَ اللَّحْنِ ويقال : عَرَّبتُ له الكلاَم تَعْرِيباً وأَعْرَبتُ له إِعرَاباً إِذَا بيَّنْتَه له حتى لا يَكُونَ فِيه حَضْرَمَةٌ .
              عَرَبَةُ : قريةٌ في أَوّلِ وَادِي نَخْلَة من جِهَة مَكَّة وأُخْرَى في بلاد فِلَسْطِين كذَا في المرَاصِد .
              والعَرَبِيَّة هي هَذِه اللُّغَةُ الشرِيفَةُ رفَعَ اللهُ شأْنهَا . قال قَتَادَة : كَانتْ قريشٌ تَجْتَبِي أَي تَخْتَار أَفضلَ لُغَات العَرَب حَتَّى صار أَفضلُ لُغَاتِهَا لُغَتَهَا فنزَلَ القرآن بِهَا واختُلِف في سَبَب تَسْمِيَة العَرَب فقِيل لإِعْرَاب لِسَانِهِم أَي إِيضاحِه وَبَيَانِه ؛ لأَنَّه أَشرَفُ الأَلْسُن وأَوضَحُهَا وأَعربُهَا عَن المُرَاد بُوجُوهٍ من الاختِصار والإِيجَاز والإِطناب والمُسَاوَاة وغَيْرِ ذَلِكَ . وقد مَالَ إِلَيْه جَمَاعَةٌ ورجَّحُوه من وُجُوه وقيل : لأَنّ أَولاَد إِسماعيل صلى الله عَلَيْه وسلم نَشَئُوا بعَرَبَة وهو من تِهَامَة فنُسِبوا إِلى بَلَدِهم . ورَوِي عن النَّبِيّ صلَّى الله عليه وسَلَّم أَنَّه قال : خمسةُ أَنْبِيَاء من العَرَب هُمْ مُحَمَّدٌ وإِسْمَاعِيلُ وشُعَيْبٌ وصَالِحٌ وهُودٌ صلَوات الله عليهم . وهذا يَدُلّ على أَنَّ لسَان العَرَب قَدِيم وهؤُلاء الأَنْبِيَاءُ كُلُّهم كانُوا يَسْكُنُون بلاَدَ عَرَبَة فكان شُعَيْبٌ وقومُه بأَرْضِ مَدْيَن وكان صَالِح وقومُه بأَرْضِ ثَمُودَ ينزِلون بناحِيَة الحِجْر وكانَ هُودٌ وقومُه عادٌ يَنْزِلُون الأَحْقافَ مِن رِمَال اليَمَن وكَانَ إِسمَاعِيلُ بْنُ إَبراهِيمَ والنَّبِيُ المُصْطَفَى صَلَّى الله عليهما من سُكَّان الحَرَم . وكُلّ من سَكَن بلادَ العَرَب وجَزِيرَتَها ونَطَق بلِسَان أَهْلِهَا فهم عَرَبٌ يَمَنُهم وَمَعَدُّهم . قال الأَزْهَرِيّ : وَأَقَامَتْ قُرَيْشٌ بِعَرَبَةَ فتَنَّخَتْ بِهَا وانْتَشَرَ سَائِرُ العَرَب في جَزِيرَتها فنُسِبَتِ العَرَبُ كُلُّهم إِلَيْهَا لأَنَّ أَبَاهم إِسْماعيل صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم بها نَشَأَ وَرَبَلَ أَولادُه فِيهَا فَكَثروا فَلَمَّا لم تَحْتَمِلْهم البِلاَد انْتَشَرُوا فأَقَامت قُرَيْشٌ بِهَا .

