أربعين سنةً يتيه حي بن يقظان في الغاب، بحثاً عن طوق الحكمة المفقود. تلك الشجرة الملعونة تحجب بأغصانها الكثيفة ما وراء الأوراق. يكاد الجمل أن يلج في سم الخياط، و لا يزال العقل في حيرة هل إلى خروج من سبيل؟ بعد عقود أربعة من التيه، استظل تحت الشجرة لعل الكهل يستريح بعض الوقت من صخب بحث طويل أثقل الكاهل. ما تكاد العين تغفو حتى سمع صوتا ينادي: أن يا حيُّ صدق الرؤيا! بسم الله هز إليك بجذع الشجرة، تساقط عليك رطباً من علوم شتى؛ ثم اجعل على كل جذع كتاباً يأتينك بالمعرفة سعياً. أن يا حي، اقرأ، اقرأ، اقرأ! و لا يخرجنك غرور العقل من رحمة المولى فتشقى؛ و احذر أن يزيغ فكرك فيطغى؛ فلا تمدن عينيك إلى ما سوى الكتب تصلك أنوار العلم تترا. ثم سر في الغاب على أثرها و لا تلتفت، تهديك إلى سبيل الرشاد فتحيا؛ حتى إذا بلغت ماء الواحة وجدت عنده عباداً سيماهم في أفعالهم؛ اصبر نفسك معهم ولا تسأل عن شيء حتى يحدثوا لك منه ذكرا. فإن فعلت و صبرت، و لزمت و اقتديت، أوتيت الحكمة و حزت خيراً كثيرا. فعندها قل: ذلك ماكنت أبغي و اذكر ربك بالحمد لله الذي هداني لهذا، وكفى.
م.ش.
م.ش.
تعليق