حورية في باريس (قصة قصيرة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    حورية في باريس (قصة قصيرة)

    حورية في باريس
    (قصة قصيرة)

    [align=justify]كنت جالسا إلى طاولة في الرصيف المُشمَّس من مقهى "مارجوريد" (café Margeride) في "ساحة إيطاليا"، جنوب مدينة باريس الساحرة، أنتظر رفيقي في السفر حتى يعود من شغل خاص، وكنا قد تواعدنا على الالتقاء هنا لأن الفندق الذي ننزل فيه غير بعيد، هو في شارع "الغوبلين" (Avenue des Gobelins) القريب، وبناية السوق الكبرى "المجرة" (Galaxie) الفخمة والمرتفعة المهيبة، ولعل اسمها قد غُيِّر اليوم فقد مضى على هذه القصة ستة وثلاثون عاما، تنظر إليَّ بجلالها وجمالها وشموخها؛ وفي تلك الأمسية من أيام مارس الجميلة المعتدلة الطقس عام 1982 والشمس في الأصيل إلى الغروب رويدا رويدا تميل والربيع على الأبواب، السماء زرقاء صافية إلا من بعض السحب البيضاء الصغيرة كأنها نتف من القطن معلقة بين السماء والأرض ما تفتأ حتى تمضي، ومن حين إلى آخر تهب نسمات خفيفة من نسيم الأصيل؛ كنت منغمسا في تفحُّص خارطة المدينة المرفقة بدليل باريس المفصل أغتنم فسحة انتظار رفيقي، أخطط لمشواري ليوم الغد: أين أذهب؟ وماذا أزور؟ وكيف أذهب؟ بالحافلة أم بقطار الأنفاق؟

    جاءتني النادلة الحسناء الأنيقة في لباسها المهني الجميل النظيف، الرشيقة في حركاتها، وسألتني بأدب جم وصوت لطيف هل أطلب شيئا؟ فطلبت قهوة وعدت إلى خارطتي أتفحصها وأقلبها باحثا مستقصيا.

    عادت الحسناء بصينيتها اللّامعة، وضعت الفنجان الأبيض برفق وقبله الـ"سو طاس" (الصحن الصغير) ثم كشف الحساب، وما كادت تضع الفنجان حتى دغدغت بَنَّة القهوة الزكية أنفي فتشوَّفت إلى تذوق رشفة فورا لكنني تريثت حتى تنصرف النادلة؛ شكرتها وعادت إلى الداخل.

    رفعت الفنجان لأرتشف منه رشفتي الأولى ومعها رفعت بصري أنظر أمامي، فرأيتها، ويا لهول ما رأيت: سيدة في منتصف العمر، هي إلى الخمسين أقرب منها إلى الأربعين، عوانٌ بيْن ذلك حسب تقديري السريع، لكنها تبدو أقل سنا، بارعة الجمال، أنيقة في هندامها، تشع منها هالة الوقار والاحترام والجد، تجلس منفردة تطالع كتابا تنظر فيه مرة ومرة ترفع رأسها المنحوت بتقاسيمه الرائعة كأنه صنع بطلب منها وعلى ذوقها هي، تلتفت يَمْنَة وشَأْمة كأنها تنتظر قادِما؛ كنت سمعت مقولة: "باريس مدينة الجن والملائكة"، لكنني لم أكن أعيرها كبير اهتمام، أما اليوم وهنا فأنا أصدِّقها وأبصم بالعشرة على صوابها؛ بقيتُ ثابتا هكذا برهة لم أرتشف القهوة ولم أستطع وضع الفنجان وكأنني أختبئ وراءه لأختلس النظر إلى تلك الفاتنة بل المبهرة.

    نظرت إليها متمعنا متفحصا وأتممت حركة الارتشاف دون تذوق، فقد أذهلني المشهد عن القهوة وطعمها ورائحتها، قمت من مكاني متوجها إليها وكأن مغناطيسا قويا يجذبني إليها جذبا رغما عني، لم تكن طاولتها تبعد عن طاولتي إلا بثلاثة أمتار أو أقل لكنها بدت لي كأنها بطول نهر "السين" الذي يشق المدينة.