              وأَما تَسْمِيَةُ النَّاسِ بالأَرْض ونَقْلُ اسْمِهَا إِلَى مَنْ سَكَنَهَا أَو نَزَلَهَا دون نِسْبَة فَغَيْرُ معروفٍ وإِنْ وَقَع في بَعْضِ الأَفْرَاد كَمَذْحِج عَلَى رأْي .
              - الثَّانِي أَنَّ قولَهم سُمِّيَت العَرَبُ باسْمِها لنُزُولِهم بِهَا صَرِيحٌ بأَنَّها كَانَتْ مُسمَّاةً بذلك قَبْل وُجُودِ العَرب وَحُلُولِهم الحِجَازَ وما وَالاَه مِن جَزِيرَة العَرَب والمعروفُ في أَراضِي العَرَبِ أَنَّهم هُمُ الَّذِين سَمَّوْهَا ولَقَّبُوا بُلدانَها ومِيَاهَها وقُرَاهَا وأَمْصَارَهَا وبَادِيَتَهَا ومِيَاهَها وقُرَاهَا وأَمْصَارَهَا وبَادِيَتَهَا وحَاضِرَتَها بِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَاب كَمَا هُوَ الأَكْثَر وقد يَرْتَجِلُون الأَسْمَاءَ ولا يَنْظُرُون لِسَبَب .
              - الثَّالِثُ أَنَّ ما ذُكِر يَقْتَضِي أَنَّ العَرَب إِنَّما سُمِّيَت بِذَلِكَ بَعْدَ نُزُولِهَا فِي هَذِه القَرْيَة والمَعْرُوفُ تَسْمِيَتُهُم بِذلِك في الكُتُب السَّالِفَة كالتَّوْرَاةِ والإِنْجِيلِ وغَيْرِهِما فكَيْفَ يُقَالُ إِنهُم إِنَّمَا سُمُّوا بَعْدَ نُزُولهم هَذِه القَرْيَة.
              - الرَّابِعُ أَنَّهُم ذُكِرُوا مَع بَقَايَا أَنْوَاع الخَلْق كالفُرْسِ والرُّومِ والتُّرْك وغَيْرِهِم ولم يَقُل فيهم أَحَدٌ إِنهم سُمُّوا بأَرْضٍ أَو غَيْرِهَا بَلْ سُمُّوا ارتِجَالاً لا لِصَفَةٍ أَو هَيْئة أَو غَيْرِ ذلِك فالعَرَب كذلك.
              - والخَامِسُ أَنَّ المعروفَ في المَنْقُولِ أَنْ يَبْقَى على نَقْلِه على التَّسْمِيَة وإِذا غُيِّر إِنَّمَا يُغَيَّر تَغْيِيراً جُزْئِيّاً للتَّمْيِيزِ بَيْنَ المَنْقُولُ هنا أَوْسَعُ دائِرَةً مِن المنقول عَنْهمن جِهَاتٍ ظَاهِرَة ككَوْنِ أَصْلِ المَنْقُول عَنْه عَرَبَةً بالهَاءِ ولا يُقَال ذلِكَ في المَنْقُولِ وكَكَوْنِهِم تَصَرَّفُوا فيه بِلُغَات لا تُعْرَف ولا تُسْمَع في المَنْقُولِ عنه فقَالُوا عَرَبٌ مُحَرَّكَة وعُرْب بالضَّم وعُرُبٌ بضَمَّتَيْن وأَعْرَابٌ وأَعْرَابِيٌّ وغَيْرُ ذلك .
              - السَّادِسُ أَنَّ العَرَب أَنْوَاعٌ وأَجْنَاسٌ وشُعُوبٌ وَقَبَائِلُ مُتَفَرّقُونَ في الأَرْضِ لاَ يَكَادُ يَأْتِي عليهم الحَصْرُ ولا يُتَصَوَّر سُكْنَاهم كُلِّهم في هَذِه القَرْيَة أَو حُلُولُهم فِيهَا فكَانَ الأَوْلَى أَن يُقْتَصَرَ بالتَّسْمِية على مَنْ سَكَنَها دُونَ غَيْرِه .
              إِطْلاَقَ العَرَب عَلَى الجِيلِ المَعْرُوف لا إِشْكَالَ أَنَّه قَدِيم كغيره من أَسْمَاءِ بَاقِي أَجْنَاسِ الناس وأَنْوَاعهم وَهُو اسْمٌ شَامِل لجَمِيع القَبَائِل والشُّعُوبِ ثم إِنَّهم لَمَّا تَفَرَّقُوا في الأَراَضِين وتَنَوَّعت لَهُم أَلقابٌ وأَسماءٌ خَاصَّة باخْتِلاف ما عرضت من الآباءِ والأُمهات والحالات التي اخْتَصَّت بِهَا كقُرَيْشٍ مَثَلاً وثَقِيفٍ ورَبِيعَةَ ومُضَر وكِنَانة ونِزَار وخُزَاعةً وقُضَاعَة وفَزَارة ولِحْيَان وشَيْبَان وهَمْدان وغَسَّان وغَطَفَان وسَلْمَان وتَمِيم وكَلْب ونُمير وإِيَاد وَوَدَّاعة وبَجِيلَة وأَسْلَم ويَسْلَم وهُذَيْل ومُزَيْنَة وجُهَيْنة وعَامِلَة وبَاهِلَة وخَثْعَم وطّيِّئ والأَزْد وتَغْلِب وقَيْس ومَذْحِج وأَسد وعَنْبس وعَنْس وَعَنَزَة ونَهْد وبَكْر وذُؤَيْب وذُبْيَان وكِنْدَة ولَخْم وجُذَام وضَبَّة وضِنَّة وسَدُوس والسَّكون وَتَيْم وأَحْمَسَ وغَيْرِ ذلك فأَوْجَب ذلِك تمييز كُلِّ قَبِيلَة باسْمِهَا الخَاصّ وَتَنَوسِيَ الاسْمُ الّذِي هو العَرَب ولم يَبْقَ له تَدَاوُلٌ بينهم ولا تَعَارُفٌ واستَغْنَت كُلُّ قَبِيلَة باسْمِهَا الخَاصّ مع تَفَرُّق في القَبَائل وَتَبَاعُد الشُّعُوب في الأَرْضِينَ .
              ما المرَادُ بالعَرَب ؟
              هل هم أَهُمُ القَبَائِلُ الموجودةُ بالكثرة التي تَفَرَّعت قريباً، أَم هُمْ أَولادُ إِرَم بْنِ سَام البطونُ المُتَقَدَّمَة بعد الطُّوفَان ؟
              فإِن كان الأَوّل، فإِنهم ما نَزَلُوا عَرَبَة ولا سَكَنُوها وإِن كَان الثَّانِي فلا رَيْبَ أَنَّ التوراة والإنْجِيلَ وغَيرهما من الكُتُب مَا نَزَلَت إِلاَّ بَعْدَهم بِكَثِير وكَان مَعَدُّ بْنُ عَدْنَان في زَمَن سَيِّدِنا مُوسَى عليه السلام كما يَعْرِفُه مَنْ مارس عِلْمَ التَّوَارِيخ والأَنْسَاب . وأَمَّا ما وَرَد في حَدِيثِ المَوْلد من إِطْلاَق لَفْظِ العَرَب قَبْلَ خَلْق السموات والأَرْض فهو إِخْبَار غَيْبِيٌّ بما سَيَكُون فهو كَغَيْره مِن المُغَيَّبَات . وأَمَّا عن الرَّابع فإِنه إِذا كَان بعضُ الأَسْماءِ مُرْتَجَلَةً وبَعضُهَا مَنْقولَةً لاَ يُقَال فيها : لمَ لم تَكُن مُرْتَجَلات كُلُّها أَو مَنْقُولاَتٍ كُلّهَا حَتَّى يلزم ما ذكر لاختلافِ الأَسْبَاب والأَزمنة . وأَما عَن الخَامِس فنقول : أَليسَ التعريبُ في الكلام هو النَّقْلَ من لِسَان إِلى لسَان . فالمُعرَّب والمعرَّب مِنْه هو المَنْقُول والمَنْقُولُ مِنْه . وهذا لفْظ العرَبُون في هذه المادة سيأْتي عن قريب وهو عَجَمِيّ . كيف تَصَرَّفُوا فيه مِن ثَلاَثَةِ أَبْوَابٍ أَعْرَبَ وعَرَّب وعَرْبَن واشتَقُّوا منها أَلفَاظاً أُخَر غير ذلك كما سيأْتِي فيُجْعَل هذَا مِنْ ذَاك . وهذَا لَفْظُ العَجَم تصرفوا فِيهِ كما تَصَرَّفوا في لفظ العَرَب . وأَما عَنِ السَّادِس فأَنْ يُقَال : إِن كان المُرَادُ بَعَرَبَة الَّتي نُسِبَت العرَب إِليهَا هِي جزِيرة العرَب عَلَى ما في المَرَاصِد وغيره وبِالعَرَب هم أُصُولُ القَبَائِل فلا إِشكالَ إِذْ هم لم يَخْرُجُوا مِنَ الجَزِيرَةِ والذي خَرَجَ من عَمَائِرهم إِنَّمَا خَرَج في العَهْد القَرِيب وهم قَلِيل وغَالِبُهم في مواطنهم فيها وأَمَّا الشُّعوبُ والقَبَائِلُ التي تَفَرَّعَتْ فِيمَا بَعْد فهم خَارِجون عن البَحْثِ وكذلك إِن كان المرادُ بها مَكَّة وسَاحَاتِهَا فإِنّ طسمَ وجَدِيسَ وعِمْلِيقَ وجُرْهُمَ سَكَنُوا الحَرَم وَهُم العَرَبُ العَارِبَة ومنهم تَعَلَّم سيدُنا إِسماعِيل عليه السلام اللسانَ العَرَبِيَّ . وعادٌ وثمودُ وأُميم وعَبيل وَوَبار وهم العرب العاربة نزلوا الأَحقَافَ ومَا جَاورَها وهي تِهَامَةُ على قَوْل من فَسَّر عربَة بتِهَامَة فَهؤلاء أُصُولُ قَبَائِلِ العرَبِ العَارِبَةِ التي أخذَت المُسْتَعْرِبَةُ مِنْهم اللِّسَانَ قَد نَزَلُوا ساحَاتِ الحَرَم ومنهم تَفَرَّعَت القَبائل ُفيما بعد وتَشَتَّتَتْ فبقي هذا اللفظُ عَلَمَاً عليهم لسُكْنى آبَائِهم وجُدُودهِم فيها وإِن لم يَسْكُنُوا هم وقد أَسلفْنَا كلامَ الأَزْهَرِيّ وغَيْرِه وهو يُؤَيِّد ما ذكرنَاه .
              الإِرْبُ بالكَسْرِ والسُّكُونِ هو : الدهاء والبَصَرُ بالأُمُورِ كالإِرْبَةِ بالكَسْرِ ويُضَمُّ فيقال : الأُرْبَةُ وزاد في لسان العرب : والأَرْب كالضَّرْب .
              ورَدَ في الحديث أَن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَكَرَ الحَيَّاتِ فقال : " مَنْ خَشيَ خُبْثَهُنَّ وَشَرَّهُنَّ وإِرْبَهُنَّ فَلَيْسَ مِنَّا " أَصْلُ الإِرْب بكَسْرٍ فسُكُونٍ : الدَّهَاءُ والمَكْرُ أَي مَنْ تَوَقَّى قَتْلَهُنَّ خَشْيَةَ شَرِّهِنَّ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِن سُنَّتِنَا قال ابنُ الأَثِيرِ : أَي مَنْ خَشِيَ غَائِلَتَهَا وجَبُنَ عن قَتْلِهَا الذي قيل في الجاهلية إنها تُؤْذِي قَاتلَهَا أَو تُصِيبُه بخَبَل فَقَدْ فَارَقَ سُنَّتَنَا وخَالَفَ ما نحنُ عليه وفي حديث عَمْرِو بن العَاصِ " فَأَرِبْتُ بأَبِي هُرَيْرَةَ ولمْ تَضْرُرْ بي إِربَةٌ أَرِبْتُهَا قطّ قَبْلَ يَوْمئذٍ " قال: أَرِبْتُ به ، أي احْتَلْتُ عليه وهو من الإِرْبِ : الدَّهَاءِ والمَكْرِ والعُضْوُ المُوَفَّرُ الكَامِلُ الذي لم ينقص منه شيءٌ ويقال لكُلِّ عُضْوٍ إرْبٌ يقال قَطَّعْتُه إِرْباً إِرْباً أَي عُضْواً عُضْواً وعُضْوٌ مُؤَرَّبٌ: مُوَفَّرٌ والجَمْعُ آرَابٌ يقال : السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ وأَرْآبٌ أَيضاً وأَربَ الرَّجُلُ إِذا سجَدَ على آرَابِه مُتَمَكِّناً وفي حديث الصَّلاَة " كَانَ يَسْجُدُ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ " أَيْ أَعْضَاءٍ واحدُهَا إِرْبٌ بكَسْرٍ فسُكُون قال : والمرادُ بالسَّبْعَةِ الجَبْهَةُ واليَدَان والرُّكْبَتَانِ والقَدَمَان.

