إذا أردت إحصاء كل ما ذكر حول تعريف النجاح وأسباب النجاح و نماذج الشخصيات الناجحة لما كفتني رفوف بيت الحكمة العباسي و لما سعت للمقال خزانة الكونجريس الأمريكي. وبالمقابل، فإنني لن أفاجأ من هزالة المحصول و قتارة الإنشاء لو قمت بجرد ما خلفته البشرية من أثر للفشل. والسبب في المفارقة الجسيمة بين ما حازه - ولا يزال يحوزه - مفهوم النجاح من إسراف في القول و ما يكاد يلازم تعريف الفشل في مخيلة الشعوب، أفراداً وجماعاتٍ ، من شحٍ في السرد، راجع بالضرورة إلى ثقافة راسخة في الأذهان ترعرعت عليها جماهير غفيرة من الأجيال؛ وهي الثقافة نفسها التي اختزلتها الحكمة العبرية البليغة: Le succès a plusieurs pères; l’échec est orphelin: النجاح متعدد الآباء؛ الفشل يتيم.
ويا للأسف! فإنني كلما أمعنت النظر في سير العظماء ممن شهد لهم التاريخ بالنجاح الخارق كل في ميدانه، و كلما حاولت قراءة ما بين الأسطر في دفاتر الفتوحات المنمقة و كتب الانتصارات المرشقة، كلما وجدت أثراً لفشلٍ دفين كان له الفضل على نجاحاتٍ شامخة.
ولماذا أحلق بعيداً لآتي بدل المثال الواحد على المقال ألفاً، و لي في سيرتي الذاتية ما يغنيني عن التحليق!؟ كلما ذكرت لمحاورٍ أن أكبر شيء كنت - ولا أزال - أكرهه يتجسد في المدرسة و الدراسة، يكاد يصاب بأمرين: الدهشة مما أزعم أو نعتي بالتهكم (وربما سبق لي أن لاحظت التفاعلين في آن). مع أنها الحقيقة المطلقة، هاك الدليل: من اطلع على بعض ما أكتب في اللغتين الفرنسية و الإسبانية، و جزء منه منشور على صفحات الملتقى، لن يندهش مما أكتب الآن حول علاقتي بالمدرسة. فأنا منذ الصغر أوثر اللعب و السفر و الهروب إلى البراري على أن أحمل كراساً بئيساً أو أن أفني أحلى لحظات حياتي في حفظ مالايجدي من النثر والسرد و الشعر. و سيرتي الذاتية حافلة بشتى ضروب الفشل و أنواعه على رأسها أذكر أنني رسبت سنتين متتاليتين في مرحلة الإعدادي و كان الطرد من المؤسسة نهائياً هو جزائي إن رسبت في الثالثة! لكن شاءت الأقدار أن أشحد الهمة و أنجو بما تبقى من دم الوجه فنجحت عند المرحلة الحاسمة. ثم إنني لما بلغت السلك الجامعي و إن كنت نبيهاً إلا أنني كثيرا ما كنت أنتظر فرصة الهروب من الفصل دون مبالاة بما يفوتني من شرح لمادة قد تكون موضوع الاختبار. بل أتى علي حين من الدهر أنني تنازعت مع أستاذة كندية كانت تدرسني مادة المدارس الفكرية في علوم التواصل حين طلبت مني أن أقدم دراسات مستفيضة حول ما جاء حول بعض المدارس الفكرية لم تكن تروق لي شخصياً، لذلك قابلتها بالرفض فكدت أرسب في المادة (والرسوب في السلك العالي في حالتي كان جزاؤه إما الطرد أو العار؛ و في الحالتين قل وداعاً لكل حظوظ التدريس لاحقاً!) لكن مرارة الفشل هاته جعلتني أفيق و أستدرك قبل أن تصطدم السفينة بالرصيف فتحدث الكارثة.
أمثلة حية لدور الفشل في حياة ناجحة سوف يجدها كل من توقف لحظة نزيهة مع الذات. حينئذ، لن نتوانى في ذكر فضائل الفشل علينا و خصوصا لن ننعت بعد أحداً بالإنسان الفاشل. وكما تقول الحكمة الصينية المأثورة: "كل فشل هو خطوة نحو النجاح".
م.ش.
ويا للأسف! فإنني كلما أمعنت النظر في سير العظماء ممن شهد لهم التاريخ بالنجاح الخارق كل في ميدانه، و كلما حاولت قراءة ما بين الأسطر في دفاتر الفتوحات المنمقة و كتب الانتصارات المرشقة، كلما وجدت أثراً لفشلٍ دفين كان له الفضل على نجاحاتٍ شامخة.
ولماذا أحلق بعيداً لآتي بدل المثال الواحد على المقال ألفاً، و لي في سيرتي الذاتية ما يغنيني عن التحليق!؟ كلما ذكرت لمحاورٍ أن أكبر شيء كنت - ولا أزال - أكرهه يتجسد في المدرسة و الدراسة، يكاد يصاب بأمرين: الدهشة مما أزعم أو نعتي بالتهكم (وربما سبق لي أن لاحظت التفاعلين في آن). مع أنها الحقيقة المطلقة، هاك الدليل: من اطلع على بعض ما أكتب في اللغتين الفرنسية و الإسبانية، و جزء منه منشور على صفحات الملتقى، لن يندهش مما أكتب الآن حول علاقتي بالمدرسة. فأنا منذ الصغر أوثر اللعب و السفر و الهروب إلى البراري على أن أحمل كراساً بئيساً أو أن أفني أحلى لحظات حياتي في حفظ مالايجدي من النثر والسرد و الشعر. و سيرتي الذاتية حافلة بشتى ضروب الفشل و أنواعه على رأسها أذكر أنني رسبت سنتين متتاليتين في مرحلة الإعدادي و كان الطرد من المؤسسة نهائياً هو جزائي إن رسبت في الثالثة! لكن شاءت الأقدار أن أشحد الهمة و أنجو بما تبقى من دم الوجه فنجحت عند المرحلة الحاسمة. ثم إنني لما بلغت السلك الجامعي و إن كنت نبيهاً إلا أنني كثيرا ما كنت أنتظر فرصة الهروب من الفصل دون مبالاة بما يفوتني من شرح لمادة قد تكون موضوع الاختبار. بل أتى علي حين من الدهر أنني تنازعت مع أستاذة كندية كانت تدرسني مادة المدارس الفكرية في علوم التواصل حين طلبت مني أن أقدم دراسات مستفيضة حول ما جاء حول بعض المدارس الفكرية لم تكن تروق لي شخصياً، لذلك قابلتها بالرفض فكدت أرسب في المادة (والرسوب في السلك العالي في حالتي كان جزاؤه إما الطرد أو العار؛ و في الحالتين قل وداعاً لكل حظوظ التدريس لاحقاً!) لكن مرارة الفشل هاته جعلتني أفيق و أستدرك قبل أن تصطدم السفينة بالرصيف فتحدث الكارثة.
أمثلة حية لدور الفشل في حياة ناجحة سوف يجدها كل من توقف لحظة نزيهة مع الذات. حينئذ، لن نتوانى في ذكر فضائل الفشل علينا و خصوصا لن ننعت بعد أحداً بالإنسان الفاشل. وكما تقول الحكمة الصينية المأثورة: "كل فشل هو خطوة نحو النجاح".
م.ش.
تعليق