
عزالدين، صديق أعرفه منذ ولادتي ، رجل مثقّف وصاحب مبدأ لم يتزعزع ، منذ عرفته وهو يدافع عن آرائه ومواقفه دون هوادة . لم يكن قط انتهازيًّا ، ولا ذليلاً ، كخاتم في يد أحد من رجال السّلطة ، رغم كل الظروف التي مرّ بها ، ومنذ كان إطارًا ساميًّا إلى أن أمسى شخصًا متواضعًا، لكنّه صريح لا يعرف النّفاق قلبه، وحتى غدا نكرة بين قرنائه المتلوّنين، كسير الخاطر مهيض الجناح ، ككل إطار نظيف لم تطل يده المال العام .قد أصبح الآن يعاني من التهميش، كأي مثقّف نزيه لديه عزّة نفس ، وأنفة ، ولا يقبل بالمساومة على المبادئ، وما فائدة الحياة الذّليلة في ظلّ مثل هذه المساومة.وكان بإمكانه أن يرتدي ثوب المهانة عند أول فرصة ،لكنّها النّفوس الرّاقية بطبعها تنفر من أكل المال الحرام.
- أيّ مواطنة، وأي عدل هذا الذي لا يفرّق بين مثقّف نزيه وإطار نظيف ، و جاهل فاسد يتسلّط عليه بما لديه من مال ؟ اا
وهل مرادنا أن نبني وطنًا بجلاميد ورؤوس فارغة ؟ا، أم بقلوب فاغرة؟ا ، ثم تعود علينا جميعًا بالفائدة؟ اا
- أيّ فائدة ترجى من وطن نحن أشبه ما نكون فيه بقطيع في غابة ترعاه ضباع شرسة لا تؤمن سوى بما تنهشه أنيابها من لحوم بشرية ودماء قانية ؟ اا
وأيّ بلد هذا الذي يُعاني مثقّفوه من الحقارة الزّائدة والتهميش ، في ظل الصّراع المقيت على السّلطة والذي يديره من أصحاب أموال فاسدين .
- هذه الأموال التي تريد أن تختزل الانسان كصورة وثقافة في رقم بسيط وتجعل منه سلعة رخيصة تباع وتشترى في الأسواق، تخضع لقوانين " العرض والطلب ".
- مثل هذه الأموال التي جعلت من الأشرار لصوصًا محترفين، لا يمكنها أن تمجّد الوطنيّة في عقول الأغبياء الجشعين.
- ليس ثمة قيمة أغلى من الانسان في الوجود ، ولا فرق بين مواطن وآخر سوى بالمبادئ التي من أجلها يُضحّي البعض بهناء عيشه واستقراره.
- اطمئن صديقي، فأمثالك لا يموتون، ولأن الموتى الحقيقيين هم الذين نواريهم في مقبرة الذاكرة.
والـمـالُ إنْ لـمْ تـدخرهُ مـحصناً *** بـالـعـلمِ كـــانَ نـهـايةَ الإملاقِ