"محمد كالأسد": من منا لا يتذكر هذه الجملة التي ربما من شدة تكرارها على مر الفصول تبدو و كأن مقررات التعليم العربية لم تجد غيرها كمثال على التشبيه عند أول دروس البلاغة (و يا حسرتاه على فقدان الاهتمام بالبلاغة في مناهج التعليم شرقاً وغرباً!)؟ فكما سيق إلى أفهامنا و نحن صغار، فإن "محمد" مشبه و "الأسد" مشبه به بينما "الكاف" أداة وصل بينهما على أساس أن الغرض من التشبيه هو محاولة تقريب مفهوم "الشجاعة" التي اشتهر بها "الأسد" فتنتقل الخاصية -هنا أسميها "الشجعنة"- بقدرة "الكاف" من الأسد الشجاع لينتحلها "أحمد". و مع نوع من التكرار يتم الاستغناء عن دور الأداة لتسقط بعد ذلك "الكاف" فيصبح "محمد أسد"، تشبيها يرقي إلى رتبة المجاز فيحتفظ "محمد" بخاصية "الشجعنة"...ربما إلى الأبد! هذا على الأقل ما تحتفظ به الذاكرة من شظايا أول دروس البلاغة التي تلقنتها و أنا صغير.
لكن! - آه على لكن! فلعلها تفعل مع العقول فعلة "لو" - لكن مع نوع من الإصرار الفلسفي والنضج الفكري، يصير من الصعب جدا على العقل الرضا المطلق و التسليم التام بقواعد المقررات المدرسية كما ألقيت على المسامع - دون مخاطبة العقل - في لحظات مبكرة من طور التعليم والتعلم.
فمثلا، بما أن قواعد التشبيه تنطلق من مسلمات لغوية و ذهنية Cognitive بديهية "توافقية/ consensual/ حول مفهوم الشجاعة/ خاصية الشجعنة، حتى بات المشبه "محمد" و المشبه به "الأسد"، بفضل عملية التكرار الذهني و اللفظي بالاستعانة بالأداة "الكاف" كمرحلة أولى ثم دونها فيما بعد، فهل المعنى سيبقى هو كما عليه دائما لو
مثلا، منطقياً، قلبنا ترتيب المفردات : الأسد كمحمد، أولاً، ثم، "الأسد محمد" مجازاً؟
مبدئياً، "التراتبية"ليست دليلا على "التفاضلية"، ففي المبنى لا دور لها أساساً لأنها تخدم المعنى نفسه سواء بهذا الشكل أو ذاك. بما أن القاسم المشترك بين الطرفين هو الشجاعة إذن، محمد كالأسد و الأسد كمحمد لا فرق بينهما - أو هكذا فهمت.
حقاً؟
لندع، لهينهة، محمداً يستمتع بالشجعنة رفقة نظيره الأسد ريثما نعود.
بعيداً عن الفصل و المقرر، كيف يتعامل الذهن Mind مع التشبيه و المجاز في الحياة اليومية و بشكل ربما غير واعي؟ من أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل و للتطرق لعلاقة المجاز بالذهن، خصص الباحثان الأمريكيان في علوم التحليل الذهني للخطاب George Lakoff و Mark Johnson كتابهما القيم الذي ظهر لأول مرة سنة 1980
بعنوان Metaphores We Live By للنسخة الانجليزية و Les métaphores dans la vie quotidienne بالنسبة للنسخة الفرنسية : المجاز في الحياة اليومية (لست أدري هل تمت ترجمته إلى العربية).
باختصار شديد، لأن المقال و المقام لا يسمحان بالتعمق، فإن الباحثين عكفا على دراسة أساليب و مراتب المجاز انطلاقاً من الواقع اليومي المعاش باعتبار أن المجاز "حقيقة" لغوية و خاصية "ذهنية" لصيقة بالفكر و يستعملها اللسان بشكل يكاد يكون "اعتباطيا" إلى درجة أنه بإمكان المدقق في التعابير اليومية أن يجد أثرها متفشياً و أن استعمالها يتساوى عنده العامي و الأمي و العالم بأسرار البلاغة؛ على عكس ما كان يروج إليه - و لا يزال - في المناهج التربوية المقررة، على أن المجاز ضرب من ضروب النضج البلاغي و الوعي الثقافي لمروجيه من أهل الفصاحة و الوجاهة!
