صفحات من تاريخ ولاية بنزرت في تونس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    صفحات من تاريخ ولاية بنزرت في تونس

    هذه الصفحات هي جزء من كتاب سيصدر قريبا للباحث حاتم سعيد
    تعريف بالكاتب: من مواليد الماتلين في ولاية بنزرت.
    صدر له :
    - "تاريخ الماتلين-سفر في قساوة الوثيقة والحجارة"
    -"رصاصة واحدة لا تكفي" رواية تدور حول استشهاد البشير سعيد في 02 أوت 1937 زمن الاستعمار الفرنسي لتونس"
    -ترجمة لرواية الأديب محمد بليغ التركي"L'amour au temps de la honte" - بعنوان "الحب في زمن العار".
    مقدّمة:
    ينطلق التأريخ في ولاية بنزرت بحسب عديد المصادر التاريخية المكتوبة، مع رحلات التجار الفينيقيين القادمين من شرقي حوض البحر الأبيض المتوسّط والقاصدين ضفته الغربية نحو شبه الجزيرة الايبيرية أو ما يعرف اليوم باسبانيا، حين جعلوا من سواحل البلاد التونسية الشمالية وبالتحديد ما يعرف اليوم بولاية بنزرت مكان للاستراحة قبل مواصلة الرحلة.
    حين اختار هؤلاء التجار (الملاحون) الفينيقيون في تلك الفترة مكانا مميّزا أطلقوا عليه اسم أوتيك، جعلوه مرفأ بحريّا قارا يمكنهم من التوقف والتزوّد بالمؤونة، كان ذلك في القرن 12 قبل الميلاد. أي قبل ثلاثة قرون من تأسيسهم لأشهر مدينة في هذه الأنحاء وهي قرطاج عام 814 قبل الميلاد.
    لم تقدّم المراجع التاريخية وصفا للمنطقة قبل تأسيسهم لهذا المرفأ التجاري ولم تتحدّث عن الوجود البشريّ بل إنّها لم تذكر كيف قاموا بهذا الانجاز، وهل أنّهم كانوا يغادرون ويرجعون، أم أنّ منهم من استقرّ بالمكان؟
    مثلما اشتهرت مدينة قرطاج فقد نالت مدينة أوتيك أيضا تلك الشهرة وتربّعت كعاصمة للبلاد، غير أنّ الكارثة الطبيعية التي تعرّضت لها بفعل رواسب وادي مجردة، أدّى إلى طمرها تقريبا بالكامل وحوّلها إلى أثر بعد عين وبقيت أطلالها شاهدة على عراقتها.
    أما في مسألة الوجود البشري بمنطقة بنزرت قبل تأسيس أوتيكا ، فإن الأبحاث الأثرية قد أظهرت في السنوات الأخيرة أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ وذلك بعد قيام فرق استكشافية بتحديد المواقع التي شهدت هذا الاستقرار، فدلّت على عدد هائل من هذه التجّمعات التي وصل مجموعها إلى 35، وهي متركّزة خاصّة في أنحاء مدينة سجنان. وعلى السّاحل الغربي لمدينة بنزرت[1].
    [1] خريطة تبين مواقع التجمعات السكنية بمنطقة بنزرت في أزمنة ما قبل التاريخ

    1. التعريف بولاية بنزرت:

    هي إحدى ولايات الجمهورية التونسية الأربع والعشرين. وتقع شمالي البلاد وتبلغ مساحتها 3.685 كم² ، يقطنها حوالي 568.219 ألف نسمة حسب احصائيات 2014. و تبعد عن العاصمة تونس 64 كلم,
    يحدّها االبحر الأبيض المتوسط شمالا على طول (250 كلم), ومن الجنوب الغربي ولاية باجة, ومن الجنوب الشرقي ولاية أريانة و ولاية منوبة. مناخها معتدل و رطب و متوسط الحرارة فيها 22,8 درجة مائوية. ونجد فيها أعلى نقطة في القارة الإفريقية وتعرف بالرأس الأبيض(رأس انجلة).

    وتنقسم ولاية بنزرت إلى 14 معتمدية تشمل 16 منطقة بلديّة:
    1. معتمدية أوتيك: تضمّ قرى زهانة ،الحويض، هنشير الطاحونة، الفجة، أوتيك الجديدة، عين غلال، عين سمارة، باش حامبة، الدغمة، البسباسية، المبطوح، السكاك، البريج، غرناطة، سيدي عثمان.
    2. معتمدية بنزرت الجنوبية: تضمّ قرى لواتة و فروة و برج شلوف و بن عمر وتسكراية والمرقزين والمرازيق.
    3. معتمدية بنزرت الشمالية: تضمّ قرى الناضور وفجّة الريح وقصر لحمر والقصيبة ومرنيسة ووادي المرج وسيدي أحمد.
    4. معتمدية تينجة: تضمّ قرى عين الفروة، الخراطة، سيدي رزيق، الزغابة، دوار الشط.
    5. معتمدية جرزونة: تضم عديد الأحياء السكنية الحديثة.
    6. معتمدية جومين: تضمّ كل من : تاهنت- بازينة- أولاد غانم- السمان-الشنانة-كاف غراب-الطواجنية- رواحة- بالرايس.
    7. معتمدية رأس الجبل: تضمّ كل من عين الشرشارة، بئر الزرزور، قاع البلوط، رفراف، صونين، الماتلين، بني عطاء، راس الزبيب، القرية.
    8. معتمدية سجنان: الظواهرية، العبابسة، الغتمة، الهانية، المريفج، حدادة، سيدي مشرق، التمرة ، الطواجنية.
    9. معتمدية العالية: وتتبعها إداريا كل من قرية سيدي على الشباب – حريزة- الخيتمين.
    10. معتمدية غار الملح: تضمّ قرى باجو، عوسجة، الطويبية، الزواوين.
    11. معتمدية ماطر: تضمّ قرى، العوانة، الطرف، هنشير البرنة، هنشير الكحلة، الجبوز، جبل اشكل، أمّ الجنة، سيدي منصور، سيدي نصير، تاهنت، برج العدواني.
    12. معتمدية منزل بورقيبة: تضمّ الجواودة وعديد الأحياء السكنية الحديثة.
    13. معتمدية منزل جميل: تضم قرى العين الكبيرة، العزيب، هنشير المقاومين، مغراوة، منزل عبد الرحمان.
    14. معتمدية غزالة: وتضمّ قرى العرب، الذواودة، أولاد الماي، سيدي عيسى، ركب، بوجرير، سيدي منصور، جالطة.





