ذكريات الغدير

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • رشيد الميموني
    مشرف في ملتقى القصة
    • 14-09-2008
    • 1533

    ذكريات الغدير

    ذكريات الغدير

    أذكر أننا كنا ننتظر عقب كل وجبة فطور تعليمات والدي لقضاء بعض الحاجيات الخاصة بالبيت من سخرة عند البقال أو جلب بعض الخضر والبيض من عند جاراتنا البدويات . وعندما ننتهي يكون ذلك إيذانا بالانطلاق في حرية تامة . وعند الضحى نطل من أعلى الشلال الذي نطلق عليه اسم الشط ، فيتراءى لنا الوادي المحتضن للنهر الهادر شتاء والهادئ صيفا . أما في نهارات يوليوز وغشت القائظة فإن الماء ينساب بهدوء بين الصخور الملساء المنبثة في وسطه وعلى ضفتيه حيث الأشجار والأعشاب الكثيفة .
    كان نهرا جميلا رغم إحساسنا بالرهبة منه شتاء وهو يجرف كل شيء . تملأه الغدران ، وكان "غدير شامة" أجملها بينما تراءت أسفله المقطوعة المحاطة بضفتين صخريتين كجدارين شاهقين تعلوهما أوكار اليمام .
    في ذلك الغدير الذي يحمل اسم فتاة شهد على مأساتها ، كنا نجد دوما في انتظارنا جذع شجرة يراوح مكانه بين الصخور ، فنستعمله مركبا أو نقفز من فوقه للغطس .
    من هناك كنا نتطلع بتوجس إلى الضفة الأخرى حيث الغابة وما تحويه من أرانب وخنازير برية . كان منظر الغابة يبعث في أنفسنا رهبة ووجلا . لكن ضحكات البدويات الصبايا المجلجلة عبر الوادي كان يبعد عن المكان وحشته وهن ينزلن إلى النهر للسباحة متأزرات بمناديلهن المخططة بالأحمر والأبيض . للغدير مكانة خاصة في نفسي . فبرغم الحكايات التي كانت تروى عن شامة التي اعتدي عليها يوما على ضفته ، كان يبدو لي أليفا ، حنونا وأنا أغوص فيه أو أستلقي على صخرة من صخوره الملساء مستسلما لأشعة الشمس الملتهبة . وكان خيالي يحلق بحثا عن طيف شامة فتتمثل لي بمحياها البريء وقد علته مسحة حزن . بيني وبين غدري حديث لم يكن يشعر به رفاقي . وكنت اختلس بعض اللحظات لأنفرد به حين يعن لهم تسلق أشجار الفواكه المنبثة بالقرب منه فأناجيه في صمت ونتبادل نظرات الود فآخذ الماء بين يدي وأسكبه من جديد وأشعة الشمس تنعكس عليها فتبدو لي مبتسمة وأحيانا ضاحكة فأعلم أن غديري منتشي مثلي باللقاء وأهب واقفا ثم أغطس وكأني أرتمي بين أحضانه .
    كنت أهاب الجن وما يروى عنهم وعن تواجدهم في المروج القريبة من الماء . وكنت أتخيلهم منبثين في أرجائه يحومون من حوله متربصين بمن هناك . وكان أحد رفاقي يحذرني من رمي الحصى على الغدير خشية إصابة صبي من صبيانهم فأتعرض لأذاهم . هذا الرفيق شاهدني يوما وأنا أرمق باهتمام "أم هاني" وهي تسبح مترنمة بعيطة جبلية لذيذة . وربما لمس مني افتتانا بها فما كان منه إلا أن أسر لي هامسا وهو يجذبني بعيدا عن الآخرين :"ابتعد عنها .. إنها مسكونة" . كنت اتغلب على خوفي بإلقاء التحية على غدير شامة في حلي وترحالي ، ونثر بعض أعشاب "الدرو" على صفحة مائه وأنا أغادره عند غروب الشمس . وحين نبدأ بالصعود نحو القرية مارين بأشجار المشمش والكرز والإجاص والخوخ ، كنت ألتفت إليه من أعلى وهو يزيد نزولا وأبتسم .. بل وأشير إليه خفية كي لا ينتبه إلي أحد فأكون عرضة للسخرية .
    واليوم .. لا زلت أواظب على لقاء غديري كلما سنحت لي فرصة بزيارة مرتع طفولتي ومهد صباي . فأقف على الجسر لحظات أتأمله قبل ان أستجيب لدعوته الصامتة وأنزل إليه لأجلس على صخرة وأغمس قدمي في مائه البارد .. فأحس برعشة تسري في جسدي وأعلم أن صلتي به لم تنقطع وأن علاقتي به باقية إلى الأبد .
    التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني; الساعة 13-07-2018, 18:34.
  • فوزي سليم بيترو
    مستشار أدبي
    • 03-06-2009
    • 10949

