أوجاع الغربة وأنات الحنين

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد محمود حماه‏
    أديب وكاتب
    • 07-07-2018
    • 1

    أوجاع الغربة وأنات الحنين

    أوجاع الغربة وأنات الحنين

    وما ذَنْبُ أعْـرابية قَذَفَت بــهــا == صُروفُ النَّوى من حيثُ لم تَكُ ظنَّتِ
    تَمَنَّت أحاديث الرُّعـاةِ وخيمة == بِنجــدٍ فلــــــــــــــــــــــــــم يُقْــدرْ لَهَا مـا تَمَنَّتِ
    إذا ذَكَرَتْ مَاءَ العُذَيْبِ وطِيبه == وبَرْدَ حَصَـــــــــــــــــــاهُ آخِــــــــــرَ الليلِ حَنَّت
    لها أنَّـةٌ عنــــــــــــــــد العشــاء وأنَّــةٌ == سُحَيــــــــــــــــــــــــــــــــرًا ولــــــــــولا أنَّتاها لَجُنَّتِ

    ما أعذبها وأرقها وأحرقها من أنات باحت بها تلك الأعرابية العربية الصحراوية الأصيلة كأصدق تعبير عن الوفاء والحنين للوطن ذالك الجزء الخفي الظاهر الجميل الملهم المؤنس المتجذر في أعماقنا الذي يزداد اشتياقنا إليه كلما بعدت المسافات وتعتصر أكبادنا حسرة عليه كلما هيجت ذكراه الأحداث فلا نجد سوي الاستشفاء بأرق التعابير وأصدق المشاعر تمسكا بالعهد واستحضارا للأحداث والإنسان و الزمكان

    أحب بلاد الله ما بين منعــج = = إلــي وسلمـى أن تسيل سحابها
    بلاد بها نيطت علي تمائمي = = وأول أرض مس جلـــدي ترابها

    لم يكن هم تلك الصبية الطائية عند بوحها الشفيف هذ غرض مادي تكسبه فهي لم تقل هذه الأبيات مادحة كما لم يكن همها مكانة شعرية تتبوأها فهي لم تبح بقريضها هذ في مسابقة أدبية وإنما عبرت بوفاء عن حب كامن في الصدور لمكان استنشقت نسيمه عند رؤيتها النور واحتضنته ترابها من النشأة وتربت في خيراته

    قد يتسائل البعض لماذا التمسك بالديار ؟ فأرض الله واسعة والجمال والخير في كل مكان
    هذ بالضبط ما أجاب عنه بن الرومي بقوله :

    ولي وطـــــــــــــــــــــــــــنٌ آليتُ ألاّ أَبيعهُ == وألاّ أرى غيريْ لهُ - الدهرَ – مالِكا
    لقد ألِفَتهُ النفسُ حتى كـــــــــــــــــــأنّهُ == لها جَسَــــــــــــــــــدٌ إن بـــــــانَ غُودِرَ هالكا
    عهِدتُ به شَـــرْخَ الشبابِ ونعمـةً == كنِعْمَــــــةِ قــــــــــــوم أصبحُوا في ظِلالِكا
    وحبَّبَ أوطـــــــــــــــــانَ الرجالِ إليهمُ == مــــــــــــآرِبُ قضَّاهـــا الشبـــــــــــابُ هُنالكا
    إذا ذَكَروا أوطــــــــــــــــــانَهم ذكَّرَتْهُمُ == عهــــــــــــــــــــــــودَ الصِّبَا فيها فحنُّوا لذلِكا

    وخير مثال هنا أبيات صقر قريش عبد الرحمن الداخل فرغم جمال الأندلس وكثرة خيراته وسلطات هذ الأمير المطلقة فإن الحنين إلى الديار ما زال يحاصره لينتج لنا هذه المقارنة الرائعة

    تبدَّت لنا وَسْــــــــطَ الرّصــــــــــــــــافةِ نخلــــــــــــةٌ == تناءتْ بأرضِ الغَرب عن بلدِ النخْلِ
    فقلت: شبيهي في التغـــــــــــــــــــرّبِ والنّوَى == وطــــــــولِ اكتئابي عن بنيَّ وعن أهلِي
    نشــــــــــــــأتِ بأرضٍ أنتِ فيهــــــــــــــــــــا غريبـــةٌ == فمثلكِ في الإقصـــــاء والمُنتأَى مِثلي
    سقتكِ غواديْ المُزْنِ في المنتأى الّذي == يســــحُّ ويَستـــــــمرِيْ السِّماكَينِ بالوَبْل

