العالية/أوزاليس-نبش في تاريخ مدينة تونسية- بحث حاتم سعيد2018

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حاتم سعيد
    رئيس ملتقى فرعي
    • 02-10-2013
    • 1180

    العالية/أوزاليس-نبش في تاريخ مدينة تونسية- بحث حاتم سعيد2018

    1- معتمدية العالية:

    الموقع:

    تقع العالية على منحدر صخري في جبل يعرف باسم حكيمة يرتفع 295م عن سطح البحر ويطلق عليه سكانها دير الجبل أما الأجداد فيلقبونه بجبل الطواحين كما هو مدوّن في أرشيف المناجم وتبعد عن مركز ولاية بنزرت 16 كم وعن العاصمة تونس 40كم. وتتبعها إداريا كل من قرية سيدي على الشباب – حريزة- الخيتمين. و تشرف العالية من هذا الموقع على كامل السهول والبساتين المحيطة بها والقرى القريبة منها كغار الملح وعوسجة والماتلين و رأس الجبل ومنزل الجميل إلا أنها بعيدة عن الطرق الهامة والشواطئ .

    تصميم المدينة:
    تتكوّن النواة الأولى للقرية التي تحتل مركز المدينة من الجامع والأسواق وحانوت العدل ومقرّ الأمين.
    تحضنها أربعة أقسام تشكل أحياء يفصل بينها شوارع مستقيمة وهي: -حومة بن عيسى- حومة هريرة - حومة كشك - حومة شورية، يحتوي كل قسم على: مسجد وزاوية وحمام وسبيل(نقطة ماء).
    يذكر الأهالي أن المدينة كانت محاطة بسور يتواجد به عدد من الأبواب يقولون أن أقواسها أزيلت أو تهدّمت بعد الحرب العالمية الثانية. ويرجحون أن عددها ثلاثة : باب تونس- باب بنزرت- باب رأس الجبل.
    من أهم معالم العالية التاريخية التي تركها الموريسكيون نجد الجامع العتيق الذي أسس سنة 1016 هجرية الموافق 1607 ميلادية وهو ما تؤكده اللوحة المثبتة فوق محرابه.
    وتوجد بالعالية مساكن تاريخية يطلق عليها الدور العلوية والتي تحتفظ بالطابع الأندلسي، وغرفها المتجاورة التي تتقابل فيما بينها، ويكون صحن الدار في وسطها، تلك الغرف لها وظائف متعدّدة وأشكال مختلفة فمنها ما يستعمل لتخزين الغذاء ومنها ما يستعمل كمعمل أو مطبخ بالإضافة إلى أماكن الراحة والنوم.
    كما كان الأهالي يحافظون على الدواميس التي يجدونها عند البناء وهي في الغالب حفر تحت الأرض يجهزونها ويستعملونها أمكنة للجلوس ورحي القمح والشعير والتوابل ومن خصائصها أنها تكون دافئة في الشتاء وباردة في الصيف.
    وقد سجلت لنا وثيقة محفوظة بأرشيف الدولة التونسية أنّه كان يوجد بالبلدة حمام علي تليش وكوشة الحاج علي البليدي و13 حانوت.ويتكوّن الحانوت التقليدي من دكانة وسدة ودهليز.
    النشاط الاقتصادي:
    عُرف أهالي هذه المدينة الموريسكيّة بحذقهم للفلاحة السقوية والبعلية وغراسة الأشجار المثمرة وتربية الماشية وبرعوا في هذا النشاط واشتهرت منتوجاتهم خاصة الكرضون.
    قام الأندلسيون بغرس الزياتين وادخلوا نوعا جديدا يسمّى الويسكة. كما أنشؤوا معاصر الزيتون خارج سور المدينة. ويذكر القس خيميناز أنّه اكتشف طاحونة قمح بالعالية. ومن العائلات التي إشتهرت بتربية الحيوانات عائلة شورية. واستعان هؤلاء الوافدون بالغرابة للقيام بعملية المغارسة .
    وقد كانوا يحرصون على إعداد عولتهم مما تنتجه أرضهم وتخزبنها في الجرار والمخفيات والخوابي ليكون غذاءهم على طول العام فاشتهرت أكلات الملثوث والبرغل والمحمص والنواصر هذا إلى جانب خزن الفول والحمص الجاف والطماطم التي يقطعونها شرائح ويملحونها ثم يجففونها تحت أشعة الشمس.
    كما اشتهرت في العالية صناعات تقليدية أخرى كالحلويات الأصيلة مثل (الزلابية ).
    يذكر أن الموريسكيون في العالية قد قاموا بتطوير أشكال الريّ وكانوا مهرة في استغلال المياه وحفضها، حيث أكثروا من بناء المواجل لجمع مياه الأمطار و إقامة الأحواض وحفر الآبار وبنوا الأسبلة المخصصة لعابري السبيل والمواطنين في كل حيّ. وفي تقرير أعده الفرنسيون عند قدومهم إلى تونس يذكرون أنهم وجدوا أحواض من الماء وحدائق محكمة الاستغلال.
    من الصناعات التي عرفت بها القرية صناعة تقرديش الشواشي التي يمتهنها النساء والرجال ومن بين العائلات التي إشتغلت بهذه الصناعة ( هريرة والبليدي).
    يذكر أنّه عند وصول الشواشي إلى العالية من البطان يقع غسلها ثم يقوم المهنيون بتقرديشها بعد نشرها فوق السطوح لإزالة ما تبقى من الماء فيها وبعد أن تجفّ يقع إزالة الأوساخ منها بواسطة الكرضون وأيضا جعل الشاشية بنفس السماكة.
    تشير وثائق الدولة أن أهالي القرية كانوا يقومون ببعض الأنشطة في قصور البايات حيث يتم تكليفهم بالعناية بحدائق الباي في باردوا كجنانة وكان البعض الآخر بحارة بحلق الوادى.
    ومن الصناعات التقليدية الأخرى التي عرفت في العالية نجد تصنيع التّحف والآلات الفلاحية كالمعاول والفؤوس والرفوش وأيضا صنع الحصير والغرابيل وصفائح الدوابّ وغيرها من المهن .
    تاريخ العالية:

