سيناريو صالح لكل العصور !!!!
حين أبصر " اللص الكبير " آمر القصر ، وهو يتأكد بنفسه من إغلاق الأبواب و النوافذ العديدة على امتداد المبنى ، وخزه الألم ، و أحس بالغيظ يأكل قلبه ، وراح يدور .. و يدبدب فى المكان ، ثم صرخ فى وجه مساعده الأول قائلا :" تذهب إلى هذا الرجل – صاحب القصر – وتحذره من غضبى و عقابي .. إن إغلاقه للأبواب و النوافذ بهذا الشكل يؤذيني ..و يفقدني صوابي ، ولذا يطلب منك الزعيم الكف عن إغلاق أبوابك و نوافذك ، وتركها كما كانت ".
حمل المساعد الأول الرسالة ، وتوجه بها إلى القصر .. وهناك قابله آمر المبنى الضخم بالترحاب و التبجيل ؛ فهو على علم أن فيصل اللصوص المقيمين أمام القصر .. مسلحون بالمدى و السيوف و البنادق .. و أنهم قوة لن يستطيع ردعها مهما حاول !!
قدم آمر القصر للمساعد فنجانا من القهوة .. بل زاد على ذلك بعض المكسرات و المأكولات الشهية ، و انتظره ليفض ما عنده .. ليهدأ هو ، ويستريح باله .. وما أن انتهى المساعد من حشو بطنه تماما ، راح بتهالك عجيب - وليس عجيبا عليهم زمرة اللصوص - يقول : " إن زعيمي غاضب و حزين .. من إغلاق أبواب القصر و نوافذه ، إذ كان يسره رؤية من بالقصر من آدميين و دواب .. وخدم و حشم .. وصور معلقة ، فإذا بتصرفكم تحجبون عنه متعته ؛ لذا فهو يرجوكم .. أقصد يطلب منكم .. أقصد يحذركم من العودة لهذا الفعل المشين ، بل .. و التراجع الفوري عنه!!".
لم ينزعج الكبير – آمر القصر - وإن أصبح على يقين ..أن اللص الكبير يفكر بشكل جاد في اغتصاب القصر .. وسرقة كل ما فيه ، مثلما فعل أجداده – هو آمر القصر - تماما فى عصور غابرة ؛ فهو سليل لصوص آخرين . اغتصب من بين شفتيه بسمة ، أخفى خلفها حزنه وأسفه وخوفه من الأيام القادمة ، وقال :" يا بنى .. إننا نترك الأبواب و النوافذ مفتوحة طول النهار ، فإذا ما حل الليل أغلقناها ؛ حفاظا على سكان القصر من سادة وعبيد و طباخين وحراس و رعاة .. فهذا أمر عادى وطبيعي بالنسبة لنا ".
حمَّل آمر القصر الرجل قفصين من الفاكهة ، بل عين طابورا من خدم القصر ؛ لحمل كل مالذ و طاب ، هدية للصوص ، ورافقه حتى الباب الكبير ، ودعا له بالنجاح والفلاح فى مسعاه لدى الزعيم ، ثم أصدر أوامره بترك الأبواب و النوافذ مفتوحة ، مما أثار عليه غضب قائد الحرس ، ودفعه إلى مهاجمته ؛ بعد أن فشل فى إثنائه عن عزمه ، وصرخ فى وجهه :" اللصوص يحيطون بالقصر ، وينتظرون الفرصة لدخوله علينا ، وتقول لنا اتركوا الأبواب و النوافذ مفتوحة ، و كان الأولى بك أن تأمرنا بزيادة الحراسة ، وبناء المتاريس أمام الأبواب و خلف النوافذ !! ".
عاد المساعد الأول حاملا القفصين .. والرسالة إلى زعيم .. أكل وجهه غل ، فأصبح مثل وجه بومة عجوز ، ينذر بشر هائل .. كما عاد الخدم إلى سيدهم .
دفع بالرسالة إلى الزعيم ، فقرأها ، وتمعن فيها شكلا فقط ؛ فهو لا يحتاج إلى تبرير .. لقد قرر .. وانتهى الأمر ..نعم لم تعجبه كلمات الرسالة ، ولم تقنعه .. همهم المساعد الأول موضحا ما جاء بالرسالة :" إنه يقول لك .. إن كان إغلاق الأبواب و النوافذ يضايقك ؛ فلم لا ترحل إلى مكان يسرك ..و يسعد قلبك .. والقصور تملأ الدنيا من حولنا ؟!!".