    وهذ لم يسلم منه حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الذين كانوا أزهد خلق الله في ملذات الدنيا إلا أنهم كانوا أيضا يدركون قيمة الوطن والعيش فيه فهذ الحبيب عليه أفضل الصلاة والسلام يقف على أشفار مكة مخاطبا إياها
    ( ما أَطْيَبَكِ من بَلَدٍ وأَحَبَّكِ إِلَيَّ ولولا أن قومي أّخرجوني مِنكِ مَا سكنت غيرك ) سنن الترمذي ( المناقب ) ـ المستدرك على الصحيحين ( المناسك)
    وهذ بلال ابن رباح الصحابي المهاجر رضي الله عنه رغم قساوة الظروف وضنك المرض والغربة كان عندما ترتفع عنه الحمي يضجع بفناء البيت يردد

    ألا ليتَ شِعْري هل أبيتنّ ليلةً == بوادٍ وحَــــــــــوْلي إِذْخـــرٌ وجَليلُ
    وهل أَرِدَنْ يوماً مِياه مَجنــــــــــــةٍ == وهــل يبدوَن ليْ شَامَةٌ وطَفِيلُ

    كيف لا ورسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته تخرجوا من مدرسة القرءان تلك المدرسة التي علمت البشرية أسمى خصال الوفاء كما علمتهم أن النفي من الديار من أشد أنواع الظلم إذا كان بغير سبب

    أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (40) الحج

    ولذلك كان النفي عقوبة شرعية تساوي القتل والصلب والقطع لمستحقه
    إِنَّمَاجَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ } المائدة (33)

    ومن النعم التي يذكر الله تعالى بها عبده نعمة تواجد البنين قال جل شأنه :
    وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا (12) وَبَنِينَ شُهُودًا (13) المدثر
    قال القرطبي رحمه الله (أي حضورا لا يغيبون عنه في تصرف )

    وتبقي لحظات الوداع من أقسى اللحظات على الإنسان لا سيما إذا كانت الظروف هي التي أرغمته على الهجرة حيث يقف حائرا بين طلب المفقود وحفظ الموجود هذه الحيرة يتجسد أثرها على ملامح الوجه بعد أن تتجسد في النفس وما ملاحم الوجه إلا تعابير صادقة عن ما في خلجات النفوس وأقدر من يحسن وصف هذه الحيرة أبو الطيب المتنبي في أبياته التالية :
    أدَرْنَ عُيُوناً حائِــــــــــــراتٍ كأنّهَا == مُرَكَّبَــــــــــــــــــةٌ أحْداقُهَا فَـــــــوْقَ زِئبقِ
    عَشِيّةَ يَعْدُونَا عَنِ النّظَرِ البُكَا == وَعن لذّةِ التّوْديعِ خوْفُ التّفَرّقِ

    ومن أجمل ما قيل في الفراق يتيمية بن زريق البغدادي
    لا تَعذَلِيــــــــــــه فَإِنَّ العَــــــــــــــــــذلَ يُولِعُهُ == قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِــــــــــن لَيسَ يَسمَـعُهُ
    جاوَزتِ فِي نصحـه حَــــــــــــداً أَضَـرَّبِهِ == مِن حَيثَ قَـدَّرتِ أَنَّ النصـــــــح يَنفَعُهُ
    فَاستَعمِلِي الرِفـــــــــق فِي تَأِنِيبـِــهِ بَدَلاً == مِن عَذلِهِ فَهوَ مُضــنى القَلبِ مُوجعُهُ
    قَد كانَ مُضطَلَعاً بِالخَطـبِ يَحمِلُهُ == فَضُيَّقَت بِخُطُــــــــــــوبِ الدهـــرِ أَضلُعُهُ
    يَكفِيهِ مِن لَوعَــــــــــــةِ التَشتِيتِ أَنَّ لَهُ == مِـــنَ النَــــــــــــــــــــــوى كُـــــل يَومٍ ما يُروعُهُ
    ما آبَ مِن سَفــــــــــــــــــــــَرٍ إِلّا وَأَزعَجَهُ == رَأيُ إِلى سَفَــــــــــــــــــــــــــــــــرٍ بِالعــــَزمِ يَزمَعُهُ
    كَأَنَّمـــــا هُوَ فِي حِــــــــــــــــــــــلِّ وَمُرتحلٍ == مُوَكَّـــــلٍ بِفَضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاءِ اللَهِ يَذرَعُهُ
    إِذا الزَمانَ أَراهُ في الرَحِيلِ غِنـــــــــىً == وَلَــو إِلى السَندّ أَضحـــــــى وَهُـوَ يَطلبه

