رسالتي إلى الأديب الكلاسيكيّ

Spread the love

رسالتي إلى الأديب الكلاسيكيّ

( حول تأسيس مشروع الرياضيات الأدبية )

بقلم : أ.د. أحمد سلامة

مؤسس المشروع العربي لأدب الرياضيات ( الرياضيات الأدبية )

أستاذ الرياضيات وعلوم الحاسب  – كاتبٌ يرى أنّ الكلمة يمكن أن تكون معادلة، وأن المعادلة قد تكون أجمل حين تُكتب بروح شاعر وأديب .

أيّها الأديبُ الذي يكتبُ بالحبرِ النبيل¹ لا بالحبرِ السريع، سلامٌ عليكَ، وعلى أصابعِك التي ما زالتْ تُمسكُ بالقلمِ كما يُمسكُ العاشقُ بيدِ القصيدة، لا كما يُمسكُ التاجرُ بعقدٍ من كلمات.

أكتبُ إليكَ من الضفّةِ الرماديّة² التي تفصلُ بينَ المعنى والظنّ، بينَ العقلِ حينَ يتكبّرُ، والقلبِ حينَ يتواضع. من تلكَ المنطقةِ التي لا تُرى، حيثُ يبدأُ الفكرُ بعدَ أنْ ينتهي الكلام، وحيثُ يصبحُ الحبرُ صلاة³ على حوافِّ العجزِ الإنسانيّ.

لمْ أكتب «رواية النور الرماديّ»⁴ لأكسرَ القوالبَ القديمة، بلْ لأستعيدَ فيها روحَها الأولى⁵ قبلَ أنْ تُغلّفَها التكرارات. أردتُ أنْ أمدَّ يدي بينَ الكلاسيكيةِ الصافية⁶ والحداثةِ المتعبة⁷، لأصنعَ منهما مصالحة⁸ تُشبهُ الضوءَ حينَ يمرُّ عبرَ الغيم لا يُطفئُ ولا يُحرق، بلْ يُضيءُ بحكمةٍ رماديّة⁹ تليقُ بالبشرِ الباحثين عن اللهِ في ظلالِ أنفسهم.

أيّها الأديبُ الكلاسيكيّ،

أعرفُ شغفكَ بالبناءِ الصارم¹⁰ الذي لا يقبلُ ثغرةً، وبالجملةِ التي تكتملُ كالسيف، وبالمعنى الذي لا يعرفُ الحيرة. ولكنّ العالمَ تغيّر. نحنُ نكتبُ الآنَ على الحافة، ونبحثُ عن الجمالِ في الفراغ، عن اليقينِ في قلبِ السؤال. لقدْ صارَ الأدبُ الحديثُ لا يُعطي إجاباتٍ، بلْ يُعلّمُنا كيفَ نُصغي إلى الأسئلة الناضجة¹¹.

وروايتي هذه ليستْ تمرّدًا على الأصالة، بلْ دعوةٌ لإيقاظِها¹² من سباتها؛ ليستْ ثورةً على التراث¹³، بلْ حنينًا إلى جوهرِه¹⁴. أردتُ أنْ أجعلَ الحرفَ مِرآةً للوعي¹⁵، والوعيَ رحلةً إلى الله¹⁶، لا في صعودٍ متعجرفٍ نحوَ السماء، بلْ في انحناءةِ المتأمّل¹⁷ الذي يرى النورَ في الرماد.

لقدْ آمنتُ أنَّ الأدبَ الحقَّ¹⁸ لا يُكتبُ ليُعجبَ الناس، بلْ ليُطهّرَ الإنسانَ من غروره¹⁹. فالمعنى العظيمُ ليسَ في الكمالِ اللغويّ²⁰، بلْ في العجزِ النبيل²¹ عن الإحاطةِ بالكمالِ نفسِه.

أيّها الأديبُ المكرَّم، لا أطلبُ منك أنْ تهدمَ معابدَ البيان²² التي شيّدتَها، بلْ أنْ تفتحَ نافذة²³ تُطلُّ على الزمنِ الجديد.

دعِ النسمةَ الرماديّة²⁴ تدخلْ قليلًا؛ لعلّها تُنعشُ أزهارَك القديمةَ وتعيدُ إليها عبيرَها الأوّل. فالعظمةُ الأدبيّةُ ليستْ أنْ نحميَ الماضي منَ الحاضر، بلْ أنْ نحميَ الحاضرَ

منَ السقوطِ في العدم.

وإنْ كانَ «النور الرماديّ» يمدُّ يدَهُ إلى شيء، فهوَ إلى تلكَ اليدِ التي علّمتنا أنَّ الحرفَ عبادة²⁵، والفكرَ أمانة²⁶، والكتابةَ صلاةٌ خفيّة²⁷ بينَ القلبِ والله.

المعاني والإشارات

¹ الحبر النبيل: الكتابة المتأنية ذات المقصد الأخلاقي والجمالي.

² الضفّة الرماديّة: منطقة التوازن بين الأبيض والأسود؛ مجال النسبيّة الإنسانية.

³ الحبر صلاة: الكتابة كعبادة صامتة لله.

⁴ «النور الرماديّ»: رؤية متوازنة بين النور والظل.

روحها الأولى: استعادة صفاء الكلاسيكية الأصيلة.

الكلاسيكية الصافية: الجمال المنضبط والمنهج الراسخ.

الحداثة المتعبة: الفكر المجهد بالقطيعة.

مصالحة: التقاء العقل والإلهام.

حكمة رماديّة: البصيرة المتّزنة التي ترى الكل.

¹⁰ شغفك بالبناء الصارم: حب النظام والاتقان البلاغي.

¹¹ الأسئلة الناضجة: التساؤلات الهادية نحو وعي أعمق.

¹² دعوة لإيقاظ الأصالة: استعادة التراث بروح جديدة.

¹³ ثورة على التراث (منفية): تنبيه ضد الهدم غير الواعي.

¹⁴ حنين إلى الجوهر: العودة للمعنى لا للشكليات.

¹⁵ الحرف مرآة للوعي: اللغة كصورة للفكر.

¹⁶ رحلة إلى الله: مسار روحاني معرفي.

¹⁷ انحناءة المتأمّل: التواضع الفكري.

¹⁸ الأدب الحق: أدب المسؤولية والروح.

¹⁹ تطهير الغرور: تربية الأنا الكاتبة.

²⁰ الكمال اللغوي: الصناعة الشكلية غير الكافية.

²¹ العجز النبيل: إدراك حدّ الإنسان.

²² معابد البيان: كناية عن الأسلوب القديم الراسخ.

²³ فتح نافذة: تجديد لا قطيعة.

²⁴ النسمة الرماديّة: رمز للتوازن الهادئ.

²⁵ الحرف عبادة: نية خالصة في الكتابة.

²⁶ الفكر أمانة: مسؤولية فكرية وأخلاقية.

²⁷ الكتابة صلاة خفيّة: إبداع منسوج بالخشوع.

 

Related posts

Leave a Comment