    [IMG]file:///C:/Users/HATEM~1.SAI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image002.gif[/IMG]

    للعالية تاريخ كبير فقد عرفت هذه المنطقة مرور كامل الحضارات مثل كل المناطق القريبة منها، خاصة وأنها تتوسط مدينتين تاريخيتين عظيمتين هما أوتيك وهيبو دياريتوس ولكنّ حلقاته تحتاج إلى دراسات وأبحاث جديدة معمّقة .
    ففي عهد الروماني يذكر المؤرخون أن هذه الناحية تعرضت إلى هجمات الرومان وذلك سنة 204 ق.م. ثم وقع احتلالها و جعلوا منها مستعمرة رومانية في عهد الإمبراطور أغسطس وعرفت باسم أوزاليس أو كوتيزا أو أوزاليتانا وقد ذكر أوغستين أنها من بين المناطق المسيحية النشيطة بوجود واشتهرت بعدّة قساوسة.
    يذكر أن Theudalis:تيوداليس/ثيوداليس/أوزاليس:
    هي واحدة من بين المدائن السبع التي تخلت عن قرطاج خلال الحرب البونيقية الثالثة ، وقد قامت روما بمكافأتها، حيث منحتها روما استقلالية إدارية ووهبتها السيادة على أجزاء من أراضي الدولة. نجد ذلك في الاقرار الثوريLex Agraria الذي اعتمدته روما في سنة 111 قبل الميلاد Thoria (CIL 1/2 585=200, 79) وقد ذكرها المؤرخ بليني (Natural History V، 23)، كما وقع الاشارة إلى موقع تيوداليس بأنّه خلف بحيرة بنزرت.
    أمّا الاسم الحالي للمنطقة فتعود جذوره إلى فترة توافد الهجرات الأندلسية إلى تونس عند التحاق عدد من العائلات الموريسكية الذين تم طردهم من قبل الملك الاسباني فيليب الثالث بعد رفضهم اعتناق النصرانية. وهو ما أشار إليه القس الإسباني فرنشيسكو خيميناز عندما زار القرية في 25 مارس 1725 فقال أنها من إنشاء الجالية الأندلسية ويضيف أن الجالية التي استوطنتها تنحدر من كتلونيا بإسبانيا بشهادة شخصين تعرّف إليهما هما ( علي كتلان و محمّد ملواكن) ويشير بأن السلطة العثمانية منعت أصولا تركيّة من الإستقرار بها.
    ويدعم هذه الشهادة ما تشير إليه بعض الروايات بالقول أن أوّل من سكنها 12 أسرة قدمت من كاتالونيا في اسبانيا، عرفت ألقابهم ( خنيسرو، ومادور، وشويكا، وكشك، وقومس، وسيغا، وقرندل، وكانسخلي، وكعفصي، وهريرة، وشوريا، واشرين). وقد بقيت بعض هذه الألقاب موجودة في حين تحولت أخرى إلى أسماء عربية بتغيير لقبها إلى اسم رئيس الفرع مثل (الحبيب، وبن موسى، وبن عيسى، وبن حسين، وبن سليمان، وبن الشيخ)، أو بانتسابها إلى المهنة التي تزاولها مثل (النجار والإمام ) ومن هذه العائلات ما انقرض أو انتقل أحفادهم إلى مناطق جديدة.
    وهي الفترة التي يرتكز عليها الكثيرون للحديث عن تاريخ هذه المدينة
    رغم أن هنالك بعض المعلومات تؤكّد أن عددا من الأهالي قد قدموا من غرناطة. وأنهم استقروا في البداية بقلعة الأندلس ثم تحولوا إلى العالية ومن بينهم عائلات ( شورية- هريرة وكشك وبن موسى).ولكنّ النقيشة الموجودة في محراب صحن الجامع القديم لا تشير إلا إلى إسمين فقط هما (كشك ومادور).

