
**
رسالة إلى المعتصم
***
أعرف أن رسالتي هذه لن تتجاوز سطورها مربّع هذا الجهاز ، ومع ذلك قرّرت أن أكتبها ، مهما كلّفني الأمر . لأنّني ببساطة ، سئمت من الواقع ، ومن الحالة المزرية وأنا أعيش في هذا المربّع الذي يسمّونه " الوطن " . لكنّه زنزانة كتلك التي تركوني فيها منزويًّا ذات غدر ، وراحوا يزفّون البشرى لأسيادهم . لأنّني كنت شوكة في حلقهم ، وعائقًا أمامهم .كنّا فيها ، مثل علبة السّردين ، بلا ثقوب ولا تهوية ، عدا نافذة في أعلى نقطة لا تدركها الأيادي ، يصعد القوي على الضّعيف لنستعير منه الأكسجين . بحثت عن غير الوطن الذي أنا فيه ، وعن ثالث ورابع وآخر ، وعن أيّ وطن يكون عربيًّا ، فأدركت أن الأوطان العربيّة كلّها قد غزاها القيد والحدود . عندها رحت أكلّم نفسي ، وقرّرت أن أذهب إلى البلاد البعيدة التي لايُظلم فيها النّاس. تقدّمت إلى سفاراتهم ، وقفت طويلاً حتّى تشقّقت رجلاي ولم تعد تقدر على حملي ، وافترشت التراب. فكّرت في ركوب الأهوال فلم تهن نفسي عليّ ، فأحجمت . الآن وقد انتهى المطاف بي إلى وطن غير الذي كنت أرغب فيه ، وأخطأت لمّا أدركت أن مصيري سينتهي بنفس القيود عند الحدود.أنا الآن في غربة أحن إلى وطن ، أترقّب الحرّيّة بجسدي العاري وصدري المفتوح ؛ وكل الظّنون والشّكوك تحوم من حولي وأنا أعاني من الهواجس التي تؤرّقني ، بلا روح ولا وطن .
أين العروبة ؟اأين الشّهامة ؟الا نخوة ولا كرامة اا.
رحت أنهل من كتب التّاريخ ، لأن التي أمامي أصحابها لا يصنعون سوى الكذب . وقلت في نفسي لا يقدر على أستعادة الوطن المُغيّب سواك سيّدي ؛ أرفع قبّعتي لك ، إجلالا وتقديرًا ، و اعتزازا وفخرا . أنا الذي كنت أُعاني من غربة في وطني ، الأوّل و الثّاني ، سألت عنك لما قرأت كتابك إلى كلب الرّوم :
؛ لتخرجنّ من المدينة أو لأخرجنّك منها صاغراً ذليلاً "
وأنا أقرأ عليك رسالتي سيّدي وأعرف مسبقًا ، أن الوطن لا يعني بالنسبة إليك سوى صنمًا . لكنّني لا أملك عزّا ولا جاها ولا عطفا . ورغم ذلك لن أيأس ، وسأظلّ صابرًا صامدًا، يحدوني الشّوق و الأمل .
تعليق