السياق المعرفي:
لست أذهب في التحليل السلوكي للأفراد و الجماعات إلى أبعد مما ذكره بن خلدون في تأثير البيئة على سلوك الفرد داخل المجتمع. بالرغم من النقد الموضوعي الذي يمكننا أن نوجهه لمثل هذا النوع من "النظريات الحتمية" Determinism/déterministe بالانجليزي و الفرنسي، لكنني أقترب جداً من نظرية التأثير الأخلاقي للبيئة التي ترعرع فيها الفرد، انطلاقا من الأسرة الصغيرة فيما يتعلق بالفعل و بردة الفعل ووصولا إلى العلاقات الدولية في تسيير الأزمات و حل المشاكل الجسيمة، مروراً بالتفاعل - الإيجابي أو السلبي - للفرد خارج بيته مع الناس في الشارع أو في الفضاء الرحب الذي يسمى البلوغوسفير، أي العالم الافتراضي على الانترنت.
فالمعذرة من القاريء الكريم على هذه المقدمة الطللية التي لا طائل منها إلا إذا وضعناها سوياً داخل سياق الحديث/ أو الحادثة التي أود نقلها مباشرة من عين المكان.
الحادثة:
داخل الحافلة المكتظة بالركاب العائدين من أشغالهم في المساء، تعثر شاب فسقط وسط الممر على مرأى الناس لأنه كان يسرع الخطوات نحو الأمام كي ينزل في المحطة المقبلة. وبينما امتدت إليه الأيادي لتعينه على النهوض، أسرع في الوقوف مثل إسراعه في السقوط و قام مذعوراً و هو يكرر: هل آذيت منكم أحدا؟ هل آذيت منكم أحدا؟ ثم نزل و هو يعتذر للركاب على عثرته.
في حينها، لم أجد تعليقا للحادثة: فحرت أأشفق على حالته إذ لا شك أن ألمه سيكون شديدا من جراء هول عثرته، أم أقف إجلالا للشاب الذي، رغم وقوع الصدمة عليه، انسلخ نقداً من الذاتية متناسياً ألم العثرة، فهمّ بالاعتذار للناس - وهل كان مخطئا في شيء حتى يعتذر؟ موقف يحتم علي أن أتقدم بأسمى عبارات التقدير لصاحب الحادث الذي ترك بالغ الأثر في نفسي، بحيث أراني في مشهد وجيز بليغ ما سر معنى الحديث النبوي الشريف: إنما الصبر عند الصدمة الأولى!
قلبت الحادثة رأسا على عقب بكل ما أوتيت من مفاتيح التأويل الانتربلوجي و السلوكي و العلاقاتي و و و...فخرجت خاوي الوفاض. لكنني توقفت عند مخرج يريح الأعصاب و يخدم الذات: إنها البيئة. البيئة التي جعلت المكلوم يعتذر طوعاً لا كرهاً.
م.ش.
شاهد عيان على أحداث المدينة الفاضلة
لست أذهب في التحليل السلوكي للأفراد و الجماعات إلى أبعد مما ذكره بن خلدون في تأثير البيئة على سلوك الفرد داخل المجتمع. بالرغم من النقد الموضوعي الذي يمكننا أن نوجهه لمثل هذا النوع من "النظريات الحتمية" Determinism/déterministe بالانجليزي و الفرنسي، لكنني أقترب جداً من نظرية التأثير الأخلاقي للبيئة التي ترعرع فيها الفرد، انطلاقا من الأسرة الصغيرة فيما يتعلق بالفعل و بردة الفعل ووصولا إلى العلاقات الدولية في تسيير الأزمات و حل المشاكل الجسيمة، مروراً بالتفاعل - الإيجابي أو السلبي - للفرد خارج بيته مع الناس في الشارع أو في الفضاء الرحب الذي يسمى البلوغوسفير، أي العالم الافتراضي على الانترنت.
فالمعذرة من القاريء الكريم على هذه المقدمة الطللية التي لا طائل منها إلا إذا وضعناها سوياً داخل سياق الحديث/ أو الحادثة التي أود نقلها مباشرة من عين المكان.
الحادثة:
داخل الحافلة المكتظة بالركاب العائدين من أشغالهم في المساء، تعثر شاب فسقط وسط الممر على مرأى الناس لأنه كان يسرع الخطوات نحو الأمام كي ينزل في المحطة المقبلة. وبينما امتدت إليه الأيادي لتعينه على النهوض، أسرع في الوقوف مثل إسراعه في السقوط و قام مذعوراً و هو يكرر: هل آذيت منكم أحدا؟ هل آذيت منكم أحدا؟ ثم نزل و هو يعتذر للركاب على عثرته.
في حينها، لم أجد تعليقا للحادثة: فحرت أأشفق على حالته إذ لا شك أن ألمه سيكون شديدا من جراء هول عثرته، أم أقف إجلالا للشاب الذي، رغم وقوع الصدمة عليه، انسلخ نقداً من الذاتية متناسياً ألم العثرة، فهمّ بالاعتذار للناس - وهل كان مخطئا في شيء حتى يعتذر؟ موقف يحتم علي أن أتقدم بأسمى عبارات التقدير لصاحب الحادث الذي ترك بالغ الأثر في نفسي، بحيث أراني في مشهد وجيز بليغ ما سر معنى الحديث النبوي الشريف: إنما الصبر عند الصدمة الأولى!
قلبت الحادثة رأسا على عقب بكل ما أوتيت من مفاتيح التأويل الانتربلوجي و السلوكي و العلاقاتي و و و...فخرجت خاوي الوفاض. لكنني توقفت عند مخرج يريح الأعصاب و يخدم الذات: إنها البيئة. البيئة التي جعلت المكلوم يعتذر طوعاً لا كرهاً.
م.ش.
شاهد عيان على أحداث المدينة الفاضلة
تعليق