مكسورة الجناحِ ( استدراك )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    مكسورة الجناحِ ( استدراك )


    مكسورة الجناحِ
    ( استدراك )



    (1) "مكسورة الجناحِ "
    ***
    "مكسورة الجناحِ " هكذا كانت دائمًا تقول عن نفسِها ، وبعدما كبُرت وصارت تعلمُ أنَّ الاسم الذي تحمِلُه هو لطائرٍ أسيرٍ ورِثت منه كل شيء تقريبًا : الأناقة ، و الرشاقة ، والجمال .و.و... حتى الحزن والكآبة ! و كلَّما تفقَّد مُحيَّاها يرى في عينيها الشَّاحِبتين ملامِحَ التوسُّلِ والرَّجاءِ ، فيتيقّن عندها أن حجم الدَّمار الذي بداخِلها ، وكان هائلاً ، سببُهُ صروف الدَّهرِ وظُلمِ الأنامِ ، ولم يواسيها أحدٌ ممّن كانوا يظهرون لها في حياتها ودًّا مصطنعًا بينما يضمرون لها الحقد والكراهية بسبب جمالها الذي أودعه الله فيها ، ومكانتها المرموقة التي لم يحظ بها غيرها وسط أفراد عائلتها الجديدة ، ولم يكن لها يد في اختيار زوجها الوسيم الذي كان وراء عنوسة بعض فتيات القبيلة الكبيرة واللاتي عزفن عن الارتباط بغير ابن العائلة المحترمة ، وزواجها منه كان محض صدفة ، بل وليد ظروف اعتباطية ...ولكن المسكينة دفعت ثمن تواضعها فغدت محسودة من طرف الجميع ، وكان ذلك سببًا في نشوب الخلافات بينها وبين الزوج الذي تخلّى عنها ليلتفت الى غيرها ، فأشعل بذلك نار الغيرة في فؤادها الجريح ، الذي تسلّل اليأس اليه ، ووضعت طفلاً ورث منها بدوره كل شيء تقريبًا ؛ الأناقة .. والجمال .. وحتى الكآبة ! صار ينظر ببراءة الى الارهاصات وكثرة الخصام الذي أكدى الأم المغبونة ، وعاد على الأثر ليضيف للجرح القديم آلامًا جديدة .. فقرر أن يكتب شيئًا ما لينقل صورة عن حدّة المعاناة ..
    هكذا اقتتح المشوار ببعض الكلمات :
    - " وجيز الكلام لا يستوفي روح المعاناة الحقيقية !"
    ( يعلق على المزرار ( لوحة المفاتيح /الكيبورد ) الذي بين يده)
    لكن المزرار يتَعَطَّلَ فجأة !
    توقّف وراح يحملق فيه ليشرد بذهنه ؛ صار يرغب في عجنه ورمسه ثم دفنه ليتخلّص من تعنّته وعناده ويخلّص نفسه منه ويشفي غليله فترتاح أعصابه ... ثم يتمالك نفسه في الأخير لكن بقي يتهته ويثغثغ بعبارات مبهمة ولم يُفهم منه سوى :
    - " ما هذه الناصية !؟ "
    ( وتُعبّر عن الحسرة والأسى )
    يعد الأعشار والثواني ... ولايزال المشكل قائمًا ؟! :
    - "واشْ بابْ الرّايْ ؟ "
    ( يكاد يجن .. ! )
    ( يعتقد ستريحه الكتابة من الشعور بالذنب والتقصير !؟ )
    تعتريه الهواجس .. فيقوم بتشغيل جهاز الراديو الذي إزاه ليستغني عن الكتابة .. يهفو بسمعه فيشده صوتٌ حزين يسلب الفؤاد :
    - " أنا كلِّ ما جُول التوبة يا بُويا ترميني المجادير ! "

    - " يا للصدفة ! "
    ( هو الآخر تعتريه نفس العوارض !؟ )
    -" كم كانت المرحومة - طيّب الله ثراها - تهوى هذه النبرة الحزينة ! "
    ( وكم عانى هو الآخر من الفرقة والجفاء ! )
    ثم فجأة تتكرّر المصائب : ينقطع التيار !؟
    ( ذاك ما كان ينقصه ! )