هاج اللص الكبير وماج ، وراح يتخبط هنا وهناك .. وهو يشعر بإهانة ؛ فكيف يطلب منه هذا الرجل الرحيل ..و البعد عن القصر الكبير ، الذي انتوى منذ وقت طويل هو ورجاله السطو عليه ، وسرقته ، بل أخذه بالقوة ؛ ليصبح ضمن ممتلكات العصابة التي كان هو مجرد فرد فيها وليس الزعيم الأكبر لها ؟!!
كان الزعيم يضع لمسات أخيرة لخطة سوف يناقش فيها أفراد جماعته ، للسطو على القصر .. وأخذه بالقوة .. وفى أسرع وقت ، حين أبصر لصا يتسلل ، ويسرق شيئا ثمينا ، مما استطاع المساعد الأول سرقته أثناء زيارته للقصر ، فابتسم ، وناداه .. واللص يرتعد من الخوف ..إنه ليس من جماعته .. اقترب منه الزعيم ، وربط على كتفه ، وهو يبتسم ، ويردد :" أهلا بك .. زادت جماعتي واحدا !! ".
قبل الفجر بقليل .. تحرك مقتربا من رجال نائمين ، وأيقظ مساعده الأول من نوم عميق ، ثم سحبه من ساعده .. حتى ابتعد به عن النائمين .
كان مساعده الأول فى دهشة من أمره ..وحين تحدث الزعيم ..زالت دهشته ، وحطت مكانها الفرحة ؛ بقرب إنهاء مهمة أتوا خصيصا لأجلها .. فقد اشتاق لأولاده ، ورائحة بلده ، وهوائها ، وثلجها المميت .
قال الزعيم :" أريد مذبحة خارج القصر .. تمتد إلى داخله .. وتكون ذريعة لنا لدخول القصر ، و الاستيلاء عليه .. لا أريد تفاصيل .. أريد التنفيذ .. هيا نفذ ، وتدبر أمرك ".
ارتدى أحد أفراد العصابة لباس أهل البلد ، وسعى هنا و هناك ، حتى أبصر حمارا ، فطلب منه حمله على حماره ,, إلى منطقة ما .. وعندما أصبح فى المنطقة المطلوبة ، أمره بمواصلة السير إلى منطقة أخرى ، ثم منطقة أخرى .. حتى لم يعد الرجل الحمار قادرا على السير ، وكانا وصلا إلى منطقة تمركز العصابة .. ترجل اللص ، وأعطى الحمار قرشا .. بكى الرجل ؛ لقد مر نصف نهار وأكثر ، وبعد كل هذا التعب .. يعطيه قرشا واحدا .. طلب مزيدا من القروش ؛ فما كان من اللص إلا أن اعتدى على الرجل ، و أخرج مسدسه ، وقتله ، ثم أسرع إلى مخابىء العصابة ؛ خوفا و هلعا من ثورة الناس الذين شاهدوا مقتل الرجل ، و أسرعوا خلف اللص .. ودارت معركة بالبنادق والمدى بين أفراد العصابة ، و الأهالي ، كانت تمتد حتى وصلت إلى حدود القصر الكبير .. فما كان أمام آمر القصر إلا مغادرته ؛ خوفا على حياته .. واحتدمت المعركة .. ولكن قائد حرس القصر كان يدفع بالحرس ، ويطلب منهم الصمود فى وجه اللصوص ، و يفهمهم بأن آمر القصر هو الآخر لص ورث القصر عن أجداده اللصوص ، و لهذا لا يهمه أن يضيع المبنى العتيق ، أو يهدم ، والقصر بالنسبة لنا هو الحياة كلها .. و انتصر قائد الحرس على اللصوص فى هذه المعركة .
من عزم اللصوص لم تثنى الهزيمة ، بل فكروا بسرعة فى التفاف من جهة شرقية ، فهناك نهر .. يستطيعون جعله وسيلة للتسلل ، وأيضا صحراء ممتدة .. بل أنهم فكروا فى البدو الذين لا يهمهم القصر من قريب أو بعيد ، و عن طريقهم يستطيعون تسللا إلى القصر بملابس البدو ؛ ولذا لن يعترضهم الحرس ، بل ربما فتحوا لهم الأبواب على مصراعيها .
