حلمٌ على جسر البوسفور

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • إيمان الدرع
    نائب ملتقى القصة
    • 09-02-2010
    • 3576

    حلمٌ على جسر البوسفور

    حلمٌ على جسر البوسفور
    ****************************************
    قال لي : سنسافر..أعدّي حقائب السفر، لم يبقَ في أوطاننا ظلّ لنا، لا شجر، لا قمر..لاشحارير تنقر نوافذنا..لم يعد شيء يغرينا بالبقاء..حتى الخبز له طعم مرارة لا تحتمل..
    مثخنة القلب كنتُ.تصرخ الآلام بي لا تتردّدي...فالغربة صارت واحدة: هنا..هناك..لافرق بين بوابات الحزن، وإن اختلف اتساعها، فلنغيّر ريشة الألوان، وظلالها الباهتة، ولنحاول أن نرسم لوحة من أمانينا المحترقة، قبل أن تصير رماد حزن...لنجرّب أن نلقي بمواجعنا، على ضفاف البوسفور...علّ موجاته تبعثر العبرات فوق رمال صاخبة، لا تعرف النوم.
    سمعته يحدّد موعداً لاستلام عربون المزرعة من الشاري..عند الثامنة من مساء اليوم...ليتفقا على بقية التفاصيل...
    هناك ألم كالمخدر، يقتل الحواس، والمشاعر، ويقطع صلته بضجيج أوردة الحياة، واستمراريتها، فيقذف اليمّ القارب المثقوب حيث يشاء,,,من غير مقاومة..حدّ الغرق.
    نظرت إلى وجهه..ثمة غلالة من دمع تكسو مآقيه..يحاول ألا تسّاقط، فيعتريه ضعف يثنيه عن قراره الحاسم، أما أنا...فاستعرت قمم الجليد، أكسو بها ملامحي، كي أسير معه، حيث شاءت لنا الأقدار...وقد آن الأوان..كي نستريح من تفاصيل كابوس مرعب..أحال أيامنا كأس علقم..، ممجوج المذاق.
    .فليكن ... قلتُ في نفسي..كلّ الأحبة هاجروا، والأصدقاء صاروا بقايا صور...والسكون غلّف الشوارع..وختمها بشمعٍ، من صمت الفراغ..والوحدة..والنسيان..
    ...وقبيل الغروب..اقترحتُ عليه أن نقصد المزرعة للمرة الأخيرة، نودعها ونخطو فوقها خطواتنا التذكارية، مثل عدسة كاميرا..توثّق ساعة الفراق..في ليلة غارقة بالعتم..بين بائع، ومشترٍ...وقلب يضيع، يتعثّر..
    ترجّلنا من السيارة...صرير الباب الحديدي الكبير..أشبه بنايٍ جريح...كأنه استشعر مراسم وداعنا..
    .قطعنا المدخل الواسع الذي يفضي إلى الأرض الترابية الكبيرة، المشجّرة، تطأ أقدامنا الأوراق الصفراء المتراكمة، فيصدر عنها رائحة رطوبة مزمنة ...يا الله ألهذا الحدّ نسينا المكان...!!الأشجار عشوائية الأغصان، من فترة طويلة لم تشذّب، أكوام الحطب متناثرة هنا، وهناك...وبعض أشجار تقف عارية ، متيبّسة، وسط الصقيع، نسيها الزمن، ولم تعد تصلح إلا أن تكون قربانا يحترق، في مواقد الشتاء الباردة..
    طلبت إليه أن يعدّ كأس شاي على الحطب..بالطريقة التي أحبها...فانشغل بجمع الأغصان اليابسة، يكسرها، يراكمها فوق بعضها، و يلقمها بأعواد صغيرة في خوافيها، تساعدها على الاشتعال..
    بينما رحت أتنقّل بين الغرف القديمة..ذات الأعمدة الخشبية، المتقاطعة في السقف، تيك الغرف التي شهدت ْ أحلى ذكرياتنا، المصفوفة بشكل متتابعٍ، والتي تتواصل من الداخل، بنوافذَ مفتوحة على بعضها ..بين جدرانها السميكة، المقاومة للزمن، .. كأنها تتدفّأ ببعضها بعضاً...
    هنا الأواني التي كنا نستخدمها في تحضير القهوة، واللقيمات الطيبة، وحفلات الشواء المرحة التي نصطحب فيها الأهل، والأصحاب.
    على هذه الأرض هنا ... هنا تماما ..كم افترشنا الثرى..!!!.نتوزّع على امتدادها...على هذه البسط العتيقة..الملقيّة الآن بإهمال تشكو الضجر، تعلوها الغبار...كنا فوقها.ننثر أطباق الفطور الشهية أيام الإجازات...