    [1] خريطة تبين مواقع التجمعات السكنية بمنطقة بنزرت في أزمنة ما قبل التاريخ

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    #2
    مدينة بنزرت:

    هي مدينة عريقة، أسّسها الفينيقيون سنة 1100 ق.م، في موقع حصين عند مدخل المجرى المائي الذي يربط بين بحيرة بنزرت والبحر الأبيض المتوسّط، وقد أخذ هذا الموقع يتسع شيئا فشيئا إلى أن تحوّل إلى مدينة نشيطة لعبت أدوارا هامّة في مختلف الحضارات التي مرت بالبلاد التونسية لتصبح المدينة الـأبرز في الشمال وعاصمته الإداريّة والاقتصاديّة.
    لم يبدأ الكتّاب بالتحدّث فعليّا عن بنزرت إلاّ خلال القرن الثاني قبل الميلاد ،و أهم المصادر الأولى التي كتبت كانت باللغة اللاتينية واليونانية فعرفت هيبو أكرا Hippo Acra ؛ وهو اسم يجمع بين كلمتين فينيقية وليبيّة تكرّر معنى كلمة أكرا الفينيقية والتي تفيد (الحد / الرأس) ([1]) أو أيضا هيبا قريته/ قرية هيبه ([2]) ثم عرفت هيبو زياريتوس Hippo Ziarrhytus اسم تطور ليصبح هيبو دياريتوس Diarrhytus Hippo قبل أن يطلق عليها بنزرت.

    وقد قال عنها المؤرخ أبيان(Appien) ، هي مدينة فينيقيّة كبيرة في افريقيا ، محميّة بأسوار وجدر وموانئ وقاعدة بحرية عليها حراسة مشدّدة أقامها القائد الصقلي أغاثوكلاس وتقع بين قرطاج وأوتيك ولكن عندما قام جولينيوس بترجمة هذا الأثر إلى اللاتينية دعاها هيبو زاريتوس عوض هيبو أكرا التي كتبت باليونانية.
    المؤرّخ بوليب (Polybe) تحدّث عن هيباقريت (Hippacrite) بصيغة الجمع مفرد هيبو أكرا (Hippuacra)، ويسمّى ساكنيها هبه قريته ( Hippacrita ) وذكر أيضا أنّها قاومت ببسالة جيوش أغاثوكل القائد العسكري الصيقلي. الحديث عن هيبو زاريتوس (Hippon Zaretus) أو دياريتوس (HippoDiarytus) لا يمكن أن يعني في الواقع إلا مدينة (هيباجريت) (Hippagrite) في جميع المراجع التاريخية وقد دعاها ديودور الصقلي قلعة الحصان (Forteresse du cheval) موضحا أن أغاثوكل الذي انتصر على أوتيك وقام بإحراقها قام بترك حامية فيها ليذهب مع بقية الجند ويعسكر بالقرب من هيبوأكرا. في ذلك المكان، اكتشف أن الطبيعة تؤمن لهذه المدينة حماية يصعب فكّها فهي محاطة بمجرى مائي يرتبط ببحيرة واسعة وهذا ما يمثل حاجزا أمام تقدّم قواته، فاختار أن يقوم بهجوم مفاجئ عبر البحر لاحتلالها وهكذا تمكّن من الانتصار على أهلها حكمها، ويضيف ديودور الصقلي أنّه توجد مدينة أخرى بنفس الاسم ولكنها أبعد منها في الأراضي التي تليها وهو يقصد (هيبو ريجيوسHippo regius) في الجزائر.


    اختلفت التسميات من مؤرخ لآخر عبر الزّمن:
    Latin name(s)الاسم اللاتيني: Hippo Diarytus - Hippon Zaritus –Hippone Zarytus- Ippo Diaritus
    Ethnic(s)الأصل: Hipponensis Diarrhytensis
    Modern name(s)الاسم المعاصر: Bizerte
    Variantsغيره : HippaGreta (Hippou Acra-Hippuacra) - Hippo Diarrhytus (Hippo Zaritus - Ippo Diaritus) - Colonia Iulia Hippo Diarrhytus - Bizerte (Banzart - Bisert - Bizerta)

    يتفق جميع الدارسين أنّ اسم هذه المدينة يتكوّن من كلمتين وتبدو المصادر متفقة أن معناه مستمدّ من الموقع ولكنّ ما أورده معجم تانيت يبدو غير مقنع حين يقول أن الاسم يضم كلمة ليبية مكررة تعني (الحد والرأس)، إذ لو كان كذلك لورد (Rus) كغيره من الأمكنة التي تفيد (cap)وأيضا لابدّ من الإشارة أن الميناء القديم لم ينشأ في رأس بنزرت الذي يعرف (الرأس الأبيض وراس انجلة) ولكن بالقرب من المجرى المائي الذي يربط البحر بالبحيرة بالاضافة إلى قوله أنّها كلمة مكرّرة وهذا التكرار لا نجد له أيّ مبرّر.
    كما يمكن أن نلاحظ أن الاسم قد حافظ على الكلمة الأولى (هيبو) التي يمكن أن تكون (هيفو- حيفو-حيبو) بينما شهدت الكلمة الثانية تغيرا بارزا لتتحول من (أكرا) إلى (زاريت) ثم إلى (دياريت) .
    وبالتالي يمكن أن للكلمة الأولى (هيبو) أن تعني:
    • الموهوبة من وهب كأن تكون هبة.
    • المهابة من هاب .
    • المحبوبة من أحبّ.
    • الحافة من حفّ بالشيء
    • أو تعني الهِفُّ : سمك صغار تجفف حتى لا يبقى فيها شيءٌ من الماء.
    • وربما تعني الهيفاء أي الرشيقة من ه ي ف : الهَيَفُ بفتحتين ضمر البطن والخاصرة ورجل أَهْيَفُ وامرأة هَيْفَاءُ وقوم هِيفٌ وفرس هَيْفَاءُ ضامرة.
    • والهيف هي الريح.