أسرع قائد الحرس بتأمين الجهة الشرقية ، و أصدر تعليماته بعقد مجلس عرفي للقصر ، لبحث الأمر فورا .. وقد تم له ما أراد .. وقرر المجتمعون اعتبار آمر القصر خائنا ؛ ساعة قرر أن يكون فى حماية اللصوص ، وأن يتم على وجه السرعة زيادة الحرس ، وتكثيف الحراسة ، بل مدها إلى خارج القصر لتأمينه تماما .
عندما كان زعيم اللصوص يغير خطته ، ويوجه رجاله إلى الجهة الشرقية للقصر ، كلف أحد الرجال - وعلى وجه السرعة – بالسفر ؛ لطلب المزيد من الرجال و السلاح ، فلم يكن يتصور كل هذه المقاومة التي أبداها الحرس ، وأن يتم اللقاء فى الجهة الشرقية عند النهر المحيط بالمبنى .
كان النهر المحيط بالقصر عبارة عن ترعة صناعية تم شقها حديثا ، وقد طلب قائد الحرس ردمها حتى لا يتسلل عن طريقها لصوص ، أتوا من آخر الدنيا لسرقته ، وتحويل ما يحمل من ذهب و مجواهرات ، و أحجار كريمة ، ونفائس ، وآثار لا تقدر بمال ، وغلال .. إلى مقرهم هناك خلف البحر الكبير .. ولكن مسئولا عن هذه الترعة أكد لقائد الحرس ، أن الترعة خارج لعبة اللصوص ، ولن يسمح لهم بالتسلل عبرها .. فاقتنع الرجل الطيب - قائد الحرس - الغيور على كرامته .. وعلى وطن يعشقه ، تمثل فى القصر الكبير .. وركز كل اهتمامه فى الدفاع .. وتكثيف الحراسة ، واستعد للمعركة الفاصلة ، وهو يأمل فى تدمير اللصوص ، ورد كيدهم .
كان زعيم اللصوص ذا عقلية ماهرة فى نصب الفخاخ .. وشراء الذمم .. و الاحتيال ، كان قمة في اللصوصية و الشر .. مشكلة عجيبة لا تفسير لها ، العالم كله كان يعلم بأمر هؤلاء ، وكل ما يدبرون علانية ، ولم يحرك ساكنا ؛ كأن كل العالم كان يحمل نفس الرغبة لسرقة القصر، و أخذه بالقوة !!
وعن طريق رجاله المهرة استطاع الزعيم بالمال .. والوعود الكاذبة أو الصادقة ، شراء ذمة بعض الحرس ، وأيضا كبير البدو .. الذي دلهم على طريق سرى للوصول إلى القصر - فى أسرع وقت - ودون تكلفتهم نقطة دم واحدة .
دارت معركة حامية بين الحرس و اللصوص ..بالسلاح الأبيض ..و البنادق .. و حقق فيها الحرس انتصارا ساحقا .. سقط فيها قتلى و جرحى من الجانبين ، وإن كانت أعداد اللصوص القتلة أكثر ..وآن أن يستريح الرجال ، ويلتقطوا أنفاسهم .. بعد سهر طويل .. و كفاح امتد لأيام .
فى هدأة الليل .. بينما كان الحرس نائمين ، والأسلحة ساكنة إلى جانبهم ..كان أحد الرجال من قادة الحرس ، يتقدم اللصوص ، ويدخل بهم على الحرس النائمين .. بينما اللص الكبير يضع فى يده كيسا كبيرا مملوءا بالمال ، ويشد على ساعده .
بالقرب من القصر شوهد كبير البدو يتقدم جماعة من اللصوص داخلا بهم المبنى الضخم ، على مرأى و مسمع من بعض الحرس ، الذي نجح فى استمالتهم ، وشراء ذممهم .
بكى قائد الحرس .. ومن معه من الرجال .. بكى على حرس ذبحوا وهم نيام .. بكى على قصر كبير ضائع ، وعلى غفلة العالم ، و تآمره ضدهم .. لكن عزمه لم يضعف .. بل كان يجهز لمعركة فاصلة ؛ بينما رفاقه يسخرون منه ، ويتركونه مع اثنين من رجاله .. منهم من أسرع إلى الريف مختبئا ؛ خوفا من بطش اللصوص ، وآمر القصر الذي أعاده اللصوص إلى موضعه ؛ ليكون شاهدا ، على غنائم خرجت من القصر ، ولن تعود ، مباركا هذا الخروج الشرعي .. وبعضهم أسرع بمغادرة البلاد ، و الباقون يتحسسون رقابهم ، و يتمسحون فى اللصوص المنتصرين !!!
