"اللغة الأم" بحث عن مفتاح التواصل بين الأمم-كلّنا نتكلّم نفس اللسان-الجزء1
الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أوتوه مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(سورة البقرة: 213).
وقوله تعالى ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾.
وقوله تعالى: ﴿ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ﴾
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾(سورة الزخرف: 33).
فلا مجال للقول أن الإنسان اخترع اللغة لأنّها تتناقض مع قوله تعالى: ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( (33 ) ﴾.
آدم عليه السلام هو تلك النفس الواحدة ومنه وجدت كلّ النفوس البشريّة حتّى الأم حوّاء، قال تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين (189) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ( 190 ) )سورة الأعراف.
ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجه حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13 )).
وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء (1) الآية ( النساء) .
وقال تعالى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ).
كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة (الروم : 21 )).
لكنّ الأحداث التي شهدتها الإنسانية على مرّ الزمان، لعبت الدور الأبرز في تشكيل (ألسن) لغات أعجميّة مختلفة بتفاوت عن اللسان الذي نطق به التلميذ الأوّل (آدم عليه السلام) يوم الامتحان العظيم أمام الملائكة عند عرضه للأسماء التي تعلّمها، فقد ورد في تفسير تلك الأسماء أنها لكلّ شيء مما نراه ونلمسه ونسمعه في الحياة الدنيا، قال مجاهد عن قوله تعالى ( ( وعلم آدم الأسماء كلها ) أي : علّمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء).
وعبثا يحاول اللسانيّون والباحثون في تاريخ الحضارات أن يقنعونا أن هذا اللسان هو لسان قريش أين بدأ تنزّل الوحي على رسوله الكريم لأنّه لسان جميع الأنبياء مصداقا لقوله تعالى: ( فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وقوله عن القرآن: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103النحل)) لأنّ الله قد تحدّى جميع الخلائق أن يأتوا بمثله:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(يونس 38)).
وقال تعالى:( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
وقوله جلّ جلاله:( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين) هود.
وقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين).
حتّى تأويل القرآن كانوا عاجزين عنه فتحدّاهم الله أيضا بقوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).
ويعود السبب في عجزهم عن تأليف ما يشبه القرآن أو حتّى تأويله رغم أنهم (عرب قريش) لجهلهم عديد الأسماء التي لا يعلمها إلاّ هو تبارك وتعالى ومن علّمهم من النبيين لأنّهم حملة علمه.
يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (سورة سبأ:28-30)).
ويقول تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )(سورة الأعراف:158).
وكذلك:( تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (سورة الفرقان:1).
أمّا ادعاء هؤلاء العرب (الأعراب) من (قريش) أن هذا الرسول الخاتم هو جاهل (أمّي) لا يقرأ ولا يكتب فذلك أنّهم هم الأمّيون بصريح الآية:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (الجمعة3)).
وقوله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ ْالأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (سورة العلق)).
ونختم بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾( سورة النحل)89.
والسؤال الأوّل:"كيف يكون الرسول شهيدا على الأشهاد إذا كان لا يعرف لغتهم وكانوا أمما مختلفين في لهجاتهم؟"، بل إنّنا لا نستغرب أن يستحدث الناس لسانا جديدا مختلفا أو لسانا يجمع جميع اللهجات الموجودة في العالم إذا كانت الكلمة والاسم والفعل من إنتاج البشر لا يعرفه إلا المتكلّمون به.
السؤال الثاني:"إذا سلّمنا أنّ القرآن محفوظ من قبل الله تعالى، فهل أنّ العرب الذين تنزّل القرآن بلسانهم قد جاءهم وعد من السّماء أن يكونوا باقين ما بقي هذا القرآن فهما وعلما بما جاء فيه وبمفرداته ومعانيه وأنّهم لن يتركوا هذا الدّين إلى غيره من الأديان الأخرى سواء قهرا أو عن اقتناع أو أن يبادوا عن بكرة أبيهم، هل ستصبح تلك الآيات نصوصا تاريخيّة لقوم آخرين يجعلونها في متحف الذكريات؟".
تنبيه: وجب التنبيه أن البلدان العربية اليوم جميعها تتكلّم لغات أجنبية وتمارس الحياة المدنيّة وتطلع على جميع الحضارات فتتبدّل تقاليدها وعاداتها ومعاملاتها وسلوكاتها ولباسها في كل يوم يمرّ (وتلك سنة الحياة) وحتّى الكلمات لم يبق من معانيها إلا ما هو ضروري للمعاملات اليوميّة.