              من أقوال الامام علي عليه السلام

              (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
              حملت طيباً)

              محمد نجيب بلحاج حسين
              أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
              نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

              تعليق

              • حاتم سعيد
                رئيس ملتقى فرعي
                • 02-10-2013
                • 1180

                #8
                "اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء8
                الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
                7------هل توجد مغالطة تاريخيّة؟
                -أسماء الأنبياء تقيم الدليل أن جميعها بلغة عربيّة أصيلة:
                يذهب الكثير من اللغويين العرب إلى اعتبار اللغة العربيّة التي جاء بها القرآن الكريم خاصّة بقريش ولكن الأحاديث المرويّة عن الصحابة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم تفنّد هذا الادعاء فقد روي في الآثار أن صحابته القرشيين كانوا يستفسرون عن ألفاظ وكلمات واردة في القرآن لا يفهمونها ممّا يضعف أن جميع ما ورد في الكتاب العزيز هو من لغة قريش وقد دأب المفسرون على الاستشهاد بلغات العرب وسؤالهم لمعرفة ما أشكل عليهم فهمه من كلمات القرآن ونادراً ما استشهدوا بقريش فدور قريش المزعوم في تهذيب اللغة العربية وأن لغتهم كانت لغة القرآن فرضية تنخرها التناقضات من كل جانب في كتابات اللغويين العرب القدماء أنفسهم بالإضافة للشواهد الأثرية التي لا تبتعد عن الإسلام كثيراً وهي كتابات مدونة بعربية مختلفة عن عربية القرآن في جنوب وشمال الجزيرة العربيّة، وهو ما يرجح أن اللغة العربيّة لغة أشمل وأنها اللغة الأصليّة التي أعطت ذلك الكم الهائل سواء من اللغات أو من اللهجات وأنها اللغة التي علّمها الله لآدم في قوله تبارك وتعالى (وعلّم آدم الأسماء كلها) لكن حصلت على مرّ التاريخ اختلافات في النطق وتركت بعض الكلمات وبعض المعاني لعدم استعمالها في مجتمعات بعينها لعدم الحاجة إليها أو لنسيانها لأنها مفقودة ولتأكيد هذه النظريّة علينا أن نبيّن ما سيأتي:
                لغة شعوب أهل الأرض واحدة وهي ما تكلّم به آدم مع الملائكة عند عرضه عليهم في قوله تعالى:( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( 33 ) ) وقد ورد في تفسير هذه الآيات، قال مجاهد : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) قال : علمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء.
                أسماء الأرض والسماء والقارات والبحار والبلدان والمحيطات والحيوانات كثيرا ما تتشابه.
                أسماء الأنبياء نجدها تنطلق من أسماء عربية مفهومة كل حسب سيرته أو صفاته فلا يجد اللسان العربي ولا اللغة العربية أي مشكل في كتابتها ونطقها بينما تعجز أو تجد صعوبة بقية اللغات في فعل ذلك:
                جميع أسماء الأنبياء الذين ورد ذكرهم في التوراة والإنجيل والقرآن لها معنى باللغة العربية الفصحى والعربية القديمة (الأربية، الأرمية، العربية) بالابدال الجائز بين الميم والباء، لذلك يمكننا القول والاعتقاد القوي أن هذه اللغة العربية كانت على مر العصور لغة الأنبياء ولغة البشرية، ولقد أطلق عليها البعض في العصور الغابرة اسم الأراميية وهذا الاسم يتكون من اللفظة عينها بعد الإبدال اللفظي الجائز في كل لغات العالم.
                3- أسماء الأنبياء صيغتها واشتقاقها من اللغة العربيّة:
                - آدم عليه السلام: نلاحظ العلاقة الوثيقة بين هذا الاسم ومعنى التراب، الأديمة، من مصدر أديم ومعناه تراب الأرض بالعربية وهذه الصفة لاسمه تطابق معناه بالعربية، حيث أن جميع الكتب السماوية تقول أن آدم خلق من تراب .
                - حواء عليها السلام: أول إمرأة في التاريخ الإنساني، نجده من مصدر حوى، وحياة، أو الذي يحوي الحياة في داخله، وهذه الصفة تطابق معنى اسم حواء حيث أنها تحوي الحياة في داخلها.
                - شيت عليه السلام: حيث يفيد أن الله شاء(شئت-شيت) أو أنه أتى بمشيئة الله ورحمته للناس، بعد أن قتل قابيل أخاه هابيل ليبقى العنصر الخيّر.
                من هذه العائلة الأولى التي يتكون أسماء أفرادها من صفات عربية تكونت البشرية و تشعبت في الأرض ،و إن دلنا هذا على شيء فإنه يدلنا أن هذه اللغة (لسان عربي مبين) قال تعالى: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103النحل).
                • فما الفرق بين اللسان الأعجمي واللسان العربي؟.

