الرسالة الثانية عشرة
أختي مريم...أكتب مباشرة بعد انتهاء مكالمتي الهاتفية معك...أنا لولا خوفي من أن أثقل عليك،ما قطعت مكالمتي معك ابدا....
منذ أيّام و أنا أفكّر في الكتابة لك عن عرس يوسف...افكّر و أتكاسل... انظري مريم أصبحت أتكاسل عن الكتابة إليك.... الآن لن أكتب لك عن عرس يوسف...سأكتب لك عن مصيبتنا الجديدة... من خلال تجربتي في الحياة ،تعلّمت أن تلافين ما بعد منتصف الليل،إمّا أن تكون من صمامة ناعس ، غلط في الرقم،و إمّا أن تكون من قريب يعلم بوفاة قريب و عندما رنّ جرس الهاتف حوالي الثالثة صباحا...دقّ قلبي في عنف ،و طلبت من ربّي أن يكون المتكلّم غالط في الرقم...رفعت السمّاعة،طلب المتكلّم أنادي أبي فنزلت الدموع على عيوني،أمّا أمّي فقد بقيت باهتة ثمّ مضت تبكي ثمّ صلّت ركعتين....لحظات قاسية ...دموع و ذكريات... كلّ أعمامي في تعاملهم معنا لا يعجبونني لكنّ عمّي الراحل هو أعزّهم إطلاقا.... هو الوحيد الذي زارنا غداة رحيل ليلي....أمّي طلبت أن نذهب فورا إلى سالمة....ذهبنا إليها لنعلمها أنّ والدها في حالة خطيرة ففهمت أنّه قد رحل فأغمي عليها ثمّ أفاقت باكية منتحبة ثمّ رجتنا أن نذهب بها فورا إلى المستشفى في مدنين...أمّا أهل زوج سالمة فقد كادوا يعطوننا طريحة لأننّا أتيناها بهذا الخبر المشؤوم في هذا الليل البهيم... يريدوننا أن نتركهم يشبعون بالنوم ثمّ صباحا نعلمهم....أظنّ أنني أصبحت أفهم لماذا كانت أمّي دائما تصرّ على الزواج من قريبة....لو كان أهل زوج سالمة أقرباء لنا ما غضبوا علينا ...سيشكروننا كثيرا...موت عمّي يقولون بأنّ ورائه إهمال طبّي ولا يريدون رفع قضيّة لأن الحاكم لن يعيد الحياة إلى عمّي....لأنّه سيبهذل جسد عمّي....لم يعجبني ذلك المنطق و تمنّيت لو قدّموا قضيّة...
ندمت شديد الندم لأنني لم ألق نظرة الوداع على عمّي... وقتها بررت موقفي بخوفي من المرض و برغبتي أن لا أصدّق بأنّ عمّي قد مات... برغبتي في أن يبقى عمّي كما عرفته قويّا بطلا لا نائما ضعيفا ،لا حول له و لا قوة....لقد كان آخر لقاء لي معه في تطاوين أمام بنك الإسكان ... لقد كان وقتها على غير عادته...منشرحا مازحا...لقد فضّلت أن تكون تلك الصورة ، صورته يبتسم و يضحك ،على صورته نائما ضعيفا لاحول له و لا قوّة ... إنّه قويّ صريح شجاع لا يعرف الخوف...لماذا مات... لقد مات و حزنت لموته ..رغم إنّه بالنسبة لي كان ميّتا من سنين....لأنّه لا يزورنا،كأنّه لا يعرفنا...أمّي تقول بأنّ كان يحبّنا كثيرا لكنّ زوجته الغريبة أفسدته بأكاذيبها....
مريم... أنا وحدي... ليس معي إلاّ أنت ...هاتفيني دائما.... سلامي إلى رامي.....
الرسالة الثالثة عشرة
كرهت الحياة و لم أعد أطيقها.... أريد الموت.... لماذا لا يجيء ملك الموت ليريحني... آسف يا مريم فأنا منذ العشيّة و آلام حادة تمزّقني... سخط على كلّ شيء في الحياة... آسف مريم يا ليتني تحدّيت الخجل و لبّيت طلبك في الذهاب معكم إلى رامي...فقط يا ليتني ذهبت معكم ....صدّقيني لم يمنعني شيء غير الخجل....
مريم ...اختي.... أعزّ الناس...سامحيني ...اعذريني ....إنّني خجول منك... خجول من طفولتي أمامك....مريم....إنني خائف من المستقبل...خائف أن تحطمني آلامي...في عرس يوسف كنت أضحك و أمرح و لم يجرح أحد أحاسيسي ....أمّا هنا عند عمّي فكما تعلمين أنا لا أطيق البقاء جالسا في مكان واحد و فوزي ابن الراحل عمّي ،حين رآني واقف مع مجموعة ،ظنّ أنني واقف هناك لأتفرّج على البنات فنهرني فانسحبت ،انسحبت في صمت و ذهبت إلى المقهى و بقيت هناك إلى أن وجدت وسيلة نقل....