السؤال الثالث:"إذا كان الخلق المعمّر لهذه الأرض من نفس واحدة هو "آدم عليه السلام" وهو قد تلقّى العلم من ربّه فاستخلفه فيها فكتب الله له من العمر ما جعله أبا وجدا لجميع الخلائق البشريّة، ألا يجدر بنا أن نقول أنّه كان المعلّم فأخذوا عنه علم الكلام كما يأخذ أطفالنا منّا ، فكيف ندّعى أن اللغة لم تكن موجودة واستحدثتها الضرورة؟".
تنبيه: يمكننا أن نفترض أن هنالك من البشر من نسي علم هذا الكلام فأحدث لغة جديدة، والاجابة عن هذه الاشكاليّة تكون منطلقاتها دينية بالأساس والعلم الحديث يمكنه تأكيدها بما لا يدع مجالا للشكّ، حين نستشهد بآيات القرآن أن الله لم يترك الخلق من غير معلّم على طول الأزمنة سمّاهم الأنبياء والرسل فجاؤوا لتصحيح المسارات الخاطئة لأنّه من الواجب تذكير الانسانيّة بسبب وجودها وتعريفها بأوامر الله ونواهيه وهو ما نسميه المعرفة التامّة بالتشريع الإلهي وهذا بديهي عند المتدينين الذين لا يختلفون أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو: التعليم والتربية وإقامة العدل والقسط في المجتمع وهداية الناس إلى جادة التوحيد، وبالتأكيد فإنّ مثل هذه المسؤوليّة تعتبر مهمة شاقة وعسيرة وتحتاج إلى معرفة تامة واطّلاع واسع بأحوال النّاس لكي يتسنّى للنبي أن يقوم بالمهمة الخطيرة الموكلة إليه على أحسن وجه وأيضا بالسنن الإلهية.
نحن لا يمكننا أن نتصوّر أنّ اللّه سبحانه وتعالى يكلّف طائفة من الناس ويرسلهم للقيام بمهمة خاصة وتحقيق هدف معين ولا يزودهم في الآن ذاته بالوسائل والإمكانات الضرورية التي يحتاجون إليها لتحقيق وإنجاز ما يراد منهم.
ومن الممكن معرفة ولمس حقيقة علم الأنبياء من خلال مراجعة الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن علومهم (عليهم السلام) نذكر نماذج منها:
1. ما ورد في حقّ داود (عليه السلام) :( ...وَآتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ).
2. وقال سبحانه في حقّ يوسف (عليه السلام) :(وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً... )
3. وأمّا لوط(عليه السلام) فقد وصفه سبحانه بقوله:( وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْما.ً...(
4. وقال سبحانه واصفاً موسى (عليه السلام): ( وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً...) .
كل هذه الآيات وغيرها تمكّننا من التأكيد أن هنالك سرّا الهيا ومفتاحا للتواصل بين الخالق سبحانه وجميع أنبيائه وكذلك خلقه وهذا البحث يعتبرذلك المفتاح (اللغة الأمّ) وهو بالنسبة إلينا (اللسان العربيّ المبين) الذي تفرعت عنه جميع الألسن في كامل أرجاء الأرض، وسنحاول أنّ نؤكد تبعا لذلك أنّه يحمل جميع الأسماء والمعاني الصالحة لحياة البشر في كل المجالات ليتكلّموا به عن أنفسهم وما حولهم، مع التأكيد أننا لا نعلم بوجود مثل هذا اللسان إلا لدى من اختصهم الله تعالى بعلمه من الأفراد وليس من الشعوب أو الأمم والقبائل ونقصد بهم (المبعوثون من الأنبياء والرسل عليهم السلام) وهو ما يجعلنا نخلص إلى أن علمنا ناقص بالكثير من مفردات وكلمات واشتقاقات هذا (اللسان العربي المبين) الذي تنزّل به الوحي على خاتم المرسلين وسمّي القرآن الكريم، بعد أن أصبح الخلق شعوبا وقبائل تختلف حاجاتهم بحكم ممارساتهم اليوميّة وطريقة عيشهم والعناصر الطبيعية التي تحيط بهم وهو ما يحقق مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه والذي لا يحتاج إلى شيء ينساه)، ومن الإعجاز الموجود في القرآن (ذلك اللسان العربي المبين) الذي هو نتاج (اللغة الأم) ، أنّه قادر على الوصف بطرق لا يمكن لعقل بشري ناقص أن يستوعبه كلّه، فطرق المشي والّأكل واللباس والمعاملات وما يختلج في العقل والأنفس وأسماء الحيوانات والكواكب والتراب والنبات قد تمكّن من وصفها والحديث عنها بأيسر السبل وأقل الكلمات فقال عنه تعالى:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(الآية) وقد فسّر الإمام جعفر الصادق هذه القولة بقوله:" فيه ( أَى في القرآن ) خبر السماءِ ، وخبر الارض ، وخبرَ ما يكون ، وخبر ما هو كائن (فيه تبيان كل شيء)". فكيف يمكن التدليل على هذا البيان وهذا الاعجاز من خلال قوم من الأقوام لم يعرف عندهم علم كثير تسمّوا قبائل عربيّة وفي هذه الآية بشرى للمسلمين، وهم أجناس كثر ليس فيهم من ينطق بهذا اللسان إذا كانت العربية خاصّة بأقوام من يتم تسميتهم بالعرب منذ ما يقرب عن ألف وخمس مائة عام؟.