    هنا توضّع أثاث بسيط، لم نكن نشعر بأن ألوانه صارت باهتة، لفرط سعادتنا، وساعات مرحنا، وضحكات كانت لا تعتمد على فخامة المظهر..كالذي تنوء بأحماله بيوتنا الفارهة.
    ...هنا قنديل، هنا خرطوم سقي، هنا دلو بئر، وقربه عدة الزراعة، والقطاف، والحصاد..وسلال فارغة تنتظر عطاء المواسم...
    أسمع الآن ضحكات الأطفال، وهم يتراشقون الماء في مسبح صغير..معدّ للسقاية، تظلّله شجرة توت ثخينة الجذع، كثيفة الأغصان، شهية الثمار..
    وهنا رجع أغنيات، ودبكات لأصدقاء أولادي حين يدعونهم لقضاء أوقات جميلة معهم.
    .يرنّ الآن في أذني صوت الكبار الذين رحلوا عن عالمنا...وسكنوا أثير النور...وأورثونا هذه الأرض بمواثيق عشق مقدس، تحمل أنفاسهم التي ما زالت تردّد في هذا المكان.
    قدّم إليّ كأس شاي ساخن...تأملته بين صورتين... نفس الكأس الذي قدمه لي..عندما كنا في بداياتنا...وأنا أترنّح متعبة من إرهاق الحمل ..ماشية مراراً... أتأبّط ساعده إلى حيث هنا..أستعدّ لاستقبال مولودي الجميل.. وبين صورته الآن ...متعب مثلي أنت يارفيق العمر..تعب المشوار. وطارت عصافير الدار....وما زلنا نبحث عن الراحة الأكبر... وكم هي ضنينة..!!
    تنقّلتُ بين الأشجار المتنوعة بين تين، وجوز، ومشمش، وعنب، ورمان، وزيتون....كم أكلنا من خيرات هذه الأرض...ووزّعنا غلالها على الأهل، والأصحاب...تضحك مواسم القطاف فيها...بطقوس تشبة لمّة الأعياد... ونحن نهدي سلال رزق السماء قائلين: تذوقوها.. فإنّ فاكهة الدار.. تطيل الأعمار..
    بكيت من جحودنا.....اليوم ستصير غلالها في يدٍ غريبة، ستطرح ثمارها في يدٍ خشنة ..ربما تقتلعها يوماً...تدوسها..يخترقها منشار شرس الفكّ، .يحيلها إلى حطبٍ، يحترق، ويحرق معه الذكريات..
    .فلقد استشفّيت من حديث الشاري بأن لديه مشروع بناء ضخم في هذا المكان المميز..المطلّ على شارع (بيروت)، قرب محطة القطار، عند مفرق (الهامة).....حيث كان الطريق هنا لايهدأ ، أضواء السيارات تكاشف أرصفته، و تقلق راحة شبابيك البيوت، بضجيج العجلات، والأبواق التي تنفلت بين حين، وحين ٍ..حتى الصباح.
    .و حيث كان قطار السكة الحديدية بصوته المحبّب.. وبخاره الأنيس، يقطع بمرحٍ، الخطّ الواصل بين دمشق، ومصايف (وادي بردى)، و(الزبداني)...وما يتفرع عنها من بلدات مضيئة كالجمان...قبل أن تحطّ الغربان السود على أغصاننا.
    تتالت الصور في قلبي، وتزاحمت الأصوات، ووهج نار الحطب يشعل في الروح دفئاً يقتل الصقيع. ذاك الصقيع الذي لن تطفئه ألف نار في مواقد الغربةا...غربة الروح، والجسد، والوجوه، والدم...واللسان....
    لست أدري كيف انفلتت عن لساني صرخة خرجت من عقالها:....لااااااااااا ..لن نبيع...قل لهم لن نبيع...هنا باقون...هنا ولدنا...وهنا المثوى الأخير..
    ــــ شلّتْ ردة الفعل لسانه...ماذا؟؟ كيف؟؟؟ هاهو على الخط يطلبني لتأكيد الموعد...بماذا أجيب...؟!
    قل له: ــــ ...هنا أرض الكرام..والكريم لا يهين أرضه...والعصافير سوف تؤوب يوما إلى تيك الديار..وتستلم عنا مواثيق العهود.
    أجابني: وقد انفرجت أسارير قلبه، والتمعتْ حدقتاه ببريق الرضا، وكأنني قلت عنه ماتنوء به ذاته: ـــ ومشروع السفر...!!!
    ــ دعه .حلماً يروي عن مجانين عشاق الشام، قصص حبّ لاتنتهي...دعه حلماً معلّقاً على جسر البوسفور...يتأرجح مع موج البحر، بين مدّ، وجزر، ...ثم يذهب جفاء كالزبد.