    هذه القصيدة خلاصة لتجربة إنسان أرغمه الظروف على مغادرة الوطن بحثا عن حياة كريمة لأسرة ضعيفة فمات في غربته ولم يورث إلا هذه الرائعة الأبية التي كتبها في لحظاته الأخيرة كما قيل ومن أشدها وقعا على النفوس قوله :

    أَسْتَودِعُ اللَهَ فِـــي بَغــــــــــدادَ لِي قَمَــــراً == بِالكَـرخِ مِن فَلَكِ الأَزرارَ مَطلَعُهُ
    وَدَّعتُـــهُ وَبِـــوُدّي لَــــــــــــــــــــــــــــــو يُوَدِّعُنِي == صَفـــــــــــــــــــوَ الحَياةِ وَأَنّي لا أَودعُهُ
    وكم تشفّــــــعَ بـــي أن لا أُفَـــــــــــــــــــــارِقَهُ == وللضــــــــــــــــــــروراتِ حالٌ لا تُشفّعُهُ
    وَكَم تَشبَّثَ بي يَـــــومَ الرَحيلِ ضُحَىً == وَأَدمُعِــــــــــــــــــــــــي مُستَهِلّاتٍ وَأَدمُعُهُ
    لا أَكُــذبُ اللَهَ ثوبُ الصَبرِ مُنخَرقٌ == عَنّـــــــــــــــــــــــــــــــــي بِفُرقَتِهِ لَكِــــن أَرَقِّعُهُ
    إِنّي أَوَسِّــــــــــــــــــــــــــعُ عُذري فِي جَنايَتِهِ == بِالبيــــــــــــــنِ عَنهُ وَجُرمــــي لا يُوَسِّعُهُ
    رُزِقتُ مُلكاً فَلَم أَحســـــِــــــن سِياسَتَهُ == وَكُـلُّ مَن لا يُسُوسُ المُلكَ يَخلَعُهُ
    وَمَن غَدا لابِســــاً ثَوبَ النَعِيـــــــــم بِلا == شَكــــــرٍعَلَيــــــــــــــــــــــــــهِ فَإِنَّ اللَهَ يَنزَعُهُ

    وغير بعيد من هذ وداعية الصّمّة بنُ عبد الله القشيريّ وقد اخترنا منها مقاطع نظرا لطولها
    قِفـــا وَدِّعــــــــا نَجْداً ومَنْ حَلَّ بالحِمـــى == وقَـــلَّ لِنَجْــــــــــــــــــــدٍ عندنـــا أنْ يُوَدَّعا
    بنَفْسي تِلْكَ الأرضُ ما أَطْيَبَ الرُّبــــى == وما أَحْســـــــنَ المُصْطافَ والمُتَرَبَّعا
    وأَذْكُــرُ أيّــــــــــــــــــــــــــــــــامَ الحِمى ثمَّ أَنْثَني == على كَبِدي مِن خَشْيَةٍ أنْ تَصَدَّعا
    فَلَيْسَتْ عَشِيَّاتُ الحِمى بِرَواجِــــــــــــــعٍ == عليكَ ولكـــــــــنْ خَلِّ عَيْنَيْكَ تَدْمَعا
    بكت عينــك اليســــــــــرى فلما زجرتها == عن الجهـل بعــد الحلم أسبلتا معا
    أتجــــــــــــــــــــــــزع والحيـــــــان لم يتفرقـــــــا؟ == فكيف إذا داعـــي التفرق أسمعا ؟
    ولمْ أَرَ مِثــــــــــــــــــــــــــلَ العامـــــــــــــِرِيَّةِ قَبْلَها == ولا بعدَها يــــــــــــــــــــومَ ارْتَحَلْنا مُوَدِّعا
    سَــــــــــــــــلامٌ على الدّنيا فمـــا هِيَ راحَةٌ == إذا لــم يَكُنْ شَمْلــــــي وشَمْلُكُمُ معا
    ولا مَرْحَبــــــــــــــــــــــــــاً بالرَّبْعِ لستُمْ حُـــلولَهُ == ولو كانَ مُخْضَلَّ الجَوانِبِ مُمْرِعا
    فمـــــــــــــــــــــــــــــاءٌ بلا مَرْعىً ومَرْعىً بِغَيْرِما == وحيثُ أَرى مــــــــاءً ومَرْعىً فَمَسْبَعا
    لعَمْـــــري لقد نادى مُنـــــــــــــــــادي فِراقِنا == بِتَشْتيتِنا فـــي كُـــــــــــــــــلِّ وادٍ فأَسْمَعا
    كأَنــّا خُلِقْنا للنَّـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوى وكأنّما == حَــــــــــــــرامٌ على الأَيّــــــــامِ أن نَتَجَمَّعا