مريم...أختي....عائلة عمّي خصوصا فوزي جعلوا من المأتم فرصة للتظاهر و التفاخر،حتّى في حضرة الموت لا يساوون بين البشر...المسؤول ذا الإسم العالي يستقبلونه بالأحضان و يجلسونه هناك على الزرابي و يسمحون له بقراءة القرآن...و الفقير التعيس لا يجد من يستقبله... كم أضحكني التوهامي الذي كلّف نفسه باستقبال البؤساء... كان في البداية حين يرى بائسا قادم...يهمس...إجلس...إجلس... بالحرام لا لاهي بك حد و لا عابي بيك حدّ.....أمّا حين يرى غنيّ قادم فيهمس...شوفوا...شوفوا...الناس الكلّ وقفت....ثمّ في النهاية همس:أنا سأستقبل البؤساء و أرحّب بهم... حين نرى حرارة استقباله للبؤساء نبتسم برغم الألم و الجراح.... لقد كادت أن تقع مشكلة حين أجلس بائس مع الوجهاء....لقد علموا أنّ التوهامي يتمسخر عليهم فكلّفوا من يطرده....و بعدها بلحظات التحقت به في المقهى و حكيت له ماذا فعل بي فوزي فسبّهم كلّهم....
مريم....أختي.... يا أعزّ الناس....آلام بحجم الجبال و أنا لا أجد من يساعدني على حملها...إنني أقاومها وحدي...فقط وحدي.... ربّما تنزل دمعة على خدّك من أجلي... مريم... لا تبك أبدا.... لأنني أكيد سأنتصر على آلامي و أحزاني...
مريم ...أختي... يا أعز الناس....ربّما انت تتسائلين مالذي تستطيعين ان تفعليه لأجلي... إنني كلّ ما أطلبه منك هو أن تبقين كما أنت الآن ... تتحدّثين معي ...تسألين عني.... تزورين بيتنا ....
سلامي إلى الغالي رامي
الرسالة الرابعة عشرة
....آلام بحجم الجبال...لكنني أقاوم...كم ينبغي أن يقاوم...أقاوم وحدي... آه يا وحدي... لا أحد معي... لا أحد لي...لماذا لا أموت...كرهت الحياة... كرهت أيامي الحزينة... لماذا لا أموت... أريد أن أموت...إنّها أمنيتي الأخيرة...
مريم ....اعذريني...سامحيني...إنّها حالة يأس و ملل... إنني أتعذّب... إنني أتألّم.....
أختي مريم...أكتب مباشرة بعد انتهاء مكالمتي الهاتفية معك...أنا لولا خوفي من أن أثقل عليك،ما قطعت مكالمتي معك ابدا....
منذ أيّام و أنا أفكّر في الكتابة لك عن عرس يوسف...افكّر و أتكاسل... انظري مريم أصبحت أتكاسل عن الكتابة إليك.... الآن لن أكتب لك عن عرس يوسف...سأكتب لك عن مصيبتنا الجديدة... من خلال تجربتي في الحياة ،تعلّمت أن تلافين ما بعد منتصف الليل،إمّا أن تكون من صمامة ناعس ، غلط في الرقم،و إمّا أن تكون من قريب يعلم بوفاة قريب و عندما رنّ جرس الهاتف حوالي الثالثة صباحا...دقّ قلبي في عنف ،و طلبت من ربّي أن يكون المتكلّم غالط في الرقم...رفعت السمّاعة،طلب المتكلّم أنادي أبي فنزلت الدموع على عيوني،أمّا أمّي فقد بقيت باهتة ثمّ مضت تبكي ثمّ صلّت ركعتين....لحظات قاسية ...دموع و ذكريات... كلّ أعمامي في تعاملهم معنا لا يعجبونني لكنّ عمّي الراحل هو أعزّهم إطلاقا.... هو الوحيد الذي زارنا غداة رحيل ليلي....أمّي طلبت أن نذهب فورا إلى سالمة....ذهبنا إليها لنعلمها أنّ والدها في حالة خطيرة ففهمت أنّه قد رحل فأغمي عليها ثمّ أفاقت باكية منتحبة ثمّ رجتنا أن نذهب بها فورا إلى المستشفى في مدنين...أمّا أهل زوج سالمة فقد كادوا يعطوننا طريحة لأننّا أتيناها بهذا الخبر المشؤوم في هذا الليل البهيم... يريدوننا أن نتركهم يشبعون بالنوم ثمّ صباحا نعلمهم....أظنّ أنني أصبحت أفهم لماذا كانت أمّي دائما تصرّ على الزواج من قريبة....لو كان أهل زوج سالمة أقرباء لنا ما غضبوا علينا ...سيشكروننا كثيرا...موت عمّي يقولون بأنّ ورائه إهمال طبّي ولا يريدون رفع قضيّة لأن الحاكم لن يعيد الحياة إلى عمّي....لأنّه سيبهذل جسد عمّي....لم يعجبني ذلك المنطق و تمنّيت لو قدّموا قضيّة...