    [IMG]file:///C:/Users/HATEM~1.SAI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image004.jpg[/IMG]
    نقيشة جامع العالية القديم

    تحديد موقع المدينة الأثرية بالعالية:
    قام الباحث عز الدين بشروش باعداد دراسة نشرت سنة 2001
    Comptes rendus des séances de l'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres Année 2001 145-4 pp. 1525-1532
    تناول فيها الصعوبات التي حالت دون تحديد الاسم القديم بدقة لهذا الموقع التاريخي وبيّن أن المدينة عرفت بمكانتها المتميّزة في قلوب أتباع المسيحيّة وأنّها أسهمت في انتشار هذا المعتقد غربيّ البحر الأبيض المتوسّط.
    ذكر أنّ أوزاليس (أو أوزالي) نالت شهرة واسعة منذ أقدمت على استقبال رفاة القديس الشهيد (سانت ايتيان Protomartyr saint Etienne) الذي عثر على جسده في فلسطين بالقرب من القدس (مدينة السلام) خلال عام 415م. وتقول الرواية التاريخيّة أن إيفوديوس الأسقف الكاثوليكي في هذه المدينة الإفريقية الرومانية قد قام عام 420 م، بدفن رفاة الشهيد التي أرسلت من فلسطين في كنيس لتشريفه.
    وسرعان ما أصبح هذا الكنيس وهذا المصلى (memoria) مزارا مشهورًا ، يستقبل رحلات الحجيج بعد أن تتالت وتعدّدت المعجزات الخارقة للكثير من المرضى الذين يقصدونه بغاية التبرّك والشفاء لعظمة ذلك الشهيد المدفون وبالتحديد في الثلث الأول من القرن الخامس.
    وهكذا شاع اسم أوزاليس في المغرب، واشتهر المصلى بقداسته ومساهمته في شفاء أمراض المتدينين المسيحيين عند تبرّكهم برفاة قبر القديس الشهيد ايتيان. وانتشرت تلك الوقائع خارج أوزاليس.
    من بين تلك المعجزات تروي الوقائع:
    - أنّ حدادا أصيل منطقة هيبو زاريتوس-هيبو دياريتوس (بنزرت حاليا) يدعى (رستيتوس) كان عاجزا عن الحركة والكلام، عادت قدرته على النطق ورجع إلى منزله من المزار مشيا بعد أن تعافى من علله.
    - رجل آخر في أوتيك (القريبة من برج بوشاطر): شفي من مرضه بعد أن كان مخرسا ويعرج في المشي.
    - مواطن من مدينة (فيزيس P(h)isis) - تقع في هنشير بوشاطر بالقرب من الجهة الغربية لبنزرت- يدعى (دوناتيوس) ولد أعمى ولكنه يصبح مبصرا بعد أن قضى ثمانية أيام في كنيسة الشهيد.
    شملت المعجزات المتعلقة بآثار هذا القديس الشهيد أيضًا أشخاصًا من قرطاج.
    - موظف برئ يدعى (فلورانسيوس) متهم بالاستيلاء على أموال سيّده قدّم إلى المحاكمة أمام حاكم افريقيا ، أخلص الدعاء راجيا من القديس الشهيد سانت إتيان أن يساعده فاستجيبت دعوته.
    أيضا، امرأة مسيحيّة من الوسط الأرستقراطي ، تدعى (ميجيسية) عانت من شلل في الوجه بعد حمل شديد الخطورة ، نجت من الموت المحقّق ، وشفيت من تلك الإصابة ، بعد أن قضت أربعين يومًا تصلّي في كنيسة القديس الشهيد في أوزاليس .
    كل هذه الأحداث بقيت مخلدة في كتاب ذاكرة الماضي المسيحي .
    في محاولة لتحديد موقع أوزاليس Vzalis ، لدينا إشارات عالية الدقة من القديس أوغسطين: هذه المدينة ، كانت مركزا لمستعمرة ، قريبة من أوتيك
    - Vzali etiam quae colonia Vticae vicina estu
    فهو يقول نحن نعلم أنّها في أحواز منطقة أوتيك التي تتواجد بين أوزاليس وممبرون وفقًا للمصادر الجغرافية القديمة وهي وبالتحديد على التماس ، على بعد ستة أميال من أوتيكا ، في الطريق المؤدّية إلى هيبو ديارهايتوس (بنزرت). بفضل هذه البيانات ، اقترح (ديلاتر R. Delattre )-الذي قاد في السابق بعثة لاكتشاف قرطاج – أن يقع البحث عن أوزاليس Vzalis في العالية El-Alia . وقد عرفت المدينة في تلك الفترة كمنطقة حضرية أندلسية ، وهي تمتد على مسافة 13 كم شمال غرب أوتيك.
    استند في مقترحه على قراءة جديدة مبتكرة لتصحيح ما ورد في نقش لاتيني مشوَّه ، عثر عليه مسافر في العالية ولكنّ النقيشة اختفت في عام 1862.
    بعد أن قرأ القس خيميناز Ximenez ما يلي:
    ... curfator) reipublicae splendidissimae COTUZAE sacrae... اقترح ديلاتر أن تقرأ الكلمة المهمّة cotuzae بشكل مختلف ، وعلى النحو التالي: ... COLVZAL ... ، ممّا يعطينا اسم (أوزال) في موقع العالية ، القريبة من أوتيك (Vitica).