    أمّا أجرى أو أكرا فيمكن أن تعني:
    • أجرى وجرى الماء فهو الانسياب والسيلان والتدفق والابحار والاسراع
    • أمّا أكر فتعني حفر وحرث وزرع، و الأُكْرَة ، بالضم : هي الحُفْرَةُ في الأَرض يجتمع فيها الماء‏ ، ويقال أَكَرَ يَأْكُرُ أَكْراً ، وتَأَكَّرَ أُكَراً : حَفَرَ أُكْرَةً : الحُفَرُ في الأَرض ، واحِدَتُها أُكْرَةٌ ‏.
    • الكرى هو النوم والنعاس والاستراحة.
    • الوكر: مَقَرُّ السكن ، الوَكْرُ : مغارة أو كهف أو مَسْكن ووكر الطائر: عشه.

    والنتيجة أننا إذا جمعنا كلتا الكلمتين فإنّها قد تعني:
    هبة المجرى- حافة المجرى- حب المجرى-هيف المجرى-حافة الكرى(النوم والنعاس) في علاقة وطيدة بالمجرى المائي الذي يحميها ويحيطها أو يشقها. وأيضا بكونها محطّة استراحة ونوم قبل معاودة الرحلة.
    ولا يختلف هذا المعنى في الاسم الفينيقي عند تحوّله الاسم اللاتيني (hippo zaritus) لأن الزّارة تعني : الجماعة الكثيرة من الناس أو الماشية . أو الشجر الكثير الملتف الذي يسيل بينه الماء. أو الأجمة أو البستان.
    وحتّى عند تحوّله (hippo diarhytus) لأن الديار مفرد دار والجمع : أَدْؤُرٌ ، و دِيارٌ ، و دِيارَةٌ ، و دُورٌ دَارَاتٌ و جمع ديارة : دِيارات والدَّارُ : المَحَلُّ يجمع البناءَ والسَّاحةَ والدارة : الحَلْقةُ.
    ولكن تسميتها (Hippagrita) يمكن أن يقدم الاسم الفينيقي القديم فهي قبل كل شيء (قرية/grita) و
    ومن خلال تطوّر هذا الاسم يصبح المعنى تقريبا واضحا فهي ، حافة الديار أو ديار الحافة، وأيضا الديار الموهوبة أو الديار المحبوبة أو الديار المحفوفة وأيضا القرية الموهوبة والقرية المحبوبة والقرية المحفوفة وغير ذلك من المعاني، ونحن وإذ نقدّم هذه المقاربة اللغوية بين الفينيقية والعربية فإننا لا نقدّم تخيلات ولكن نعتقد أن أصل اللغات واحد لا يفرق بينها إلا طريقة النطق والكتابة وهذا ما يكشفه كتاب أشتات مجنمعات في اللغة والأدب حين يؤكد ما أعلن عنه الأستاذ سيروس جوردون[3] وينطبق هذا التحليل على مدينة (أوتيك/عتيقة/عاتكة/ atica ) ومدينة (قرطاج/قرية حديثة/قرية تاج ).

    La ville de Constantine avais le nom phénicien de Cirta ( prononcé khirta, قرتا en arabe) qui signifie ville creusée à pic, nom venant de l’akkadien et du phénicien, elle fut une ville royal phénicienne importante les phéniciens la nommèrent Sarim Batim (Ville royale), mais la ville existait bien avant l’arrivée des Romains et de Massinissa. Capitale de la culture arabe en Algerie elle est gardienne de l’art arabo-andalous .
    la ville de Annaba avait le nom phénicien Ubbon latinisé en Hippone ville phénicienne fondé durant l’extension de la civilisation des Phéniciens au-delà de leurs frontières originelles. Sa création se situe à l’arrivée de ces derniers sur les côtes de l’océan Atlantique vers 2 000 ans av. J.-C. C’est dans cet ordre d’idées que les Phéniciens de la ville de Tyr fondèrent la ville d’Utique en Afrique antique (actuelle Tunisie) Plus tard, fut fondée Carthage ou Qarthadesh où la civilisation punique était née.


    حاول الكثيرون اكتشاف معاني اسم هذه المدينة ومن موقع Bizerte, Ya Hasra, le blog de Mahmoud ABIDI نجد بعض الاستنتاجات التالية:
    • Quelques explications étymologiques et racines du nom antique Hippo Diarrhytus.

    On voit cette ville appelée par des noms très différents dans les anciens auteurs. Scylax, qui le premier en fait mention, la nomme Hippone Polis (Ippon polis) ou Hippone acra (Ippon acra), dans les auteurs postérieurs, elle est en outre appelée Hippagreta et les habitants Hippacritae. Les trois derniers noms dérivent sans doute du punique Ippo acheret, l'autre Hippo, nom qu'on a donné à cette ville pour la distinguer de Hippo régius en Numidie actuellement Annaba en Algérie, pas loin de Bizerte. Les Grecs donnaient à Hippo le surnom de Diarrhytos, c'est à dire traversé par l'eau, à cause de sa position et les deux canaux qui traversaient la ville.
    Le nom de Hippo est certainement Phénicien et non Grec (hippo = cheval) : on le trouve à l'état simple ou composé dans toute l'Afrique du nord jusqu'en Espagne. Bochert y a vu Ubba (sinus = Golf) et Movers voit un lieu ceint de murailles ou forteresse.
    En phénicien, UBBON signifie golfe. Bizerte étant situé au fond d'un golfe, et d'Ubbon on a fait Hippone....Hippo...




