نكران
بقلم
منيرة الفهري


رن الهاتف ملحا، نظرت إلى الساعة المعلقة على الحائط... كانت تشير إلى الثانية بعد الزوال... كان رقما لا أعرفه... مسكت الهاتف..بقلم
منيرة الفهري


- آلو...
- أنا جهان.. عالسلامة عمتي... حبيت نقلك عيدك مبروك...
- جهان؟ و عيد؟ أي عيد و قد مضى على العيد أكثر من أسبوع؟
خفق قلبي ... فجهان لم تطلبني من أشهر... منذ أن قررت أن تبتعد عني و طلبت مني بكل إلحاح أن أتركها تعيش عند خالاتها...
- أهلا جهان.. "أنت لاباس؟"
- نعم
- انتظرك بفارغ الصبر فالعام الدراسي على الأبواب... هل ستعودين؟
- لا....
سقط الهاتف من يدي... و قد أحسستُ ببرودة تعتريني من رأسي حتى أخمص قدمي....
لا؟ ما معنى لا... و قد عدّلت حياتي كلَّها على صوتها... حركاتها... دخولها و خروجها من المنزل ذاهبة إلى المعهد... أنظر إليها فأسعد بوجودها بقربي و أهنئ نفسي بهذه الوردة المفتحة الجميلة التي رزقني اللهُ إياها عند الكبر...
لا؟ ما معنى لا؟ و أنا التي لم تعد تهمني سوى سعادتها .. نجاحها و تألقها...
لا؟ هل ستجد حضنا أحن عليها من حضني بعد أن فارقها أبوها و أمها رحمهما الله؟ هل سيمنحها القدر إخوة أحن من أبنائي عليها؟ هل ستجد أبا بديلا أحسن من زوجي الذي أحبّها بصدق و آلى على نفسه أن يرعاها و يحفظها و كان يخاف عليها من " الهوى الطاير"... و كان في كل مرة يحتضنها و يقول لها: "أعطيك عيني يا جهان ...المهم أن تكوني متميزة في دراستك "عيش بنتي".
لماذا يا جهان؟ هل طلبتِ شيئا لم أنفذه لك و فورا؟ هل كان ينقصك أي شيء؟ هل كنت تشتكين من أي شيء و أنت معي؟
كنت لك الأب و الأم و العمة الحنون طيلة أربع سنوات... و بنيت آمالا كثيرة ... و خططت لحياتك و رجوت الله أن يطيل عمري لأراك يانعة مسؤولة... تركبين سيارتك و تذهبين إلى العمل... و حلمت ... حلمت... حلمت بك تلهثين فرحة سعيدة لتزفي لي خبر نجاحك في الباكالوريا... حلمتُ بي و أنا أوصلك إلى الجامعة و أحمد الله على تألقك... حلمتُ بفرحة في بيتي و الكل يهنئني بتعيينك في أحد المعاهد أستاذة إنجليزية... كما كنت تريدين دائما ... حلمت و أنا أمسك يديك و أزفك إلى بيت الزوجية سعيدة متميزة متألقة ... حلمت و أنا أرفع رأسي فخورة بك و أقول: "هذه ابنتي التي ربيتها و أحسنت تربيتها..".
لا؟ لماذا و جدران بيتي تهتف باسمك كل يوم و تفتقدك؟...لماذا و حديقة بيتي لازالت تنتظرك تكبرين بين أشجارها و تتفتحين مع أزهارها...؟
لماذا و درب منزلي يفتقد خطاك و يسألني عنك فلاااااا أجد إجابة...؟؟؟؟
لماذا و قد كنت أحسب أنك قدري و كل أزمنتي؟...
لماااذاااااا؟
نكران الجزء الثاني :
تعليق