    توقفت أمامها وبلغتي الفرنسية المتقنة قلت بلا مقدمة ولا تعارف متجاهلا الحاضرين غيرَها:
    - "Bonjour, Madame vous êtes sublime" (ما ترجمته تقريبا:"طاب يومك، سيدتي أنت رائعة الجَمَال")
    اعترتها أولا دهشة مشوبة بخوف ولعلها تتساءل:"من هذا الغريب المجنون الذي يكلمني هكذا دون سابق معرفة؟" ثم،
    وكأنها اطمأنت شيئا ما أو هكذا بدت لي، سألتني بصوت دافئ هادئ:
    - هل تعرفني سيدي؟
    قلت:
    - لا ولكنني لم أستطع مقاومة رغبتي في مدح جمالك الأخّاذ، كأنك "حورية" ضلّت طريقها فانتهتْ إلى هنا.

    ابتسمت "الحورية" باستحياء بادٍ ولكن وجهها الساحر كان ينبئ عن حيرة فيها اندهاش ووجل وسرور، في خليط عجيب مُعجِب أكثر وأكثر، ورشقتني بنظرة من عينيها الزرقاوين الساحرتين وكأنها تريد القضاء على ما فيَّ من صبر، وما زاد في إعجابي بها ودهشتي منها في الوقت نفسه أنها قالت لي وبهدوء تام:
    - شكرا على الإطراء لكن تحدث بالعربية فأنا أتقنها وأظن أنك عربي، ألست جزائريا؟
    قلت وعلامات التعجب تتطاير من رأسي تطاير النجوم من الكير:
    - بلى، أنا كذلك كيف عرفت؟ ما هذا؟؟؟؟؟
    قالت:
    - الحديث يطول وأنا أنتظر زوجي ولا أريده أن يراني أحدِّث غريبا، فشكرا على الإطراء الجميل وأنا سعيدة جدا به لكن...، الوداع.

    زاد إعجابي بها وفهمت أنها تصرفني بأدب فودعتها مع اعتذاري وعدت إلى طاولتي بسرعة وكان في لساني كلام وكلام منه، على سبيل المثال إمعانا في الإطراء:"الموج الأزرق في عينيك يناديني نحو الأعمق، وأنا ما عندي تجربة في العوم ولا عندي زورق" أستعيره من نزار قباني لكنها، للأسف، لم تُتِح لي فرصةَ إبدائه.

    جلست لأنهي قهوتي التي بردت قليلا وإذا بي أرى زميلي يعود من مشواره فقمت وطويت الخارطة وأعدتها إلى مكانها ودفعت ثمن القهوة واتجهت نحو صديقي فأخذت بذراعه وتوجهت به بعيدا عن المقهى وهو يسألني:
    - ما بك؟ ألا تدعوني إلى قهوة؟ لمَ هذه العجلة؟ أين تذهب بي؟
    قلت:
    - سأحكي لك مغامرتي وما جرى لي في غيابك، اصبر عليَّ حتى نعود إلى الفندق.

    كانت تلك حكايتي مع "حورية باريس" أتذكرها كلما نظرت في مكتبتي ورأيت دليل باريس المفصل والذي لم أفتحه منذ وضعته في مكانه إلا نادرا، ونادرا جدا.

    البُليْدة، مدينة الورود، صبيحة يوم الثلاثاء 05 شوال 1439 الموافق 19 جوان 2018.
    [/align]

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • صادق حمزة منذر
    الأخطل الأخير
    مدير لجنة التنظيم والإدارة
    • 12-11-2009
    • 2944

    #2
    كم أسعدتني مصافحة حروفك هنا أيها العزيز
    وضعتنا في مكان جغرافي دقيق وفي مكان عاطفي أكثر دقة ويكاد يكون مأزقا انسحبت منه هاربا متأبطا يد صديقك
    هل هربت من ضعفك .. أم من شدة هجوم عينيها .. ؟؟
    كلاهما يوديان إلى التهلكة
    كنت رائعا ايها العزيز في طرح الحدث بعفوية العاشق النقي