    [1] كما ورد هذا التعريف في معجم تانيت (هبو أكرا صفحة 247)

    [2] كما وردت في المعجم الجغرافي والتاريخي الكبير- الجزء الثالث Page378-379 Grand Dictionnaire Geografique Historique- TOME TROISIEME-

    [3] كتاب أشتات مجنمعات في اللغة والأدب للدكتور عباس محمود العقاد- الفصل الثاني صفحة 17-18

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      مراحل تطوّر مدينة بنزرت:
      تحدّثنا أن الاسم القديم الذي عرفت به بنزرت كان (هيبو أكرا) للدلالة على ميناء صغير يتبع مدينة أوتيكا التي لا تبعد عنها كثيرا، لكن عند تمكن الرومان من الانتصار على قرطاج قام يوليوس قيصر بضمها إلى الإمبراطورية الرومانية وأطلق عليها اسم هيبو ديارتوس ثم نالت في عهد أغسطس قيصر مرتبة المدن المتمتعة بالرعاية الملكية لتصبح (Hippo regius).
      لما تدهور حكم الرومان تمكّن زعيم الوندال "جانسريق" سنة 439 م من احتلالها، لكن هذا الحكم لم يدم طويلا حيث استولى عليها البيزنطيون سنة 534م، وبعد الفتح الاسلامي خضعت المدينة لحكم العرب، وعلى إثر انحلال الحكم الصنهــاجي بالمهدية أقام القائد الورد اللخمـــي" وهو من ملوك الطوائف" بهذه الناحية دولــــة بني الورد معلنا استقلالها عن بقية المناطق بالبلاد فحصن المدينة ونظم شؤونها ودام هذا الحكم 151 سنة ( من سنة 404هــ إلى 555هـ / 1013م إلى1160م).
      وقد تحدث المؤرخ عبد الرحمان بن محمد الحضرمي شهر ابن خلدون عن تلك الفترة فقال :
      لما كان أبو رجاء اللخمى عند اضطرام نار الفتنة بالعرب وتقويض المعز عن القيروان إلى المهدية وتغلبهم عليها قد ضم إليه جماعة من الدعار ، وكان ساكنا بقلعة قرسبنة من جبل شعيب فكان يضرب على النواحى بجهة بنزرت فريقان أحدهما من لخم وهو قوم الورد وبقوا فوضى واختلف أمرهم فبعثوا إلى الورد في أن يقوم بأمرهم، فوصل إلى بلدهم فاجتمعوا عليه وأدخلوه حصن بنزرت وقدموه على أنفسهم فحاطهم من العرب ودافع عن نواحيهم وكان بنو مقدم من الاثبج ودهمان من بنى احدى بطون رياح هم المتغلبون على ضاحيتهم فهادنهم على الاتاوة وكف بها عاديتهم واستفحل أمرهم وسمي بالامير وشيّد المصانع والمباني وكثر عمران سدون إلى أن هلك فقام بأمره ابنه طراد وكان شهما وكانت العرب تهابه وهلك فولى من بعده ابنه محمد بن طراد. وقتله أخوه مقرن لشهر من ولايته في مسامرة وقام بأمر بنزرت وسمى بالأمير وحمى حوزته من العرب واصطنع الرجال وعظم سلطانه وقصده الشعراء وامتدحوه فوصلهم، وهلك فولى من بعده ابنه عبد العزيز عشر سنين وجرى فيها على سنن أبيه وجده ثم ولى من بعده أخوه موسى على سننهم أربع سنين ثم من بعده أخوهما عيسى واقتفى أثرهم ولما نازل عبد الله بن عبد المؤمن تونس وأفرج عنه مر به في طريقه فاستفرغ جهده في قراه وتجمع بطاعته وطلب منه الحافظ بلده فأسعفه وولى عليهم أبا الحسن الهرغى فلما قدم عبد المؤمن على افريقية سنة أربع وخمسين راعى له ذلك وأقطعه واندرج في جملة الناس وكان بقلعة ورغة بدوكس بن أبى على الصنهاجى من أولياء العزيز المنصور صاحب بجاية والقلعة قد شادها وحصنها. وكان مبدأ أمره أن العزيز تغير عليه في حروب وقعت بينه وبين العرب نسب فيها إلى نفسه الاقدام والى السلطان العجز فخافه على نفسه ولحق ببجاية فأكرمه شيخها محمود بن نزال الريغى وآواه وترافع إلى محمود أهل ورغة من عمله وكانوا فئتين مختلفتين من زاتيمه احدى
      قبائل البربر وهما أولاد مدنى وأولاد لاحق فبعث عليهم عد وسكن بن أبى على لينظر في أحوالهم وأقام معهم بالقلعة ثم استجلب بعض الدعار كانوا بناحيتها وأنزلهم بالقلعة معهم واصطنعهم وظاهر أولاد مدنى وظاهرهم على أولاد لاحق وأخرجهم من القلعة واستبد بها وقصدته الرجال من كل جانب إلى ان اجتمعت له خمسمائة فارس وأثخن في نواحيه وحارب بنى الورد ببنزرت وابن علان بطبربة وقتل محمد بن سباع أمير بنى سعيد من رياح وغصت القلعة بالساكن فاتخذ لها ربضا وجهز إليه العزيز عسكره من بجاية فبارز قائد العسكر وفتك به واسمه غيلاس وهلك بعد مدة وقام بأمره ابنه منيع ونازله بنو سباع وسعيد طالبين بثار أخيهما محمد وتمادى به الحصار وضاقت أحواله فاقتحموا عليه القلعة واستلحم هو وأهل بيته قتلا وسبيا والله مالك الامور
      [1] . (انتهى الاقتباس)

