
" حمارنا ولا حصان الغير "
السياسة لا تعجبني ، قد تبدو كلماتي الحزينة غريبة بعض الشيء ، هكذا تسير الأمور في بلدتي ، وهذا هو الواقع بمرارته ، و ربّما أكون أنا ذاك " السّامط " الذي لا يعرف كيف يجاري غريمه لينهي مشوار الحديث معه ، فبعضنا – سامحهم الله - مستعدّين للدفاع ولو عن الشيطان ويطلّقون الآخرة من أجل رموز فاسدة أو تافهة لا تهتم لشأنهم ، لكن تعتبر " قضية " و " مبادئ " لديهم ، وما يستحق أصحابها اهتمامنا ولا كل المعاناة ولا هم من أصحاب المبادئ ولكنها الحظوظ والمصالح الآنية ، وحطام الدنيا التي يتنافسون عليها ويخاصمون الجار والصديق لأجلها .
أسماء متجدّدة، قابلة للتغيير، وفي كثير من الأحيان، يرحل أصحابها قبل تسخين أماكنهم، يحدث هذا في الدوائر الرسمية وعبر المؤسّسات؛ تضمحل بسهولة تامّة وتذوب بمجرّد قرار، رغم تذرّع أصحاب الارتجال.
هذه الظاهرة يعكسها واقع من تعجّ بهم المقاهي التي ندمن عليها ، أين تستباح السياسة والمواضيع الكبيرة التي تتجاوز طاقة البعض ، تجده يستميت في دفاعه عن المنبوذ والمكروه بالرغم من ذلك .
جلسنا كعادتنا حول طاولة بأحد أركان مقهى " عمّي صالح " المعروف:
" كريزما " اجتماعية مألوفة لدى جمهور المستهلكين لأنواع المنبّهات ، لما لشخصه من جاذبية ، يستغلّه البعض في القيام بحملاتٍ انتخابية ورغم مستواه المتواضع إلاّ أن تجاربه المريرة في الحياة جعلت منه رجلاً قويًّا ، لذلك لا ينقطع الزبائن منه ، ولا يصبر عليه ولا يستطيع أن يستغنى عنه أحد ، وهو صاحب مقولة شهيرة :
" حمارنا ولا حصان الغير "
( ههههه )
الشعار الذي رفعه أثناء قيامه بحملة انتخابية لصالح بعض المرشّحين الأحرار ، والتي تركت أثرًا إيجابيًّا لدى الناخبين ، من بين الجمهور الذي تابع نشاطه المكثّف بإحدى البلديات النّائية ، رغم الانطباع السيّئ الذي تركه لدى صديقه المرشّح للبرلمان حينها ، والذي وجّه له اللّوم الشديد على مثل هذا الكلام .
معروف لدينا حينما نتبادل أطراف الحديث لنناقش بعض المواضيع ، عندها يكون الفاهم فينا هو من يتسلّط ويحتكر الكلمة إلى أبعد الحدود ، حينها لا يتنبّه أحدنا إلى كم استهلكنا من وقت ، ولا يلتفت إلى عقارب السّاعة التي تدور ونحن مجمّدين في الكراسي مسمّرين إلى الطاولة يحدونا النقاش الفارغ الذي لا نبتغي به وجه الله ، وحوارٌ لا يعبّر سوى عن مِراء ومراوغة ، جلّه هذيان وسفسطة .
يبذل الواحد منا كل طاقته كي يقال عنه " فلان رجل مثقّف " فينال إعجاب الآخرين ، ولا يهمّ ما قد يعتريه بعدها من ذنوب وإهمال لبعض الواجبات اليومية المنوطة به ، أو أوقات ثمينة يهدرها في سخط الله ؛ في الإسراف والإدمان على المنبّهات وما يترتّب عنها وما تحدث من ضرر لتطغى الشكاوي علينا حين يتملّكنا مرضٌ كـ " القولون العصبي " مرض العصر مثلاً .