في أعماق قلبي، حيث تلتقي الجراح والأمل، تنساب حياتي كأنه مشهد طويل، مليء بالذكريات المتناثرة كأوراق خريفية. أنا هنا، أعيش في لحظات أحيانًا كأنها سنوات، وفي بعض الأحيان أرى حياتي كأيام قليلة فقط، كأنني اخترقت الزمان والمكان دون أن أعي. من بيوتٍ قديمة، حظيت بها بحبٍ، أو ظلمٍ، ومن أيامٍ ضاعت فيها الحُلم مع الوجع، كنت أبحث دائمًا عن الحب، عن الأمان، عن تلك الكلمة الحلوة التي تهدئ القلب المضطرب.
كنت أشعر بأني غريبة في هذا العالم، وأحيانًا كنت أظن أنني ضائعة، تائهة بين أوجهٍ كثيرة. في طفولتي، كان هناك رفض مستمر، دائمًا ما كان “لا” هو الرد على كل رغبة، على كل حلم. لم أكن مثل باقي الأطفال، لا أعرف كيف أكون مثلهم، ولا كيف ألعب مثلهم، بل كنت أراهم من بعيد، وكل ما كنت أتمناه هو أن أكون مثلهم، أن أتمكن من أن أكون جزءًا من عالمهم، جزءًا من حياتهم الهادئة، ولكن “لا” كانت تلاحقني، ولا شيء سواها.
كبرتُ، وكبر الحلم، لكن هذا الحلم لم يتغير، ظل يقتات على تلك الكلمات الحلوة التي تذوب القلب، وكانت نفسي تتطلع إلى الأمان الذي لم أجده، إلى الحب الذي ما زلت أبحث عنه.
وكلما اقتربتُ من شخص ما، اكتشفت فجأة أنه مجرد سراب، أملٌ مزيف يذوب أمام أول اختبارٍ حقيقي. بين الخيبات، كنت أسعى للقبول، لذلك كنت أحاول أن أعيش الشخصيات التي لم أكن أنا، أن ألبس أقنعة حتى أجدني في عيون من حولي، حتى أكون “مقبولة”، “محبوبة”، لكن ما إن يزول القناع حتى تفضحني حقيقة نفسي، وتبقى نفسي الحقيقية وحدها، تبحث في الظلال عن الأمان.
لكن في رحلة طويلة من الألم والأمل، تعلمت شيئًا عميقًا. تعلمت أن الحب ليس مجرد كلمات جميلة تُقال، ولا هو مجرد لحظات عابرة تمر في حياتنا. الحب هو الأمان الذي نجده في أنفسنا أولًا، هو التفهم الذي نبنيه مع من حولنا. هو السلام الذي نصنعه بأنفسنا، بعد أن نحارب طويلًا مع الجروح التي تركها الآخرون فينا.
وأخيرًا، أدركت أن الحياة ليست مجرد بحث عن الكلمة الحلوة أو لمسة دافئة، بل هي رحلة من تعلم المحبة الحقيقية التي تبدأ بالسلام الداخلي، والاحترام لذاتنا، والمضي قدمًا في السعي لرفعة النفس والروح. الحياة تعلمنا أن نكون أقوياء في ظل ضعفاتنا، وأن نجد القوة في لحظات الضعف.
وفي لحظة الصفاء، بين ضجيج الحياة وصخبها، وجدت أن الحب الحقيقي يكمن في القدرة على أن نحب أنفسنا أولًا، وألا نخضع لضغوط الزمن أو آراء الآخرين. وجدت أنني أستحق الحب، وأنني أستحق أن أعيش كما أنا، بكل جوانحي، بكل تفاصيل قلبي، بكل أخطائي وتجاربي. فكل تجربة، سواء كانت قاسية أم جميلة، تعلمنا شيئًا عن أنفسنا.