    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود
  • نورالدين لعوطار
    أديب وكاتب
    • 06-04-2016
    • 712

    #2
    عودة جميلة تحيي التعلق بالمكان بالأرض بالحياة بالتاريخ، إنه الاتحاد مع التراب وعشق الأصول، إنه الانصهار في تلاوين الطبيعة من شجر وعشب وزهر وثمر، إنه إحياء للطقوس الجميلة التي تكشف عن طبعنا المحب المتماهي مع البساطة، إنه الرفض للتهجير والغربة والاغتراب، إنه صدّ لهذه الآلة الوحشية التي تفرغنا من تعلقنا بالمكان والذاكرة والطباع، إنها قصة تحكي لوعة الشام ودموع الفرات، وآهات الرافدين، وصلني الصدى والأنين على ضفة المحيط الأطلنتي، نشعر أنها مكنسة عملاقة تريد تبديل الأرض غير الأرض والأهل غير الأهل، تجرفنا نحو المجهول، نحو أفق غامض تتراءى قتامته من بعيد، أيتها الأصيلة استمتعت بجمال متدفق من قلب النزيف.

    شكرا وشكرا لا تكفي ولا تفي

    تعليق

    • ربيع عقب الباب
      مستشار أدبي
      طائر النورس
      • 29-07-2008
      • 25792

      #3
      جئت ركضا مشنوطا بالاسم الرزين إيمان الدرع و العنوان المثير الذي هتك أسراب ذاكرتي الهاجعة فأطار صوابها فانسلت كجيوش من نحلات
      ياللطنين القديم و خميرة البناء التي غدت أرغفة غذت جموحنا و عشقنا للحياة و كشف أغوار العالم
      ليس أمامي سوى التراجع قليلا حتى تجف تيك الدموع التي تسربت برغمي على وطأة الاثقال و الحزن العميق الذي يجتاج الكلمات و المشاعر والذكريات الحية !

      لي عودة لابد منها فاسمحي لي إيمان !
      sigpic

      تعليق

      • فوزي سليم بيترو
        مستشار أدبي
        • 03-06-2009
        • 10949

        #4
        صرير الباب الحديدي الكبير..أشبه بنايٍ جريح...كأنه استشعر مراسم وداعنا .
        والعصافير التي بنت أعشاشها في قلب خيال المآتة استشعرت مراسم عودته للحياة
        انفرجت أسارير قلبه، والتمعتْ حدقتاه ببريق الرضا،
        وكأن مشروع السفر قد بات حلما يُروى .


        سوريا يا حبيبتي
        سوف تعود لنضارتها قريبا
        تحياتي أختنا إيمان الدرع
        رغم حزني الشديد ، فإن هذا النص البديع قد رفع من معنوياتي
        سلام ومحبة
        فوزي بيترو

        تعليق

        • سعد الأوراسي
          عضو الملتقى
          • 17-08-2014
          • 1753

          #5
          أهلا بالأستاذة ايمان ..
          نعم هي هذه ، حين تتجاوز علاقة الرجل بالمرأة المستهلك المقيد الخارج عن حدود ثقافتنا وقواعد المعهود ..
          الاحتلال والحروب وفوضى الخراب والدمار والتسلط ، لا تعطي الحق في أبدية قهر الآخر، وتلك مهمة مثل هذه الأقلام الحرة والصادقة في انتسابها وتشبثها ، وقد استدعت الأرض ووظفت التراث فنيا ودلاليا إل أن أحسستُ كقارئ أن المطلوب مرتبط بالعرض ..
          لن أطيل حتى لا أفسد هذا السحر في نظام التعبئة ، فمرونة تعبيرك الانساني الصّادق سيدتي ترجمت الاعتزاز في السلوك والمكان ، فتلاشت الحاجة للتفسير ..
          فقط أشكرك لأنك كنت السبب في عودة قامة أدبية نحترمها ونعتز بتواجدها ، فلك وللأستاذ الكبير ربيع عقب الباب تحية خاصة من قاموس الأحرار .