    - بين سنة 1892 و1913 قام باحثون بنشر البيانات التالية في الأطلس الأثري لتونس:
    « VZALIS [COL. VZALITANA] (El-Alia).
    Ruines utilisées pour la construction d'un village moderne... »
    وترجمتها أوزاليس (أوزاليتانا) العالية. أطلال وقع استخدامها في بناء قرية حديثة.
    - في عام 1936 نشرت دراسة جديدة لـ(لويس بوينسوت Louis Poinssot ) جاء في الصفحة (رقم 38) ما يلي: "أوزالي (العالية) بين أوتيك وبنزرت، (قرية لاتينية) ) oppidum latinum تمّ ذكرها في عهد (أوغست. كانت في القرن الرابع مستعمرة، عرفت أحداث استشهاد الأساقفة الكاثوليكيين عام 304م والأساقفة الدوناتيين عام 411م. لها آثارممتدة، تجمع بين خزانات المياه وحصن بيزنطي."
    - سنة 1981 نشرت دراسة للباحث (لوبيلي Lepelley) (جاء في الصفحة 246): هي من بين مدن أفريقيا الرومانية في Basempireجنوب الامبراطورية . "تبرز الآثار القديمة تحت القرية الحديثة التي تسمى العالية ... هذا التجمع السكني يعود لما يعرف قديما بمستعمرة (أوزاليس Uzalis) ، جارة أوتيك Utique ، ذكرها القديس أوغسطينوس في مدينة الربّ. "
    - عام 1990 ، ورد تعريفها في كتاب جيلبرت تشارلز بيكار Gilbert- Charles Picard ، في الطبعة الثانية بعنوان حضارة أفريقيا الرومانية ، (ص 322) "أوزاليس : هي (العالية ، قرية أندلسية).
    مع كل هذا التوافق في الآراء الطوبوغرافية والطبيعية لم يتمّ تعميم هذه الأبحاث واصدار حكم نهائي... إلى أن أخذ العالم (ديسانج J. Desanges) على عاتقه هذه المهمّة عند تعليقه على المؤرخ (بلين الأقدم Pline l'Ancien) للتشكيك بما ورد في النقش اللاتيني الذي عثر عليه في العالية (يجب أن نقرأ مستعمرة أوزال Col. Vzal. عوض كوتيزا Cotuzae) خلافا لما قرأه القس خيميناز لأن هذه الكلمة ليبية على الأرجح.
    بعده ، قام س. لانسل S. Lancel ، في ختام نشر أعمال مؤتمر قرطاج عام 411م بتخصيص مجلّد لوضع أسماء المدن القديمة كاملة ومناقشة البيانات الطوبوغرافية ، مع الالتزام بالحرفيّة حيث كتب: "... إذا كان الموقع الدقيق لأوزال Vzal المشار إليه في العالية Elia (...) لا يزال موضع شك ، فيجب أن نعلم أنّه بالتأكيد موجود في الأجزاء الجنوبية أو الجنوبية الشرقية من بحيرة بنزرت. وبالتالي يجب علينا أن نضع حدّا للشكوك والتردد والتثبت نهائيا من مكانه : أوزاليس Vzalis ، موجودة بين Utica و Bizerte ، في موضع العالية حيث يعيش الموريسكيون اليوم ، هؤلاء الأندلسيون (الذين يغلب عليهم العنصر الكتالوني) ، قد اضطروا إلى الهرب في بداية القرن السابع عشر ، وتأسيس تجمّع عمراني على أطلال المدينة الأفرو-رومانية والبيزنطية.
    يمكننا تأكيد هذا اليقين بعد النص الكتابي المكتشف ، في الأجزاء السفلية من العالية ، داخل طبقة أرضية متماسكة وصعبة ، وهي عبارة عن فسيفساء متعددة الألوان تشكل صورا مختلفة (الشكلان 1 و 2).




    [IMG]file:///C:/Users/HATEM~1.SAI/AppData/Local/Temp/msohtmlclip1/01/clip_image006.gif[/IMG]
    كتب هذا النص على قاعدة من الرخام الأبيض ذي الحبيبات الدقيقة ، ولكنّه ، مشوه للغاية. فيما يلي الحروف التي نجت (الشكل 3):



    COL.VZ SATRIV (s)
    في السطر الأول يمكننا أن نرى بوضوح المصطلح المختصر COL - وهو ما يشير إلى مستعمرة colonia والحرفين VZ (الجزء العلوي من Z ، للأسف ، اختفى في الفجوة) هو بداية اسم الموقع Vzalis. يمكن العودة إلى البيانات الدقيقة التي قدمها القديس أوغسطينوس في كتابه مدينة الربّ: "VZALI etiam quae COLONIA vicina Vticae est" ، وهذا يؤكد ما قاله ديلاتر Delattre حول نص النقيشة التي وجدت في العالية [COTVZAE -> COL. VZAL.) .
    صدور كتاب: "العالية، تاريخ وآثار وحنين"
    صدر مؤخرا كتاب بعنوان " العالية: تاريخ وآثار وحنين" لمؤلّفه الطّاهر البليدي، ومن تقديم المربّي الفاضل محفوظ الفقيّر. ويتضمّن هذا الكتاب عشرة أبواب إضافة إلى التّوطئة وهي على التّوالي: موقع العالية؛ العالية الأندلسيّة؛ الحياة اليوميّة للعلويّين؛ أهمّ معالم العالية القديمة- التّعليم الأهليّ؛ العادات والاحتفالات العائليّة؛ دور العالية في الحركة الوطنيّة؛ الاستقــلال ونسمة الحريّة؛ معركة الجلاء؛ العالية المعاصرة.
    هذا الكتاب هو الأوّل الّذي تحدّث عن العالية ونقل صورتها إلى القارئ، ومن ثمّة يمكن للكتاب أن يوصف بالوثيقة التاريخية عند التحدّث عن هذه المدينة:
    اخترت أن أنقل لكم ما كتبه المؤلف صفحة 17):"وهذا الموقع جعل العالية بعيدة عن ساحل البحر مصدر هجوم الغزاة قديما كما هي على بعد كاف من الطريق الرّئيسيّة الرابطة بين بنزرت والعاصمة بعدا يمكّن الأهالي من المراقبة الحذرة بما يمكّنهم من التّأهّب وأخذ الحيطة اللاّزمة لو حصل الهجوم فِعلا. كما أعانهم هذا الموقع في المحافظة على أصالتهم الأندلسيّة وصفاء أرومتهم، إذْ بقيت العالية وحتّى مطلع القرن التاسع عشر خاصّة بمهاجري الأندلس تقريبا، فلم يشاركهم الإقامة في رحابها إلاّ مَن شاكلهم خِلقة وخُلقا وطبعا ورضوه عشيرا".

