الفصل: الرابع

لا يقع الإنسان تحت الظلم إلا حين يتجاوز القانون العدالة.
فبين ظاهر جميل وواقع قبيح.. تقع الخديعة، لم يمض زمن طويل على رحيل عمر حتى فقد حمدي والده ثم بعدها بأشهر زوجته التي داهمها المخاض المبكر وفارقت الحياة نازفة.
هكذا تقتلع الفجر الريح .. وتعصف بالأوراق الغصون.. يتساقط من جفون الأشجار الخريف.
ترك الغياب على قلبه بكاء الشفق على الغروب ..وعلى نبضه النحيب.. والكثير من الأزهار الذابلة.
بعد عام من الحزن تزوج حمدي من أرملة أبي.. بعد أن أخبرته بحقيقة ما حدث. وحين تنخفض درجة الحرارة تتجمد أجمل الصور خلف الشمس.
شرب حمدي على شاطئ المودة ما يواسيه من كأس القمر.
الحب مهندس يعيد تشغيل الأحاسيس المعطلة.
كانت حياتهما تسير بشكل هادئ جميل وأثمر زواجهما طفلة أسمياها راضية،
لكن السعادة دائما تأتي غير مكتملة، كون السعادة هي الاحساس بالراحة المفرطة ..والراحة مستحيلة.
بعد مضي سبعة أعوام على زواج حمدي من أمي ، أرملة صديقه عمر
مرضت واشتد بها المرض حتى فارقت الحياة .
رحلت وتركت الكثير من الجمال الثائر لي ولأختي راضية ، مع وجع ساكن تحت رداء نبضي..
كان فؤاد وقتها قد سافر إلى شرق المملكة ، وانتقل حمدي بعدها إلى جدة
أدخلني مدرسة الفلاح وكنت ذكيا مجتهدا أبحث باستمرار بين الورق والسطور عن الجديد اللذيذ.. وغالبا ما أجد القليل الناضج المفيد .. لكنني تعلمت أن الحقيقة لن أجدها إلا تحت ظلال شجرة عقلي .. والحقيقة هي إما أن اكون خادم فكر أو مخدوما!
أنهيت المرحلة الابتدائية، ووصل حمدي خبر زواج ابنه فؤاد من كريمة أحد العائلات هناك..
بعدها بأيام عدت إلى مكة للعمل في مكتبة بجانب الحرم المكي، تعرفت على الكتب قرأت بنهم وعرفت أيضا.. أن الناس كتب تُقرأ لكن ليس بالضرورة أن يستفاد منها! كنت وحيدا جدا والوحيد إنسان فقد القدرة على احتمال جحيم الآخر. صنعت بين الكتب عالمي الخاص .. لكن الوحيد الذي لم أتمكن من قراءته الإنسان. البشر اثنان لا يجتمعان الأول داء والآخر دواء.

تطل من ذهني نظرة ساخرة لزياد وهو يصافح طيفا يقرض أصابعه من شدة الإرهاق.. استلقيت على سريري ولم أستيقظ إلا في ساعة متأخرة من الليل، يا إلهي أشعر بعطش شديد, عندما صحوت ونهضت قبل أن التقط (روب) النوم قاصدة بهدوء وكسل المطبخ؛ توقفت قبل مغادرة غرفتي لألقي نظرة على البرواز (زهرة خشخاش) معلق فوق سرير المودة!.. وبينما أنا متجهة لشرب الماء لمحت الممرض ينظر خلفه لم أشأ أن أربكه سرت عبر ممر على جانبية الكثير من أشجار الزينة الرائعة؛ عند وصولي للمطبخ، ومع أول خطوة لمحت الممرض عند الثلاجة تراجعت على الفور للوراء!!.. لم أرد أن أربكه ليس من عادته أن يرتدي قطعة واحدة؟؟ يكاد يطيش صوابي؟.. لماذا كأسان؟؟ وعصائر!!.. في هذه الساعة المتأخرة!..