" حرب على المبادئ والقيّم "
****
****
قال الشّاعر إيليا أبو ماضي :
جِئتُ لا أَعلَمُ مِن أَين وَلَكِنّي أَتَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
وَلَقَد أَبصَرتُ قُدّامي طَريقاً فَمَشَيتُ
وَسَأَبقى ماشِياً إِن شِئتُ هَذا أَم أَبَيتُ
حتى وان كان هناك من ينكر مثل هذه الأبيات على الشاعر المخضرم . فإن معناها قريب جدّا من الواقع المرير الذي نعيشه . واقع يتميّز بمحاولات التملّص من المسؤولية والهروب إلى الأمام. وإلقاء اللّوم على غيرنا. شخصيا لا أعرف إلى من أوجّه هذا اللّوم ، إلى أبوين مختلفين جمعت بينهما ظروف الاستدمار القاهرة ، فالتقيا صدفة ؟ أم إلى مجتمع تعرّضت مقوّماته للتدليس والتدنيس ، وتفشّت فيه أمراض شتّى ، الجهل والخرافة ؟ . فعندما كنت صغيرا لا أعود إلى البيت إلاّ حين أشعر بالكلل والملل ، ويرغمني الجوع والعطش على المثول أمام المرحومة والدتي – طيّب الله ثراها - ، كمثل الكلب المشرّد ، والمتسوّل الحقير. كنت حينها الطفل الوحيد المدلّل ، الذي لا يهمّ ما يفعله لأنّه لا يُسأل عن أفعاله . كنت ألعب وحيدًا وأحيانا مع أقراني ، أتشاجر معهم في أغلب الأحيان ، ومع الكبار أيضًا ، وأحتمي بصورة وسمعة أبي آنذاك ، فلا اشعر بالخوف إلاّ عندما يكون أبي حاضرًا أمامي . لكن الذي حماني من معاقبة الآخرين لي ، لم يقدر على حمايتي من الانحراف الذي شابني . كنت مجرّد طفل صغير في مجتمع لا يزال لحد الآن يتعاطى السّحر والشّعوذة بغطاء سياسي وديني . ولولا عناية الله ما وجدنا أمامنا كتابًا مباركًا واحدًا، ولا بقي شيء من الدّين القويم ، وسط مظاهر المجون والخلاعة التي توارثناها أبًا عن جد ، عن المستدمر اللّعين وأضحت ثقافة بتينّاها المجتمع . لكنّنا الآن أدركنا حجم المؤامرة ، إنّها ليست مجرّد نظريّة من وحي الخيال ، أو لعبة في يد صبيان . بل هي حرب حقيقية معلنة على الدّين والعقيدة في المكان والزّمان . ففرنسا الصهيومسيحية لم ولن تتخلّى أبدًا عنّا ، حتّى نتخلّى نحن عن عقيدتنا ، لغتنا وديننا ، ونعيش كالهنود الحمر كي تتركنا نعيش بسلام . وفرنسا التي كانت ولا تزال من وراء كل المصائب التي حدثت وتحدث الآن ، فهي التي تستنزف ثرواتنا وتحمي الفاسدين . وهي من وراء تدنّي المستوى الثقافي في بلادنا ، وهذه وزيرة التربية والتعليم ، المسؤولة الأولى عن القطاع ، لا تحسن الكلام بالعربية لكنّها بقيت تحتفظ بمنصبها رغم كل الفضائح والتجاوزات ... ودور النّشر التي أصبحت تنشر الرّداءة ولا تهتم سوى بحصّتها من الفوائد ، والتي تجنيها من خلال بشر ها لمواضيع تجاوزها الزّمن مقارنة بمستوى النّشر في المجتمعات التي تحترم قرّاءها . وأصحابها ، " أشباه كتّاب وأنصاف متعلّمين " ، لا يعرفون أبسط القواعد ، ويوجد بين يدي في هذه الآونة ، كتاب لا تفرّق صاحبته فيه بين الجار والمجرور ، ولولا بعض الاعتبارات لفضحتها الآن وأنا أكتب .و هذا الاعلام الذي لا يستحي أصحابه من ممارسة التزمير والتطبيل والضّحك على الذقون في زمن ، العالم فيه صار عبارة عن قرية ، هو الآخر جزء من هذه المؤامرة الدّنيئة ، بترويجه لكل رديء وفاسد . وحتّى بيوت الله هي الأخرى لم تسلم ، فبعد تأميمها وتجريدها من طرف السلطة سحبت منها حق أئمّتها من التعبير ، والذين باعوا أخراهم لأولاهم . فأمسى الإمام كغيره من الموظّفين التّابعين ، وفقد مصداقيته ، ولم يعد قدوة لغيره ، لأنّه وضع " الشهريّة " نصب عينيه وصار همّه الوحيد هو الأجر الذي يتقاضاه .عندما تقرأ أو تسمع عن حكاية شعب قدّم الغالي والرّخيص دفاعًا عن قيّمه ومبادئه ، ثم تعود إلى الواقع فلا تجد أثرًا لتلك المبادئ والقيّم التي ناضل من أجلها ، فإنّك حتمًا ستدرك مدى حجم المؤامرة ، والتي بدأت بالإطاحة بالخلافة العثمانيّة أوّلاً ، لتنتهي بحرب قذرة بدأت بظهور اليمين المتطرّف في الغرب المتصهين ، ثمّ تنامت لتصبح إسلاموفوبيا . وهذا الإعلان المشؤوم الأخير ، عن قيام دولة يهوديّة في أرض إسلاميّة مغتصبة .
تعليق