    ------------
    مراجع:
    المشيخات:
    توزيع القبائل التونسيه عام 1900م حسب تقسيم السلطه الفرنسيه
    الأقليم المدنى بنزرت :
    I. قيادة بنزرت :
    1. مشيخة مدينة بنزرت : بلدة بنزرت و بجاوه (الغرابه و مرنيصه وزرازنيه واللواته ) ومنزل عبد الرحمان
    2. مشيخة منزل جميل : جميليه و مزاطه ( مغراوه و كباش )
    3. مشيخة قبطنه الأولى : قبطنه (الجواوده و مزاطه و الغرابه ) و عكاره و بجاوه
    4. مشيخة قبطنه الثانيه : قبطنه ( الشلاغميه و اولاد بوعشير ) و نفات و الغرابه
    5. مشيخة هيشار : هيشار
    6. مشيخة اللواته : لواته
    7. مشيخة مرنيصه : مرنيصه و الذواوده
    8. مشيخة العاليه : قرية العاليه ( العالويه و مزاطه والغرابه ) والمثاليث و بجاوه ( اولاد سيدى على الشباب )
    II. قيادة غار الملح :
    1. مشيخة بلدة غار الملح : غار الملح سيلين
    2. مشيخة رأس الجبل : بلدة راس الجبل و بنى عطاء و المثاليث
    3. مشيخة عوسجه : عوسجه و الطرود (هنشير زقاب الطرود) و عكاره (سيلين)
    4. مشيخة الماتلين :المتلين و المثاليث
    5.مشيخة الطرود : الطرود ( منزل راشد و منزل عمر و منزل الشيخ و الدار البيضاء )
    6. مشيخة الطرابلسيه : الطرابلسيه و الطرود و عكاره (اولاد سعيد و الغرابه)
    7. مشيخة عكاره غريانه جندوبه : عكاره و الطرود ( الحجريه والمباركيه والولغيه ) و طرابلسيه والقلعيه و جندوبه ( غريانه )
    8. مشيخة رفراف : بلدة رفراف
    III. قيادة ماطر :
    1. مشيخة بلدة ماطر : بجاوه ( بنى مزه وبنى عبد الجبار و البواكريه) والجرابه والجزايريين و مقعد (اولادساهية) و هذيل و زواوه و اولاد عيار و رياح (الدعاجه ) و دريد(الباديه واولادعرفه واولادجوين) والماطريه
    2. مشيخة عرب مجور : ماجر (اولاد غاوى) ونفزه (اولاد سالم) ومقعد (المراصنه واولاد سعيدان)و بجاوه (بنى عبد العزيز والخوارنيه وبنى مزه ) والطرابلسيه (العمايميه ) و رياح ( العواسي ) و دريد ( اولادجوين واولادعرفه ) وورتاتن ( صبابحه ) و اولاد عيار( اولاديونس ) و الجزائريين وبنى زيد (الخوارنيه ) و الفراشيش ( اولاد عسكر )
    3. مشيخة طريف : طريف و اولادبوعشير و ماجر ( شقطمه ) و دريد ( الباديه ) و نفات وعكاره و طرابلسيه واولاد الماي و بجاوه و الجمعيات
    4. مشيخة اولاد العدوانى و اولاد دخيل : اولاد العدوانى ( اولاد التومى واولاد الوافى ) و اولاد دخيل (حجيرى و العرب و السعيدان ) و بجاوه ( بنى مزه ) و الذواوده و دريد ( اولاد مليث و اولاد سيار و المجابه ) و هذيل ( الملاسقه و الجزائريين و اولاد غانم ) و ماجر ( شقطمه ) و الجمعيات ( الشقافه و الشبيلية )
    5. مشيخة اولاد غانم : اولاد غانم و الذواوده و بجاوه ( بنى تيزى ) و هذيل ( سماله ) و المراسنه و الجمعيات
    6. مشيخة الختراشه و الزاويه : الختراشه و الزاويه و سعايديه و الطرابلسيه
    7. مشيخة الشنانه : الشنانه و الرواحه و ماجر ( اولاد سهيل ) و المثاليث ( فطناسه ) و اولاد صوله و دريد ( الباديه ) و العرب و مقعد ( العبابسه و التفافحه ) و الجزائريين
    8. مشيخة نفات : نفات ( السديرات و اولاد عبد الله ) و الطرابلسيه ( السعادنه ) وقبطنه و الشلاغميه و اولاد عيار ( المساهله ) و ماجر ( تاغوت ) و دريد ( مرداس ) و النوال و جباليه و فراشيش ( اولاد عسكر ) و همامه و اولاد بوسالم و الحنشه والجزائريين و اولاد سعيد و الزواوه و بنى زيد
    IV. قيادة مقعد :
    1. مشيخة السحابنه : مطره و الجليدات
    2. مشيخة العبابسه : العبابسه و رياح و هذيل ( القطارشه )