لما استتب لهم الأمر ، وتمكنوا بشكل نهائي فى السيطرة على القصر ، ومطاردة كل الشرفاء الذين وقفوا فى وجوههم ، عقدوا محكمة لمحاكمة قائد الحرس ؛ لوقوفه فى وجه أطماعهم ، ومنعهم من السيطرة على القصر ، والمناطق المحيطة به ، وكبدهم خسائر كبيرة .
فى قاعة المحكمة .. احتشدت جموع الناس .. وهم ممثل الاتهام بإعلان تهمة قائد الحرس و رجاله ، تنحنح ، ثم قال : : أنتم متهمون بمقاومة رجالنا ، ومنعهم من الاستيلاء على القصر ، وسرقة كل مابه ، علاوة على عصيانكم لآمر القصر ، صديقنا القديم .. لذا نتهمكم بالإرهاب و الشغب .. فما قولكم ؟".
الغريب فى الأمر .. أن قائد الحرس قهقه بعلو الصوت فى وجه ممثل الاتهام ، واعترف بكل ما قال ، بل أكد أنه سوف يفعل ذلك دائما بالقول و الفعل إن استطاع ، لأنه من غير المعقول ، أن يسلم للص بيته دون مقاومة ، ودون الموت على أعتابه .
الأغرب أن اللصوص بعد ذلك تمكنوا من سرقة قصور أخرى ، واستولوا عليها ، ونهبوا كل مابها .. وما فيها ، وحين خروجهم منها مرغمين ، كانت لهم القصور الشاهقة .. و الخير الكثير ..والدنيا العامرة بكل أسباب الحياة الرغدة ؛ بينما قصور خلفوها مازالت تعانى فقرا و جوعا ومرضا ، ويعيش أهلوها فى ظروف أشد بؤسا وتخلفا .. ومع ذلك مازال اللصوص إلى يومنا هذا ، يتحينون فرصة للانقضاض عليها مرة أخرى ؛ لمعرفتهم بمواطن الغنى .. و الثروة فيها .
حين أبصر " اللص الكبير " آمر القصر ، وهو يتأكد بنفسه من إغلاق الأبواب و النوافذ العديدة على امتداد المبنى ، وخزه الألم ، و أحس بالغيظ يأكل قلبه ، وراح يدور .. و يدبدب فى المكان ، ثم صرخ فى وجه مساعده الأول قائلا :" تذهب إلى هذا الرجل – صاحب القصر – وتحذره من غضبى و عقابي .. إن إغلاقه للأبواب و النوافذ بهذا الشكل يؤذيني ..و يفقدني صوابي ، ولذا يطلب منك الزعيم الكف عن إغلاق أبوابك و نوافذك ، وتركها كما كانت ".
حمل المساعد الأول الرسالة ، وتوجه بها إلى القصر .. وهناك قابله آمر المبنى الضخم بالترحاب و التبجيل ؛ فهو على علم أن فيصل اللصوص المقيمين أمام القصر .. مسلحون بالمدى و السيوف و البنادق .. و أنهم قوة لن يستطيع ردعها مهما حاول !!
قدم آمر القصر للمساعد فنجانا من القهوة .. بل زاد على ذلك بعض المكسرات و المأكولات الشهية ، و انتظره ليفض ما عنده .. ليهدأ هو ، ويستريح باله .. وما أن انتهى المساعد من حشو بطنه تماما ، راح بتهالك عجيب - وليس عجيبا عليهم زمرة اللصوص - يقول : " إن زعيمي غاضب و حزين .. من إغلاق أبواب القصر و نوافذه ، إذ كان يسره رؤية من بالقصر من آدميين و دواب .. وخدم و حشم .. وصور معلقة ، فإذا بتصرفكم تحجبون عنه متعته ؛ لذا فهو يرجوكم .. أقصد يطلب منكم .. أقصد يحذركم من العودة لهذا الفعل المشين ، بل .. و التراجع الفوري عنه!!".