          تعليق

          • ريما ريماوي
            عضو الملتقى
            • 07-05-2011
            • 8501

            #6
            نهاية جميلة تقشعر البدن وترغرغ العيون،
            تلك الاديبة الرائعة كما عهدتها نجمتي المفضلة ايمان الدرع،
            كنت اعرف نك ستبكيني رغم القفلة الجميلة جدا، ربنا
            يفرجها على سوريا الحبيبة، وسنبقى متمسكين بالارض،
            ان شاء الله مهما حاول الظلاميون طردنا منها بكل
            الاساليب.

            دمت وهذا القلم المؤثر..

            احترامي وتقديري.


            أنين ناي
            يبث الحنين لأصله
            غصن مورّق صغير.

            تعليق

            • عبدالرحمن السليمان
              مستشار أدبي
              • 23-05-2007
              • 5434

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
              ــ دعه .حلماً يروي عن مجانين عشاق الشام، قصص حبّ لاتنتهي...دعه حلماً معلّقاً على جسر البوسفور...يتأرجح مع موج البحر، بين مدّ، وجزر، ...ثم يذهب جفاء كالزبد.
              الأستاذة الفاضلة إيمان الدرع،

              أهنئك على هذه القصة المتينة التي نادرًا ما يقرأ الباحث عن أدب رفيع في الشبكة مثلها صنعةً، فضلاً عن الموضوع النبيل الذي يلامس شغاف القلب، حيث يقيمُ الوطن. وسواء أكنا على ضفاف بردى أو البوسفور، أو الفرات أو الراين، فإن الوطن الساكن شغاف القلب لا خوفَ عليه، وإن المهاجر الذي يحمل في قلبه الوطنَ، مُقيمٌ لم يبرح مكانه.

              أعادني وصفك للمزرعة إلى زمن الطفولة، إلى مزرعتنا، وتعلمتُ أن اليد الذي بنت المزرعتين واحدة، وأن الأرض التي تأبى إلا أن تقيم في شغاف القلب واحدة، وأن شعبها واحد، وسيعود واحدًا بعد تطهيرها من الخونة، ومن شذاذ الآفاق.

              تحياتي الطيبة أستاذتي الكريمة، مع دعاء بأن يحفظ الله ما تبقى من سوريا، ومَن بقي فيها من أهلها.
              عبدالرحمن السليمان
              الجمعية الدولية لمترجمي العربية
              www.atinternational.org

              تعليق

              • عائده محمد نادر
                عضو الملتقى
                • 18-10-2008
                • 12843

                #8
                والأخبار أبدا لا تسر
                وتبكي العين قبل القلب الدامي حينا
                وحينا ينزف القلب دمعه وعلى طريقته الموجعة
                وخزات الألم لم تبارحني منذ أمس وأخباركم تصلني وتوجع الانسانة في وأمني النفس أن الله لابد وسيبعث برسل السلام لأرض المحبة سورية وأهلها الكرام.
                كوني بخير وانزفي الحرف واهملي الدمع المدرار عزيزتي فليس بيدي سوى الدعاء والدمع
                محبتي لك ولكل أهلنا هناك
                الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                تعليق

                • دينا نبيل
                  أديبة وناقدة
                  • 03-07-2011
                  • 732

                  #9
                  الأديبة الرائعة والأم الحنون إيمان الدرع
                  اشتقت كثيرا لقراءة ما تكتبين .. إلى الكلمات التي تختلط بوجع وألم اجيال كاملة بل وامة تقف مذلولة مكتوفو الأيدي
                  اعجبتني اللغة الشغيفة الناضحة بالوجع .. ومعالجة الشخصيات بصراعاتها الداخلية والخارجية
                  تمنياتي لك لكل ألق

                  تعليق

                  • إيمان الدرع
                    نائب ملتقى القصة
                    • 09-02-2010
                    • 3576

                    #10
                    المشاركة الأصلية بواسطة نورالدين لعوطار مشاهدة المشاركة
                    عودة جميلة تحيي التعلق بالمكان بالأرض بالحياة بالتاريخ، إنه الاتحاد مع التراب وعشق الأصول، إنه الانصهار في تلاوين الطبيعة من شجر وعشب وزهر وثمر، إنه إحياء للطقوس الجميلة التي تكشف عن طبعنا المحب المتماهي مع البساطة، إنه الرفض للتهجير والغربة والاغتراب، إنه صدّ لهذه الآلة الوحشية التي تفرغنا من تعلقنا بالمكان والذاكرة والطباع، إنها قصة تحكي لوعة الشام ودموع الفرات، وآهات الرافدين، وصلني الصدى والأنين على ضفة المحيط الأطلنتي، نشعر أنها مكنسة عملاقة تريد تبديل الأرض غير الأرض والأهل غير الأهل، تجرفنا نحو المجهول، نحو أفق غامض تتراءى قتامته من بعيد، أيتها الأصيلة استمتعت بجمال متدفق من قلب النزيف.