    وقول المجنون ( قيس بن الملوح )
    أقـــــول لصاحبي والعيس تهوي == بنـــــــا بين المنيفــــــــــــــــــة فالضمار
    تَمَتّــــــــــــــــــَعْ مِنْ شَميــــمِ عَـرَارِنَجْدٍ == فمـــــــــــــــــا بَعْدَ العَشِيَّة ِ منْ عَرَارِ
    ألا يــــــــــــــا حبــذا نفحـــــــات نجد == ورَيَّـــــا رَوْضِـــــــــــــــــــــــهِ غبَّ القِطَارِ
    وَأهْلُكَ إذْ يَحُــــــلُّ الحَـــــيُّ نَجْداً == وأنت علــــــــــــــى زمانك غيــر زار
    شُهُــــورٌ يَنْقَضِينَ وما شَعُــــــــــــــــرْنَا == بَأنْصَافٍ لَهُـــــــنَّ ولا سَــــــــــــــــــــــرَارِ
    فأما ليلهـــــــــــــــــــــــــــن فخيــــــــــر ليل == وأطـــــول ما يكـــــــــــون من النهار

    ولا زلنا مع هذ المجنون مجنون الحب والشعر ومع قوله :
    أمُـــــــر على الديـار ديـار ليلى == أُقَـِّبلُ ذا الجدار وذا الجدارا
    وما حُبّ الدِّيار شغفن قلبي == ولكن حُبّ مَن سكن الديارا

    للإنصاف : قد يهاجر الإنسان مرغما عن وطنه ويحل وطنا جديدا ويستحليه ويجد فيه ضالته لكن هذ نادر الحدوث فكما يقول المتنبي
    وكل امرء يولي الجميل محبب == وكل مكان ينبت العز طيب

    وقد يتغذي الإنسان على ما يحمل من ذكريات ويحاول التسلى بدل الأنات لكن إلى متى ؟ فالروح في مكان والجسم في مكان آخر , وهنا نستسمح المتنبي حيث سنشتشهد له بأبيات مناقضة لبيته السابق والسبب أنه توجد حالات أدبية لايمكن الاستشهاد فيها إلا بأدب ابن الحسين

    أيَــــــــــــدْري الرَّبْــــــــعُ أيَّ دَمٍ أراقَا == وَأيَّ قُلُـــوبِ هذا الرّكْبِ شَاقَا
    لَنَــا ولأهْلِــهِ أبَــــــداً قُلـــــــــــــــــــــــُوبٌ == تَلاقَــى في جُسُـــــــــومٍ ما تَلاقَى
    ومَا عَفَـــتِ الرّيـاحُ لَهُ مَحَـــــــــــــلاًّ == عَفَــــــــــــــاهُ مَنْ حَـــدَا بِهِمِ وَسَاقَا
    فَلَيْتَ هوَى الأحبّةِ كانَ عَدلاً == فَحَمّـــــلَ كُــــــــلّ قَلبٍ ما أطَاقَا
    نَظَـرْتُ إلَيْهِمِ والعَيـــــــــنُ شَكْرَى == فَصــــــــــــارَتْ كُلّهَا للدّمعِ مَاقَا