      خلال القرن السابع عشر وفي ظل الامبراطورية العثمانية التي أمسكت بمقاليد السلطة في أغلب بلدان شمال افريقيا شهدت المدينة نهضة عمرانيّة واقتصادية جديدة بعد حفر القنال وتهيئة الميناء لتأخذ دورا عسكريا أكبر بالإضافة إلى التجارة وتبادل البضائع مع الأوروبيين حيث أصبحت تحتمي فيه الأغربة التي كانت تتولى القيام بالقرصنة في المتوسط.
      أمّا بعد الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية فقد تحولت بنزرت إلى قاعدة لجيوشهم المختلفة وأساطيلهم البحرية ولم يغادروها إلا بعد أن قدّم التونسيون دماءهم الزكيّة فدية لتحريرها من الأجانب.
      وتاريخ مدينة بنزرت يعتبر ورقة بسيطة لما يمكن أن نكتشفه من صفحات كتاب تاريخ الولاية بمناطقها المحتلفة ككلّ، فكل مدينة حولها تحمل إرثا ثقيلا من التراث والعراقة والكتابات التي دونها المؤرخون القدامى. وزاد اشعاع هذه المدن والقرى بعد أن قامت عديد البعثات الأثرية بالتنقيب والحفر في العصر الحديث لتقدّم لنا حقائق مذهلة وخفايا تجعل سكان هذه الولاية يشعرون بالفخر والاعتزاز بهذا الانتماء.



      [1] مقتطف من كتاب العبر للمؤرخ عبد الرحمان بن محمد الحضرمي شهر ابن خلدون بعنوان تاريخ الأمازيغ والهجرة الهلالية صفحة 128-129:

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      • حاتم سعيد
        رئيس ملتقى فرعي
        • 02-10-2013
        • 1180

        #4
        كيف جاءت تسمية بنزرت:
        اختلفت الآراء حول أسباب هذه التسمية فمنهم من ذكر أنها تحريف لاسمها الفنيقي والبعض الآخر اعتبر أنه اسم لأميرة تدعى (بنت زرت) ومنهم من قال أنّه اسم لعشيرة تدعى «بني زرت» . والمعلوم أنّ هذا الاسم قد التصق بالمدينة عندما افتتحها العرب حيث زال الاسم القديم (هيبو دياريتوس او زاريتوس) ليحل محله الاسم العربي الحالي .
        وقد حاول البعض أن يوجدوا علاقة بين هذا الاسم وبين واقعة تاريخيّة تتحدث عن علاقة نشأت بين القائد العربي حسان بن النعمان وفاتنة بنزرتية فاقترن بها وأنجب منها أطفالا.
        حيث تذكر الكثير من المصادر أن حسّان دخل القيروان سنة 74هـ / 694م، وبادر بالزحف على "قرطاجنة"، وهى أكبر قاعدة للبيزنطيين فى إفريقية "تونس" في ذلك الوقت ودمرها تمامًا، ثم طارد فلول الروم والبربر، وهزمهم فى "صطفورة" و"بنزرت" وأقام فيها رباطا لردّ الهجومات المفاجئة للرّوم ثم عاد إلى القيروان..
        وتتحدث مصادر أخرى أن أوّل من افتتحها من العرب هو القائد معاوية بن حديج الذي كان مقاتلا في جيش عبد الملك بن مــروان سنة 41 هـ.
        وقد ذكر ذلك المؤرخ التونسي ابن أبي دينار حيث قال:" لمّا فتح معاوية بن حديج بنزرت كان معه عبد الملك بن مروان الذي شذّ عن الجيش وتاه في أنحائها فمرّ بإمرأة من العجم أكرمته فشكر لها ذلك ولما ولّى الخلافة كاتب عامله بإفريقية أن يحسن لها ولأهل بيتها وقد أكد هذه الرواية أكثر من مؤرخ منهم حسن حسني عبد الوهاب في كتابه "خلاصة تاريخ تونس[1]".
        ورواها الرحالة البكري في كتابه المسالك والممالك، قال:"وبشرقي مدينة طبرقة على مسيرة يوم وبعض آخر قلاع تسمّى بقلاع بنزرت، وهي قلاع يأوي إليها أهل تلك الناحية إذا خرج الروم غزاة إلى بلادهم، فهي مفزع لهم وغوث وهي رباطات للصالحين، وقال محمّد بن يوسف (في ذكر) الساحل من طبرقة إلى مرسى تونس فقال: مرسى القبّة عليه بنزرت وهي مدينة على البحر يشقّها نهر كبير كثير الحوت وعليها سور حصين وبها جامع وأسواق وحمامات وبساتين ، وهي أرخص البلاد حوتا. وافتتحها معاوية بن حديج سنة إحدى وأربعين، وكان معه عبد الملك بن مروان، فشدّ عن الجيش فمرّ بامرأة من العجم من عمل بنزرت فقرته وأكرمت مثواه، فشكر ذلك لها، فلمّا ولي الخلافة كتب إلى عامله بإفريقية في المرأة وأهل بيتها فأحسن إليهم وظاهر النعم لديهم.[2]
        وقال عنها ياقوت الحموي: بَنْزَرْتُ، بفتح الزاي، وسكون الراء، وتاء فوقها نقطتان: مدينة بإفريقية، بينها وبين تونس يومان، وهي من نواحي شطفورة مشرفة على البحر، وتنفرد بنزرت ببحيرة تخرج من البحر الكبير إلى مستقرّ تجاهها، يخرج منها في كل شهر صنف من السمك لا يشبه السمك الذي خرج في الشهر الذي قبله إلى انقضاء الشهر، ثم صنف آخر، ويضمنّه السلطان بمال وافر، بلغني أن ضمانته اثنا عشر ألف دينار، قال أبو عبيد البكري: وبشرقي طبرقة على مسيرة يوم وبعض آخر قلاع تسمّى قلاع بنزرت، وهي حصون يأوي إليها أهل تلك الناحية إذا خرج الروم غزاة إلى بلاد المسلمين، فهي مفزع لهم وغوث، وفيها رباطات للصالحين، قال وقال محمد بن يوسف في ذكر الساحل: من طبرقة إلى مرسى تونس مرسى القبة عليه مدينة بنزرت، وهي مدينة على البحر يشقها نهر كبير كثير الحوت، ويقع في البحر، وعليها سور صخر، وبها جامع وأسواق وحمامات، افتتحها معاوية بن حديج سنة 41، وكان معه عبد الملك بن مروان.[3]