    3. مشيخة التواجنيه : التواجنيه و العمايريه ومثاليث ( فطناسه ) و ماجر و هذيل ( الزكراويه و الغرادخيه و القواسميه و التواجنيه و العمايريه و العوامريه و النوافع و العوايريه )
    4. مشيخة المعاليه: المعاليه القباله و الزناقريه و الظواهريه و البراحيه و الزوايديه و بنى أيسله و عرب السمره و المزارحه و اولاد عمره
    5. مشيخة الذواوده الظهاره : مزليق و عكاره و الذواوده و الجمعيات و المراسنه والبلالمه والطلاحيس و ماجر( اولاد سهيل) و وبنى والان و جلاص ( اولاد سنداسن )
    6.مشيخة الذواوده القباله : الذواوده القبله و ماجر ( شقطمه ) و شوارفيه و بجاوه ( بنى عبد العزيز ) و مزليق و السواسيه و اولاد حموده
    V. قيادة مقعد اولاد سعيدان :
    1. مشيخة الحشاشنه : بو قبله و الحشاشنه و الحرايزيه و الطرود و القوائديه و الجمعيات و العرب و الدويليه و اولاد عيار ( المساهليه ) و الفراجنيه
    2. مشيخة اولاد عيسي : اولاد عيسي و الشمايشيه و اولاد عمر و قارم و الطلالحيه و اولاد ناصر و هيشار و الحجير و العرب
    3. مشيخة اولاد الماي : اولاد الماي و البراوقيه و العلالشه و اولاد لامع و عرب مرنيصه و عكاره (سيلين ) و نفات ( السديرات و اولاد عبد الله ) و اولاد سعيدان
    4. مشيخة المشارقه : المشارقه اولاد أحمد
    VI. قيادة بجاوه:
    1. مشيخة بنى سليمان : بنى سليمان و الطياش و بنى عبد الجبار و التاهنتيه و الحنشه و الجزائريين و الذواوده و الجمعيات
    2. مشيخة بنى مليكه : بنى مليكه و الطياش و دريد ( عرب سيار و اولاد مليت ) و بنى يارمان و بنى سليمان و كداغه و مثاليث (فطناسه ) و الملاله و الخوارنيه و رياح ( التوهانتيه ) و بنى مزه و بنى عبد الجبار و بنى تيزى و هذيل ( اولاد غانم ) و الجزائريين و اولاد بو غانم ( الناصريه )
    3. مشيخة بنى يارمان : بنى يارمان و الطياش و بنى سليمان و بنى مليكه و بنى عبد العزيز و رياح ( الستارات) و الملاله و الخوارنيه
    4. مشيخة بلدة تاهنت : التاهنتيه و الوسلاتيه و بنى عبد العزيز
    5. مشيخة بنى عبد العزيز : بنى عبد العزيز و بنى عبد الجبار و بنى مزه و دواوده و هذيل و مغراوه و طياش و اولاد ابو زيد
    6. مشيخة الكعوب : الكعوب الظهاره و الكعوب القباله و فراشيش ( اولاد عسكر و اولاد على ) و جلاص (اولاد زايد ) و بجاوه ( بنى تيزى و بنى مليكه و الملاله و بنى عبد الجبار )و هذيل و ماجر و نفزه ( بنى سعيد و اولاد سالم و الصوالحيه و الحبابه و المساتره ) و مقعد ( المشارقه ) و دريد ( اولاد عرفه و مليت و اولاد مناع و الرحاحله و ضمبر و بنى يفرن و اولاد جوين و الربايعيه ) و الهمامنه و رياح ( الدعاجه و الكنانه ) وخمير
    7. مشيخة بنى مزه : بنى مزه و بنى تيزى و بنى ميمون و الملاله و بنى عبد الجبار و الكداع و الخوارنيه و دريد ( المجالده و اولاد عرفه و النهد و ضمبر ) و بنى سليمان و بنى مليكه و بنى عبد العزيز و بنى يارمان و الجمعيات و اولاد منديل و جلاص ( اولاد سنداسن ) و عمدون و طياش
    ملاحظات :
    نلاحظ ان فى اقليم بنزرت الشمالى وجود عدة فروع لقبائل عربيه من بنى رياح حيث تتركز مشيخة الذواوده و وجود قبائل مقعد من قبائل حكيم من بنى سليم ومنها اولاد سعيدان و وجود فروع لقبيلة نفات من جذام العربيه و كذالك فروع من قبائل الطرود و عدوان و فروع الكعوب من بنى سليم وو طريف الجمعيات من بنى حكيم السليميه و فروع من هذيل المضريه و فروع لقبائل دريد واحلافهم من النهد القضاعيه و ضمبر المرداسيه الرياحيه
    وكذالك انتشار لقبائل البربريه المستعربه مثل قبائل بجاوه و مرنيصه و ماجر و لواته