    ومشابه لذلك قول ابن الدمينه
    أَلاَ يَا صَبَا نَجْدٍ مَتى هِجْتِ مِنْ نَجْــد == لقَدْ زَادَني مَســـــــــراكَ وَجْداً عَلى وَجْدِ
    أَأَنْ هَتَفَتْ وَرْقَاءُ في رَوْنَقِ الضُّــــــــحى == عَلـــــــــــى فَنَـــــــنِِ غَضِّ النَّبَاتِ مِنَ الرَّنْدِ
    بَكيْتَ كَمَا يَبْكي الوَليـدُ وَلَمْ تَكُــــــــــنْ == جَليـداً وَأَبْدَيْتَ الَّــذِي لَم تَكُـن تُبْدِي
    وَقــَدْ زَعَمُـــــــــــــــــــــوا أَنَّ المُحِـبَّ إِذَا دَنَا == يَمَـــــــــــــلُّ وَأَنَّ النّـأْيَ يَشْفِي مــِنَ الوَجْدِ
    بِكُــــــــلٍ تَدَاوَيْنَا فَلَــــــــــــــــــمْ يُشْفَ مَا بِنَا == عَلـــى أَنَّ قُـــربَ الــدَّارِ خَيْرٌ مِنَ البُعْدِ
    ولكــــن أَنَّ قُـــربَ الـــــــــــدَّارِ لَيْسَ بِنَافِعٍ == إذَا كَـــــــــــــانَ مَنْ تَهَـــواهُ لَيْسَ بِذِي وُدِّ

    ولا بد من وقفة مع مقطع من قصيدة سلام على بغداد للشاعر العراقي عبد الرزاق عبد الواحد
    كبيـــــــــــــــــــــرٌ على بغداد أنِّــــــــي أعافها == وأنــــــــــــــــي علــــــى أمني لديها أخافُها
    كبيرٌ عليها، بعدما شـــــــــــابَ مفـــرقي == وجفَّتْ عــروقُ القلبِ حتى شِغافُها
    تَتبَّعت للسَّبعيـــن شطـــــــــــــــــــــآنَ نهرِها == وأمــــواجَهُ فــي الليلِ كيف ارتجافُها
    وآخَيتُ فيها النَّخــلَ طَلعــاً، فَمُبسِراً == إلـــــــــى التمر، والأعذاقُ زاهٍ قطافُها
    تَتبَّعـتُ أولادي وهـــــــــــــــــــــــم يملأونها == صغـــاراً إلـــــــــــى أن شَيَّبتهُم ضفافُها!
    تتبَّعتُ أوجاعــــي، ومسرى قصائدي == وأيــــــــــــامَ يُغني كـــــــــــلَّ نفسٍ كفافُها
    وأيامَ أهلــــــــــــــــي يملأُ الغيثُ دارهــــــم == حيـــــــــــاءً، ويُـــــــرويهم حياءً جفافـها!
    فلــم أرَ في بغــــــــــــــداد، مهما تلبَّدتْ == مَواجعُها، عينــــــــــــــــــــاً يهونُ انذرافُها

    لاننسا أن المغترب ليس وحده هو من تحرقه نار الغربه بل تحرق معه الأهل الذين فارقهم أيضا كما بين ابن الحسين

    لئن تـركــــــــــن ضميراً عن ميامننا == لَيَحدثَنّ لمـن ودّعتهم نـدمُ
    إذا ترحّلت عن قومٍ وقد قَدَروا == ألاّ تفارقهم فالرّاحلون همُ

    وكما قال محمد بنن احمد يوره الديماني الشنقيطي
    عَدْلٌ من الله بعض الحي قد ظعنا == عنَّا وبعض ثوى مِـــــــــــــن عدله مَعَنا
    يا ليت ثـاويه جـــــــــــــــــــــد المسير به == في إثــــر من ظعنوا أوعاد من ظعنا

    ما أجمل أن يعود الإنسان إلى وطنه آمنا معافا قد عانق الأحلام ويجد الأهل في أمن وخير وسلام ويقف مستذكرا الماضي مستحضرالأحداث والإنسان والطبيعة بتفاصيل الكل في لوحة مكتملة العناصر رابطا جمال الماضي بفرحة الآن واستشراق الغد كما فعل محمد فال الجكني الشنقيطي رحمه الله في رائعة التي ستكون مسك ختام هذ الموضوع