ندمت شديد الندم لأنني لم ألق نظرة الوداع على عمّي... وقتها بررت موقفي بخوفي من المرض و برغبتي أن لا أصدّق بأنّ عمّي قد مات... برغبتي في أن يبقى عمّي كما عرفته قويّا بطلا لا نائما ضعيفا ،لا حول له و لا قوة....لقد كان آخر لقاء لي معه في تطاوين أمام بنك الإسكان ... لقد كان وقتها على غير عادته...منشرحا مازحا...لقد فضّلت أن تكون تلك الصورة ، صورته يبتسم و يضحك ،على صورته نائما ضعيفا لاحول له و لا قوّة ... إنّه قويّ صريح شجاع لا يعرف الخوف...لماذا مات... لقد مات و حزنت لموته ..رغم إنّه بالنسبة لي كان ميّتا من سنين....لأنّه لا يزورنا،كأنّه لا يعرفنا...أمّي تقول بأنّ كان يحبّنا كثيرا لكنّ زوجته الغريبة أفسدته بأكاذيبها....
مريم... أنا وحدي... ليس معي إلاّ أنت ...هاتفيني دائما.... سلامي إلى رامي.....
الرسالة الثالثة عشرة
كرهت الحياة و لم أعد أطيقها.... أريد الموت.... لماذا لا يجيء ملك الموت ليريحني... آسف يا مريم فأنا منذ العشيّة و آلام حادة تمزّقني... سخط على كلّ شيء في الحياة... آسف مريم يا ليتني تحدّيت الخجل و لبّيت طلبك في الذهاب معكم إلى رامي...فقط يا ليتني ذهبت معكم ....صدّقيني لم يمنعني شيء غير الخجل....
مريم ...اختي.... أعزّ الناس...سامحيني ...اعذريني ....إنّني خجول منك... خجول من طفولتي أمامك....مريم....إنني خائف من المستقبل...خائف أن تحطمني آلامي...في عرس يوسف كنت أضحك و أمرح و لم يجرح أحد أحاسيسي ....أمّا هنا عند عمّي فكما تعلمين أنا لا أطيق البقاء جالسا في مكان واحد و فوزي ابن الراحل عمّي ،حين رآني واقف مع مجموعة ،ظنّ أنني واقف هناك لأتفرّج على البنات فنهرني فانسحبت ،انسحبت في صمت و ذهبت إلى المقهى و بقيت هناك إلى أن وجدت وسيلة نقل....
مريم...أختي....عائلة عمّي خصوصا فوزي جعلوا من المأتم فرصة للتظاهر و التفاخر،حتّى في حضرة الموت لا يساوون بين البشر...المسؤول ذا الإسم العالي يستقبلونه بالأحضان و يجلسونه هناك على الزرابي و يسمحون له بقراءة القرآن...و الفقير التعيس لا يجد من يستقبله... كم أضحكني التوهامي الذي كلّف نفسه باستقبال البؤساء... كان في البداية حين يرى بائسا قادم...يهمس...إجلس...إجلس... بالحرام لا لاهي بك حد و لا عابي بيك حدّ.....أمّا حين يرى غنيّ قادم فيهمس...شوفوا...شوفوا...الناس الكلّ وقفت....ثمّ في النهاية همس:أنا سأستقبل البؤساء و أرحّب بهم... حين نرى حرارة استقباله للبؤساء نبتسم برغم الألم و الجراح.... لقد كادت أن تقع مشكلة حين أجلس بائس مع الوجهاء....لقد علموا أنّ التوهامي يتمسخر عليهم فكلّفوا من يطرده....و بعدها بلحظات التحقت به في المقهى و حكيت له ماذا فعل بي فوزي فسبّهم كلّهم....
مريم....أختي.... يا أعزّ الناس....آلام بحجم الجبال و أنا لا أجد من يساعدني على حملها...إنني أقاومها وحدي...فقط وحدي.... ربّما تنزل دمعة على خدّك من أجلي... مريم... لا تبك أبدا.... لأنني أكيد سأنتصر على آلامي و أحزاني...
مريم ...أختي... يا أعز الناس....ربّما انت تتسائلين مالذي تستطيعين ان تفعليه لأجلي... إنني كلّ ما أطلبه منك هو أن تبقين كما أنت الآن ... تتحدّثين معي ...تسألين عني.... تزورين بيتنا ....
سلامي إلى الغالي رامي
الرسالة الرابعة عشرة
....آلام بحجم الجبال...لكنني أقاوم...كم ينبغي أن يقاوم...أقاوم وحدي... آه يا وحدي... لا أحد معي... لا أحد لي...لماذا لا أموت...كرهت الحياة... كرهت أيامي الحزينة... لماذا لا أموت... أريد أن أموت...إنّها أمنيتي الأخيرة...
مريم ....اعذريني...سامحيني...إنّها حالة يأس و ملل... إنني أتعذّب... إنني أتألّم.....