    تغيّر لونّه وصار شاحبًا كالنص الذي ينوي الإفراج عنه ؛
    - " يا للخيبة ! "
    ( كأن الظروفِ كلها ضدّه !؟ )
    ربما
    تحاول منعَهُ من كتابة الذكريات الحزينة ؟!
    ( ما جدوى مقاومته لها ؟ )
    لكن ! تعود فتؤكّد له ذلك ؛
    فيُقرعُ البابُ هذه المرّة :
    - " من ؟ ماذا ؟ ماذا بعدُ ؟ ماذا تريدين ؟ "
    ( تباغته زوجته لتُحوِّل اليها الانتباه ) :
    - " قلت لك مكانه ليس هنا "
    فيرد عليها باشمئزاز :
    - " أيّ مكان ؟
    ما آخرتها معكِ أنتِ أيصًا ؟ "
    ( صارت مؤامرة تحاك ضدّه )
    تنسج خيوطها في خفاء لايعلمها سوى الله ، أو الأقدار التي تديرها ؛
    يا لحظه السّيِّء !
    حتى زوجته صارت تتحسّسه على غير عادتها !؟ :
    تعطّل الجهاز ( الكمبيوتر ) ... وانقطع التيار ...أظلمت في وجهه فانتَصب غاضِبًا وخطرَ بِبَالِهِ تغيير المكانِ :
    - " نعم ! ولم لا ؟ "
    لينزوي الى مكان آخر .. بعيدًا عن التشويش .. يقوم بالبحث عنه فيجده بأحدى الغرف : إنها غرفةُالنوم ! لايجرؤ أحدٌ بمجرّد الاقتراب منها ! فالسيّدة زوجته ؛ ربّة البيت صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة لاتتساهل ولاتتسامح معهم ,, فيلوذ بها مثلما يفعل سائر الأوقات ؛ عندما يتظاهر بالمرض ليستعطف الآخرين من حوله فتنبري لتخفت أصواتهم :
    - " أبوكم مريض "
    فيهدأ ويستريح !
    قرَّرَ الرحيل اليها ، وقام ينهشُ جميع الأغراض كأنّما ينهبها :
    - " رويدك "
    ( ترد عليه )
    أخذ جهازِ ( الكومبيوتر ) وكل ما يتبعه ، ولم ينتَبِه إلى الأسْلاَكِ المتَنَاثَرة حولَه ، فيتعَثَّرَ وكادَ يَسقُط ! تتعالى قهقهات الغمز الضحك تلاحقه ! وعلامات التشفّي بارزة على الوجوه تستشيطه .. فيرد عليها باللعن والسب ! ولا أحد يجرؤ على الاقتراب منه !
    ليجد في السباب وسيلةً سهلة تريحه من الجواب ! الجميع يرافق خطواته المشوبة بحذر وهو يتخبّط فتلمزه بنت الأذن : - " إنه مثيرُ للشَّفَقَة " فيهثهث :

