الحُجب المجهولة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • عبد الحميد عبد البصير أحمد
    أديب وكاتب
    • 09-04-2011
    • 768

    الحُجب المجهولة


    في سماء الروح مطر القلب يتدفق من عليائه ،يزيل أدران الحزن والألم ،ثم يغتسل في حياض الفردوس ،وتتحد الذرات والجزيئات وتشكل صورة بشرية وضيئة ،ويمضي المشعوذ في طريقه حتى يرسو عند مرافيء النسيان ، يتلو ترانيمه ، ويهرق بواعث الأمل،في صحن الماضي ..ثم وثب فوق بيجاسوس الطائر وفض بعصاه الغبار عن مواثيق الولاء، وجلب مستحضر الماضي ،ثم عبر في قارب الفقد، أمواج الفراق العاتية يبحث عن نقطة الإنسان ..في زمن ما يسمى "قرون الزُهرة ".. عالق خلف الحجب المجهولة مستتر في رواسي الأزمنة الماضية ،انطلق بجواده الأبيض يشق ستائر الضباب الذي غشى ساحل الكاريبي ،كانت لحظة وثوبه الشاطيء الأبيض
    كلطمة أمواج البحر الهادر لصخور الشاطئ الأبيض ..
    توسط بيجاسوس الساحة رافعاً قائمتيه معلناً عن وجوده، خمش وجه الأرض بحدوتيه ليحفر موعد وصوله..تبعه جحافل من الأقزام ،يهرولون خلفه كالصخور الساقطة من منحدر عال ،وقد أطلقوا أذانهم الطويلة ،يسترقون السمع ، ويرقبون الغيم القافلة أقصى الغروب .. لم تمض سوى لحظات حتى زحفت الشمس إلى خدرها تاركة حمرة الشفق تذوي في قصعة المغيب ، نشب المشعوذ الأبيض عصاته في بطن الرمال الندية ،وانكفأ يتلو ترانيمه ،بصوت شجي يستذيب الصخر والحصى ، حتى اخضلت السماء بزخات من قطرات بيضاء صافية ندية ..فشرع الأقزام يلتقطون قطرات الماء في صحون جلدية حتى فرغت الغيوم من قيئها ،ثم بادروا إلى سيدهم يقدمون ثمار الولاء ، فشرع المشعوذ يتفحص قطرات الماء بعدسته