    محبتي وتقديري




    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة صادق حمزة منذر مشاهدة المشاركة
      كم أسعدتني مصافحة حروفك هنا أيها العزيز
      وضعتنا في مكان جغرافي دقيق وفي مكان عاطفي أكثر دقة ويكاد يكون مأزقا انسحبت منه هاربا متأبطا يد صديقك
      هل هربت من ضعفك .. أم من شدة هجوم عينيها .. ؟؟ كلاهما يوديان إلى التهلكة.
      كنت رائعا ايها العزيز في طرح الحدث بعفوية العاشق النقي.
      محبتي وتقديري
      أهلا بالعزيز الذي غاب عنا دهرا وتركنا نشتاق إلى حرفه ولقائه.
      كم سرني مرورك الأنيق وتعليقك الرشيق.
      ثم أما بعد، ورد في الأثر "
      النظرةُ سَهمٌ مَسمومٌ مِنْ سهامِ إبليسَ مَنْ تركَها مِنْ مخافةِ اللهِ أعطاهُ اللهُ إيمانًا يَجدُ حلاوتَهُ في قلبِهِ" وهكذا مصير من يتبع النظرة النظرة فتصيبه سهام ... إبليس اللعين، نسأل الله الحفظ والسلامة والعافية، آمين.
      هي، القصةَ، تجربة أدبية جديدة أخوضها ولست أدري عواقبها، الله يستر.
      تحيتي إليك ومحبتي لك ولا تغب عنا أكثر.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • أميمة محمد
        مشرف
        • 27-05-2015
        • 4960

        #4
        السلام عليكم أخي حسين..
        بس سؤال.. كيف وهمية مع ذكر العام 1982 (ابتسامة)
        اعذرني على فضولي.

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
          السلام عليكم أخي حسين..
          بس سؤال.. كيف وهمية مع ذكر العام 1982 (ابتسامة)
          اعذرني على فضولي.
          وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
          سبحان الله، كنت أتوقع هذا السؤال منك خصوصا.
          في القصة جانبان: حقيقي 100 بالمئة ووهمي بالنسبة نفسها، وإن شئت قولي "فيفتي/فيفتي"، ولك أن تميزي بين النسبتين.
          لا تعتذري على شيء يحيرك معي أبدا فأنا حاضر للإجابة على كل سؤال أو تساؤل.
          وأسألك بدوري: ما مدى نجاحي في القص؟ هل بلغتُ نسبة معينة فيه؟
          تحياتي.

          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • أميمة محمد
            مشرف
            • 27-05-2015
            • 4960

            #6
            أعجبني ردك الصريح.. لم أتوقع أن تتوقع مني السؤال! سبحان الله.. ذلك يدل على أن متصفحي الموقع الواحد يعرفون بعضهم فكريا بنسبة جيدة..
            أكثر من فيفتي بيرسنت.. شكرا لك لإجابتك كل سؤال.. هل تثق في رأيي؟ سأقرأها ثانية إذا أحببتُ أن أعطي نسبة أو رأيا.. حتى يكون أقرب للصواب
            تحيتي وتقديري

            تعليق

            • حسين ليشوري
              طويلب علم، مستشار أدبي.
              • 06-12-2008
              • 8016

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
              أعجبني ردك الصريح.. لم أتوقع أن تتوقع مني السؤال! سبحان الله.. ذلك يدل على أن متصفحي الموقع الواحد يعرفون بعضهم فكريا بنسبة جيدة..
              أكثر من فيفتي بيرسنت.. شكرا لك لإجابتك كل سؤال.. هل تثق في رأيي؟ سأقرأها ثانية إذا أحببتُ أن أعطي نسبة أو رأيا.. حتى يكون أقرب للصواب
              تحيتي وتقديري
              وكيف لا أثق في رأيك الحصيف وأنا أنتظره من قبل أن أعتمد القصة ونشرها؟
              هي تجربة جديدة أخوضها ولذا تجدينني أغير في النص بالإضافة والإنقاص حتى يأتي متكاملا إن شاء الله تعالى.
              منذ مدة لم أكتب قصة قصيرة ولذا أجدني قد صدئت أفكاري شيئا ما وها أنا أجليها شيئا فشئا حتى تنجلي تماما إن شاء الله تعالى، وبالنقد البناء تنجلي الخواطر ويشحذ الفكر وأنا أنتظر تقويمك الموضوعي (نقول "التقويم" وليس "التقييم" في معرفة القيمة الأدبية أو المادية).
              شكرا على التفاعل الإيجابي المثمر ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.
              تحياتي.