لا شكّ أننا في حاجة لمعرفة جديدة تقيم الدّليل أن اللغة واحدة وأن اللهجات والألسن كثر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لسان العرب هو الأقل إعجاما (تغيّرا) من الألسن الأخرى لأنّ فيه كلمات القرآن كما تقرأ وتنطق، وغيرها قد حدث فيه تبديل وتغيير كبير حتّى أصبحت كأنها لغة جديدة مع كتابة تختلف من حيث الرسم.
الباحث حاتم سعيد(أبو هادي2016)
التاريخ الإنساني
التاريخ البشري (الإنساني) لا يزيد عن كونه تاريخ أمّة من الناس كانت مجتمعة وتفرّقت في أرض الله الواسعة، وأنّ هذه الأمّة كانت تملك لسانا واحدا فتحوّل إلى لهجات ولغات مختلفة مصداقا لقوله تعالى في كتابه العزيز:﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أوتوه مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾(سورة البقرة: 213).
وقوله تعالى ﴿ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ﴾.
وقوله تعالى: ﴿ وهو الذي أنشأكم من نفس واحدة ﴾
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ ﴾(سورة الزخرف: 33).
فلا مجال للقول أن الإنسان اخترع اللغة لأنّها تتناقض مع قوله تعالى: ﴿ وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 31 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 32 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ( (33 ) ﴾.
آدم عليه السلام هو تلك النفس الواحدة ومنه وجدت كلّ النفوس البشريّة حتّى الأم حوّاء، قال تعالى: ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين (189) فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون ( 190 ) )سورة الأعراف.
ينبه تعالى على أنه خلق جميع الناس من آدم عليه السلام ، وأنه خلق منه زوجه حواء ، ثم انتشر الناس منهما ، كما قال تعالى : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات : 13 )).
وقال تعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء (1) الآية ( النساء) .
وقال تعالى : ( وجعل منها زوجها ليسكن إليها ).
كما قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة (الروم : 21 )).
لكنّ الأحداث التي شهدتها الإنسانية على مرّ الزمان، لعبت الدور الأبرز في تشكيل (ألسن) لغات أعجميّة مختلفة بتفاوت عن اللسان الذي نطق به التلميذ الأوّل (آدم عليه السلام) يوم الامتحان العظيم أمام الملائكة عند عرضه للأسماء التي تعلّمها، فقد ورد في تفسير تلك الأسماء أنها لكلّ شيء مما نراه ونلمسه ونسمعه في الحياة الدنيا، قال مجاهد عن قوله تعالى ( ( وعلم آدم الأسماء كلها ) أي : علّمه اسم كل دابة ، وكل طير ، وكل شيء).
وعبثا يحاول اللسانيّون والباحثون في تاريخ الحضارات أن يقنعونا أن هذا اللسان هو لسان قريش أين بدأ تنزّل الوحي على رسوله الكريم لأنّه لسان جميع الأنبياء مصداقا لقوله تعالى: ( فَبَعَثَ اللَّه النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) وقوله عن القرآن: ((وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ ۗ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ (103النحل)) لأنّ الله قد تحدّى جميع الخلائق أن يأتوا بمثله:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ ۖ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(يونس 38)).
وقال تعالى:( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
وقوله جلّ جلاله:( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين) هود.
وقوله تعالى: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون اللّه إن كنتم صادقين).