    #2
    جميل هذا الوصف للمكان
    وجدت القصة غائبة هنا وأنتظر بعد كل هذا الجهد الولوج ألى حدث
    يجذبني ويحرك الشوق داخلي .
    الزميل الجميل رشيد الميموني
    تحياتي لك
    فوزي بيترو

    تعليق

    • رشيد الميموني
      مشرف في ملتقى القصة
      • 14-09-2008
      • 1533

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة فوزي سليم بيترو مشاهدة المشاركة
      جميل هذا الوصف للمكان
      وجدت القصة غائبة هنا وأنتظر بعد كل هذا الجهد الولوج ألى حدث
      يجذبني ويحرك الشوق داخلي .
      الزميل الجميل رشيد الميموني
      تحياتي لك
      فوزي بيترو
      جميل أن تحظى قصتي بهذا الثناء منك أخي فوزي .
      ورائع أن تجد من يخرجها من الرفوف (ابتسامة)
      شكرا لك من كل قلبي ..
      مع خالص محبتي وتقديري ,

      تعليق

      • سليمى السرايري
        مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
        • 08-01-2010
        • 13572

        #4


        فعلا الوصف جميل جدا ذكّرني بـــ "بول وفرجيني"رواية
        صاغها الكاتب والأديب المصري المعروف مصطفى لطفي المنفلوطي بعد ترجمته لها من اللغة الفرنسية وجعلها بعنوان الفضيلة وتسرد هذه القصة عدة أحداث لعل من أهمها الحب العذري "لبول وفرجيني" لبعضهما، والمكافحة لأجل بقاء وديمومة هذا الحب خالدا للأبد في قلوبهم الندية.
        وهي في الأصل رواية للكاتب الفرنسي برناردين دي سان بيير .

        لفت نظري وشدّني وصفك لكلّ هذه الطبيعة الساحرة وجعلتني أذهب هناك وأركض حافية القدمين على ضفاف الغدير أو لعلّي أشارك النسوة غنائهن وفرحهنّ الفطري بعيدا عن ضوضاء المدن.
        وهذا ليس بغريب عنك و انت ابن الط بيعة و تلك الجهة الجبليّة من المغرب الشقيق.

        رائع حقا ما كتبت صديقي الكاتب رشيد ونتمنى أن تتحفنا من حين لآخر بمثل هذه الأماكن التي يحلو اكتشافها.


        ملاحظة:
        بعض الأخطاء المطبعية

        لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

        تعليق

        • رشيد الميموني
          مشرف في ملتقى القصة
          • 14-09-2008
          • 1533

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة سليمى السرايري مشاهدة المشاركة

          فعلا الوصف جميل جدا ذكّرني بـــ "بول وفرجيني"رواية
          صاغها الكاتب والأديب المصري المعروف مصطفى لطفي المنفلوطي بعد ترجمته لها من اللغة الفرنسية وجعلها بعنوان الفضيلة وتسرد هذه القصة عدة أحداث لعل من أهمها الحب العذري "لبول وفرجيني" لبعضهما، والمكافحة لأجل بقاء وديمومة هذا الحب خالدا للأبد في قلوبهم الندية.
          وهي في الأصل رواية للكاتب الفرنسي برناردين دي سان بيير .

          لفت نظري وشدّني وصفك لكلّ هذه الطبيعة الساحرة وجعلتني أذهب هناك وأركض حافية القدمين على ضفاف الغدير أو لعلّي أشارك النسوة غنائهن وفرحهنّ الفطري بعيدا عن ضوضاء المدن.
          وهذا ليس بغريب عنك و انت ابن الط بيعة و تلك الجهة الجبليّة من المغرب الشقيق.

          رائع حقا ما كتبت صديقي الكاتب رشيد ونتمنى أن تتحفنا من حين لآخر بمثل هذه الأماكن التي يحلو اكتشافها.


          ملاحظة:
          بعض الأخطاء المطبعية

          العزيزة سليمى ..
          أن تحظى قصتي باهتمام وحفاوة شاعرة وأديبة بحجمك فإن هذا يبعث على الفخر والاعتزاز ، ويجعل شهادتك وساما على صدري .
          لم تجانبي الصواب حين ذكرت صلتي الوطيدة بالطبيعة .. فقد ربيت في أحضانها ورضعت من مائها فصارت تسكنني وتحتل كل جزء من كياني .
          الكلمات لا يمكنها إيفائك حقك من الشكر ..
          لك مني أصدق المودة وأجمل التحايا اللائقة بمقامك .

