

كتبه:
هناء/ حسن خالدي/ أحمد قاسم/ فاطمة.
من المغالطات التي يقع فيها المجادلون مغالطة الشخصنة، وتعني التهجم على الشخص قائل الحجة بدل الحجة نفسها.
وذلك من خلال تجاهل البرهان بحجة أن القائل مجنون مثلا أو فقير أو لا يفهم... الخ
أو مثلا خلال النقاش يقول لك الشخص المتهجم: "من أنت كي تبدي رأيك في هذا الأمر؟ أنت لا تجيد سرد جملة واحدة من غير تلعثم... تعلم الكلام أولاً!.... أنت لا يوجد معك شهادة أصلا فكيف تتحدث بهذا الأمر؟"
ويدخل بنقاش حول الشخص ذاته. بدلاً من مناقشة الحجة ذاتها وهذا خطأ !!
والقرآن بمنطقيته يلفت انتباهنا إلى هذه القضية ويجعلنا نتمحور حول الحق بلا شخصنة، تأملوا هذه الآية التي ينتقد الله فيها الكفار لشخصنتهم:
يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۖ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (2) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (4) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (5) ذَٰلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوا ۚ وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ ۚ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (6) زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا ۚ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ ۚ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (7) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (8) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ۖ ذَٰلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9)
وتنص الآية على أن هؤلاء الكفار " كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ" بالبينات والحجج والبراهين الواضحات الجليات المرشدات للحق!
ولكن لم يناقشوا الْبَيِّنَاتِ ذاتها ولم يتأملوها، بل شخصنوا الحوار فقالوا:
أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا؟؟؟؟
والنتيجة المحزنة: فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا!!! وَاسْتَغْنَى اللَّهُ غ? وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ.
إن النظر إلى الأشخاص عوِض المبدأ الذي ينادون به، آفة من آفات البشر عموما، ومن آفات المستكبرين خصوصا. وقد تسبب هذا المنطق بهلاك الأقوام السابقة. تأملوا:
(قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ غ? قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)[سورة اï»·عراف 75 - 76]
إن الذين استكبروا كفروا لا من أجل رفضهم لمحتوى ما آمن الناس به!! بل قد يكونون تجاهلوا المحتوى تماما، نحن لن نؤمن بما آمنتم به أيها المستضعفين الحقراء، فلا يجمعنا وإياكم إيمان واحد بغض النظر عن صحة أو خطأ ما آمنتم به!!
والآيات رائعة في الباب وأود سردها ولكن طلبا للاختصار نشير إلى بعضها بأرقامها من غير شرح والتي هي جميعها تؤكد على معنى ذم الكفار حين شخصنوا الرسالة واتهموا النبي بالضعف أو الجنون أو الفقر..الخ:
[الزخرف52] [هود91] [هود27] [المؤمنون23 - 25] [سورة المؤمنون 33 - 34] [سورة المؤمنون 66 - 74] [البقرة90] [البقرة 247] [سورة اï»·نبياء 36] [سورة الفرقان 41]
وبالمبرّر نفسه وبالطريقة نفسها كَفَر البعض بالنبي صلّى الله عليه وسلم، لا لسبب بُطلان ما جاء به، أو حتّى كذبه وسوء سيرته، بل لمجرد عدم انتمائه لقبيلتهم أو عرقهم.. وبهذا ضاع منهم الحق الذي يزعمون البحث عنه. وما فِعْل بني اسرائيل مع النبيّ صلى الله عليه وسلم إلا تجسيدا واضحا لهذه العقلية [البقرة90] فقد طالبوا أن يأتيهم الحق من خلال شخص بمواصفاتهم، وقالوا كيف يكون نبيّ آخر الزمان من غير قوم بني إسرائيل؟! بعد أن عرفوه جيدا {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)} البقرة.
بل وقد كانوا يبشّرون به أهل الجزيرة من المشركين لكنهم كفروا بنبوّته بسبب عدم "قبول" شخصه [راجع سورة البقرة 89]
فمتى نتجرد من أهوائنا ونتحلق حول القضية بلا شخصنة ونظر لحسب فلان ومنصبه ونسبه! أو غناه وفقره! متى نجتمع تحت ظل حق يجمعنا بغض النظر عن أشخاصنا؟؟
القضية يا قوم ليست قضية أشخاص بل قضيّة مبادئ وحقّ يعلو ولا يُعلى عليه، فالأشخاص يفنَون والمبادئ باقية ما بقي الدهْر...
كتبه:
هناء/ حسن خالدي/ أحمد قاسم/ فاطمة.