                    شكرا وشكرا لا تكفي ولا تفي
                    لست أدري يا أديبنا الكبير نور الدين
                    من منا عليه أن يشكر الآخر؟!
                    وقد استجلبت كل هذه الدرر في حروفك..
                    وقرأت النص بعين عارف يدرك الإمساك بتلابيب مشاعر الكاتب حين كان يطرح مواجعه عبر نص يحاكي وجعه؟؟
                    ألف شكر لك ..نعم كل شيء زائل ويبقى الوطن.
                    مودتي الكبيرة...

                    تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                    تعليق

                    • إيمان الدرع
                      نائب ملتقى القصة
                      • 09-02-2010
                      • 3576

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة ربيع عقب الباب مشاهدة المشاركة
                      جئت ركضا مشنوطا بالاسم الرزين إيمان الدرع و العنوان المثير الذي هتك أسراب ذاكرتي الهاجعة فأطار صوابها فانسلت كجيوش من نحلات
                      ياللطنين القديم و خميرة البناء التي غدت أرغفة غذت جموحنا و عشقنا للحياة و كشف أغوار العالم
                      ليس أمامي سوى التراجع قليلا حتى تجف تيك الدموع التي تسربت برغمي على وطأة الاثقال و الحزن العميق الذي يجتاج الكلمات و المشاعر والذكريات الحية !

                      لي عودة لابد منها فاسمحي لي إيمان !
                      شرف كبير كلماتك
                      وسعادة لاتوصف تيك العبارات التي غدت بصمة متفرّدة لأستاذي الربيع
                      حين يخطو بقامته العالية..بين بعثرة السطور فيلملمها
                      وبين دمعات منسربة رغماً.. فيكفكها..
                      دمت صرحاً أدبياً نقتدي به أديبنا الروائي الكبير: ربيع عقب الباب
                      كم تبهجني عودة للنص تثريه..وتمنحه ألقاً وبعداً..؟!
                      مودتي الكبيرة وامتناني.

                      تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                      تعليق

                      • محمد فطومي
                        رئيس ملتقى فرعي
                        • 05-06-2010
                        • 2433

                        #12
                        نصّ مؤثّر جدّا راوح مراوحة فاتنة بين الشّجن والقهر المطلق وبين الأمل في أحلى تجلّياته ألا وهي التحدّي والإصرار والمقاومة حتّى آخر رمق.تحيّة لك إيمان محبّتي لك ولسوريا العزيزة
                        مدوّنة

                        فلكُ القصّة القصيرة

                        تعليق

                        • محمد عبد الغفار صيام
                          مؤدب صبيان
                          • 30-11-2010
                          • 533