                قال أَبو إسحق:" الأَعْجَمُ الذي لا يُفْصِحُ ولا يُبَيِّنُ كلامَه وإِن كانَ عَرَبيَّ النَّسبِ كزيادٍ الأَعْجَم"ِ، والأَعْجَمَ الذي في لسانه حُبْسَةٌ وإن كان عربيّاً. ورد ذلك في قاموس العرب.
                ممّا يؤكد أيضا أن لسان القرآن الموصوف بالعربي المبين لم يكن خاصّا بشعب من الشعوب ولا بأهل مكّة تحديدا بل تحدّى الجميع لأنهم اختلفوا فيه ولا يوجد غير الصانع الذي يمكنه أن يحكم هذا الحكم على الألسن التي تعتبر أعجميّة عن لسان القرآن العربيّ المبين.
                وهذا ما يجعلنا نؤكد مجددا أن اللغة العربية هي اللغة الأولى للبشر، علما أن جميع الأنبياء الذين أتوا بعد ذلك لهداية الناس كانت أسماؤهم تحمل صفة ومعنى باللغة العربية أيضا.
                - نوح عليه السلام: إن اسم نوح مشتق من الوحي، نتبين ذلك من قوله تعالى: ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا 163 وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا 164 رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 165 – ( سورة النساء )).
                - إبراهيم عليه السلام: والذي يعني أب رحيم وهذه صفته أبي أنبياء الرحمة.
                وولد لإبراهيم ابنان اسم الأول إسماعيل، واسم الثاني اسحق.
                - إسماعيل عليه السلام: ومعناه يسمع الله وتفيد أن الله سبحانه قد سمع دعاء إبراهيم عليه السلام لإنجاب ولد من صلبه وسمع نداء هاجر فكان أن أطلق عليه اسم إسماعيل ، يقول القرآن في شكر إبراهيم لله على ذلك (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) ، أما التوراة فتقول (( أما إسماعيل فقد سمعت لك فيه )).
                - اسحق عليه السلام: من صيغة عربية أيضا (يصحق، يضحك، يضحك)، وسبب تسميته بهذا الاسم أن زوجة إبراهيم ضحكت عندما بشرتها الملائكة بولد ((وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُـشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)) ومن هذه الآية الكريمة أيضا نستدل على اسم يعقوب، ومعناه الذي يأتي بعده (يعقب)، وهذا ما فسرته الآية تماما بأن قال تعالى ((وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)) وتقول التوراة في ذلك ما هو مطابق للقرآن (سفر التكوين –الجزء 17- 18 ).
                من هنا نرى أن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب هي أسماء تحمل صفات باللغة العربية ذات مدلول ومعنى يصف كل واحد منهم بشكل دقيق، وعليه فإن اللغة ألتي كان ينطق بها هؤلاء هي اللغة العربية أيضا.
                -لوط عليه السلام: ومعنى اسمه من صيغة عربية - لطا - بمعنى اختبأ- هرب: وهو الذي نجا من سدوم التي كانت تعمل السوء. أمره الله ّأن يخرج من أرض قومه مع أهله ليلاً قبل طلوع الصبح:(قالوا يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح ,أليس الصبح بقريب) سورة هود -81.
                - يوسف عليه السلام: أيضا صيغته من العربية منها (وسّف) وتعني قشّر، أو فعل (أسف- يؤسف)، أو من فعل ( وصف - يوصف ) أو جميع هذه المعاني قال تعالى:( فَلَمّا سَمِعَت بِمَكرِهِنَّ أَرسَلَت إِلَيهِنَّ وَأَعتَدَت لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَت كُلَّ واحِدَةٍ مِنهُنَّ سِكّينًا وَقالَتِ اخرُج عَلَيهِنَّ فَلَمّا رَأَينَهُ أَكبَرنَهُ وَقَطَّعنَ أَيدِيَهُنَّ وَقُلنَ حاشَ لِلَّـهِ ما هـذا بَشَرًا إِن هـذا إِلّا مَلَكٌ كَريمٌ ﴿٣١).
                وقوله تعالى :( وَتَوَلّى عَنهُم وَقالَ يا أَسَفى عَلى يوسُفَ وَابيَضَّت عَيناهُ مِنَ الحُزنِ فَهُوَ كَظيمٌ ﴿٨٤﴾ قالوا تَاللَّـهِ تَفتَأُ تَذكُرُ يوسُفَ حَتّى تَكونَ حَرَضًا أَو تَكونَ مِنَ الهالِكينَ ﴿٨٥﴾ قالَ إِنَّما أَشكو بَثّي وَحُزني إِلَى اللَّـهِ وَأَعلَمُ مِنَ اللَّـهِ ما لا تَعلَمونَ ﴿٨٦﴾ يا بَنِيَّ اذهَبوا فَتَحَسَّسوا مِن يوسُفَ وَأَخيهِ وَلا تَيأَسوا مِن رَوحِ اللَّـهِ إِنَّهُ لا يَيأَسُ مِن رَوحِ اللَّـهِ إِلَّا القَومُ الكافِرونَ.
                - ويوسف هو من أتى بأهله - بني إسرائيل (البدو الرحل ) – يقول تعالى في ذلك:( فَلَمّا دَخَلوا عَلى يوسُفَ آوى إِلَيهِ أَبَوَيهِ وَقالَ ادخُلوا مِصرَ إِن شاءَ اللَّـهُ آمِنينَ ﴿٩٩ وَرَفَعَ أَبَوَيهِ عَلَى العَرشِ وَخَرّوا لَهُ سُجَّدًا وَقالَ يا أَبَتِ هـذا تَأويلُ رُؤيايَ مِن قَبلُ قَد جَعَلَها رَبّي حَقًّا وَقَد أَحسَنَ بي إِذ أَخرَجَني مِنَ السِّجنِ وَجاءَ بِكُم مِنَ البَدوِ مِن بَعدِ أَن نَزَغَ الشَّيطانُ بَيني وَبَينَ إِخوَتي إِنَّ رَبّي لَطيفٌ لِما يَشاءُ إِنَّهُ هُوَ العَليمُ الحَكيمُ ﴿١٠٠ جاء بهم إلى مصر ليكونوا أمة عبرانية (أي عبرت من مكان معيّن لآخر) في العصور الفرعونية، كما أن لقب يعقوب (إسرائيل) من (أسرى) أي المرتحل ذلك أنه كان يتنقل من مكان لآخر.
                وبذهاب يعقوب وأولاده إلى يوسف في مصر وبعد مرور الزمن يتكون من العرب (ارام – اراب) الرحل في مصر مجموعة من الناس يطلق عليهم المصريون اسم العبريين (العبرانيين) وتعني – أصحاب (العبرة) التي حدّث بها الله نبيّه في سورة يوسف ليصبر على ما يلقاه من قريش كما صبر يعقوب على الأذى من أولاده وربّما ليبشره بتنقله إلى مكان آخر (المدينة) حيث تكون نواة الاسلام الأولى وأيضا ربّما يكون القصد بالتسمية من المصريين أنهم القوم الذين بإمكانهم أن يعبّروا عن الرؤى نسبة إلى أخيهم يوسف، وهو قوله تعالى: (قالَ لا يَأتيكُما طَعامٌ تُرزَقانِهِ إِلّا نَبَّأتُكُما بِتَأويلِهِ قَبلَ أَن يَأتِيَكُما ذلِكُما مِمّا عَلَّمَني رَبّي إِنّي تَرَكتُ مِلَّةَ قَومٍ لا يُؤمِنونَ بِاللَّـهِ وَهُم بِالآخِرَةِ هُم كافِرونَ ﴿٣٧﴾ وقوله تعالى يوسُفُ أَيُّهَا الصِّدّيقُ أَفتِنا في سَبعِ بَقَراتٍ سِمانٍ يَأكُلُهُنَّ سَبعٌ عِجافٌ وَسَبعِ سُنبُلاتٍ خُضرٍ وَأُخَرَ يابِساتٍ لَعَلّي أَرجِعُ إِلَى النّاسِ لَعَلَّهُم يَعلَمونَ ﴿٤٦ قالَ تَزرَعونَ سَبعَ سِنينَ دَأَبًا فَما حَصَدتُم فَذَروهُ في سُنبُلِهِ إِلّا قَليلًا مِمّا تَأكُلونَ ﴿٤٧ ثُمَّ يَأتي مِن بَعدِ ذلِكَ سَبعٌ شِدادٌ يَأكُلنَ ما قَدَّمتُم لَهُنَّ إِلّا قَليلًا مِمّا تُحصِنونَ ﴿٤٨ .
                وهو ما نجده في تاج العروس :
                • عَبَرَ الرُّؤْيَا يَعْبُرُها عَبْراً بالفَتْح وعِبَارةً بالكسر وعَبَّرَها تَعْبِيراً : فَسَّرَهَ وأَخْبَرَ بما يَؤُول وكذا في المحكم وغيره وفي الأَساس بآخرِ ما يؤُول إِليه أَمْرُهَا .
                • وعَبَّرَها تَعْبِيراً: فَسَّرَها وأَخْبَرَ بما يَؤُول كذا في المحكم وغيره وفي الأَساس بآخرِ ما يَؤُول إِليهِ أَمْرُها .
                • وفي البصائِرِ للمصنِّف : والتَّعْبِيرُ أَخَصُّ من التّأْوِيلِ وفي التنزيل " إِنْ كُنْتُمْ للرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ " أَي إِن كُنْتُم تَعْبُرُونَ الرُّؤْيا ... والمعنى إِن كُنْتُم تَعْبُرُون وعابِرِينَ.
                • معنى عبر في مختار الصحاح( ع ب ر) : العِبْرةُ بالكسر الاسم من الاعْتِبارِ وبالفتح تحلب الدمع و عَبِر الرجل والمرأة والعين من باب طرِب أي جرى دمعه والنعت في الكل عَابرٌ و اسْتَعْبَرَتْ عينه أيضا و العَبْرانُ الباكي و عُبْرُ النهر بوزن عُذر و عِبْرُهُ بوزن تبِر شطُّه وجانبه و العِبْرِيُّ بوزن المِصرِّي العِبْرَانِيُّ وهو لغة اليهود و المِعْبَرُ بوزن المِبضع ما يُعبر عليه من قنطرة أو سفينة.


                • ومن أولاد هؤلاء العبرانيين يولد نبي الله موسى – الذي يذهب بقومه في رحلة حج إلى المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله أو إلى الأرض الموعودة، قال تعالى:( يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِيْ كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوْا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوْا خَاسِرِيْنَ. (سورة المائدة أية 21).
                • موسى عليه السلام: اسم يعني (ذا الماء) قال تعالى: (( إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى 38 أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي 39 – سورة طه )) أي الذي أخرجه آل فرعون من الماء. وتقول التوارة في ذلك: ((- سفر الخروج – الجزء الثاني -10)) فيكبر الولد فتأتي به إلى بنت فرعوه ( فرعون)، ليكون لها ابنا، فتدعو اسمه مو شئ (مو- شئ- المائي) وتقول لأني من المياه مشيته ( أخرجته).

