الوليمة...

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الغني سهاد
    أديب وكاتب
    • 17-07-2010
    • 51

    الوليمة...


    الوليمة ...





    انا العياشي كنت اعرج بعربتي على البيوت والمحﻻت في اﻻحياء القديمة ..اشارك الناس احزانهم ومسراتهم..ﻻ تفارقني الفرحة والنكتة .اعيش في ما يقولون عنها السعادة....ﻻ اقلق من احد ..واقبل ما تهيه لي الحياة ويمنحه لي الناس ...اسكن بفندق صاحبي النبيل (الفندق بتسكين الفاء .وهو اﻻروى .). يخصص لي فيه مكانا لوضع عربتي وحماري.. ..وورب المطعم كذلك يوفر لي بقايا زبنائه من الطعام .سردين..وخبز قاسح ونقانق مبعثرة ..وبناءا على توصيات بعض ااﻻرباب والنبﻻء في المدينة كان المخازنية ﻻ يقتربون من عربتي..ويحترمون دابتي ...يتجنبون احراجي في حمﻻت النهب والتمشيط للفقراء امثالي .في اﻻزقة و الطرقات..نعم كنت ايحابيا وتفاعلت مع المجتمع الذي يحفني بعطفه وكرمه.الداءمين ..و كما الناس رأيت السلطان يضحك على الفرنسيس وهو يجلس في القمر.كنت فرحا به .و اواسيه.في احزانه. على هذا الوطن .في .الليالي الطوال في اسهر في فناء الفندق المعلوم اناجيه ..
    كلما انتهيت من الجري في الطرقات..تركنت في فناءالفندق..انتظر طلة القمر..ﻻ ادري كم انتظرت ..لكني تمكنت ذات ليلة من رؤية الملك نعم الملك يهبط نعم يهبط من القمر.كان حكئيبا..فرحت به ووزعت كوؤس الشاي على ااﻻصدقاء..وهم يضحكون مني . يرونه جالسا يفكر ..واراه يهبط من القمر الى اﻻرض على ادراج متموجة من السحاب اﻻسود ...لم يصدقونني واستمروا يستهزؤون بي ..يقولون :(العياشي طار ليه الفرخ )..ولم اكن اعرف من اين ياتون بهذه الكلمات .. (غير الوطنية )...
    شربوا الشاي ..وتفرقوا ..وتابعت هبوط الملك من القمر .. ..تاملت الصور كل الصور .وقلبتها في عقلي ..وفكرت اليس من اﻻفضل ان يبقى جالسا في القمر ..يعاين ما يحدث لي وللناس امثالي على هذه اﻻرض .. وهو هناك في سمت الهدوء والسكينة ..لكنه كان يهبط على تلك اﻻدراج السوداء المتحركة بمهل الى اﻻسفل.. ..تابعت التحديق في القمر في تلك الليلة السوداء..اغفو ..قليﻻ ..تم اصحو ..الى حين انبﻻج صبح ذلك اليوم....
    حين نزلت الشارع ..كانت الناس في هرج ومرج ..تكلم بعضهم بالخبر الذي انتشر صداه في ربوع الوطن بواسطة المذياع...(عاد المالك ..عاد الملك..!!!..)
    عاد الملك وفرنسا ستخوي البﻻد..هل ستعود هي الى القمر .!!.كنت افكر بعشوائيتي . ..لم يطل تفكيري ..عندما افاقني صياح مقدم الحي ..قائﻻ..: (اووا العياشي ...وجد راسك ..في ما بعد صﻻة العشاء ...)..رددت ..وانا انظر في عمق السماء التي غيرت حلتها ..وارتدت الزرقة ..وتزينت باصفرار واحمرار اشعة السمش ..بدورها كانت مبتهجة بعودة الملك ...ويا ليثه ما عاد ..!!!..