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة إيمان الدرع مشاهدة المشاركة
                          حلمٌ على جسر البوسفور
                          ****************************************
                          قال لي : سنسافر..أعدّي حقائب السفر، لم يبقَ في أوطاننا ظلّ لنا، لا شجر، لا قمر..لاشحارير تنقر نوافذنا..لم يعد شيء يغرينا بالبقاء..حتى الخبز له طعم مرارة لا تحتمل..
                          مثخنة القلب كنتُ.تصرخ الآلام بي لا تتردّدي...فالغربة صارت واحدة: هنا..هناك..لافرق بين بوابات الحزن، وإن اختلف اتساعها، فلنغيّر ريشة الألوان، وظلالها الباهتة، ولنحاول أن نرسم لوحة من أمانينا المحترقة، قبل أن تصير رماد حزن...لنجرّب أن نلقي بمواجعنا، على ضفاف البوسفور...علّ موجاته تبعثر العبرات فوق رمال صاخبة، لا تعرف النوم.
                          سمعته يحدّد موعداً لاستلام عربون المزرعة من الشاري..عند الثامنة من مساء اليوم...ليتفقا على بقية التفاصيل...
                          هناك ألم كالمخدر، يقتل الحواس، والمشاعر، ويقطع صلته بضجيج أوردة الحياة، واستمراريتها، فيقذف اليمّ القارب المثقوب حيث يشاء,,,من غير مقاومة..حدّ الغرق.
                          نظرت إلى وجهه..ثمة غلالة من دمع تكسو مآقيه..يحاول ألا تسّاقط، فيعتريه ضعف يثنيه عن قراره الحاسم، أما أنا...فاستعرت قمم الجليد، أكسو بها ملامحي، كي أسير معه، حيث شاءت لنا الأقدار...وقد آن الأوان..كي نستريح من تفاصيل كابوس مرعب..أحال أيامنا كأس علقم..، ممجوج المذاق.
                          .فليكن ... قلتُ في نفسي..كلّ الأحبة هاجروا، والأصدقاء صاروا بقايا صور...والسكون غلّف الشوارع..وختمها بشمعٍ، من صمت الفراغ..والوحدة..والنسيان..
                          ...وقبيل الغروب..اقترحتُ عليه أن نقصد المزرعة للمرة الأخيرة، نودعها ونخطو فوقها خطواتنا التذكارية، مثل عدسة كاميرا..توثّق ساعة الفراق..في ليلة غارقة بالعتم..بين بائع، ومشترٍ...وقلب يضيع، يتعثّر..
                          ترجّلنا من السيارة...صرير الباب الحديدي الكبير..أشبه بنايٍ جريح...كأنه استشعر مراسم وداعنا..
                          .قطعنا المدخل الواسع الذي يفضي إلى الأرض الترابية الكبيرة، المشجّرة، تطأ أقدامنا الأوراق الصفراء المتراكمة، فيصدر عنها رائحة رطوبة مزمنة ...يا الله ألهذا الحدّ نسينا المكان...!!الأشجار عشوائية الأغصان، من فترة طويلة لم تشذّب، أكوام الحطب متناثرة هنا، وهناك...وبعض أشجار تقف عارية ، متيبّسة، وسط الصقيع، نسيها الزمن، ولم تعد تصلح إلا أن تكون قربانا يحترق، في مواقد الشتاء الباردة..
                          طلبت إليه أن يعدّ كأس شاي على الحطب..بالطريقة التي أحبها...فانشغل بجمع الأغصان اليابسة، يكسرها، يراكمها فوق بعضها، و يلقمها بأعواد صغيرة في خوافيها، تساعدها على الاشتعال..
                          بينما رحت أتنقّل بين الغرف القديمة..ذات الأعمدة الخشبية، المتقاطعة في السقف، تيك الغرف التي شهدت ْ أحلى ذكرياتنا، المصفوفة بشكل متتابعٍ، والتي تتواصل من الداخل، بنوافذَ مفتوحة على بعضها ..بين جدرانها السميكة، المقاومة للزمن، .. كأنها تتدفّأ ببعضها بعضاً...
                          هنا الأواني التي كنا نستخدمها في تحضير القهوة، واللقيمات الطيبة، وحفلات الشواء المرحة التي نصطحب فيها الأهل، والأصحاب.
                          على هذه الأرض هنا ... هنا تماما ..كم افترشنا الثرى..!!!.نتوزّع على امتدادها...على هذه البسط العتيقة..الملقيّة الآن بإهمال تشكو الضجر، تعلوها الغبار...كنا فوقها.ننثر أطباق الفطور الشهية أيام الإجازات...
                          هنا توضّع أثاث بسيط، لم نكن نشعر بأن ألوانه صارت باهتة، لفرط سعادتنا، وساعات مرحنا، وضحكات كانت لا تعتمد على فخامة المظهر..كالذي تنوء بأحماله بيوتنا الفارهة.
                          ...هنا قنديل، هنا خرطوم سقي، هنا دلو بئر، وقربه عدة الزراعة، والقطاف، والحصاد..وسلال فارغة تنتظر عطاء المواسم...
                          أسمع الآن ضحكات الأطفال، وهم يتراشقون الماء في مسبح صغير..معدّ للسقاية، تظلّله شجرة توت ثخينة الجذع، كثيفة الأغصان، شهية الثمار..
                          وهنا رجع أغنيات، ودبكات لأصدقاء أولادي حين يدعونهم لقضاء أوقات جميلة معهم.
                          .يرنّ الآن في أذني صوت الكبار الذين رحلوا عن عالمنا...وسكنوا أثير النور...وأورثونا هذه الأرض بمواثيق عشق مقدس، تحمل أنفاسهم التي ما زالت تردّد في هذا المكان.
                          قدّم إليّ كأس شاي ساخن...تأملته بين صورتين... نفس الكأس الذي قدمه لي..عندما كنا في بداياتنا...وأنا أترنّح متعبة من إرهاق الحمل ..ماشية مراراً... أتأبّط ساعده إلى حيث هنا..أستعدّ لاستقبال مولودي الجميل.. وبين صورته الآن ...متعب مثلي أنت يارفيق العمر..تعب المشوار. وطارت عصافير الدار....وما زلنا نبحث عن الراحة الأكبر... وكم هي ضنينة..!!
                          تنقّلتُ بين الأشجار المتنوعة بين تين، وجوز، ومشمش، وعنب، ورمان، وزيتون....كم أكلنا من خيرات هذه الأرض...ووزّعنا غلالها على الأهل، والأصحاب...تضحك مواسم القطاف فيها...بطقوس تشبة لمّة الأعياد... ونحن نهدي سلال رزق السماء قائلين: تذوقوها.. فإنّ فاكهة الدار.. تطيل الأعمار..
                          بكيت من جحودنا.....اليوم ستصير غلالها في يدٍ غريبة، ستطرح ثمارها في يدٍ خشنة ..ربما تقتلعها يوماً...تدوسها..يخترقها منشار شرس الفكّ، .يحيلها إلى حطبٍ، يحترق، ويحرق معه الذكريات..
                          .فلقد استشفّيت من حديث الشاري بأن لديه مشروع بناء ضخم في هذا المكان المميز..المطلّ على شارع (بيروت)، قرب محطة القطار، عند مفرق (الهامة).....حيث كان الطريق هنا لايهدأ ، أضواء السيارات تكاشف أرصفته، و تقلق راحة شبابيك البيوت، بضجيج العجلات، والأبواق التي تنفلت بين حين، وحين ٍ..حتى الصباح.
                          .و حيث كان قطار السكة الحديدية بصوته المحبّب.. وبخاره الأنيس، يقطع بمرحٍ، الخطّ الواصل بين دمشق، ومصايف (وادي بردى)، و(الزبداني)...وما يتفرع عنها من بلدات مضيئة كالجمان...قبل أن تحطّ الغربان السود على أغصاننا.
                          تتالت الصور في قلبي، وتزاحمت الأصوات، ووهج نار الحطب يشعل في الروح دفئاً يقتل الصقيع. ذاك الصقيع الذي لن تطفئه ألف نار في مواقد الغربةا...غربة الروح، والجسد، والوجوه، والدم...واللسان....
                          لست أدري كيف انفلتت عن لساني صرخة خرجت من عقالها:....لااااااااااا ..لن نبيع...قل لهم لن نبيع...هنا باقون...هنا ولدنا...وهنا المثوى الأخير..
                          ــــ شلّتْ ردة الفعل لسانه...ماذا؟؟ كيف؟؟؟ هاهو على الخط يطلبني لتأكيد الموعد...بماذا أجيب...؟!
                          قل له: ــــ ...هنا أرض الكرام..والكريم لا يهين أرضه...والعصافير سوف تؤوب يوما إلى تيك الديار..وتستلم عنا مواثيق العهود.
                          أجابني: وقد انفرجت أسارير قلبه، والتمعتْ حدقتاه ببريق الرضا، وكأنني قلت عنه ماتنوء به ذاته: ـــ ومشروع السفر...!!!
                          ــ دعه .حلماً يروي عن مجانين عشاق الشام، قصص حبّ لاتنتهي...دعه حلماً معلّقاً على جسر البوسفور...يتأرجح مع موج البحر، بين مدّ، وجزر، ...ثم يذهب جفاء كالزبد.