                وهو أيضا الماشي اسم من الفعل مشي يمشي ، مَشْيًا ، فهو ماشٍ ، والمفعول مَمشِيّ به،
                مشَى الشَّخْصُ : سار ، انتقل على قدميه من مكان إلى آخر بإرادته ، ذهب ومضى .
                قال تعالى (ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى فأتبعهم فرعون بجنوده فغشيهم من اليم ما غشيهم وأضل فرعون قومه وما هدى).
                - داوود عليه السلام: وصفة أسمه ذو الأيد ( ذا –يود ) (({وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ * إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ * وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ * وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [سورة ص:17-20])).
                - سليمان عليه السلام: وصفة اسمه (سُليم – سليماَ)، من السلام والسلامة.
                - أيوب عليه السلام : ومعنى اسمه ( من فعل آب - أواب )، يقول القرآن في أيوب. يقول تعالى ((وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ )) – وتبين آيات القرآن الكريم أن اسمه من صيغة عربية أيضا حيث يمكننا أن نقول أن اسمه معناه – أواب.
                - زكريا عليه السلام: وصفة اسمه باللغة العربية الذي يذكر الله، ((ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2 – سورة مريم )).
                - يحيى عليه السلام: وصفة اسمه الذي يحي، من امرأة عاقر بإذن الله وأمره. قال تعالى: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا 13وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا 14وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا15.
                وقد يكون الاسم مشتقا من الحياء والتقوى وبرّ الوالدين( حيي، أي محتشم) وهو أوّل من سمّي بهذا الاسم وربّما لما عرف عنه من شدّة البكاء، قال تعالى: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾.
                يعتبر يحيى بن زكريا نبياً للصابئة المندائيين. وهو أهم أنبياء ديانة الصابئة المندائيين وآخرهم ويعتبر الشخص الذي أحيى هذه الديانة القديمة، له مكانة سامية جداً بهذه الديانة ويسمى بيهيا- يهانا- ويهيا- يهانا –مصبانا- ويعني يحيى الصائغ أو الصابغ، ولهذا النبي العظيم بديانة الصابئة كتاب بسمى تعاليم ومواعظ النبي يحيى، كما وردت فصول بكتاب ديانة الصابئة المقدسة جنزا ربا اي الكنز العظيم تلك النصوص اضافها النبي يحيى لذلك الكتاب، يعد ذلك الكتاب هو أقدم كتاب ديني سماوي حيث يجمع صحف آدم وشيث وانوش ونوح وسام وادريس، قام باعادة خطة النبي يحيى بيده وختمه بالقول.. هذا ما اوحي به الـيّ في اورشليم.
                في المسيحية يعرف( يوحنا المعمدان) لأنه كان يعمّد الناس أي يغسلهم في النهر للتوبة من الخطايا وهو من عمّد يسوع المسيح.
                قال الله تعالى: (لم نجعل له من قبل سميّاً) مريم: 7، وقال تعالى: (وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّاً) مريم: 15، قيل: أوحش ما يكون ابن آدم في هذه الأيام الثلاثة، فسلّمه الله تعالى من وحشتها، وإنّما ولد يحيى قبل المسيح بثلاث سنين، وقيل بستّة أشهر، وكان لا يأتي النساء، ولا يلعب مع الصبيان.
                - عيسى عليه السلام: عيشا يسوع ويشوع، و صفة اسمه من عسّ وعسس وعيس وهو يفيد الحارس والكريم. ويمكن أن يكون الذي يعيش بقدرة الله أو الذي يأكل الشيء القليل وربّما من عَسَتْ فلانٌ عَسْواً ، و عُسُوًّا ، وعَسَاءً ، وعُسِيًّا : أي أَسَنَّ وكَبِرَ. لأنّ الله يجعله آية للعالمين فيعود لأهل الأرض في آخر الزمان، يقول تعالى: يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي- ( ال عمران 55.) وتفهم بقوله تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ) (الأنعام : 60 ).
                قال الله تعالى: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ) ( آل عمران).
                - محمد عليه الصلاة والسلام وعلى آله الكرام: خاتم الأنبياء، فصفة اسمه، المحمود بين الناس والذي يحيط به الحمد. (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ 4 – سورة القلم )).
                هؤلاء هم الأنبياء الذين تظهر العربية في أسمائهم بناء على آيات القرآن ونصوص التوراة بشكل واضح لا يبقي للشك مكانا في الأذهان بعد هذا البيان، يبقى أن نضيف أن هناك أسماء لأنبياء ورد ذكرهم في القرآن الكريم، يمكن إعادتها إلى العربية بعد تمحيص ودراسة وهم:
                َ-الْيَسَعَ عليه السلام: – من السعة ومن السعي، يسع.
                َ-ذَا الْكِفْلِ عليه السلام:- صاحب الكفل، الكفيل أو الكافل،
                - َيُونُسَ عليه السلام: - وهو ذا النون – أي صاحب الحوت - يونس أو يونان: ((وَ إِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)) ولقد ذكر القرآن اسمه بصيغة مختلفة مما يعني أن ذا النون هو يونس، وأن الأسماء في القرآن قد تكون بصيغ عربية مختلفة تبين معناها بالسنة العرب المختلفة، ((وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ)) يقول بعض علماء اللغة أن حرف السين ربما يكون زائدا على صيغة لهجة الشنشنة أو الكشكشة، وهذه اللهجة هي إضافة سين أو شين في آخر الكلام، ونراه في العديد من لهجات العرب، وربما أيضا يكون بدلا من التنوين – يونان، أو انه شكل من أشكال الإضافة المعكوسة يون – ذي ملطفة إلى س، ومعناها ذا – يون، وعليه فيكون يونس هو يونن- يوناً وهو ذا النون أيضا.
                - والياس عليه السلام: هو إليان- إلياً، إو إليا – ذي، ذا العلا، و مما يبرر ورود هذه الأسماء في غير القرآن من الكتب بلهجات مختلفة مثل يونان وإليا، اليان، ويصاغ اسم النبي ذا الكفل على نفس الوزن فيكون كفلاً او كفل-ذ، ونرى ذلك أيضا في اسم يحي الذي يصاغ يوحان – يحياً ويوهانس و يوحانس. ونرى ذلك أيضا في أسم محمد ( ص) ((مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا)) - الذي أصبح بصيغة عربية أخرى تفيد معنى هذا الاسم وهي أحمد ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ)) كما نرى ذلك في التوراة التي تذكر إبراهيم بصيغتين مختلفتين فتارة يكون اسمه إبرام ثم يصبح اسمه أبرهم .
                َ-إِدْرِيسَ عليه السلام: – صاحب الدراية والعلم ( يدري ) ، من فعل درى، وصياغته على وزن اسم يعقب ( يعقوب )، من فعل عقب.
                جميع أسماء هؤلاء الأنبياء المشهورون عبر التاريخ كانت أسماؤهم من صيغ عربية، فهل هناك من يستطيع أن يثبت بالحجة والمنطق أن جميع هذه الأسماء كانت في لغة سواها؟؟، هذه اللغة العربية التي كانت على مر العصور لغة الأنبياء ولغة البشرية.
                ولادة إبراهيم وهجرته من اوركسديم (عروق سدوم)– كما تقول التوراة:
                أما أن يكون إبراهيم، عليه الصلاة والسلام، قد ولد في مصر أوفي العراق أوفي فلسطين فلم يثبت شيئا من هذه الأقوال إطلاقا لا في القرآن ولا في التوراة، وإنما ثبت في القرآن الكريم وفي التوراة (بعد الدراسة) أن إبراهيم عليه السلام قد سافر أكثر من مرّة إلى جزيرة العرب وفي القرآن الكريم تأكيد أنه كان في مكة وانه رفع فيها القواعد من البيت الحرام، أما في التوارة فإنه هاجر من ارض مولده، في اوركسديم – (عروق سديم) وهي منطقة سديم أو سدوم وانه ذهب إلى بيت أيل (بيت الله) ثم أقام هناك مذبحا للرب. وهذا يجعل الكلام الوارد في التوراة مطابقا للحقيقة القرآنية الثابتة التي تقول أن إبراهيم عاش في مكة ولكن تبقى سدوم أحد الألغاز.
                والاشارات الواردة من الكتاب المقدس للمسيحيين تقول :سدوم هي إحدى مدن السهل الخمسة التي أحرقتها النار التي نزلت من السماء بسبب خطيئة أهلها العظيمة (تكوين 19: 24) وقد ورد ذكر سدوم للمرة الأولى في التوراة في الحديث عن حدود أرض كنعان (تكوين 10: 19) ثم اختارها لوط مدينة للسكن بعد انفصاله عن إبراهيم لمعرفته بخصب أرضها وسهولة الري فيها (تكوين 13: 10).

