جمهوريات " فوق العادة "

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    جمهوريات " فوق العادة "

    جمهوريات " فوق العادة "
    ***
    الحرية والوعي والحقوق والكرامة الانسانيّة ، كل ذلك مكفول في دساتير وقوانين الدّول التي تحترم مواطنيها ، والمواطن عند هذه الدّول الحرّة ، لا يمكن سلبه من جميع حقوقه إلاّ بموجب جرم حقيقي ونصّ صريح واضح . والمواطن عندها هو رقم هام وركن أساسي في الدّولة و المجتمع ، من خلال مساهمته في بنائها ومشاركته في القرار السيّاسي . لكن كل ذلك لا يمكن الحديث عنه في ظلّ أنظمة مستبدّة لا تفرّق بين الحقوق والواجبات ، وتهيمن على كافّة السّلطات ، تجمّعها في قبضة واحدة " من حديد ".
    كثيرًا ما نسمع عن جمهوريات الموز على أنّها تقع في أمريكا الجنوبيّة وتشتهر باشجارها وغاباتها الكثيفة وأنّها " جمهوريات " لا تعرف قرارا ولا استقرارا ... فإذا كانت دول أمريكا الجنوبيّة تسمّى بجمهوريات الموز نسبة إلى نوعيّة الأشجار التي توجد بهذه الدّول، فبماذا يمكن تسميّة الدوّل العربيّة ، والتي ليس لديها أشجار موز ولا غابات كتلك التي توجد في أمريكا الجنوبيّة ...؟ا لكنّها في الأخير لا تختلف كثيرا عن الجمهوريات المذكورة من ناحيّة ممارسة الاستبداد واحتقارها للفرد المواطن ؟ا
    بالنّسبة لجمهوريات الموز ، وبغض النّظر عن مكانتها الطبيعيّة ومناخها الجيو سيّاسي ومكوّناتها البشريّة و اقتصادياتها التي تعتمد أساسًا على ما توفّره لها الطّبيعة ويوجد في الأشجار من فواكه الأرض وغِلالِها ، فإن الدوّل العربيّة قد عُرفت هي أيضًا بما يوجد تحت الأرض من معادن ثمينة ونفط خام ، ومارد هي أهم شيء بالنّسبة إليها ، أهم من مستقبل الوطن و أهم حتّى من الإنسان . ومثل هذه البلدان تتقاطع أو بالأحرى تلتقي في هذه النّقطة ومن ناحية طبيعة أنظمتها الاستبداديّة ، والتي تصل إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكريّة ، والقتل والنّهب وإراقة الدّماء . وأمّا القوانين والدّساتير فهي لاتهتمّ لشأنها وحتى إن وُجدت فهي لا تقول بها ولا تعمل بها في الغالب ، بل تقوم بتجميدها فور وصولها إلى إلى الحكم وانقلابها على المؤسّسات الشّرعيّة ، تمامًا مثل لحوم " الجيفة ق المستوردة والتي تتعمّد استيرادها لدعم المنتوج الخارجي على حساب الإنتاج المحلّي في إطار حملات تبييض الأموال وتهريبها إلى الخارج . وأمّا الحملات المزعومة ضد الفساد وما يروّجه الإعلام التّابع لها فيبقى مجرّد خطابات موجّهة لاستهلاك الرّأي العام المحلّي والخارجي ، عبارة عن " حبر على ورق " ، وقراطيس كتلك التي نرميها في المزابل بعد استهلاك ما فيها ، وأمّا الأحكام التي تريد تطبيقها على هؤلاء الفاسدين فلا يمكنها أن تسري على أحد منهم وإن ثبت تورّطه حتّى تصدر في شأنه أوامر فوقيّة بغض النّظر عن مجريات التّحقيق .
    ومن صفات هذه الدوّل أيضًا ، دول الموز و النّفط ، أنّها لا تحترم حقوق الإنسان ، السيّسيّةو المدنيّة، وتعتبر كل ما في الوطن " غنيمة حرب " و" هبات " تتصرّف فيها كما تشاء . وأمّا ما تقوم به أحيانًا من " دغدغة " للمشاعر هنا وهناك مثل بعض الأنشطة الثقافيّة أو الريّاضيّة وما يُعبّر عنه بالمصطلح الحديث " سيّاسة الإلهاء " فالغرض منه بات واضحًا ، ومثله مثل لرّيع الذي تقوم بتوزيعه على بعض الأفراد دون وجه حقٍّ ، ولشراء ما يُسمّى بالسّلم الاجتماعي . وأما مايتعلّق بشبه الانتخابات التي تتظاهر بتنظيمها والسّهر على إنجاحها ، محليّة كانت أو تشريعيّة أو رئاسيّة حتّى ، فـ " لذرّ الرّماد في العيون " – كما يقول المثل – و " حساء للأموات " كما هو المثل عند الفرنسيين ، وللتّغطية على حقوق المواطنين المهضومة والمسلوبة ، ولتضليل الرّأي العام الخارجي حتّى يتغاضى عمّا يقع في الدّاخل .
    كما ترى مثل هذه الأنظمة المستبدّة أن لها الحقّ وحدها فيما تقنّنه وتشرّعه ، ولها الحقّ الكامل في الرّقابة والمحاسبة دون غيرها من الأجهزة والمؤسّسات " الصّوريّة " التي تسطو عليها ، ولها الحق وحدها في تحديد نوعيّة الخطاب بشقّيه المعروفين ، الدّيني و السيّاسي ، فتستغلّ رجالات الدِّين " لعدم الخروج عن الحاكم ووجوب طاعته حتى وإن قطع الرّقاب أو اقترف الكبائر " لأغراضها السيّاسويّة وللتّغطية على الجرائم الحقوقيّة والأخلاقيّة التي تتورّط فيها .و تطبّق ما يسمّى بسيّاسة " الجزرة والعصا " ، وتمارس الترغيب والتّرهيب على الجميع . فلا يمكن بأيّ حال من الأحوال إلقاء اللّوم على المواطنين البسطاء لأنّهم فقدوا معاني الحرّيّة والكرامة في ظل تغييب القوانين التي تحترم الحقوق والواجبات ، ولا يمكن الحديث عن روح البادرة لدى هؤلاء الأفراد البسطاء إذا كانت النّخب نفسها لا تمارس حقوقها السيّاسيّة المشروعة ، فلا صوت يعلو فوق السّلطة الحاكمة ، ولا مبادرة يمكن أن تصدر من أيّة جهة من الجهات ، دون تلقّي إشارة من هذه السّلطة المستبدّة ؛ وفي هذه الصبيحة المباركة ، وعلى غير العادة خرجت آلة جرّافة ، بعدما تكرّر انقطاع التيّار الكهربائي لساعات طوال ؛ في الأمر سرٌّ ما ؟ا خرجت جموع المتطوّعين ، بين ساذج ومغفّل ، للتكفّل بمساويء رموز مجالس انتخبت لتخدمنا لكنّها غابت عن الوجود منذ زمن بعيد ، خرج جيران الحي لمحو الآثار المتفشّية لسنوات عجاف . خرج المتملّقون وقد أثقل الإملاق ممشاهم ، وعلى أكتافهم معاول وفؤوس ، وعلامات الرّضا لا تفارق مُحيّاهم ، في جمهوريّة " البانان " هكذا يسمّى الموز عندنا ، خرج المتطوّعون وفي اعتقادهم أنّهم قد يحصلون على رتبة " مواطنين فوق العادة " .


    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 23-11-2018, 04:39.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
يعمل...
X