        [1] كتاب المؤنس لابن أبي دينار ص 28

        [2] كتاب المسالك والممالك للبكري ص 1209-1210 موقع http://shamela.ws/browse.php/book-23849/page-699 موافق للمطبوع

        [3] معجم البلدان - الحموي - ج ١ - الصفحة ٥٠٠

        من أقوال الامام علي عليه السلام

        (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
        حملت طيباً)

        محمد نجيب بلحاج حسين
        أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
        نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

        تعليق

        • حاتم سعيد
          رئيس ملتقى فرعي
          • 02-10-2013
          • 1180

          #5
          معالم بنزرت وأحياءها:
          شهدت بنزرت عبر الزمن كما أسلفنا تحوّلا لافتا وتطوّرا مذهلا فقد نشأت في بداياتها كمرسى فینیقي صغیر لعبت الطبيعة دورا أساسيا في وجوده، على ضفاف مجرى مائي يربط بين البحر المالح وبحيرة من الماء العذب ثم أخذ العمران يتّسع من حوله إلى أن أصبحت قاعدة كبیرة تمثل مدينة جمعت في أحضانها كبرياء الملوك ونشوة المنتصرين واحتماء الخائفين من كل عدوان يتهدّدهم على سواحل لم تعرف الهدوء طيلة قرون عديدة.
          وتدين السّمة الحالية الغالبة على الموروث العمراني في هذه المدينة إلى العثمانیین والأندلسیین الذين تركوا فيها عدّة معالم رائعة كالقصبة والأسوار والقصیبة والحصن الاسباني .

          * المدينة العتيقة:
          لا يختلف تخطيط المدينة العتيقة عن مثيلاتها في المدن الإسلامیة بتخطيطها الشعاعي الذي ينزّل الجامع الكبیر مرتبة الوسط ثم الدّور بطابعها المعماري الفريد يليها تلك الفضاءات المخصصة "للصنايعیة" كسوق العطارين والحدادين والنجارين .. تعود هذه البنية التقليدية إلى العصر الوسيط حيث تبرز على هيئة تجمع سكني متكوّن من منازل قليلة الارتفاع مع أسطح مترابطة وملتصقة بعضها البعض يحجبها سور سميك لتأمين الحماية اللازمة عند المخاطر لا يفصل بينه وبين المجاري المائية التي تحيط به غير الأرصفة الضيقة.
          ومن المعالم البارزة في المدينة العتيقة نجد المسجد ‏الرئيسي ويسمّى"الجامع الكبير" وبعض الزوايا مثل:"سيدي المسطاري" و"سيدي أحمد التيجاني" كما نجد ‏‏"عين الجرينة" وهي السّبيل التي يتزوّد منها السكان بالماء الصالح للشراب والأسواق كـ: "العطارين" و"الحدادين" والحمامات العامة كـ: "الحمام الكبير" و"حمام الشاطئ " ..
          وتتوزّع بنزرت على خمسة أحياء كبرى وهي:
          • حيّ المدينة، وهو حيّ سكني تأسّس على الضفّة الشّمالية للخليج الذي يخترق المدينة ويمتدّ تدريجيا من أعلى ربوة الكدية في اتّجاه الميناء، ويضمّ حومة سانية الرمّان وحومة سيدي قعقع وحومة المنزه، ويحتوي هذا الحيّ على أهمّ معالم بنزرت مثل الجامع الكبير والحمّام الكبير وزاوية سيدي المسطاري وزاوية سيدي بن عيسى والأسواق، وقد يكون هذا الجزء النّواة الأصلية للمدينة .
          • حيّ القصبة، و"القصبة" هي القلعة التي تطلّ على البحر وقد أسّسها البيزنطيون ، وهي موجودة على الضّفّة الشّمالية لمدخل الميناء القديم للمدينة. ويحوي الحي جامع القصبة وحمّام بقطاش والسّجن القديم.وتعود هذه التسميات إلى الأتراك الذين سكنوه بعد أن قاموا بتجديد بنائه. وهو محصّن بسور ضخم يحميه ويفصله عن باقي المدينة لا تزال بوّابته على شكلها الأصلي.

          • حيّ القصيبة، وهو حيّ مستقلّ بذاته على شكل شبه جزيرة يطلّ على البحر ويوجد على الضّفّة الغربية لمدخل الميناء القديم للمدينة. ويحوي هذا الحيّ جامع القصيبة وبرج سيدي الحنّي الذي أسّسه البيزنطيون في أوائل القرن 7م، وهو يكوّن نظاما دفاعيا مع قلعة القصبة المواجهة له لحماية مدخل الميناء القديم ومراقبة حركة الملاحة.