                وكان والد إبراهيم عليه السلام (واسمه في التوارة تارح – سارح، بلهجة الوتم، أي إبدال السين تاء كأن يقال النات بدلا من الناس) هو واحد من هؤلاء الرحل من أبناء شروج (شروق – بالقاف التي تماثل الجيم لفظا)، حيث استقر هو وأخوته في الشرق في تلك المنطقة أيضا في حقبة تاريخية معينة، فبعد أن ذهب أبو ابراهيم الى العروق المعترضة في غرب عمان الى جهة الخليج العربي إلى منطقة تسميها التوراة اوركسديم ( عروق السديم) - ويسميها التوراتيون اوركلدن- وأصل هذه التسمية أيضا عروق الكدن ، أوعروق الدن (وعلى التحقيق هي عينها – شرق جزيرة العرب - في منطقة دان التي ورد ذكرها في التوراة) – (ويعتقدون ويتناقلون زورا أنها أور، وأنها في بلاد الكلدانيين في العراق) والحقيقة أنه ولد في المنطقة الواقعة في الجانب الشرقي من جزيرة العرب - التي تسمى اليوم أيضا العروق المعترضة - وسكن فيها، ثم عاد برفقة والده الذي اصطحبه هو وزوجته ساراي ولوط فاستقر إلى الشرق من مكة المكرمة في منطقة تسميها التوراة (حران) ومعناها ( الحران اوالحرات-الجبال البركانية الموجودة في وسط الجزيرة العربية ) إلى جهة الحجاز فسكن فيها إبراهيم وأبوه وابن عمه لوط قبل أن يأمره الله تعالى أن يرحل إلى بيت ايل (بيت الله).

                من أقوال الامام علي عليه السلام

                (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
                حملت طيباً)

                محمد نجيب بلحاج حسين
                أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
                نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

                تعليق

                • حاتم سعيد
                  رئيس ملتقى فرعي
                  • 02-10-2013
                  • 1180

                  #9
                  - اللهجة التونسيّة:
                  - جذورها التاريخيّة:
                  اللهجة التونسية تنطق أمازيغيا ولكنها من صميم معاني الكلمات العربية المفقودة فكما يختلف اسم الأسد من قبيلة عربية إلى أخرى بحسب لونه وكبره وأكله إلى غير ذلك... وكما تتغير بعض معاني (مراد) بعض الألفاظ فيحصل حولها الجدال كما في الأحاديث الشريفة أو القرآن لأن لكل مجموعة إنسانية مفهومها الخاص للكلمات، لذلك سنحاول أن نجد العلاقة التي تبدو مفقودة بين ما نتكلم به نحن سكان شمال أفزيفيا وتونس تحديدا وما يتكلمه شعوب الخليج والشرق الأوسط الذين يدعون أنهم أهل اللغة العربيّة.
                  تنطلق هذه الدراسة من ملاحظة تبدو شاذة بعض الشيء وهي التسمية المحليّة لسكان شمال إفريقيا المعروفة (بربر) المتكونة أساسا من حرفان متكرران (بر) و(بر) ويربط أهل التاريخ نشأة هذه التسمية من البربرة في الكلام مما يعني أن هنالك علاقة (ما) بين اسم الشعب وطريقتهم في الكلام، و ليس هذا محلّ الجدال، ولكن ما نريد أن نبحث فيه هو العلاقة (إن وجدت) بين البربر والعرب كجنس له روافد وبين اللغة، إن كانت واحدة أو مختلفة..
                  قال صاحب كتاب "قطوف الريحان من زهر الأفنان شرح حديقة ابن الونان" ص(105)عند حديثه عن ملوك اليمن :
                  ثم ملك بعده ابنه أفريقش بن أبرهة و هو الذي ساق البربر من كنعان إلى إفريقية بعدما أوقع بهم يوشع بن نون صاحب موسى عليه السلام و به سميت إفريقيا,و لما سمع كلام البربر ورطانتهم قال ما أكثر بربرتكم فسُمُّوا البربر.
                  البربرة في اللغة هي اختلاط الأصوات , و منها بربرة الأسد .اهـ
                  قال صاحب القاموس في معنى البربرة:
                  والبَرْبَرَةُ صَوْتُ المَعَزِ، وكثْرَةُ الكلامِ، والجَلَبَةُ، والصِّياحُ.
                  بَرْبَرَ فهو بَرْبارٌ.
                  ودَلْوٌ بَرْبارٌ لها صوتٌ.
                  وبَرْبَرٌ جِيلٌ، البَرابِرَةُ، وهم بالمَغْرِبِ، وأُمَّةٌ أخْرى بين الحُبوشِ والزَّنْجِ،... وكُلُّهُم من وَلَدِ قَيْسِ عَيْلانَ، أو هُم بَطْنانِ من حِمْيَرَ صِنْهاجَةُ وكُتامَةُ، صارُوا إلى البَرْبَرِ أيامَ فَتْحِ أفْريقَش المَلِكِ إفريقيَّةَ.اهـ
                  قال صاحب اللسان في معنى البربرة أيضاً:
                  والبَرْبَرَةُ كثرة الكلام والجَلَبةُ باللسان وقيل الصياح ورجلٌ بَرْبارٌ إِذا كان كذلك وقد بَرْبَر إِذا هَذَى الفراء.
                  البَرْبرِيُّ الكثير الكلام بلا منفعة وقد بَرْبَرَ في كلامه بَرْبَرَةً إِذا أَكثر والبَرْبَرَةُ الصوتُ وكلامٌ من غَضَبٍ وقد بَرْبَر مثل ثَرثَرَ فهو ثرثارٌ.
                  البَرْبَرَةُ التخليط في الكلام مع غضب ونفور ومنه حديث أُحُدٍ فأَخَذَ اللِّواءَ غلامٌ أَسودُ فَنَصَبَه وبَرْبَرَ.
                  وبَرْبَرٌ جِيلٌ من الناس يقال إِنهم من ولَدِ بَرِّ ابن قيس بن عيلان , قال ولا أَدري كيف هذا والبَرابِرَةُ الجماعة منهم زادوا الهاء فيه إِما للعجمة وإِما للنسب وهو الصحيح, قال الجوهري وإِن شئت حذفتها وبَرْبَرَ التَّبْسُ لِلهِياجِ نَبَّ ودَلْوٌ بَرْبارٌ لها في الماء بَرْبَرَةٌ أَي صوت. اهـ
                  غير أنّ مثل هذه التعريفات قد لا تكون الوحيدة لأن (البرّ) بجميع حركات حروفه له من المعاني أكثر مما مرّ بكثير فلاحظوا التالي:"
                  - البرّ: بَرّ: ( اسم ) الجمع : أبرار و بُرور و البَرُّ : ما انبسط من سطح الأرض ولم يُغَطِّه الماء.
                  برَّ والِدَيْه : توسَّع في الإحسان إليهما ووصلَهما ورفق بهما وأحسن معاملتهما ، عكس عقَّ ابن بار : مطيع ، يُحسن معاملة والديه عن حبّ ، برَّ اللهُ حجَّه : قَبِلَه حج مبرور : لا يخالطه شيءٌ من المآثم ، برّ اللهُ قَسَمَه : أجابه إلى ما أقسم عليه .
                  برَّ الشَّخصُ ربَّه : توسّع في طاعته برّ خالقَه : أطاعه ، الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ( حديث
                  برَّ بيمينه / برَّ في يمينه : وفّى بها ، صدق فيها برَّ بوعده.
                  -بُرّ: ( اسم ) والبُرُّ : هو حَبُّ القمح أمّا ابن بُرَّة : فيطلق على الخُبز.
                  - وَبَرَ: ( فعل ) وَبَرْتُ ، أَبِرُ ، بِرْ ، مصدر وَبْرٌ ، أمّا وَبَرَ بِالْمَكَانِ فيعني : أَقَامَ بِهِ.
                  -البَرُّ : اسم من أسماء الله الحُسنى ، ومعناه : فاعل البرّ والإحسان ، الذي يُصلح أحوال عباده ، ويُحسن إليهم في دينهم ودُنياهم :- ( إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ ).
                  كلمة ((بربر)) لها أيضا معانيها الخاصّة:
                  • بربر: هو ثمر الأراك بالعربيّة
                  • بَرْبَرَت الدَّلوُ : صَوَّتت في الماء .
                  • بَرْبَرَت التيسُ أو الأسد : علا صَوته عند الهياج .
                  • برْبَرَت فلانٌ : أكثر الكلامَ في جلبة وصَياح .
                  • بَرْبَرَت خلَّط في الكلام مع غضب ونفور .
                  • معنى بربر في الصحاح في اللغة البَرْبَرَةُ: الصوتُ، وكلامٌ في غضبٍ. تقول: بَرْبَرَ فهو بَرْبارٌ، مثل ثَرْثَرَ فهو ثَرْثارٌ.
                  • والبُرْبورُ: الحشيشُ من البُرِّ.