لم ينزعج الكبير – آمر القصر - وإن أصبح على يقين ..أن اللص الكبير يفكر بشكل جاد في اغتصاب القصر .. وسرقة كل ما فيه ، مثلما فعل أجداده – هو آمر القصر - تماما فى عصور غابرة ؛ فهو سليل لصوص آخرين . اغتصب من بين شفتيه بسمة ، أخفى خلفها حزنه وأسفه وخوفه من الأيام القادمة ، وقال :" يا بنى .. إننا نترك الأبواب و النوافذ مفتوحة طول النهار ، فإذا ما حل الليل أغلقناها ؛ حفاظا على سكان القصر من سادة وعبيد و طباخين وحراس و رعاة .. فهذا أمر عادى وطبيعي بالنسبة لنا ".
حمَّل آمر القصر الرجل قفصين من الفاكهة ، بل عين طابورا من خدم القصر ؛ لحمل كل مالذ و طاب ، هدية للصوص ، ورافقه حتى الباب الكبير ، ودعا له بالنجاح والفلاح فى مسعاه لدى الزعيم ، ثم أصدر أوامره بترك الأبواب و النوافذ مفتوحة ، مما أثار عليه غضب قائد الحرس ، ودفعه إلى مهاجمته ؛ بعد أن فشل فى إثنائه عن عزمه ، وصرخ فى وجهه :" اللصوص يحيطون بالقصر ، وينتظرون الفرصة لدخوله علينا ، وتقول لنا اتركوا الأبواب و النوافذ مفتوحة ، و كان الأولى بك أن تأمرنا بزيادة الحراسة ، وبناء المتاريس أمام الأبواب و خلف النوافذ !! ".
عاد المساعد الأول حاملا القفصين .. والرسالة إلى زعيم .. أكل وجهه غل ، فأصبح مثل وجه بومة عجوز ، ينذر بشر هائل .. كما عاد الخدم إلى سيدهم .
دفع بالرسالة إلى الزعيم ، فقرأها ، وتمعن فيها شكلا فقط ؛ فهو لا يحتاج إلى تبرير .. لقد قرر .. وانتهى الأمر ..نعم لم تعجبه كلمات الرسالة ، ولم تقنعه .. همهم المساعد الأول موضحا ما جاء بالرسالة :" إنه يقول لك .. إن كان إغلاق الأبواب و النوافذ يضايقك ؛ فلم لا ترحل إلى مكان يسرك ..و يسعد قلبك .. والقصور تملأ الدنيا من حولنا ؟!!".
هاج اللص الكبير وماج ، وراح يتخبط هنا وهناك .. وهو يشعر بإهانة ؛ فكيف يطلب منه هذا الرجل الرحيل ..و البعد عن القصر الكبير ، الذي انتوى منذ وقت طويل هو ورجاله السطو عليه ، وسرقته ، بل أخذه بالقوة ؛ ليصبح ضمن ممتلكات العصابة التي كان هو مجرد فرد فيها وليس الزعيم الأكبر لها ؟!!
كان الزعيم يضع لمسات أخيرة لخطة سوف يناقش فيها أفراد جماعته ، للسطو على القصر .. وأخذه بالقوة .. وفى أسرع وقت ، حين أبصر لصا يتسلل ، ويسرق شيئا ثمينا ، مما استطاع المساعد الأول سرقته أثناء زيارته للقصر ، فابتسم ، وناداه .. واللص يرتعد من الخوف ..إنه ليس من جماعته .. اقترب منه الزعيم ، وربط على كتفه ، وهو يبتسم ، ويردد :" أهلا بك .. زادت جماعتي واحدا !! ".
قبل الفجر بقليل .. تحرك مقتربا من رجال نائمين ، وأيقظ مساعده الأول من نوم عميق ، ثم سحبه من ساعده .. حتى ابتعد به عن النائمين .
كان مساعده الأول فى دهشة من أمره ..وحين تحدث الزعيم ..زالت دهشته ، وحطت مكانها الفرحة ؛ بقرب إنهاء مهمة أتوا خصيصا لأجلها .. فقد اشتاق لأولاده ، ورائحة بلده ، وهوائها ، وثلجها المميت .
قال الزعيم :" أريد مذبحة خارج القصر .. تمتد إلى داخله .. وتكون ذريعة لنا لدخول القصر ، و الاستيلاء عليه .. لا أريد تفاصيل .. أريد التنفيذ .. هيا نفذ ، وتدبر أمرك ".