و بما أن الموقف لن يسمح لي هنا بمناقشة طرح Lakoff and Johnson كما يجب، نلتقي معهما في مقال متخصص، سوف أقتبس بعض الأمثلة الحية مستوحاة من واقعي اليومي - وللقاريء دون شك أمثلة غيرها قد تغنيه عن غيرها لإعادة النظر، و لو بقليل من الموضوعية، في مفهوم التشبيه و المجاز كما هو متعارف عليه - شططاً - عند بعض "المثقفين".
المثال الأول
"هنا النساء تؤدي نفس سعر الرجال".
المصدر:
نص دعاية صالون حلاقة.
يتبع.
م.ش.
لكن! - آه على لكن! فلعلها تفعل مع العقول فعلة "لو" - لكن مع نوع من الإصرار الفلسفي والنضج الفكري، يصير من الصعب جدا على العقل الرضا المطلق و التسليم التام بقواعد المقررات المدرسية كما ألقيت على المسامع - دون مخاطبة العقل - في لحظات مبكرة من طور التعليم والتعلم.
فمثلا، بما أن قواعد التشبيه تنطلق من مسلمات لغوية و ذهنية Cognitive بديهية "توافقية/ consensual/ حول مفهوم الشجاعة/ خاصية الشجعنة، حتى بات المشبه "محمد" و المشبه به "الأسد"، بفضل عملية التكرار الذهني و اللفظي بالاستعانة بالأداة "الكاف" كمرحلة أولى ثم دونها فيما بعد، فهل المعنى سيبقى هو كما عليه دائما لو
مثلا، منطقياً، قلبنا ترتيب المفردات : الأسد كمحمد، أولاً، ثم، "الأسد محمد" مجازاً؟
مبدئياً، "التراتبية"ليست دليلا على "التفاضلية"، ففي المبنى لا دور لها أساساً لأنها تخدم المعنى نفسه سواء بهذا الشكل أو ذاك. بما أن القاسم المشترك بين الطرفين هو الشجاعة إذن، محمد كالأسد و الأسد كمحمد لا فرق بينهما - أو هكذا فهمت.
حقاً؟
لندع، لهينهة، محمداً يستمتع بالشجعنة رفقة نظيره الأسد ريثما نعود.
بعيداً عن الفصل و المقرر، كيف يتعامل الذهن Mind مع التشبيه و المجاز في الحياة اليومية و بشكل ربما غير واعي؟ من أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل و للتطرق لعلاقة المجاز بالذهن، خصص الباحثان الأمريكيان في علوم التحليل الذهني للخطاب George Lakoff و Mark Johnson كتابهما القيم الذي ظهر لأول مرة سنة 1980
بعنوان Metaphores We Live By للنسخة الانجليزية و Les métaphores dans la vie quotidienne بالنسبة للنسخة الفرنسية : المجاز في الحياة اليومية (لست أدري هل تمت ترجمته إلى العربية).
باختصار شديد، لأن المقال و المقام لا يسمحان بالتعمق، فإن الباحثين عكفا على دراسة أساليب و مراتب المجاز انطلاقاً من الواقع اليومي المعاش باعتبار أن المجاز "حقيقة" لغوية و خاصية "ذهنية" لصيقة بالفكر و يستعملها اللسان بشكل يكاد يكون "اعتباطيا" إلى درجة أنه بإمكان المدقق في التعابير اليومية أن يجد أثرها متفشياً و أن استعمالها يتساوى عنده العامي و الأمي و العالم بأسرار البلاغة؛ على عكس ما كان يروج إليه - و لا يزال - في المناهج التربوية المقررة، على أن المجاز ضرب من ضروب النضج البلاغي و الوعي الثقافي لمروجيه من أهل الفصاحة و الوجاهة!
و بما أن الموقف لن يسمح لي هنا بمناقشة طرح Lakoff and Johnson كما يجب، نلتقي معهما في مقال متخصص، سوف أقتبس بعض الأمثلة الحية مستوحاة من واقعي اليومي - وللقاريء دون شك أمثلة غيرها قد تغنيه عن غيرها لإعادة النظر، و لو بقليل من الموضوعية، في مفهوم التشبيه و المجاز كما هو متعارف عليه - شططاً - عند بعض "المثقفين".
المثال الأول
"هنا النساء تؤدي نفس سعر الرجال".
المصدر:
نص دعاية صالون حلاقة.
يتبع.
م.ش.
تعليق