    المكبرة، :حصاد وافر ،أو حظ سيء .. ثم توكأ إلى عصاه الرمادية ،وأطلق زفرة حارة : أعوام عديدة ونحن نحصي دموع الأنسان ،تلك الطاقة النازفة في وجدانه ، نجمع الكثير منها في صحون الذكريات فيموت ما هو رخيص ،وضيع ، ويبقى ما هو غال ونفيس ،تلك الطاقة الهادرة نعيدها إلى عالم الإنسان في صورة زهرة أو شجرة أو كلمات مؤثرة تنقذ العالم من الفناء والفوضى..ساد الهرج والصخب بين حشود الأقزام، لاسيما عند اقتراب الرياح الزاحفة، والتى شرعت تهمس في آذن المشعوذ الأبيض الذي أجفل عينيه وتمتم بلغة لاتينية، ثم خفقت الرياح القوية بظلها المُخيف وضربت الأرض بأجنحتها الحادة المصنوعة من رقائق الحديد ،وشرعت تمتطي الهواء العابر إلى الأفق وكلماتها تسقط حروفاً على الأرض
    - لم يبقى للإنسان سوى القليل
    ..؟ فتح المشعوذ عينيه وتمتم ببضع كلمات : ليس هناك وقت ..سينتهى عالمنا إذا فقدنا حقبة زمنية أخرى في البحث عن العدم ..! انطلق بجواده إلى حوض الذكريات ،وهناك التقى بمستحضر الماضي، طيف قبيح دميم تجسد في صورة راهب يحمل منجل على عاتقه وقد لفه الغضب والكراهية .. بادره قائلاً : لا تتخطى حدودك أيها الكاهن ،وددت لو أقصيت تلك القطرة ، في براح عالمنا ،..ارحل أيها الكاهن ،عليك بسائق القطار، إنه يجوب العالم من أقطابه ثم تبخرت جزيئاته وتلاشى في الهواء. عند منتصف الليل ،استلقى المشعوذ الأبيض ،وشرع في حشو التبغ ،ثم أشعل غليونه
    يستدفيء في ليلته البارده،وقدح زناد فكره في الأمر ،ثم انطلق بجواده الأشهب يمخربه عباب الصحراء ،حتى لحق بقطار البضائع العائد من الشمال ،توقف القطار في كبد الصحراء ،ونزل السائق وأثر الفحم يلون وجهه وشعره الأشعث ، شرع السائق يلتقط الحقائب الساقطة ، ويدفعها إلى عربات القطار ،تناهى إلى سمعه ،صدى قريب :أيها السائق النبيل ،التفت السائق إلى المشعوذ وانحنى له إجلالاً وتوقيراً ..هل تفقدت الحقائب ،التى أتيت بها في رحلة المساء ..
    - أجل
    - هل تفقدتها جيداً
    نظر السائق بمؤخرة عينه ،وزم شفتيه من ثقل الحقيبة :الوقت ضيق ..ولا بد أن أسرع ..تلك الحقائب تحمل في باطنها ..الأمنيات الضائعة ..ولابد من حرقها في أتون الذكريات ..قبل أن يغيب المساء ..ثم التفت إليه قائلاً:
    - لابد أنك تقصد الحقيبة المفقودة..! لقد تفقدت العربات تلو العربة بحثاً عنها ..فلم أعياني الوقت ،مضيت قبل حلول رحيل الشمس ،وأرسلت الزاحف خلف الظلال "السراب " يتفقد الحدث ،ثم يخبرك
    تأوه المشعوذ ورمق النجوم الضاربة في أعماق القبة ..أي قوة حالت دون وصول قطرة الماء إلى ضفتها .. هكذاً إذا الحقيبة تأخرت عن وقتها ، ! ثم نهز الجواد وانطلق يمخر به عباب الفضاء يجتاز الفلوات والصخور في عمق الصحراء القاحلة ..انتهت رحلة المشعوذ الأبيض عند أبواب مدينة الأماني الضائعة ، عبر الممرات الضيقة لتلك المدينة الكئيبة ،حيث الأحلام المقتولة والأمنيات المشوهة تسير في قبتها تتخذ مداراً حلقومي ثم يبتلعها ثقب أسود إلى طريق اللاعودة حيث التلاشي والعدمية .. يقوم بحراستها قناطير عملاقة ،غلاظ شداد ،لاتعرف الرحمة قلوبهم ..ما إن وقع بصرهم على المشعوذ الأبيض حتى اكفهرت وجوههم وهمسا..الدجال الأبيض يطأ الأرض المحرمة ،وددنا لو قيدناه بأغلال "كميرا" ..نهره الحراس
    - ما الذي آتى بك أيها الدجال المعتوه
    -على رسلكما ..قطعت رحلة طويلة في اليابسة ،أقتفي أثر حقيبة ضائعه ..أخشى أن تكون قد ولجت حجب النسيان ،ارتسمت ابتسامة ساخرة على وجوههم المتورمة
    - دعنى أخمن ..لعلك تريد أن نساعدك في إيقاف المدار ..لا بأس ..لكنه مكلف أيها المشعوذ المحتال ..لن ننسى القطع الذهبية الرديئة ،التى خدعتنا أياها ..يجب أن تقايض بشيء ذا قيمة ،يستحق التقدير..سنأخذ جوادك الأبيض ،خزائننا تحتاج إلى نوع من التغيير ،قام "آرسيوس"بزج الجواد داخل خزانة حديدية ،ثم عمد "روفيوس" إلى إيقاف عجلة الدوران فتوقفت التروس عن الحركة ، اعداد لا حصر لها من الأمنيات والأحلام ،ترحل إلى اللاعودة في مصفوفة مدارية ،تسبح في فلكها حتى الذوبان في قاع الثقب الأسود ،لكن هناك مقعد يخلو في مداره من عنقود الأمنيات ..تسائل المشعوذ :من المحال أن تحدث أخطاء زمنية في ذلك التوقيت ..لابد أن هناك شيء ما حدث في عمق الانسان !!




    التعديل الأخير تم بواسطة عبد الحميد عبد البصير أحمد; الساعة 07-06-2019, 06:33.
    الحمد لله كما ينبغي








يعمل...
X