حتّى تأويل القرآن كانوا عاجزين عنه فتحدّاهم الله أيضا بقوله: (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله).
ويعود السبب في عجزهم عن تأليف ما يشبه القرآن أو حتّى تأويله رغم أنهم (عرب قريش) لجهلهم عديد الأسماء التي لا يعلمها إلاّ هو تبارك وتعالى ومن علّمهم من النبيين لأنّهم حملة علمه.
يقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ (سورة سبأ:28-30)).
ويقول تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا )(سورة الأعراف:158).
وكذلك:( تَبَارَكَ الَّذِي نزلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) (سورة الفرقان:1).
أمّا ادعاء هؤلاء العرب (الأعراب) من (قريش) أن هذا الرسول الخاتم هو جاهل (أمّي) لا يقرأ ولا يكتب فذلك أنّهم هم الأمّيون بصريح الآية:( هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (الجمعة3)).
وقوله تبارك وتعالى مخاطبا نبيه الكريم صلى الله عليه وسلّم:( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ(1)خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ(2)اقْرَأْ وَرَبُّكَ ْالأَكْرَمُ(3)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ(4)عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ(5) (سورة العلق)).
ونختم بقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ ﴾( سورة النحل)89.
والسؤال الأوّل:"كيف يكون الرسول شهيدا على الأشهاد إذا كان لا يعرف لغتهم وكانوا أمما مختلفين في لهجاتهم؟"، بل إنّنا لا نستغرب أن يستحدث الناس لسانا جديدا مختلفا أو لسانا يجمع جميع اللهجات الموجودة في العالم إذا كانت الكلمة والاسم والفعل من إنتاج البشر لا يعرفه إلا المتكلّمون به.
السؤال الثاني:"إذا سلّمنا أنّ القرآن محفوظ من قبل الله تعالى، فهل أنّ العرب الذين تنزّل القرآن بلسانهم قد جاءهم وعد من السّماء أن يكونوا باقين ما بقي هذا القرآن فهما وعلما بما جاء فيه وبمفرداته ومعانيه وأنّهم لن يتركوا هذا الدّين إلى غيره من الأديان الأخرى سواء قهرا أو عن اقتناع أو أن يبادوا عن بكرة أبيهم، هل ستصبح تلك الآيات نصوصا تاريخيّة لقوم آخرين يجعلونها في متحف الذكريات؟".
تنبيه: وجب التنبيه أن البلدان العربية اليوم جميعها تتكلّم لغات أجنبية وتمارس الحياة المدنيّة وتطلع على جميع الحضارات فتتبدّل تقاليدها وعاداتها ومعاملاتها وسلوكاتها ولباسها في كل يوم يمرّ (وتلك سنة الحياة) وحتّى الكلمات لم يبق من معانيها إلا ما هو ضروري للمعاملات اليوميّة.
السؤال الثالث:"إذا كان الخلق المعمّر لهذه الأرض من نفس واحدة هو "آدم عليه السلام" وهو قد تلقّى العلم من ربّه فاستخلفه فيها فكتب الله له من العمر ما جعله أبا وجدا لجميع الخلائق البشريّة، ألا يجدر بنا أن نقول أنّه كان المعلّم فأخذوا عنه علم الكلام كما يأخذ أطفالنا منّا ، فكيف ندّعى أن اللغة لم تكن موجودة واستحدثتها الضرورة؟".
تنبيه: يمكننا أن نفترض أن هنالك من البشر من نسي علم هذا الكلام فأحدث لغة جديدة، والاجابة عن هذه الاشكاليّة تكون منطلقاتها دينية بالأساس والعلم الحديث يمكنه تأكيدها بما لا يدع مجالا للشكّ، حين نستشهد بآيات القرآن أن الله لم يترك الخلق من غير معلّم على طول الأزمنة سمّاهم الأنبياء والرسل فجاؤوا لتصحيح المسارات الخاطئة لأنّه من الواجب تذكير الانسانيّة بسبب وجودها وتعريفها بأوامر الله ونواهيه وهو ما نسميه المعرفة التامّة بالتشريع الإلهي وهذا بديهي عند المتدينين الذين لا يختلفون أنّ الهدف من بعثة الأنبياء هو: التعليم والتربية وإقامة العدل والقسط في المجتمع وهداية الناس إلى جادة التوحيد، وبالتأكيد فإنّ مثل هذه المسؤوليّة تعتبر مهمة شاقة وعسيرة وتحتاج إلى معرفة تامة واطّلاع واسع بأحوال النّاس لكي يتسنّى للنبي أن يقوم بالمهمة الخطيرة الموكلة إليه على أحسن وجه وأيضا بالسنن الإلهية.