    كانت الناس تتابع كﻻم المذياع..وتلتقط النشرات واﻻشارات التي تتحدث عن هذه العودة وافاقها المباركة....لم اكن فطنا لسؤال المقدم ..عن هدف دعوته باعداد راسي بعد صﻻة العشاء..ولو فطنت حينها ساعجز عن الحدبث معه الراس في الراس وهو محفوف برهط من الناس ﻻ اعرفهم عيونهم تقشع بالشر ..كنت ﻻ ادري هل هم معانا ..ام مع الفرنسيس ...!! كتمت طنوني لنفسي ..وواحهت اللحظة القوية بقوة الصمت ..والمراقبة الذاتية ..لعلهم عزموني لمادبة اﻻحتفاء بالحدث البهيج.(هبوط الملك من القمر ).الذي كنت سباقا في التنبؤ به ..حين رايته يهبط ادراج السماء كنت في كامل قوايا العقلية .لكن هذه اﻻخيرة تخونني احيانا.. فظننت انه سيكون سعيدا لو بقي هناك في اﻻجواء العليا ...اصدقائي فيما بعد صادفوني في قنت من قنوت الحي اسوق العربة ..وصاح في احدهم ..قائﻻ..'(والله انت ممسوس اتلعياشي ..ومعك الحق ..الملك عاد هبط.. ...!!)
    تبسمت له ..وعدت الى العربة افتش بها عن ...لقمة خبز وحزمة فصة للحمار رفيقي ...افكر..في وليمة نهاية اليوم..
    الوليمة ...الوليمة .!!..تصدعت بتكرار نطق هذه الكلمة ...كيف لي ان اتحرر من غثيان هذه الكلمة ..انها تسبب لي القيء واﻻنهيار.. عربتي الصغيرة قد خصصوها دون علمي لحمل البخور والجمار..والعربات الكبيرة لحمل الجثت الخاءنة ..الى فوهات عميقة حفروها ﻻيام عديدة على ابواب المدينة.. اعدوها لهذه ...كل من اشتبه لهم في تعامله مع المعمر..صفوه جسديا بسكين او ساطور في قعر بيته اما العيال والاطفال..يقتلون وبخونون...هكذا ..دون بينة او اجلة..كان القتل حينها يفوق عمليات الفداء...والمقاومة ضد سلطات الحماية ...
    قال..لي القايد ..اعمل بجد..سنمنحك بطاقة المقاومة..وستحصل على منصب داءم في البلدية ..كان جوابي بطأطأة الراس كحماري ..وسوق العربة ليﻻ الى تلك الفوهات...كم نبيﻻ شاهدت جثته ملقاة على تلك العربات كرب المطعم .التي كان كرمه وفيا علي.لم تكن له صلة بالﻻستعمار..وﻻ بالمقاومة .كم.شرب معي الشاي وضحكنا ..وسار الى مطعمه منشرحا ..ﻻ هم له سوى العيش الكريم ..لم يكن ﻻ استقﻻليا .وﻻ شوريا..ولم يخن يوما هذا ..حتى انه صدقني لما تكلمت عن هبوط الملك..من القمر ...لكن ..ﻻ وطن بﻻ وليمة ...استغرقت وقتا طويﻻ..الكل كان مسلحا مستعدا لاراقة الدماء .. ﻻجل الوطن .ﻻن الملك عاد ..وباليثه ما عاد ....والكل كان اما وطنيا او خائنا...
    وتصفية الحسابات كانت اسهل من شربة ماء...نيران الفوهات تاكل اﻻجساد..وﻻ ضر في بعض اﻻبخرة ..لتعطير جو الوليمة ....من حين ﻻخر كنت افكر ..هل ﻻجل هذا الملك ... عاد..!!
    اوفى المقدم بوعده .. واشتغلت في البلدية في جر عربة الازبال ..من درب الى درب ..منحت بطاقة المقاومة..وﻻ شيء تغير ...قتل من قتل ..وعاد من عاد.....وما عدت انظر الى وجه القمر....!!!


    من مساءات مراكشية.....

    عبد الغني سهاد
    02/11/2011








يعمل...
X