          • حيّ الرّبع، كان يتوسّط المدينة وهو عبارة عن جزيرة صغيرة توجد بالمكان الذي يتشعّب فيه مدخل الميناء إلى الخليجين اللّذين يفصلان هذا الحي عن اليابسة التي يحيط بها الماء من جميع الجهات وهي متّصلة ببقية المدينة بقنطرتين هما قنطرة باب تونس وقنطرة الصّقالة، وقد أنشأهما يوسف داي في أوائل القرن 17م. يحوي هذا الحيّ جامع الربع وهو جامع قديم وقع تجديده بعد أن هدّم كلّيا أثناء القصف الجوي الذي تعرضت له بنزرت في الحرب العالمية الثانية. كان يحتوي على كنيسة للمسيحيين وبيعة لليهود ويقطنه قناصل الدّول الأجنبية إلى جانب عائلات مسلمة ويهودية تبرزها دفاتر المجبى المحررة سنة 1854. أمّا حيّ الرّبع الجديد وحيّ الباب الجديد فقد أحدثا وأضيفا إلى الجزء الأصلي القديم من المدينة، في فترة الحكم الحفصي الذي شهدت فيه البلاد فترة استقرار سياسي واجتماعي كما توسّعت فيه المبادلات التّجارية..
          • حيّ الأندلس، وهو ربض يقع خارج الأسوار قبالة البحر. أنشئ بأمر من يوسف داي لايواء الوافدين الأندلسيين في أوائل القرن 17م وهو حي غير محصّن نجد فيه جامع الأندلس، يعرف أيضا "حومة الأندلس"، لدخول المدينة يتوجّب المرور من خلال بوّابة تحمل نفس هذا الاسم.

          * المساجد والجوامع:

          تضمّ مدينة بنزرت عددا كبيرا من المساجد منها: جامع القصبة وجامع القصيبة وجامع الأندلس وجامع الرّبع وجامع سيدي بن عيسى وجامع سيدي عبد الرحمان وجامع سيدي عنان وجامع التيجانية وجامع المدّاح وجامع سيدي المسطاري وجامع سيدي الجودي.
          ومن بين أهم المساجد نذكر الجامع الكبير الذي شيّد سنة1652م، كما تبرزه النقيشة التي تعلو محرابه، ويتميّز بمئذنته المثمنة، وهي على شكل مئذنة جامع حمّودة باشا وجامع يوسف داي بتونس العاصمة. وهي تصنّف من نوع المآذن التركية التي تتّصل بالصحن عن طريق مدرج حلزوني الشكل. أمّا بيت الصلاة فهو على النمط الحفصي على شكل شبه مربّع وبالتأمّل في الرّواق من الجهة الجنوبية الغربية للجامع يمكن ملاحظة مجموعة التيجان التي تحملها الأعمدة وقد جلبت من المباني القديمة للفترة الرّومانية والبيزنطية، وقد يكون هذا الجامع أقدم جوامع بنزرت على الاطلاق.
          ‏* معقل القصيبة:
          وهو قلعة أقامها البيزنطيون للدفاع عن مدخل الضفة الجنوبية لقنال المرسى القديم، تتركب من برج ‏ضخم مستطيل ، يحتوي على قاعة كبرى للحراسة مربّعة الشكل، مغطاة بأربع قباب ‏ مستندة إلى عمود مركزي ضخم.
          وتوجد قاعتان صغيرتان ملحقتان بالقاعة ‏الكبرى، مخصصتان لاستراحة أعوان الحراسة، وأخرتان مماثلتان تقعان في الطابق الأول، وتتوفّر على ‏مجموعة من الحجرات الضيقة التي تفتح على ساحة داخلية.
          عند التدقيق في تفاصيل الهندسة ‏المعمارية لهذا المعلم التاريخي، وملاحظة استعمال الأقواس ذات الأصل العربي، و المواد المستخدمة مع تداخل البناءات، نصل إلى نتيجة تفيد أن العديد من الحجرات قد أضيفت إلى البرج البيزنطي الأصلي في الفترة العربية ، وذلك خلال ‏القرن التاسع أو العاشر للميلاد. ولا نستبعد أن يكون البرج قد تحوّل إلى رباط بزيادة بعض الاضافات لتمكين الحراس المرابطين من المأوى المناسب للاستراحة والتعبّد وأيضا تخزين المؤونة والأسلحة.‏
          ‏* قلعة القصبة:

          وهي القلعة التي تعلو الضفة الشمالية للقنال المؤدّي إلى المرسى القديم، وهي منشأة دفاعيّة ذات شكل ‏مستطيل، بنيت فوق مساحة من الأرض شبه منبسطة. ولا يحتوي سورها إلا على باب واحد موجود على واجهتها الغربية ليربط بينها وبين المدينة العتيقة. على مستوى ساحة ‏عمومية تعرف "رحبة الفحم".‏
          تنتشر فوق هذه القلعة الضخمة ثمانية أبراج للمراقبة ويحتل كل برج زاوية من زواياها، وهناك مسلك دائري في أعلى السور خلف الجدران الحاجزة، يسمح ‏للحرس بالجولان على الواجهات الشمالية والشرقية والغربية للقلعة.
          ‏* الحصن الإسباني:
          هو الحصن الذي أمر بتشييده باشا الجزائر العلج علي بين سنة 1570 وتولّى هندسته والاشراف على بنائه مهندس عسكري صقلّي، ولكن يعتبر بعض الدارسين أنّ هذا الموقع الحصين قد أنشأه الأغالبة وربما البيزنطيون أو حتى الرّومان قبلهم لحماية المدينة وحراستها وأنّ الحصن الحالي أقيم على أنقاض قلعة قديمة. ومن المعلوم أنّ العلج علي قد احتلّ البلاد التونسية في أوائل سنة 1570 بعد تغلبه على جيوش السلطان الحفصي وولّى عليها رمضان باشا. ولكن لم يدم حكمه طويلا إذ اضطرّ إلى الفرار سنة 1573م إلى مدينة القيروان تاركا المجال للجيوش الاسبانية التي احتلّت البلاد.