                  الأمازيغ معناها واشتقاقها:
                  في قاموس تاج العروس نجد أن معنى مزغ من التمزّغ وهو:
                  التَّمَزُّغُ : التَّوَثُّبُ كما نَقَلَه ابنُ بَرِّيّ... رغم أنهم يعتبرونه تصحيفا لكلمة التمرّغ (بالراء) وليس (بالزاي).
                  ولكن الاشتقاق الصحيح يبدو من الفعل زاغ:
                  من ـِ زَيْغاً، وزُيوغاً، وزَيغاناً: ومعناه في قاموس تاج العروس مالَ. وـ تباعد. يُقال: زاغَتِ الشَّمسُ: مالَت إِِلى الغروب. وـ عن الطَّريق: عدَل. وـ البصر: مالَ عن مستوى النظر حَيْرَةً وشُخوصاً. وفي التنزيل العزيز: ( مَا زَاغَ البَصَرُ وَمَا طَغَى ). فهو زائغ. ( ج ) زَاغَة. وهي زائغة.( أزاغَهُ ): جعله يَزِيغ. وفي التنزيل العزيز: ( رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا). ( زَيَّغَهُ ): عَوَّجَه.
                  وفي هذا المعنى يمكننا أن نفهم معنى (أمازيغ) وهم الجماعة الذين زاغوا (مالوا) إلى مغرب الشمس وهو موطنهم باعتبارهم قد سكنوا بلاد المغرب من ليبيا إلى المغرب الأقصى.
                  ويقال ، زاغ يزيع زيغا وزيغانا وزيوغا وزيغوغة وأزغته أنا إزاغة ، وهو زائغ من قوم زاغة : مال . وقوم زاغة عن الشيء أي زائغون . وقوله تعالى : ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا؛ أي لا تملنا عن الهدى والقصد ولا تضلنا ، وقيل : لا تزغ قلوبنا لا تتعبدنا بما يكون سببا لزيغ قلوبنا ، والواو لغة . وفي حديث الدعاء : اللهم لا تزغ قلبي أي لا تميله عن الإيمان . يقال : زاغ عن الطريق يزيغ إذا عدل عنه. وأزاغه عن الطريق أي أماله وزاغت الشمس تزيغ زيوغا فهي زائغة مالت وزاغت . وكذلك إذا فاء الفيء ؛ قال : الله تعالى : فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ؛ وزاغ البصر أي كل والتزايغ : التمايل وخص بعضهم به التمايل في الأسنان . أبو سعيد : زيغت فلانا تزييغا إذا أقمت زيغه ، قال : وهو مثل قولهم : تظلم فلان من فلان فظلمه تظليما . والزاغ : هذا الطائر وجمعه الزيغان ؛ قال الأزهري : ولا أدري أعربي أم معرب . وفي حديث الحكم أنه رخص في الزاغ قال : هو نوع من الغربان صغير . وتزيغت المرأة تزيغا مثل تزيقت تزيقا إذا تزينت وتبرجت وتلبست كتزينت ؛ عن ابن الأعرابي .



                  ماذا قال المؤرخون عن البربر:
                  البربر الأمازيغ من وجهة نظر هولندية

                  في كتابهم “تاريخ المغرب” (أنظر الصورة أعلاه) حاول مؤلفون هولنديون ثلاثة ، أن يوجزوا تاريخ المغرب ، من مئات السنين قبل الميلاد إلى القرن الواحد و العشرين . و […] هو كتاب من الحجم الكبير، قد صدر في ثلاث طبعات عن دار “بولاك للنشر” باللغة الهولندية (الطبعة الثانية سنة 2002) .
                  أمازيغ أو بربر :
                  حاول المؤلف توضيح وجهة نظره في تفضيله استعمال كلمة “بربر” للإشارة لسكان المغرب الأقدمين رغم هجْر المغاربة شبه التام لهذا الاستعمال الذي لم يعد مستساغا في كل ربوع المملكة . و لعل أكبر الحجج التي ساقها في خضم تبريراته تلك هي حقيقة تشبث أمازيغ القبائل الجزائرية ، سواء في الداخل أو الخارج ، باستعمال لفظ “بربر” التي لا يريدون لها بديلا […]
                  يقول المؤلف في الصفحة 22 : “ يسمي البربر أنفسهم غالبا ‘إمازيغن’ و يسمون لغتهم “الأمازيغية” . كلمة “بربر” أصلها لاتيني : “بربارُس” و تنحدر هي الأخرى من اللغة الإغريقية : “برباروس” . هذه الكلمة تعني في الحقيقةأعجمي” ، أي الذي يتحدث لغة غير مفهومة ” […]

                  بدايات أمازيغ شمال إفريقيا
                  يعترف المؤلف منذ البداية بصعوبة الحديث عن البدايات الأولى للسكان الأصليين في شمال إفريقيا عموما ، و ذلك مرده في نظره إلى قلة المراجع التاريخية التي كانت تهم المنطقة و ساكنتها . يقول : “ ينبغي أن تكون قد قامت حضارة في المغرب حوالي ألف سنة قبل الميلاد أَطلق عليها المؤرخون اسم الحضارة الليبية البربرية . ساكنة تلك الفترة التاريخية هم أجداد البرابرة الحاليين . المؤرخون لا يعرفون الكثير عن تلك الساكنة و لا عن تلك المرحلة . فأول ما دُوّن عن شمال إفريقيا قام به مدونون إغريق قدماء ، لكن تلك النصوص لم تكن دقيقة أبدا و كانت تتعلق بالمناطق الساحلية فقط . هيرودوت الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد ، هو أول من كتب فعلا عن ساكنة المنطقة . هؤلاء السكان سُموا بالليبيين أو النوميديين( أي بمعنى :البدو الرحل )”.
                  و يصل المؤلف إلى نقطة أكثر أهمية وهي المتعلقة بأصل الأمازيغ و بالتصنيف الأنتروبولوجي لسكان شمال إفريقيا الأقدمين ؛ إلى درجة أنه لا يستبعد بتاتا أن يكون الموطن الأصلي لجزء من الأمازيغ على الأقل ، هو الشرق الأوسط و الجزيرة العربية . يقول المؤلف :أصل أجداد البرابرة هو أيضا غير معروف .
                  - هل ينتمون بشكل مباشر إلى سكان العصر الحجري أم حدث اجتياح من أوروبا ؟
                  - هل هم شعب هاجر من فلسطين ، بعد سيطرة الإسرائيليين عليها ، عبر البحر الأبيض المتوسط وصولا إلى شمال إفريقيا ، كما يذهب الى ذلك أوغوسطينوس في القرن الرابع ؟
                  - أم أن البربر أتوا من جنوب اليمن ؟ فمن هم الأجداد الأولون يا ترى ؟
                  فهل تمزغ عرب بعد قدومهم إلى شمال إفريقيا ثم تعرب بعضهم من جديد ولم يتعرب آخرون؟ .
                  المؤلف يعتقد فعلا أن هناك هجرات متعددة قديمة حدثت من المشرق العربي إلى شمال إفريقيا ، إذ يواصل : “ ستة آلاف قبل الميلاد حدثت هجرات جديدة قادمة من المشرق . أجزاء من أواني طينية و بقايا عظام تشير إلى أوجه التشابه بين المناطق الشرقية لشمال إفريقيا و الشرق الأوسط.
                  و يتطرق أيضا للنصوص التاريخية العربية و اليهودية ، يقول : ” حسب ابن خلدون (1332-1406) فإن البربر من سلالة كنعان بن شام حفيد نوح . قد يكونون فروا من فلسطين بعد أن هزم داود غريمه جوليات . هذه النظرية نجدها أيضا في النصوص اليهودية القديمة . ربما يكون ذلك نتيجة للتواجد الطويل للفينيقيين في شمال إفريقيا . و يبقى من المؤكد في كل الأحوال أن هناك الكثير من التأثيرات الشرق أوسطية في المنطقة . فهناك تشابه للمخطوطات التي وجدت على لوحات القبور الحجرية في مصر و بلاد النوبا و الجزيرة العربية و شمال إفريقيا .
                  [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Hsaid\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_i mage002.jpg[/IMG]