    من أقوال الامام علي عليه السلام

    (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
    حملت طيباً)

    محمد نجيب بلحاج حسين
    أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
    نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

  • منيره الفهري
    مدير عام. رئيس ملتقى الترجمة
    • 21-12-2010
    • 9870

    #2
    ماشاااء الله تبارك الله.بحث قيم لمدينة شهدت معارك الجلاء تزامنا مع مدينة بنزرت المناضلة ...و مدينة العلاء تقول لي الكثير منذ صغر سني و قد اقترن اسمها عندي برمز البطولات و النضال...فقد خرج مناضلا تونسيا مناديا بجلاء الجيش الفرنسي عن بنزرت و كانت أولى محطاته « العالية » حيث عمل هناك ممرضا لفترة قصيرة ..يداوي جرحي المقاومة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي أنذاك...ثم انطلق مع المقاومين التونسيين لفرض الجلاء عن مدينة بنزرت...هذا المناضل هو والدي اجميّل الفهري...الذي وُسِّمَ فيما بعد بوسام الاستقلال من قبل الزعيم الحبيب بورقيبة...أذكر هذه الحقبة من الزمن و أرفع رأسي عاليا فخورة بك يا أبي...رحمك الله و برد ثراك....
    ذكريات هاجت في مخيلتي بمجرد أن قرأت مقالك هذا عن العالية.
    أستاذي و ابني العزيز حاتم سعيد أبو هادي
    شكرااا من القلب...
    دمت لتونس مؤرخا صادقا كما أنت...