نحن لا يمكننا أن نتصوّر أنّ اللّه سبحانه وتعالى يكلّف طائفة من الناس ويرسلهم للقيام بمهمة خاصة وتحقيق هدف معين ولا يزودهم في الآن ذاته بالوسائل والإمكانات الضرورية التي يحتاجون إليها لتحقيق وإنجاز ما يراد منهم.
ومن الممكن معرفة ولمس حقيقة علم الأنبياء من خلال مراجعة الآيات الكثيرة التي تحدّثت عن علومهم (عليهم السلام) نذكر نماذج منها:
1. ما ورد في حقّ داود (عليه السلام) :( ...وَآتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمّا يَشاءُ).
2. وقال سبحانه في حقّ يوسف (عليه السلام) :(وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً... )
3. وأمّا لوط(عليه السلام) فقد وصفه سبحانه بقوله:( وَلُوطاً آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْما.ً...(
4. وقال سبحانه واصفاً موسى (عليه السلام): ( وَلَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً...) .
كل هذه الآيات وغيرها تمكّننا من التأكيد أن هنالك سرّا الهيا ومفتاحا للتواصل بين الخالق سبحانه وجميع أنبيائه وكذلك خلقه وهذا البحث يعتبرذلك المفتاح (اللغة الأمّ) وهو بالنسبة إلينا (اللسان العربيّ المبين) الذي تفرعت عنه جميع الألسن في كامل أرجاء الأرض، وسنحاول أنّ نؤكد تبعا لذلك أنّه يحمل جميع الأسماء والمعاني الصالحة لحياة البشر في كل المجالات ليتكلّموا به عن أنفسهم وما حولهم، مع التأكيد أننا لا نعلم بوجود مثل هذا اللسان إلا لدى من اختصهم الله تعالى بعلمه من الأفراد وليس من الشعوب أو الأمم والقبائل ونقصد بهم (المبعوثون من الأنبياء والرسل عليهم السلام) وهو ما يجعلنا نخلص إلى أن علمنا ناقص بالكثير من مفردات وكلمات واشتقاقات هذا (اللسان العربي المبين) الذي تنزّل به الوحي على خاتم المرسلين وسمّي القرآن الكريم، بعد أن أصبح الخلق شعوبا وقبائل تختلف حاجاتهم بحكم ممارساتهم اليوميّة وطريقة عيشهم والعناصر الطبيعية التي تحيط بهم وهو ما يحقق مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه والذي لا يحتاج إلى شيء ينساه)، ومن الإعجاز الموجود في القرآن (ذلك اللسان العربي المبين) الذي هو نتاج (اللغة الأم) ، أنّه قادر على الوصف بطرق لا يمكن لعقل بشري ناقص أن يستوعبه كلّه، فطرق المشي والّأكل واللباس والمعاملات وما يختلج في العقل والأنفس وأسماء الحيوانات والكواكب والتراب والنبات قد تمكّن من وصفها والحديث عنها بأيسر السبل وأقل الكلمات فقال عنه تعالى:( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين(الآية) وقد فسّر الإمام جعفر الصادق هذه القولة بقوله:" فيه ( أَى في القرآن ) خبر السماءِ ، وخبر الارض ، وخبرَ ما يكون ، وخبر ما هو كائن (فيه تبيان كل شيء)". فكيف يمكن التدليل على هذا البيان وهذا الاعجاز من خلال قوم من الأقوام لم يعرف عندهم علم كثير تسمّوا قبائل عربيّة وفي هذه الآية بشرى للمسلمين، وهم أجناس كثر ليس فيهم من ينطق بهذا اللسان إذا كانت العربية خاصّة بأقوام من يتم تسميتهم بالعرب منذ ما يقرب عن ألف وخمس مائة عام؟.
لا شكّ أننا في حاجة لمعرفة جديدة تقيم الدّليل أن اللغة واحدة وأن اللهجات والألسن كثر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لسان العرب هو الأقل إعجاما (تغيّرا) من الألسن الأخرى لأنّ فيه كلمات القرآن كما تقرأ وتنطق، وغيرها قد حدث فيه تبديل وتغيير كبير حتّى أصبحت كأنها لغة جديدة مع كتابة تختلف من حيث الرسم.
تعليق