الحقيقة والوهم بين توهُّم الحقيقة وتحقُّق الوهم
(مقالة فذلكية).
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، ثم أما بعد: خطر على بالي وأنا أتهيأ لصلاة الصبح لهذا اليوم المبارك، يوم الجمعة 20 من ذي الحجة 1439 الموافق لـ31 أغسطس 2018، فكرةٌ عجيبة أحببت إشراككم فيها لعلي أستفيد من مناقشاتكم الكريمة لها؛ ومفاد هذه الفكرة هو:"جهلنا بالشيء الموجود حقيقةً لا ينفي وجوده كما أن معرفتنا بالشيء المفقود لا يثبت وجوده"، ومثالهما: أن جهلنا بوجود أقوام ما زالوا يعيشون حياة بدائية ساذجة "متوحشة" (؟!!!) في أدغال الأمازون أو في صحاري إفريقيا أو في جزر إندونسيا النائية المعزولة لا ينفي وجود تلك القبائل البدائية؛ كما أن معرفتنا بجزر "الواقواق"، أو "قارة أطلانطيس" الغارقة، لا يثبت وجدودهما، هذا ما أصبحت أفكر فيه ثم احترت في اختيار العنوان المثير للاهتمام فجاءني العنوان المثبت، ولست أدري ما مدى إصابته الحقيقةَ أم تراه هو كذلك غارق في الوهم؟ لست أدري.(مقالة فذلكية).
هذا "قانون" منطقي، بديهي، قد لا يختلف فيه اثنان، حسب ظني، {وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}، وقد رقَّيتُه إلى مستوى "القانون" لإحساسي الدفين أنه كذلك، بل هو عندي من البديهيات التي لا يُعقل أن يختلف فيه اثنان يملكان ذرة من العقل وذرتين من التمييز ما يُرَكَّبُ به "ماءُ التفكير" السليمُ غيرُ الملوَّثِ، وما أكثر ملوِّثات التفكير في عصرنا المتعب هذا ! ومن قنوات التلويث الخطرة: وسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأشكالها وأدوارها، والله المستعان، وهل هناك من ينكر دور وسائل الإعلام في صناعة الرأي وتوجيهه والتأثير فيه وما إلى غير ذلك من الآثار؟
من الأمثلة الماثلة للعيان ما يكثر الحديث عنه في مسألة "المؤامرة" على الإسلام وعلى المسلمين وعلى ثرواتهم الثقافية والتاريخية والمادية والمعنوية (الأخلاقية) والاجتماعية إلى غير ذلك مما تتعرض له الأمة الإسلامية من هجمات شرسة من القوى المعادية لها [ينظر موضوعي المثير للجدل في وقته: "المؤامرة على الإسلام و [على] الأمة الإسلامية: قضية عَقَدية و حقيقة تاريخية" والذي لم نكمله للأسف الشديد]، فهل هذه "المؤامرة" على كل ما سبق ذكره، وعلى ما لم يذكر، حقيقة أم وهم؟ وهل نفي المؤامرة يلغي وجودها؟ حتى قيل: "إنكار المؤامرة من المؤامرة"؛ وسؤال بديهي آخر يخطر على بالي الآن وهو: هل ما يحدث في العالم، الإنساني طبعا، شيء ألبتة غير مخطط له أو غير متآمر عليه أو له؟ هذا تساؤل آره واجبا عرضه على النفس وعلى الناس ليدبَّروه وليفكِّروا فيه وليس ليستدبروه وليسخروا منه؛ أرى أن "نفي المؤامرة" على الإسلام وعلى المسلمين، أقول هذا استطرادا وليس هو موضوعي هنا، "حقيقةٌ" تحاول إثبات وهم كبير وخطير، وهو إنكار المؤامرة، موجودةٌ فعلا ويتأكد وجودُها في كل يوم بل في كل ساعة بل في كل لحظة.
ولنعد إلى حديثنا بعد هذا الاستطراد للتمثيل فقط، يقال:"إن الإنسان إنما هو تفكيره"، أو ما يشبه هذا التعبير، ولو رحنا نسترسل في التمثيل لقلت:"قل لي كيف تكفر أقل لك من تكون"، هذا تمكنا من معرفة كيف يفكر الإنسان، أو:"قل لي فيمَ تفكر أقل لك من تكون"، وهذا التعبير أقرب إلى ... "الحقيقة" لأن الإنسان يعرف فيما يفكر ولا يعرف كيف يفكر، وهذا موضوع آخر أعيا علماءَ النفس وعلماءَ التشريح البحثُ فيه.
إذن، تفكير الإنسان، أي إنسان، عالما كان أو جاهلا، قارئا أو أميا، موزع بين معرفة الحقيقة وتوهم عكسها، ولو رحنا نحسب النسبة لقلنا إن نسبة الوهم في تفكير الإنسان أكبر بكثير من نسبة الحقيقة فقد تكون للحقيقة بنسبة 20% وبنسبة 80% للوهم وكلما صغُرت نسبة الوهم كبُرت نسبة الحقيقة وهكذا وفوق كل ذي علم عليم، والله أعلم ونسبة العلم إليه، سبحانه، أسلم وأحكم وأفهم.
هذا ما أحببت إشراككم فيه مما خطر على بالي هذه الصبيحة المباركة، صبيحة يوم الجمعة، عسانا نتشارك هم التفكير في الحقيقة، والحق، وفي الوهم، والباطل، كذلك وإن أمة تفكر هي أمة حيَّة وليست ميتة، فقراءة ممتعة وتفكير موفق إن شاء الله تعالى.
تعليق