    - " ألا يعلم هؤلاء ( .../...) سر كل هذا الاصرار ؟ "
    ( يأبى لسانه لفظ أسمائهم )
    يهرع إلى المكانٍ المناسبٍ ؛ غرفة النوم :
    - " يا محلاها ! "
    ( ستكون بدون شك هي الأنسب له ولخروجِه من وَرْطَته )
    تصدُح رأسه علل الأفكار فيترنّح خلف لحن تلك الأغنية الحزينة ويردّدها لسانه :
    - " نعم ! هذا هو المكان الذي ضاع مني وكان يجدر بي أن أقبع فيه ! "
    ( نعم ! ) : ليس أحبّ إليه من تلك الغنية ولا من غرفة النوم المريحة التي لم يتغيّر شكلها كثيرًا :
    - " كل شيء على حاله ! "
    (نعم ! بقي كل شيء على حاله ؛ كما تركه ) :
    الفِراشُ ؛ لم يوضّب .. المدوّنة ؛ مفتوحة كما تركها يتوسّطها القلم الجاف رفيق الدرب ؛ هو الأخر يعاني من الخرف ومن سوء الاستعمال يكاد ينضب من الاستخدام المتعسّف .. فنجان القهوة ؛ ولايزال يحتفظ برشفات تعبّر عن نكهته ومزاجه الخاص : لابد أن تكون ثقيلة ومعطّرة بماء ورد خالص يحمل علامة تركية قام باقتنائه وبسعر باهض من دكان ذاك (.../...)الأخ السلفي ( حتى لايقول عنه أنتهازي ومشعوذ ) والذي لم يضمن له مدى صلاحياته وقال عنه مهدّئ للأعصاب ؟! قد يكون كذلك لكن لم يعد يهمه ذلك وفي هذا الوقت بالذات .. فات الأوان وليس بالامكان تدارك مثل هذه الأمور .. والمهم الآن هو هذا المكان المهيأٌ لارتمائه بين أحضان الحشايا المبعثرة : قام بتمرير يده اليسرى على المنضدة ليتخلّص من بقية الشوائب ؛ قشور برتقال .. مناشف .. ثوبٌ شفقٌ ... وضع أوزاره مثل الحكيم لكن الأسى يبدّده فيتلاشى الهدوء وتغيب الطمأنينة من فؤاده :
    - " لمّ تركتها وحيدة تنازع وتتألم بين تلك الجدران الصمّاء ؟ "
    ( يعود الى التأنيب من جديد إنه الضمير الذي لايرحم )
    تعود به الذّاكِرة إلى الوراء .. إلى زمنٍ ولَّى واندثر.. يحاول مقاومة النسيان فلا يقدر .. لكنه لم ييأس وراح يشغل نفسه بالأسلاك التي أحضرها وقام بجمعها : ليشغل الجهاز ( الكمبيوتنر ) .. وقام بفتح صفحة جديدة ؛ وأخيرًا :
    - " لوح المفاتيح ( الكيبورد ) يعمل بصفة جيدة هذه المرة ! "
    ( يفرح لكن أفكاره تعطّلت لتخونه المشاعر ) :
    - " كيف سأبرّر غيابي وكنت أعرف خطورة المرض الذي أصابها !؟
    ( ويعود مرّة أخرى ) :
    -" كانت تعلم بالظروف القاهرة ؟! "
    ( ثم الى التبرير من جديد )
    يحاول طمأنة خاطره الجريح ؛ هو أيضًا عانى من الجروح ومن جفاء الآخرين له ، ومن المتقوّلين عليه ( يقصد الانتهازيين سواء من الأقرباء أو الأعداء الذين وجّهوا له طعنة في الظهر بغية إسقاطه من عين الأم المغبونة ولم يرحموها وهي ترقد في فراش الموت ليحملوها على البغض والكراهية ؛ الشياطين المسلّطة على أعراض الناس في اسواق الكلام ... يستوجب عليه التنديد بأفعالهم ومقت سلوكاتهم إن أراد التخلَّص من شعوره بالذنبِ .. ومن النَّدَمِ على ما فرّط وضيَّع :
    - " لكن لن يجديني ذلك فالأمر قد فات ! "
    ( يعدل عن رأيه فحجّته ضعيفة وواهية ومثلما يقول البعض ؛ لا ينفع الندم بعد العدم ) عليه بالبحث عن شيءٍ آخر لينتقم لها من القهر .. من الاستبداد .. من العادات البغية و التقاليده الجائرة التي تسبّب له الغثيان !
    تلوح الأفكار وتتجلّى المعاني فينكشف ما في أعماقه .. فيضيف :
    - " نصف قرن من المعاناة والجفاء هل هذا ما كانت تسحقّه !؟ "
    يكاد هذه المرّة يكون على صواب ؛ فالمرض العضال الذي استفحل فيها واستحلّ روحها وجسدها ولم يشفع لها لدى الآخرين قد دمّرها :
    - " كيف سأنتقم لمن غيّبها الموت ؟ "
    ( يصرّ على الانتقام لها ) :
    في حين لم يَبقَ من عمره سوى هنيهة .. ومن الوقت إلاّ القيل ... ثم يسترسل : كانت مجرّد بداية لتجربة حقيقية عاشتها إنسانة رَهَنَت حَيَاتَها بين نقِيضِيْ مُجْتَمَعٍ جاهِلٍ ، لا يحترم الشعورولا يُراعي أسباب الحياة ، وتقاليدٍ عَمْياءٍ ، تُكرِّسُ النَظْرَة العِدائَيَّة، ولا تَرَى في الأُنْثَى سِوى النُّقْص والعيوب ، وأنَّ مَصِيرَها ليس في رقّتها وعُذوبتِها ، بل مَرْهُونٌ بمدى صمود جنسها الناعم لتلك الممارساتِ الشنيعة التي تُروِّج لتفضَح نفسَهابنفسها غداة كل ليلة دهماء ، تلك النَظْرَةُ المنكَرةُ وتدلُّ على مرَضٍ اعتَرَى المجتمع " الذُكُوري " ، الذي تآمر مع هذه التقاليد البغية ليدخل ِ الخَوْف والرَّيْبِ في نَفْسِ الأُنْثَى ، والتي انْتَظَرَت كثيرًا ولم تجد من ينصفها فتحجَّجت بالمحظورِ والمباحِ فتمرّدت ، وكثر اللّوم عليها ، فأشهرت سلاحَها في وجه القيمالبريئة ... انقاد وراء مشاعره وراح يطلق العنان للتعبير عمّا يخالجه ... ثمّ فجأة يرن الهاتف :
    - " ماذا أنت أيضًا ….!؟ "
    ( يشير المنبّه الى دخول وقت الصلاة فيتوقّف ويرفع يديه )
    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 27-03-2016, 07:35.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
يعمل...
X