          وهكذا أتمّ الاسبان بناء الحصن الذي يحمل إلى يومنا هذا اسمهم، وقد كان يتّخذ شكل نجمة ذات خمسة أذرع كما أكّد ذلك الرّحالة الذين زاروا بنزرت.
          يشرف الحصن على أنحاء عديدة من المدينة منها الميناء وقد وقع تجهيز أسواره بالمدافع وهو لا يحتوي إلا على مدخل واحد.‏
          *أسوار المدينة:

          تذكر المصادر القديمة أنّ الفينيقيين قد حصّنوا مدينتهم الجديدة منذ تأسيسها وأنّ القائد الصقليّ أغاثوكل أتمّ إقامة تحصينات المدينة وتوسيع مينائها سنة 307 ق. م، إلاّ أنّ القائد الوندالي جنسريك أمر بهدم تلك الأسوار سنة 439. وفي سنة 534 على إثر طرد البيزنطيين الوندال من البلاد أمر قائدهم بليزار بإعادة بناء تلك الأسوار لتحصين المدينة. وبعد الفتح الاسلامي اعتنى الأمراء العرب بتحصين المدن الساحلية وتعزيز مواقعها. ويذكر ابن خلدون أنّ الأمير أبا إبراهيم أحمد (حكم بين 863م و856م) وبعده الأمير أبا الغرانيق (حكم بين 875 و864م) أقاما القلاع والأبراج والرّباطات لتحصين المدن السّاحلية من هجمات العدو المتأتيّة من البحر. ويذكر البكري أنّ هذه المدينة محصّنة ومحاطة بسور.
          وظلّت تحصينات بنزرت قائمة حتى مقدم الملك الاسباني شارل الخامس الذي استولى على المدينة سنة 1535م وكان همّه الأوّل تخريبها بهدم أسوارها. وبقيت المدينة "مفتوحة" إلى أن أمر علي باشا سنة 1740م بترميم ما هدّمه شارل الخامس كما قام بتحسين تحصينات المدينة التي بدأت تتصدّع من جرّاء القصف الذي تعرّضت له من قبل الأساطيل الأوروبية لحمايتها من تلك الهجمات. وتواصلت أشغال التّرميم ثلاث سنوات.
          وعندما أحدثت سلط الحماية الفرنسيّة المدينة الجديدة ببنزرت في أواخر القرن التّاسع عشر عمدت إلى إزالة الأسوار المحيطة بالمدينة العتيقة وأحدثت مكانها شوارع واسعة ولم يبق لنا اليوم من تلك الشّواهد سوى الجزأين المتّصلين بالحصن الاسباني.
          *القناطر:
          قبل إنجاز الأشغال الكبرى التي انطلقت في أواخر القرن التاسع عشر لحفر القناة التي تربط اليوم بحيرة بنزرت بالبحر الابيض المتوسّط، كان يشقّ المدينة خليجان شيّدت قنطرة فوق كلّ واحدة منهما. قنطرة باب تونس: تتكوّن القنطرة الكبيرة من سبعة عقود ويطلق عليها اسم قنطرة باب تونس وهي مرتبطة بالطّريق المؤدّية إلى تونس العاصمة، شيّدها عثمان داي (1593 - 1610) في فترة ازدهر فيها بالمدينة النّشاط التجاريّ والعمرانيّ بفضل توافد المهاجرين الأندلسيين عليها واستقرارهم بها. ولعلّ تاريخ إنشاء هذا الجسر يرجع إلى العصور الرّومانية فقد ذكر محمّد الصغيّر بن يوسف في كتابه "المشرع الملكي في سلطنة أولاد علي التركي" ما يلي: "إنّ هذا الباي تولّى ترميم جسر عثمان داي بعد أن سقط منه عدّة عقود وإعادته إلى حالته الأصلية".
          قنطرة الصّقالة: أمّا القنطرة الثانية المعروفة بالصقالة وتتكوّن من عقد واحد فهي تمكّن من عبور الخليج الصّغير. وكان طولها 800م وعرضها 400م، وقد شيّدها عثمان داي. وكانت توجد في امتداد نهج العطّارين ويفتح عليها سوق الخضر. وقد هدمت هاتان القنطرتان وأزيلتا في خضمّ إنشاء المدينة الجديدة ببنزرت في أواخر القرن التاسع عشر.
          *الأبواب:
          عدد أبواب المدينة أربعة، وهي:
          1 - باب تونس المعروف أيضا بباب الرّمل وسمّي بباب تونس بسبب ارتباطه بالطّريق المؤديّة إلى تونس.
          2 - باب ماطر المعروف أيضا بباب حومة القائد.
          3 - باب حومة الشّرفاء.
          4 - باب حومة الأندلس.
          لقد أدّت أشغال إنشاء المدينة الجديدة ببنزرت وتوسّعها العمراني في أواخر القرن 19 من قبل حكومة الحماية إلى هدم الأبواب الأربعة وإتلافها. وللمدينة بابان آخران هما باب رأس السّاس المعروف أيضا بباب الشّرش وباب المدينة الذي يوجد داخل المدينة العتيقة. وأكبر هذه الأبواب وأهمّها من النّاحية العمرانيّة هو باب تونس الذي يحميه برج تابع للأسوار المحيطة بالمدينة.وتتميّز هذه الأبواب بأنّها تنتمي إلى صنف المداخل المستقيمة باستثناء باب المدينة وهو على شكل منعرج. وأقدم هذه الأبواب باب تونس وباب ماطر وباب الشرفاء. أما باب حومة الأندلس فهو متأخّر البناء نسبيّا، وقد يكون أحدث عند إنشاء حيّ الأندلس إثر حلول المهاجرين الأندلسيّين في أوائل القرن 17م.

          من أقوال الامام علي عليه السلام

          (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
          حملت طيباً)

          محمد نجيب بلحاج حسين
          أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
          نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

          تعليق

          • منيره الفهري
            مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
            • 21-12-2010
            • 9870

            #6
            بوركت استاذنا الكبير حاتم سعيد ابو هادي
            مجهود جبار. جزاك الله كل خير ...بنزرت رائعة من الروائع التونسية
            تحياتي
            همسة: تركت لك رسالة في صندوق المحادثات هنا لعلك لم ترها...

            تعليق

            يعمل...
            X