                          ربة القص و سيدته ... / إيمان الدرع
                          لن أبحث عن مفردات الثناء أو جمل الإشادة ....فأيا ما كانت لن تفى بم يطاول ما أبدعتِ ، أو يضاهى برونقه ما سبكتِ ...
                          نص أنموذج ...فى موضوعه المخضب بالألم و الأمل ، و مفرداته الموحية بقدر مبهر ، بداية من فقد الشحارير ، إلى مرارة الخبز ، إلى هجرة الأحباب و بقايا صور الأصدقاء ، إلى صرير الباب الشبيه بناى الجريح ، إلى حطب يحترق و يحرق معه الذكريات ، إلى الصقيع الذى لن تطفئه نار الغربة ....
                          نص غاية فى السبك ، و آية فى السبق ، تتوالى المفردات المفعمة بمعانىها المعبرة ، و مبانيها المبهرة لترسم لوحة جيدة الدبج ، مكينة الصوغ ، تغص حياة و حركة و لونا و رائحة ... ناهيك عما فيه من هبات المشاعر الشجية ، و لفحات الأحاسيس الجياشة ؛ التى تنضح آلامها على روحك فيتلبسك حزن يستدر عبراتك هطالة سيالة....
                          ثم تأتى نهاية يشخص فيها تحدى البقاء واضحا ماثلا لنفوس تجذرت فى أرضها إلى التراقى، فإما غاصت غوص الجذور ، و إلا قضت فى حضن الوطن الأثير .
                          عذرا إن أعجزنى البيان .
                          دمت بقامة نصك البديع .