ارتدى أحد أفراد العصابة لباس أهل البلد ، وسعى هنا و هناك ، حتى أبصر حمارا ، فطلب منه حمله على حماره ,, إلى منطقة ما .. وعندما أصبح فى المنطقة المطلوبة ، أمره بمواصلة السير إلى منطقة أخرى ، ثم منطقة أخرى .. حتى لم يعد الرجل الحمار قادرا على السير ، وكانا وصلا إلى منطقة تمركز العصابة .. ترجل اللص ، وأعطى الحمار قرشا .. بكى الرجل ؛ لقد مر نصف نهار وأكثر ، وبعد كل هذا التعب .. يعطيه قرشا واحدا .. طلب مزيدا من القروش ؛ فما كان من اللص إلا أن اعتدى على الرجل ، و أخرج مسدسه ، وقتله ، ثم أسرع إلى مخابىء العصابة ؛ خوفا و هلعا من ثورة الناس الذين شاهدوا مقتل الرجل ، و أسرعوا خلف اللص .. ودارت معركة بالبنادق والمدى بين أفراد العصابة ، و الأهالي ، كانت تمتد حتى وصلت إلى حدود القصر الكبير .. فما كان أمام آمر القصر إلا مغادرته ؛ خوفا على حياته .. واحتدمت المعركة .. ولكن قائد حرس القصر كان يدفع بالحرس ، ويطلب منهم الصمود فى وجه اللصوص ، و يفهمهم بأن آمر القصر هو الآخر لص ورث القصر عن أجداده اللصوص ، و لهذا لا يهمه أن يضيع المبنى العتيق ، أو يهدم ، والقصر بالنسبة لنا هو الحياة كلها .. و انتصر قائد الحرس على اللصوص فى هذه المعركة .
من عزم اللصوص لم تثنى الهزيمة ، بل فكروا بسرعة فى التفاف من جهة شرقية ، فهناك نهر .. يستطيعون جعله وسيلة للتسلل ، وأيضا صحراء ممتدة .. بل أنهم فكروا فى البدو الذين لا يهمهم القصر من قريب أو بعيد ، و عن طريقهم يستطيعون تسللا إلى القصر بملابس البدو ؛ ولذا لن يعترضهم الحرس ، بل ربما فتحوا لهم الأبواب على مصراعيها .
أسرع قائد الحرس بتأمين الجهة الشرقية ، و أصدر تعليماته بعقد مجلس عرفي للقصر ، لبحث الأمر فورا .. وقد تم له ما أراد .. وقرر المجتمعون اعتبار آمر القصر خائنا ؛ ساعة قرر أن يكون فى حماية اللصوص ، وأن يتم على وجه السرعة زيادة الحرس ، وتكثيف الحراسة ، بل مدها إلى خارج القصر لتأمينه تماما .
عندما كان زعيم اللصوص يغير خطته ، ويوجه رجاله إلى الجهة الشرقية للقصر ، كلف أحد الرجال - وعلى وجه السرعة – بالسفر ؛ لطلب المزيد من الرجال و السلاح ، فلم يكن يتصور كل هذه المقاومة التي أبداها الحرس ، وأن يتم اللقاء فى الجهة الشرقية عند النهر المحيط بالمبنى .
كان النهر المحيط بالقصر عبارة عن ترعة صناعية تم شقها حديثا ، وقد طلب قائد الحرس ردمها حتى لا يتسلل عن طريقها لصوص ، أتوا من آخر الدنيا لسرقته ، وتحويل ما يحمل من ذهب و مجواهرات ، و أحجار كريمة ، ونفائس ، وآثار لا تقدر بمال ، وغلال .. إلى مقرهم هناك خلف البحر الكبير .. ولكن مسئولا عن هذه الترعة أكد لقائد الحرس ، أن الترعة خارج لعبة اللصوص ، ولن يسمح لهم بالتسلل عبرها .. فاقتنع الرجل الطيب - قائد الحرس - الغيور على كرامته .. وعلى وطن يعشقه ، تمثل فى القصر الكبير .. وركز كل اهتمامه فى الدفاع .. وتكثيف الحراسة ، واستعد للمعركة الفاصلة ، وهو يأمل فى تدمير اللصوص ، ورد كيدهم .
كان زعيم اللصوص ذا عقلية ماهرة فى نصب الفخاخ .. وشراء الذمم .. و الاحتيال ، كان قمة في اللصوصية و الشر .. مشكلة عجيبة لا تفسير لها ، العالم كله كان يعلم بأمر هؤلاء ، وكل ما يدبرون علانية ، ولم يحرك ساكنا ؛ كأن كل العالم كان يحمل نفس الرغبة لسرقة القصر، و أخذه بالقوة !!
