[align=center]هل صحيحٌ أنَّ الإيجازَ هو البلاغة؟
الدكتور بكري شيخ أمين يرد على ذلك فيقول في مقدمة كتابه البلاغة العربية في ثوبها الجديد " علم المعاني "،
في تعريف البلاغة فيقول :
" البلاغة العربية تتمثلُ أولاً وأخيراً في النصوص المكتوبة أو الملفوظة وحدها. ونختلف رأيا ما رُوِيَ على لسان ابن المقفع حين سئل عن البلاغة فأجاب :
( البلاغة اسم يجري في وجوه كثيرة، منها ما يكون في السكون، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سجعاً ومنها ما يكون خُطًباً، وربما كانت رسائلَ، فعامَّةً ما يكونُ من هذه الأبواب، فالوحي فيها، والإشارة إلى المعنى أبلغ، والإيجاز هو البلاغة ).
كذلك نختلف وما جاء به ابن المعتز من أن البلاغة ( البلاغة هي البلوغ إلى المعنى، ولما يَطُلْ سًفَرُ الكلام. ).
ونخالفُ الخليلَ بنَ أحمدَ الفراهيدي الذي عرّف البلاغة بأنها ( ما قَرُب طرفاه، وبَعُد منتهاه. ).
السكوت بلاغة، والاستماع بلاغة، والإيجاز بلاغة...
إنا إذا ما أخذنا بهذه الأحكام جاز لنا أن نقول قياسا : المشي بلاغة، والأكل بلاغة، والشرب بلاغة، والضحك بلاغة، والصفير بلاغة، في بعض الحالات ...
أبداً هذا ليس بصحيح، إنا نستطيع أن ندعو تلك التصرفات " تكيفا " مع الموقف
أو " تلاؤما " مع الظرف، ونستطيع أن نطلق على أي اسم، أو صفة،
ولكن لا يمكن أن نسميها " بلاغة " .
والإيجاز كذلك .. إنه ما دام ينسرب في الكلام المحكّي أو المكتوب فقد يكون من البلاغة حيناً، ومن غير البلاغة حينا آخر .. وقد يكون الموجز مصيباً في موقف، وغيرَ مصيبٍ في موقفٍ آخرَ. ..
انظر إلى قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام إذ سأله : "
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى. }
طه( 17-18)
أو ليس اللهُ – جلَّ جلالُه – هو الذي خلق موسى، وخلق عصاه، ويعرف السبب من أجله حمل موسى عصاه ؟ إذن فلماذا كان السؤال أولاً ؟ ولماذا كانت هذه الإجابة المسهبة المفصّلة ؟ ألم يكن أولى بالسائل ألاّ يسأل، وبالمجيب أن يختصر، ولا سيما أنه في حضرة ملك الملوك، ومن يعرف الظاهر والباطن، والسرَ وأخفى؟ ألم يكن بعيداً عن البلاغة – في رأي ابن المقفع، وابن المعتز، ومن عرّ ف البلاغة بالإيجاز ؟
مخطئون هؤلاء القوم حين قَصَروا البلاغة على الإيجاز، دون قيد أو شرط، لأنهم نسوا أن الإيجاز عيب حين يكون الحبيبُ مع الحبيب، وحين تحلو النجوى، ويلّذ الحديث، وتطيب المناجاة . وهل كان موسى – عليه السلام – إلّا محبّاً أو حبيباً في آن واحد ؟ وهل أحبّ إليه من هذا الموقف الرائع يسأله حبيبه الذي فضله بالرسالة، واصطفاه واجتباه ؟ ويجيبه موسى يفصل له، ويشرح ... وموسى إن لم يسهب في مثل هذا الموقف، فأين يحسن الإسهاب، ويُستحب الشرح والتفصيل ؟
عبثٌ إذن أن نقول : السكوت بلاغة، والاستماع بلاغة، والإيجاز بلاغة وأمثال هذه الأقوال، لأن للظروف أحكامها، وللمواقف متطلباتها .والبلاغة الحق، إضافة إلى كونها المكتوب أو المسموع، هي التي تقدر الظروف، والمواقف، وتعطي كل ذي حق حقه، سواء أكانت شعراً أم نثراً، مقالاً أم قصةً، مسرحيةً أم حكاية، مديحاً أم هجاءً، غَزَلاً أم استعطافاً ..."