                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الغفار صيام; الساعة 26-03-2018, 10:56.
                          "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

                          تعليق

                          • إيمان الدرع
                            نائب ملتقى القصة
                            • 09-02-2010
                            • 3576

                            #14
                            المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
                            صرير الباب الحديدي الكبير..أشبه بنايٍ جريح...كأنه استشعر مراسم وداعنا .
                            والعصافير التي بنت أعشاشها في قلب خيال المآتة استشعرت مراسم عودته للحياة
                            انفرجت أسارير قلبه، والتمعتْ حدقتاه ببريق الرضا،
                            وكأن مشروع السفر قد بات حلما يُروى .


                            سوريا يا حبيبتي
                            سوف تعود لنضارتها قريبا
                            تحياتي أختنا إيمان الدرع
                            رغم حزني الشديد ، فإن هذا النص البديع قد رفع من معنوياتي
                            سلام ومحبة
                            فوزي بيترو
                            دكتور فوزي بيترو..
                            كلماتك تعكس رقيّ طبعك..
                            ونقاء روحك
                            لقد طال الألم..ولكننا محكومون بالأمل
                            سوف تهدينا الأقدار يوماً قريباً ذاك السلام المنتظر بمشيئة الله
                            ونحقّق حلم الخلاص
                            ألف شكر على أمنياتك النبيلة يا دكتور فوزي..كم أسعدتني كلماتك..
                            تحياتي ومودتي.

                            تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                            تعليق

                            • إيمان الدرع
                              نائب ملتقى القصة
                              • 09-02-2010
                              • 3576

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة سعد الأوراسي مشاهدة المشاركة
                              أهلا بالأستاذة ايمان ..
                              نعم هي هذه ، حين تتجاوز علاقة الرجل بالمرأة المستهلك المقيد الخارج عن حدود ثقافتنا وقواعد المعهود ..
                              الاحتلال والحروب وفوضى الخراب والدمار والتسلط ، لا تعطي الحق في أبدية قهر الآخر، وتلك مهمة مثل هذه الأقلام الحرة والصادقة في انتسابها وتشبثها ، وقد استدعت الأرض ووظفت التراث فنيا ودلاليا إل أن أحسستُ كقارئ أن المطلوب مرتبط بالعرض ..
                              لن أطيل حتى لا أفسد هذا السحر في نظام التعبئة ، فمرونة تعبيرك الانساني الصّادق سيدتي ترجمت الاعتزاز في السلوك والمكان ، فتلاشت الحاجة للتفسير ..
                              فقط أشكرك لأنك كنت السبب في عودة قامة أدبية نحترمها ونعتز بتواجدها ، فلك وللأستاذ الكبير ربيع عقب الباب تحية خاصة من قاموس الأحرار .
                              الأستاذ الفاضل: سعد الأوراسي:
                              عندما قرأت كلماتك سرت بالروح نسيمات البهجة
                              أن يحظى النص بذاك الانطباع الجميل من حضرتك
                              لا أتصور أن أكتب يوما إلا من خلال رسالة هادفة موجّهة تنفع البشريّة..
                              وإلا ما الفائدة من أقلامنا الحرّة الكاشفة..
                              وخاصة في ظروف قاسية كالتي يعيشها بلدي..؟!
                              شكرا لثقتك الكبيرة..تحياتي..وامتناني.

                              تعيش وتسلم يا ااااااوطني ...يا حبّ فاق كلّ الحدود

                              تعليق

                              يعمل...
                              X