              sigpic
              (رسم نور الدين محساس)
              (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

              "القلم المعاند"
              (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
              "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
              و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

              تعليق

              • أميمة محمد
                مشرف
                • 27-05-2015
                • 4960

                #8
                القصة كتبت بحس أدبي ليشوريّ .. أسلوب الأديب حسين ليشوري حاضر، ولو لم يكن اسم صاحب النص مكتوبا لأصاب حدسي لمن هو، أسلوب يتميز بالهدوء والسرد واللغة. الأسلوب الذي لا يعتمد على سرعة السرد والتقديم الذي يتميز به القرن ولا على العجالة ولا على ضخ كم هائل من التعبيرات والجمل والألغاز والأحاجي، ذكرني الأسلوب بما كتبه أدباء القرن الماضي الذين قرأت لهم وأنا صغيرة بأسلوبهم الحكائي الذي يرمي لتوثيق الحاضر(حاضر القصة) أو الماضي، بأسلوب وصفي منعش رائق مع تدعيمه بتعبيرات أدبية، وذكرني أنني لم أقرأ منذ مدة طويلة لرموز القرن الماضي العقاد والمنفلوطي وطه حين وغيرهم وغيرهم

                تعبيرات وصفية تلفتك إليها
                "تنظر إليَّ بجلالها وجمالها؛"
                "لم تكن طاولتها تبعد عن طاولتي إلا بثلاثة أمتار أو أقل لكنها بدت لي كأنها بطول نهر "السين" الذي يشق المدينة."
                "عادت الحسناء بصينيتها اللّامعة، وضعت الفنجان الأبيض برفق وقبله الـ"سو طاس" (الصحن الصغير) ثم فاتورة الحساب؛ شكرتها وعادت إلى الداخل"
                .. نهاية رائقة بسيطة متقنة في الصميم حيث تحمل مواقف الذكرى وإن لم نستجلب ذكراها إلا ندرة ولم نفتح تفاصيلها إنما شعور يحثنا على الاحتفاظ بها
                "أتذكرها كلما نظرت في مكتبتي ورأيت دليل باريس المفصل والذي لم أفتحه منذ وضعته في مكانه إلا نادرا، ونادرا جدا."

                اقتراحات طفيفة
                ولعل اسمها قد غُيِّر اليوم فقد مضى على هذه القصة [ستة وثلاثون عاما] (عقودا)
                لكنها تبدو أصغر من (هذا ذاك)!.
                هنا تصورت أن نستغني عن كلمات في هذا المقطع.. مثل كنت ولكنني وهنا والآن وبالعشرة
                كنت سمعت مقولة من قال:"باريس مدينة الجن والملائكة" لكنني لم أكن أعيرها كبير اهتمام، لكنني اليوم وهنا والآن فأنا أصدقها وأبصم بالعشرة على صوابها؛ بقيتُ ثابتا لم أرتشف القهوة ولم أستطع وضع الفنجان وكأنني أختبئ وراءه لأختلس النظر

                كأن بعض التعبيرات نحت صوب شيء من الطول إنما القصة ليست طويلة، تقدم أسلوبا خاصا من القصص، والكاتب يتميز بأسلوبه وليس بمحاكاة العصر أو الآخرين،
                ومن الشجاعة الأدبية أن يقدم الكاتب أسلوبا مختلفا عما يقدمه الآخرون، ربما سيقال أن القصة تحتاج للتكثيف القصصي
                لكن تبقى حرية الكاتب في انتقاء الأسلوب الذي يعجبه ويتقنه، و لكل لون من ألوان الأدب قراءه ومحبيه
                ويبقى التجريب، والتجديد، والإتقان عوامل يدور حولها كل كاتب واديب