وعن طريق رجاله المهرة استطاع الزعيم بالمال .. والوعود الكاذبة أو الصادقة ، شراء ذمة بعض الحرس ، وأيضا كبير البدو .. الذي دلهم على طريق سرى للوصول إلى القصر - فى أسرع وقت - ودون تكلفتهم نقطة دم واحدة .
دارت معركة حامية بين الحرس و اللصوص ..بالسلاح الأبيض ..و البنادق .. و حقق فيها الحرس انتصارا ساحقا .. سقط فيها قتلى و جرحى من الجانبين ، وإن كانت أعداد اللصوص القتلة أكثر ..وآن أن يستريح الرجال ، ويلتقطوا أنفاسهم .. بعد سهر طويل .. و كفاح امتد لأيام .
فى هدأة الليل .. بينما كان الحرس نائمين ، والأسلحة ساكنة إلى جانبهم ..كان أحد الرجال من قادة الحرس ، يتقدم اللصوص ، ويدخل بهم على الحرس النائمين .. بينما اللص الكبير يضع فى يده كيسا كبيرا مملوءا بالمال ، ويشد على ساعده .
بالقرب من القصر شوهد كبير البدو يتقدم جماعة من اللصوص داخلا بهم المبنى الضخم ، على مرأى و مسمع من بعض الحرس ، الذي نجح فى استمالتهم ، وشراء ذممهم .
بكى قائد الحرس .. ومن معه من الرجال .. بكى على حرس ذبحوا وهم نيام .. بكى على قصر كبير ضائع ، وعلى غفلة العالم ، و تآمره ضدهم .. لكن عزمه لم يضعف .. بل كان يجهز لمعركة فاصلة ؛ بينما رفاقه يسخرون منه ، ويتركونه مع اثنين من رجاله .. منهم من أسرع إلى الريف مختبئا ؛ خوفا من بطش اللصوص ، وآمر القصر الذي أعاده اللصوص إلى موضعه ؛ ليكون شاهدا ، على غنائم خرجت من القصر ، ولن تعود ، مباركا هذا الخروج الشرعي .. وبعضهم أسرع بمغادرة البلاد ، و الباقون يتحسسون رقابهم ، و يتمسحون فى اللصوص المنتصرين !!!
لما استتب لهم الأمر ، وتمكنوا بشكل نهائي فى السيطرة على القصر ، ومطاردة كل الشرفاء الذين وقفوا فى وجوههم ، عقدوا محكمة لمحاكمة قائد الحرس ؛ لوقوفه فى وجه أطماعهم ، ومنعهم من السيطرة على القصر ، والمناطق المحيطة به ، وكبدهم خسائر كبيرة .
فى قاعة المحكمة .. احتشدت جموع الناس .. وهم ممثل الاتهام بإعلان تهمة قائد الحرس و رجاله ، تنحنح ، ثم قال : : أنتم متهمون بمقاومة رجالنا ، ومنعهم من الاستيلاء على القصر ، وسرقة كل مابه ، علاوة على عصيانكم لآمر القصر ، صديقنا القديم .. لذا نتهمكم بالإرهاب و الشغب .. فما قولكم ؟".
الغريب فى الأمر .. أن قائد الحرس قهقه بعلو الصوت فى وجه ممثل الاتهام ، واعترف بكل ما قال ، بل أكد أنه سوف يفعل ذلك دائما بالقول و الفعل إن استطاع ، لأنه من غير المعقول ، أن يسلم للص بيته دون مقاومة ، ودون الموت على أعتابه .
الأغرب أن اللصوص بعد ذلك تمكنوا من سرقة قصور أخرى ، واستولوا عليها ، ونهبوا كل مابها .. وما فيها ، وحين خروجهم منها مرغمين ، كانت لهم القصور الشاهقة .. و الخير الكثير ..والدنيا العامرة بكل أسباب الحياة الرغدة ؛ بينما قصور خلفوها مازالت تعانى فقرا و جوعا ومرضا ، ويعيش أهلوها فى ظروف أشد بؤسا وتخلفا .. ومع ذلك مازال اللصوص إلى يومنا هذا ، يتحينون فرصة للانقضاض عليها مرة أخرى ؛ لمعرفتهم بمواطن الغنى .. و الثروة فيها .
تعليق