                  Figure 1رموز عربية قديمة في اليمن
                  [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Hsaid\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_i mage004.jpg[/IMG]

                  Figure 2نقوش قديمة من بادية بني كبير بشبه الجزيرة العربية
                  [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Hsaid\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_i mage006.jpg[/IMG]

                  Figure 3نقوش من وادي النمر، بحضن آل سويدي،بشبه الجزيرة العربية


                  ثم أضاف الباحثون : إنه لمن المثير للانتباه أيضا التشابه الموجود بين طرق البناء في كل من اليمن و جنوب المغرب ” .
                  [IMG]file:///C:\DOCUME~1\Hsaid\LOCALS~1\Temp\msohtml1\01\clip_i mage008.jpg[/IMG]

                  ثم يضيف المؤلف : ” في القرن التاسع عشر بعد احتلال فرنسا للجزائر، روّجت فرنسا نظرية مفادها أن البربر قد يكونون من أصول أوربية . للبرهنة على صحة تلك النظرية جيء بتشابه الخناجر القديمة التي عثر عليها في كل من فرنسا و شمال إفريقيا . و كون كثير من البربر يتصفون بشعر مفتوح اللون ، استُعمل أيضا لخدمة هذا الطرح . لكن هذه النظرية هي نظرية ذات خلفية سياسية . فهي انبنت على اعتبار أن البربر تسهل فرنستهم و فَرَنْجتهم بخلاف العرب الذين اعتبروهم دخلاء و غرباء عن المنطقة . هذه النظرية تعتبر البربر جنسا بربريا خالصا ، غير أن الاحتمال الأكبر هو أن سكان شمال إفريقيا الأصليين هم في الحقيقة نتاجُ هجرات كثيرة من مناطق مختلفة ، كونت خليطا كان لكل منها إضافاتها الخاصة بهاوخلص الباحثون الهولنديون أن البربر هم مزيج من مجموعة هجرات بشرية قديمة بعضها قدم من المشرق والاخرى قدمت من الشمال لتشكل عبر مرور السنين المجتمع البربري بمختلف لهجاته وسماته الفيزيولوجية ، وهي نفس الخلاصة التي أقرها صاحب كتاب : (البربر : ذاكرة وهوية) الأستاذ المؤرخ الفرنسى : غابريال كامبس ، إذ أكد حول أصول البربر أن :
                  البربر لا يشكلون شعبا منسجما من حيث الأنثروبولوجيا.. فهم نتاج خليط من قبائل وشعوب متعددة

                  ويقسم المؤرخ الفرنسي جابرييل كامبس البربر إلى جماعات مختلفة ، فبينيما يقر للجماعات الزنجية الأصلية في البربر ، يعود ويقول عن الجماعات البيضاء الناطقة باللهجات البربرية في الشمال ، في نفس الكتاب أي (البربر: ذاكرة وهوية صفحة 11 باريس 1995 ) الآتي :
                  إن علماء الأجناس يؤكدون أن الجماعات البيضاء بشمال إفريقيا سواء أكانت ناطقة بالبربرية أو بالعربية، تنحدر في معظمها من جماعات بحر متوسطية جاءت من الشرق في الألف الثامنة قبل الميلاد بل ربما قبلها، وراحت تنتشر بهدوء بالمغرب العربي والصحراء
                  ويضيف نفس المؤلف : (المؤرخ الفرنسي غابرييل كامبس المتخصص في تاريخ البربر)

                  لا توجد اليوم، لا لغة بربرية موحدة ، بالمعني التي توحي بوجود طائفة لها شعور بوحدتها ، ولا شعب بربري وبدرجة أقل لا يوجد” حتى عرق بربري ، حول هذه العوامل السلبية ، كل المختصيين متفقين

                  Il n’y a aujourd’hui ni une langue berbère, dans le sens où celle-ci serait le reflet d’une communauté ayant conscience de son unité, ni un peuple berbère et encore moins une race berbère. Sur ces aspects négatifs tous les spécialistes sont d’accord
                  “Gabriel Camps – Dans L’origine des Berbères”

                  تاريخ لغة و تاريخ حرف
                  بعد أن أخبر المؤلفون الهلنديون القارئ بندرة المراجع و المصادر التي تتحدث عن ساكنة شمال إفريقيا القديمة ، يؤكدون مرة أخرى أن هذا المشكل قد مس أيضا لغة تلك الساكنة ، و هذا مشكل بطبيعة الحال يرتبط بالمشكل السابق . يقول احدهم في الكتاب :” حتى عن لغة تلك الساكنة لا يُعرف الكثير ، و لكن من المؤكد أن هذه اللغة تنتمي إلى اللغات السامية ” .
                  وهو نفس رأي الذي خلص إليه المؤرخ الفرنسي بوسكي G.H.Bousquet
                  إذ يقول في كتابه (البربر ، باريس 1957 )
                  وعلى كل حال يوجد ما يجعلنا نقتنع بأن عناصر مهمة من الحضارة البربرية وبخاصة اللغة أتت من آسيا الصغرى عن طريق منخفض مصر ، مع انتقال القبائل في هجرات متتابعة على مدى قرون عدة، في زمن قديم لم يبت في تحديده”.
                  بينما يضيف أحد المؤلفين الهولنديين ، قائلا : ” حوالي بداية التاريخ استعملت لغة محلية في شمال إفريقيا بأبجدية خاصة هي الأبجدية الليبية . هذه الأبجدية هي تحويل للكتابة الفينيقية . و كما هو الحال في الكتابة الفينيقية الأصل ، فإن هذه الكتابة لا تتضمن حروف المد و لا الحركات القصيرة الأخرى . هناك المئات من المخطوطات الحجرية بهذه الكتابة . لكن محتوى هذه المخطوطات جد محدود . يتعلق الأمر هنا في الغالب بمخطوطات على الصخور و على لوحات القبور الحجرية . هذه المخطوطات لا تذكر عموما أكثر من اسم المتوفى . فقد عثر على عدد من المخطوطات الصخرية و لكن لم يتم حل رموزها حتى الآن ” . و يستأنف المؤلف : ” فرغم ندرة المعطيات اللغوية و مشاكل تأويل النصوص الأطول ، يتم اعتبار هذه المخطوطات شكلا من أشكال اللغة البربرية الأولى ” . و عن أصل و انتقال الحرف الأمازيغي يقول : “الأبجدية الليبية تم حفظها من طرف الطوارق سكان الصحراء الكبرى . تسمى هذه الأبجدية “تيفيناق” و تعني الفينيقية “ . ثم يضيف : “قبل بضع عشرات من السنين (سنة 1967) قامت الأكاديمية البربرية (3) بابتكار أبجدية جديدة مستلهمة من تيفيناق القديمة . هذا الخليط من العناصر القديمة والجديدة هو “تيفيناغ الجديدة” التي تعتبر الوجه العصري للكتابة البربرية الأصلية ” .
                  لغة الساكنة الأمازيغية في الوقت الراهن
                  يقول المؤلف : ” في المغرب يتواصل الناس حاليا بالبربرية في كل من الجنوب الشرقي من البلاد ، و في جبال الأطلس ، و في المنطقة الشرقية من جبال الريف على ساحل البحر الأبيض المتوسط ” . و يستمر قائلا : “ اللغة البربرية تتكون من العديد من اللهجات . الاختلاف فيما بينها هو من الضخامة إلى درجة اعتبارها لغات بربرية عوض لهجات بربرية (فمثلا لهجة أهل السوس تختلف كثيرا عن لهجة أهل الريف ) . ويضيف قائلا : فأحد ساكنة منطقة أكَادير مثلا في الجنوب الغربي من المغرب ، لا يستطيع فهم ما يقول شخص من الناظور في منطقة الريف . الإختلاف بين هذين اللسانين مثلا ربما يقارن بالاختلاف بين اللغتين الهولندية و الألمانية ” .(فرغم كون اللغتين منحدرتين من أصل واحد إلا أن الناطق بالألمانية لا يفهم الناطق بالهولندية-).
                  قد تكون النتيجة الحاصلة أن بربر =تعني= عرب---لأنهما تفيدان الرّحيل والتنقّل.

                  من أقوال الامام علي عليه السلام

                  (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
                  حملت طيباً)

                  محمد نجيب بلحاج حسين
                  أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
                  نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

                  تعليق

                  يعمل...
                  X