                القصة لطيفة الفكرة والمبنى، عرضت كمشهد شاهدته من زاوية غير بعيدة أو قريبة.
                شكرا لثقتك الثمينة، وأرجو أن أكون وفقت في عجالتي، جعلنا الله إلى الصواب أقرب دائما
                تحياتي

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #9
                  الأستاذة أميمة: إن الكلمات لتخونني لأشكر لك قراءتك التحليلية الجميلة والتي أظهرت لي بعض ما غاب عني أثناء تحرير القصة وحتى بعد تنقيحها؛ من عادتي القديمة في الكتابة أنني أكتب المسودة تلو المسودة حتى أرضى نسبيا عن النص لكن هذه المرة كتبت القصة مباشرة وأنا مشغول بالفكرة وصياغتها والحذر من الأخطاء في الرقن والحرص على ألا أكتب شيئا أندم عليه في المستقبل، ومع هذا كله فقد غيرت من النص وأضفت إليه لمسات تجميلية أراها ضرورية كما أنني حذفت بعض المفردات بناء على نصيحتك الكريمة؛ الفكرة بنت الليلة الماضية فقط وصغتها في هذه الصبيحة حتى لا تفلت مني، فالنص إذن جديد تماما فكرة وصياغة ... جرأة.

                  أما عن المدة التي مرت على الحادثة المزعومة فهي إلى الأربعين سنة، أربعة عقود، أقرب منها إلا العقود الثلاثة؛ وأما عن القصة فهي من القصص القصيرة وهي تتيح فرصة أطول ومساحة أفسح من القصة القصيرة جدا، ولذا فالتكثيف غير مطلوب هنا لكن الدقة في الوصف ومد القارئ ببعض التفاصيل غير المضرة بالكاتب (
                  ) تدخل القارئ في جو القصة كأنه يعيشها هو، ولذا استخدمت الحواس الخمس: اللمس والشم والذوق والسمع والنظر كلها إضافة إلى تفاصيل الزمان والمكان والحدث والأبطال وبهذه العناصر تكون القصة مكتملة الأركان إن شاء الله تعالى.

                  وعلى كل، فالنص ما زال تحت مجهر الفحص والتمحيص ومشرط التجميل إلى أن يصل، بإذن الله تعالى، إلى درجة مرْضية من النضج حتى لا أقول الكمال الأدبي.

                  أكرر لك أختي الكريمة شكري على القراءة التحليلية وعلى ضوئها عدلت ما عدلت وسأنظر المرة بعد المرة حتى أصل، إن شاء الله تعالى، إلى صياغة نهائية وما أراني منتهيا حتى بعد سنين كما هو دأبي مع أدبي.

                  تحياتي إليك أختي الكريمة وتقديري لك وشكرا على التقدير الكبير والتشجيع العظيم.

                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  • فاطمة الزهراء العلوي
                    نورسة حرة
                    • 13-06-2009
                    • 4206

                    #10
                    سلام عليك يا استاذنا الحسين
                    اولا اهم ما يربط النص بالقارىء هو عنصر التشويق وهنا في هذا النص حدث / حدث ما يتطلبه جسر العبور ما بين النص والتلقي
                    ثم طرافة تعمر الحرف خصوصا في وقفة الحوار الذي حدث مع المراة الجميلة وصاحب الفنجان / ضمير المتكلم في النص
                    نقلتنا إلى اجواء باريس باحتشام جميل حيث المقهى والجمال والحلم
                    همسة
                    تمنيت لو استغنيت عن :: قصة وهمية
                    ليست مجبرا أن تفسر
                    الإبداع لا يفسر لأن في تلك المساحة الغامضة يحدث التواضل ما بين متخيل التلقي ومتخيل الناص
                    شكرا أستاذي الفاضل وتقبل مني
                    فما أقوله كـــــ همسات هو مجرد رأي وزاوية رؤية خاصة
                    تحيتي
                    لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

                    تعليق

                    • حسين ليشوري
                      طويلب علم، مستشار أدبي.
                      • 06-12-2008
                      • 8016