    ألا يــــا بُحْرَ الصَّفـــــــــــوِ واللّهـــو والأنس == عليكَ ســــــــــــــــــــلامُ اللّه يا وجنة الشمسِ
    عـلـيك ســـــــــــــــلام الله يـا مـرتعَ الصِّبــــــــــا == ويا مـجـمـــــع الأحـبابِ والأهل والجنسِ
    ويـا ثَمْـــــــــــــــــرة الألـبـاب يا روضة الهـــــــنا == ويا مُذهــــــبَ الآلام فـــــي الرّوح والنّفسِ
    ويـا مُوقـدَ الأشـــــــــــــــواق جئتك ثـانــــــــــــيًا == ولكـــــــــنَّ برق الشّيب يبـدو عـلى الرأْس
    ولـم تـنسنـي مـصـــــــــــــرٌ وزهــــــــرُ نعـيـــمهــا == ولـم يـنسنـــــــــــــــى مـنهـا سـريرٌ ولا كرسـي
    ولـم تـنسنـي سُعْـدَى ولا الـبـيــن والنّوى == ولم أنسَ لا أنســـى ولو كنت في رمس
    مـلاعـــــــــــــــبُ للغِـــــزلان حـول ربـوعهــــــــــا == كـساها نسـيــــــــج الـمزْنِ بـالوردِ والـوَرْس
    شـربنـا مُــــــــــــــــدام الـحـبّ فـيـهـا صـبــابـــــةً == عهـــــود صِبـانـا الغــضِّ والكأس بـالكأس
    لـيـالـيَ خَــــــــــــــــودُ الـحـيّ يغريـنَ بـالهـــــوى == يـواصلننـــــــــــــــــا هـمْسًا ويبخلن بـــاللّمس
    صـبَرنـــــــــــا وهـاجـرناكَ في الشّرق تسعــةً == وآبت بنــــــــــــا ذكرى مَواضـيكِ بــالأمس
    فأُبنـا بحـمـــــــــــــــد الله فـي بـارق الـمـــــــــنى == وكـنـا قُبَيْل الـيـــــــــوم فـي حـالِكِ الــــيأس
    تـمتّــــــــــــــــــــــــــــــــــعْ فؤادي بـالـبحــــــــيرِ وأهلهِ == فلـيس عـلـيك الـيـومَ يـا قـلـبُ مـن بأس

    نسأل الله تعالى أن يعيد كل مغترب إلى وطنه آمنا معافا سالما غانما قد حقق رجائه كعودة هذ الأديب وأن يفرج عن كل مغترب داخل وطنه . سلام عليكم طبتم
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد محمود حماه‏; الساعة 09-07-2018, 09:01.
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    #2
    المشاركة الأصلية بواسطة محمد محمود حماه‏ مشاهدة المشاركة
    (...) نسأل الله تعالى أن يعيد كل مغترب إلى وطنه آمنا معافا (معافى) سالما غانما قد حقق رجائه (رجاءَه) كعودة هذ الأديب وأن يفرج عن كل مغترب داخل وطنه، سلام عليكم طبتم.
    وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته وطبت وطاب ممشاك إلينا.
    أهلا وسهلا ومرحبا بك أخي محمد محمود حماه وبأهلنا في موريتانيا عموما وبأهلنا الأعزاء في شنقيط مدينة العلم والعلماء.
    مقالة ممتازة تذكرنا بكتب الأدب العربي الراقي والرائق.
    سمحت لنفسي بلفت انتباهك الكريم إلى هفوتين صغيرتين في مقالتك الجميلة بما أتحفتنا فيها من شعر فائق.
    موفق إن شاء الله تعالى وننتظر هطول خواطرك وأول السيل قطر ثم ينهمر.
    تحياتي إليك.

    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

    تعليق

    • فاطمة الزهراء العلوي
      نورسة حرة
      • 13-06-2009
      • 4206

      #3
      السلام عليكم
      ورقة رائعة جدا سأضيفها إلى مفضلتي كورقة ستريح عندها من وعثاء غربتي
      شكرا سيدي
      فقط كما أشار الأستاذ حسين بعض من هفوات رقنية مرت بالورقة
      تحيتي وتقديري
      لا خير في هاموشة تقتات على ما تبقى من فاكهة

      تعليق

      يعمل...
      X