[/align]
الدكتور بكري شيخ أمين يرد على ذلك فيقول في مقدمة كتابه البلاغة العربية في ثوبها الجديد " علم المعاني "،
في تعريف البلاغة فيقول :
" البلاغة العربية تتمثلُ أولاً وأخيراً في النصوص المكتوبة أو الملفوظة وحدها. ونختلف رأيا ما رُوِيَ على لسان ابن المقفع حين سئل عن البلاغة فأجاب :
( البلاغة اسم يجري في وجوه كثيرة، منها ما يكون في السكون، ومنها ما يكون في الاستماع، ومنها ما يكون شعراً، ومنها ما يكون سجعاً ومنها ما يكون خُطًباً، وربما كانت رسائلَ، فعامَّةً ما يكونُ من هذه الأبواب، فالوحي فيها، والإشارة إلى المعنى أبلغ، والإيجاز هو البلاغة ).
كذلك نختلف وما جاء به ابن المعتز من أن البلاغة ( البلاغة هي البلوغ إلى المعنى، ولما يَطُلْ سًفَرُ الكلام. ).
ونخالفُ الخليلَ بنَ أحمدَ الفراهيدي الذي عرّف البلاغة بأنها ( ما قَرُب طرفاه، وبَعُد منتهاه. ).
السكوت بلاغة، والاستماع بلاغة، والإيجاز بلاغة...
إنا إذا ما أخذنا بهذه الأحكام جاز لنا أن نقول قياسا : المشي بلاغة، والأكل بلاغة، والشرب بلاغة، والضحك بلاغة، والصفير بلاغة، في بعض الحالات ...
أبداً هذا ليس بصحيح، إنا نستطيع أن ندعو تلك التصرفات " تكيفا " مع الموقف
أو " تلاؤما " مع الظرف، ونستطيع أن نطلق على أي اسم، أو صفة،
ولكن لا يمكن أن نسميها " بلاغة " .
والإيجاز كذلك .. إنه ما دام ينسرب في الكلام المحكّي أو المكتوب فقد يكون من البلاغة حيناً، ومن غير البلاغة حينا آخر .. وقد يكون الموجز مصيباً في موقف، وغيرَ مصيبٍ في موقفٍ آخرَ. ..
انظر إلى قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام إذ سأله : "
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى. }
طه( 17-18)
أو ليس اللهُ – جلَّ جلالُه – هو الذي خلق موسى، وخلق عصاه، ويعرف السبب من أجله حمل موسى عصاه ؟ إذن فلماذا كان السؤال أولاً ؟ ولماذا كانت هذه الإجابة المسهبة المفصّلة ؟ ألم يكن أولى بالسائل ألاّ يسأل، وبالمجيب أن يختصر، ولا سيما أنه في حضرة ملك الملوك، ومن يعرف الظاهر والباطن، والسرَ وأخفى؟ ألم يكن بعيداً عن البلاغة – في رأي ابن المقفع، وابن المعتز، ومن عرّ ف البلاغة بالإيجاز ؟
مخطئون هؤلاء القوم حين قَصَروا البلاغة على الإيجاز، دون قيد أو شرط، لأنهم نسوا أن الإيجاز عيب حين يكون الحبيبُ مع الحبيب، وحين تحلو النجوى، ويلّذ الحديث، وتطيب المناجاة . وهل كان موسى – عليه السلام – إلّا محبّاً أو حبيباً في آن واحد ؟ وهل أحبّ إليه من هذا الموقف الرائع يسأله حبيبه الذي فضله بالرسالة، واصطفاه واجتباه ؟ ويجيبه موسى يفصل له، ويشرح ... وموسى إن لم يسهب في مثل هذا الموقف، فأين يحسن الإسهاب، ويُستحب الشرح والتفصيل ؟
عبثٌ إذن أن نقول : السكوت بلاغة، والاستماع بلاغة، والإيجاز بلاغة وأمثال هذه الأقوال، لأن للظروف أحكامها، وللمواقف متطلباتها .والبلاغة الحق، إضافة إلى كونها المكتوب أو المسموع، هي التي تقدر الظروف، والمواقف، وتعطي كل ذي حق حقه، سواء أكانت شعراً أم نثراً، مقالاً أم قصةً، مسرحيةً أم حكاية، مديحاً أم هجاءً، غَزَلاً أم استعطافاً ..."
[/align]
تعليق