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
                      سلام عليك يا استاذنا الحسين
                      اولا اهم ما يربط النص بالقارىء هو عنصر التشويق وهنا في هذا النص حدث / حدث ما يتطلبه جسر العبور ما بين النص والتلقي ثم طرافة تعمر الحرف خصوصا في وقفة الحوار الذي حدث مع المراة الجميلة وصاحب الفنجان / ضمير المتكلم في النص نقلتنا إلى اجواء باريس باحتشام جميل حيث المقهى والجمال والحلم
                      همسة: تمنيت لو استغنيت عن :: قصة وهمية، ليست مجبرا أن تفسر، الإبداع لا يفسر لأن في تلك المساحة الغامضة يحدث التواضل ما بين متخيل التلقي ومتخيل الناص.
                      شكرا أستاذي الفاضل وتقبل مني فما أقوله كـــــ همسات هو مجرد رأي وزاوية رؤية خاصة.
                      تحيتي.
                      وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
                      أهلا بالزهراء في هذا الفضاء الرحب.
                      أشكر لك ثناءك الجميل على النص وصاحبه فهذا مما يشجعني على المضي في هذه السبيل.
                      أما عن "الوهمية" فقد أضفتها كتحفظ أو كاحتياط حتى لا يذهب بالقارئ وهمُه كل مذهب وقد أخذت بنصيحتك الكريمة وحذفت الكلمة المقحمة مع أن القصة نصفها حقيقي ونصفها خيالي محض وكما سبق لي قوله في بعض توقيعاتي الأدبية "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك ولكن قوِّمه" ولعل هم التقويم هو ما فرض علي إضافة تلك الكلمة.
                      شكرا بحجم فضاء الإبداع ورحابته على الحضور الجميل والتعليق النبيل.
                      تحياتي الخالصة.

                      sigpic
                      (رسم نور الدين محساس)
                      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                      "القلم المعاند"
                      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                      تعليق

                      • فاطمة الزهراء العلوي
                        نورسة حرة
                        • 13-06-2009
                        • 4206

                        #12
                        المشاركة الأصلية بواسطة حسين ليشوري مشاهدة المشاركة
                        وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته.
                        أهلا بالزهراء في هذا الفضاء الرحب.
                        أشكر لك ثناءك الجميل على النص وصاحبه فهذا مما يشجعني على المضي في هذه السبيل.
                        أما عن "الوهمية" فقد أضفتها كتحفظ أو كاحتياط حتى لا يذهب بالقارئ وهمُه كل مذهب وقد أخذت بنصيحتك الكريمة وحذفت الكلمة المقحمة مع أن القصة نصفها حقيقي ونصفها خيالي محض وكما سبق لي قوله في بعض توقيعاتي الأدبية "للخيال على الكاتب سلطان لا يقاوم، فإن كنت كاتبا فلا تقاوم خيالك ولكن قوِّمه" ولعل هم التقويم هو ما فرض علي إضافة تلك الكلمة.
                        شكرا بحجم فضاء الإبداع ورحابته على الحضور الجميل والتعليق النبيل.
                        تحياتي الخالصة.

                        سلام عليكم شيخنا الفاضل السي ليشوري
                        أولا شكرا على تقبل الرأي الآخر فهذا يشجعني أيضا على مواصلة القراءة بكل موضوعية
                        ثم
                        تقول أستاذي هنا:
                        أما عن "الوهمية" فقد أضفتها كتحفظ أو كاحتياط حتى لا يذهب بالقارئ وهمُه كل مذهب
                        هي حرية القراءة فليذهب المتخيل الى اية قراءة يريد هذا يغني النص
                        لان كل القراءات تبقى مجرد زاويا رؤى لن تستطيع هذه الزوايا ان تعرف مخبوء لحظة المخاض
                        تلك التخيلات في القراءة تجعل من النص نصا حيا يتفاعل مع القراءة وتنفعل به وهذا التفاعل والانفعال يخلق قراءة منتجة بكسر الجيم وكل قراءة منتجة تخلق دياليكتيكية ما بين لحظة المخاض ولحظة التلقي

                        تحيتي الكبيرة
                        لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

                        تعليق

                        • حسين ليشوري
                          طويلب علم، مستشار أدبي.
                          • 06-12-2008
                          • 8016