          تعليق

          • سامر بوغانمي
            أديب وكاتب
            • 06-02-2014
            • 103

            #6
            دقة عالية في التصوير كأنها لوحات نشاهدها
            سرني أن قرأت لكم أخي رشيد و يسرني أن أقرأ لكم في المستقبل
            باذن الله
            تحيتي و تقديري

            تعليق

            • رشيد الميموني
              مشرف في ملتقى القصة
              • 14-09-2008
              • 1533

              #7
              المشاركة الأصلية بواسطة سامر بوغانمي مشاهدة المشاركة
              دقة عالية في التصوير كأنها لوحات نشاهدها سرني أن قرأت لكم أخي رشيد و يسرني أن أقرأ لكم في المستقبل باذن الله تحيتي و تقديري
              أخي الغالي سامر .. شرف كبير أن تحظى نصوصي باهتمامك وسعادة غامرة بثنائك الذي سيحفزني للمزيد من العطاء.شكرا لك من كل قلبي على حفاوتك .ولك مني كل المودة والتقدير .

              تعليق

              • محمد مزكتلي
                عضو الملتقى
                • 04-11-2010
                • 1618

                #8
                الأخ رشيد الميموني:

                أقول ما قاله الزملاء هنا...وصف رائع.
                وأزيد عليه أنه مشوق أيضاً.
                يشدك إلى التمني بزيارة المكان الذي حظي بهذا الإبداع الأدبي والفني.
                لو وظف هذا الإسلوب البارع في حكاية لما نقص من روعته شيء.

                رأيت النص ينتمي لأدب الرحلة...رحم الله المازني وتوفيق الحكيم.

                صباح الخير على الأحباب.
                أنا لا أقولُ كلَّ الحقيقة
                لكن كل ما أقولهُُ هو حقيقة.

                تعليق

                • رشيد الميموني
                  مشرف في ملتقى القصة
                  • 14-09-2008
                  • 1533

                  #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة محمد مزكتلي مشاهدة المشاركة
                  الأخ رشيد الميموني:

                  أقول ما قاله الزملاء هنا...وصف رائع.
                  وأزيد عليه أنه مشوق أيضاً.
                  يشدك إلى التمني بزيارة المكان الذي حظي بهذا الإبداع الأدبي والفني.
                  لو وظف هذا الإسلوب البارع في حكاية لما نقص من روعته شيء.

                  رأيت النص ينتمي لأدب الرحلة...رحم الله المازني وتوفيق الحكيم.

                  صباح الخير على الأحباب.
                  الأخر العزيز محمد ..
                  لا يسعني إلا أن أسعد وأعتز برايك هذا في كلماتي المتواضعة ..
                  ثناؤك الحاتمي على نصي تحفيز لي على مواصلة العطاء .
                  شكرا من أعماق القلب ..
                  مع خالص مودتي وتقديري

                  تعليق

                  • عائده محمد نادر
                    عضو الملتقى
                    • 18-10-2008
                    • 12843

                    #10
                    مساء الخير ميموني
                    سرد انساب بهدوء كخرير مياه الغدير
                    الاحداث هادئة تتخللها بعض الذكريات التي دخلت مخيلتي وخرجت دن ضجة وكنت أتمنى عليك أن تحدث الضجيج والصخب لأنك تستطيع ذلك
                    كن بخير صديقي
                    الشمس شمسي والعراق عراقي ..ماغير الدخلاء من أخلاقي .. الشمس شمسي والعراق عراق

                    تعليق

                    • رشيد الميموني
                      مشرف في ملتقى القصة
                      • 14-09-2008
                      • 1533

                      #11
                      المشاركة الأصلية بواسطة عائده محمد نادر مشاهدة المشاركة
                      مساء الخير ميموني
                      سرد انساب بهدوء كخرير مياه الغدير
                      الاحداث هادئة تتخللها بعض الذكريات التي دخلت مخيلتي وخرجت دن ضجة وكنت أتمنى عليك أن تحدث الضجيج والصخب لأنك تستطيع ذلك
                      كن بخير صديقي
                      تعليقك البهي أحدث فعلا صخبا في نفسي واستفز قلمي للمزيد من السرد على ضفة غديري .
                      أختي الكريمة عائدة .. لا ـدري كيف أشكرك ..
                      هو شكر ممزوج باعتذار على تأخري في الرد .
                      لك أجمل الورود اللائقة بك .

                      تعليق

                      يعمل...
                      X