    تعليق

    • حاتم سعيد
      رئيس ملتقى فرعي
      • 02-10-2013
      • 1180

      #3
      المشاركة الأصلية بواسطة منيره الفهري مشاهدة المشاركة
      ماشاااء الله تبارك الله.بحث قيم لمدينة شهدت معارك الجلاء تزامنا مع مدينة بنزرت المناضلة ...و مدينة العلاء تقول لي الكثير منذ صغر سني و قد اقترن اسمها عندي برمز البطولات و النضال...فقد خرج مناضلا تونسيا مناديا بجلاء الجيش الفرنسي عن بنزرت و كانت أولى محطاته « العالية » حيث عمل هناك ممرضا لفترة قصيرة ..يداوي جرحي المقاومة التونسية ضد الاستعمار الفرنسي أنذاك...ثم انطلق مع المقاومين التونسيين لفرض الجلاء عن مدينة بنزرت...هذا المناضل هو والدي اجميّل الفهري...الذي وُسِّمَ فيما بعد بوسام الاستقلال من قبل الزعيم الحبيب بورقيبة...أذكر هذه الحقبة من الزمن و أرفع رأسي عاليا فخورة بك يا أبي...رحمك الله و برد ثراك....
      ذكريات هاجت في مخيلتي بمجرد أن قرأت مقالك هذا عن العالية.
      أستاذي و ابني العزيز حاتم سعيد أبو هادي
      شكرااا من القلب...
      دمت لتونس مؤرخا صادقا كما أنت...
      سيدتي الجميلة والرائعة منيرة الفهري كل عام وانت بخير:
      رحم الله شهداءنا الأبرار ورزقهم جنة الخلد إن شاء الله، رحم الله أبانا المناضل اجميّل الفهري وارفعي رأسك افتخارا به لأن ما قدّمه الشعب التونسي من تضحيات في معركة الجلاء يستحق كل التكريم والافتخار. ومن ينسى نذكّره:
      انطلقت الشرارة الاولى لمعركة الجلاء بتاريخ 8 فيفري 1958، حيث شنت طائرات الجيش الفرنسي المرابط قرب الحدود الجزائرية هجوما عنيفا على سوق أسبوعية في قرية ساقية سيدي يوسف شمال غرب البلاد سقط خلاله عدد كبير من التونسيين و الجزائريين.
      و وفق مصادر مطلعة فقد خلف هذا الهجوم 79 شهيدا من بينهم 20 طفلا و11 امرأة و130 جريحا. هذه الحادثة اتخذت ذريعة لمطالبة المحتل بإخلاء قاعدة بنزرت ولكنه رفض.
      رغم عدم تكافؤ الميزان العسكري بين الجيشين التونسي و الفرنسي حسم الزعيم الحبيب بورقيبة الأمر مشددا على ضرورة جدولة موعد مغادرة القوات الأجنبية للمدينة إلا أن حكومة فرنسا تعنّتت واندلعت بذلك الحرب على إثر إعلان الإذاعة بتاريخ 19 جويلية البيان التالي: "تلقت القوات المسلحة التونسية أمرا بقصف كل طائرة تخترق المجال الجوّي "، يليه خطاب آخر لبورقيبة مفاده شحن معنويات الجيش و الشعب من ذلك قوله :«على كل رجل يسمع ندائي أن يقاوم و أن يخيّر الموت على التفريط في شبر واحد من أرضنا».
      أبطال المعركة:
      يؤكد المؤرخون أن أبطال معركة الجلاء هم كل التونسيين بمختلف فئاتهم من قوات عسكرية وقوات الحرس الوطني و مواطنين
      و قيادة سياسية، إلا أن نصيب التفوق في هذه الحرب كان لقوات الحرس الوطني التي ساهمت في تكبيد العدو خسائر فادحة في العدد و العتاد وجحافل المقاومين بأبسط أنواع السلاح الذين خرجوا إلى الشوارع غير عابئين بالخطر زادهم الأكبر حناجرهم المنادية بالجلاء ، يليها في سلم الانتصار الديبلوماسية التونسية التي نجحت في حشد الرأي العام الدولي لنصرة قضية التحرر الوطني الكامل.
      من أبطال المعركة الذين أبلوا البلاء الحسن من أجل الدفاع عن حرمة الوطن نجد كذلك أفراد قوات جيشنا الوطني الفتي وقتها و لكنه نحت نياشين النصر رغم فداحة الخسائر المسجلة في صفوفه. و من بين أبطال جيشنا نجد الرائد الشهيد محمد البجاوي الذي استشهد رافضا إلقاء السلاح في مشهد بطولي و وطني نادر قارب الأسطورة، و كذلك الملازم الأول الشهيد الطيب بن علية و الملازم الشهيد محمد العزيز تاج و الملازم الشهيد الهادي والي و غيرهم وهم كثر.
      اختلفت المصادر حول عدد شهداء معركة الجلاء، إذ أفادت بعض الجهات أنه سقط خلالها 670 شهيدا و 11 15جريحا، في حين أكد ضابط الحرس الوطني حسن مرزوق الذي خاض المعركة في كتاب أصدره لاحقا أن عدد الضحايا بلغ 7 آلاف.
      وقد تحدّثت في روايتي "رصاصة واحدة لا تكفي" عن بعض تفاصيل هذه المعركة فذكرت:
      قال لي أبي بعد تلك الجلسة وهو يستعرض أحداث معارك الجلاء:"الكثير من الناس يعتقد أنّ قرار معركة الجلاء يعود للرئيس الحبيب بورقيبة ولكنّه في تلك الفترة لم يكن يملك جيشا للقيام بذلك سوى بضعة آلاف من الجنود المدرّبين.
      كان يهدّد فحسب ويريد إحداث بعض الشغب ليعيد قضيّة وجود المحتل في قاعدة بنزرت إلى الواجهة ولكن الشّعب كان يريد تلك الحرب رغم فقدانه للأسلحة فقد انطلق المواطنون من كامل أنحاء البلاد ليحرّروا بنزرت بأجسادهم .
      قلت:"لم أفهم يا أبي ما ترمي إليه..هل يرمي الانسان بنفسه إلى التهلكة وهو يعلم أنّه خاسر؟"
      قال:"كلاّ، لا يمكنك أن تقرأ الأحداث بتلك الصورة ولكن اجعلها الفرصة الأخيرة لشعب تنامى عنده الوازع الوطني والدينيّ مع طلب الثأر لإثبات أنّه إذا أراد الحياة فلابدّ أن ينتصر..والانتصار بالموت هو شكل من أشكال التحرّر..هل فهمت؟"
      قلت:"أحاول أن أفهم..وماذا فعلت قرية الماتلين في تلك المرحلة؟"
      قال:"أبناء الماتلين شاركوا في المعركة كغيرهم فاستشهد وجرح منهم خلق كثير..كانت القرية ملجأ للعائلات الهاربة من القصف والدمار تقدّم الرعاية والمؤونة للمجاهدين ولكنّ ما فعله "العتنون" الصديق الحميم لخالي البشير مثّل شكلا آخر من أشكال النضال.
      قلت:"تقصد العمّ محمّد بن اسماعيل؟ ماذا فعل أخبرني أرجوك؟"
      قال:"لقد كان رجلا شجاعا ومقداما.. قام بمفرده خفية باقتحام ثكنة منزل الجميل واستولى على شاحنة عسكريّة قادها إلى القرية ليسلّمها الى الجيش التونسي"
      استغربت متسائلا:"شاحنة عسكريّة؟
      أجاب:"نعم شاحنة عسكرية كبيرة لنقل الجند..لقد كان داهية باركه الله وقد استفاد من خدمته العسكريّة مع الفرنسيين..تمكّن من تشغيلها من دون المفاتيح وقام بقيادتها والحرب مستعرة والعساكر في كلّ مكان.تخيّل ماذا فعل عندما وصل القرية وشاهد علامات الذعر والفزع عند أهلها؟"
      قلت متشوّقا للنهاية:"هيا أبي أكمل حكايته، أرجوك؟
      قال:"أخذ "يزمّر" بمنبّه الشاحنة كأنه في عرس وهو يقول":"هذا من أجلك يا جاري وأنتم يا أهل القرية هل مازلتم تخافون من شاحنة الفرنسيين؟".

      من أقوال الامام علي عليه السلام

      (صُحبة الأخيار تكسبُ الخير كالريح إذا مّرت بالطيّب
      حملت طيباً)

      محمد نجيب بلحاج حسين
      أكْرِمْ بحاتمَ ، والإبحارُ يجلبُهُ...
      نحو الفصيح ، فلا ينتابه الغرقُ.

      تعليق

      يعمل...
      X