                          #13
                          المشاركة الأصلية بواسطة فاطمة الزهراء العلوي مشاهدة المشاركة
                          سلام عليكم شيخنا الفاضل السي ليشوري
                          أولا شكرا على تقبل الرأي الآخر فهذا يشجعني أيضا على مواصلة القراءة بكل موضوعية
                          ثم
                          تقول أستاذي هنا:"أما عن "الوهمية" فقد أضفتها كتحفظ أو كاحتياط حتى لا يذهب بالقارئ وهمُه كل مذهب"

                          هي حرية القراءة فليذهب المتخيل الى اية قراءة يريد هذا يغني النص لان كل القراءات تبقى مجرد زاويا رؤى لن تستطيع هذه الزوايا ان تعرف مخبوء لحظة المخاض، تلك التخيلات في القراءة تجعل من النص نصا حيا يتفاعل مع القراءة وتنفعل به وهذا التفاعل والانفعال يخلق قراءة منتجة بكسر الجيم وكل قراءة منتجة تخلق دياليكتيكية ما بين لحظة المخاض ولحظة التلقي.
                          تحيتي الكبيرة.
                          وأنا بدوري أحييك التحية التي تليق بك كقارئة ممتازة وقبلها كشاعرة لها حس أدبي رفيع يسعدني معرفة رأيها الحصيف.
                          ثم أما بعد، لعلي أحسست بالحرج عند نشر قصتي المتواضعة فاحتطت لنفسي لأن كثيرا من القراء لا يكادون يفرقون بين كاتب النص والسارد في النص ويخلطون بينهما ويصدرون أحكاما "قيمية" على الكاتب وهنا نسقط في نقد الأشخاص وليس نقد النص كنص أدبي، ولعل هذا الإحساس الغريب هو ما أملى علي ذلك التحفظ أو ذلك الاحتياط، ولو راعى الأدباء هذا التحفظ لما كتبوا شيئا أبدا ولاسيما الأدباء الموسومين بالجرأة على الكتابة في "الطابوهات" (!) الاجتماعية ولما فضحوا السلوكات السلبية.
                          أنا مسرور جدا بما تتكرمين به علي من آرائك القيمة ولذا ترينني أنتظر نقدك الكريم وأتقبله بكل رضى، فشكرا على الحضور، وشكرا على الصراحة، وشكرا على النصيحة.
                          تحياتي الأخوية، لكن همسة صغيرة نقطة الختام: تعجبني "السي الحسين" أكثر بكثير من "السي ليشوري"
                          .

                          sigpic
                          (رسم نور الدين محساس)
                          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                          "القلم المعاند"
                          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                          تعليق

                          • فاطمة الزهراء العلوي
                            نورسة حرة
                            • 13-06-2009
                            • 4206

                            #14
                            وصلت همستك أستاذي ليشوري
                            معك كل الحق فالاسم اسبق
                            لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

                            تعليق

                            • محمد عبد الغفار صيام
                              مؤدب صبيان
                              • 30-11-2010
                              • 533

                              #15
                              أستاذنا / حسين ليشوري أجدت يا سيدي ، و بدت مرونة يراعكم حاضرة مع لون جديد من القص لم نعتده منكم ــ ولا ننكره عليكم ــ لا سيما و قد خلا فيما أرى من أى تدنٍ ، أو تبذُّل ... أجدتَ فنياً و سقت من تفاصيل الزمان و المكان ما أقنع القاريء بسردك المنساب خريراً / حريراً عندما يصف المشاعر الإنسانية بعفويتها و انسيابيتها لحظة إذ يأخذها الجمال الخلاب من تلابيبها...و عند هذه النقطة تتفاوت المعالجة : فمنا من يدفعه خجله ليكتم لواعجه ، و منا من يجمح فى خياله و يكفيه ذلك ، و منا من يتسامي و يقهر نفسه و يكتفي بحلاوة يجدها في قلبه ، و منا من يمتطى مركب الصراحة كما فعل صاحبكم ...إلخ ألسنا بشراً ؟ أليست هذه نماذج البشر على اختلاف مشاربها و وجهاتها...و ذلك من القص فيما أعلم .



                              "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

                              تعليق

                              يعمل...
                              X