للتخلص من التشبيه و المجاز و من سفسطات أخرى

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    للتخلص من التشبيه و المجاز و من سفسطات أخرى

    "محمد كالأسد": من منا لا يتذكر هذه الجملة التي ربما من شدة تكرارها على مر الفصول تبدو و كأن مقررات التعليم العربية لم تجد غيرها كمثال على التشبيه عند أول دروس البلاغة (و يا حسرتاه على فقدان الاهتمام بالبلاغة في مناهج التعليم شرقاً وغرباً!)؟ فكما سيق إلى أفهامنا و نحن صغار، فإن "محمد" مشبه و "الأسد" مشبه به بينما "الكاف" أداة وصل بينهما على أساس أن الغرض من التشبيه هو محاولة تقريب مفهوم "الشجاعة" التي اشتهر بها "الأسد" فتنتقل الخاصية -هنا أسميها "الشجعنة"- بقدرة "الكاف" من الأسد الشجاع لينتحلها "أحمد". و مع نوع من التكرار يتم الاستغناء عن دور الأداة لتسقط بعد ذلك "الكاف" فيصبح "محمد أسد"، تشبيها يرقي إلى رتبة المجاز فيحتفظ "محمد" بخاصية "الشجعنة"...ربما إلى الأبد! هذا على الأقل ما تحتفظ به الذاكرة من شظايا أول دروس البلاغة التي تلقنتها و أنا صغير.

    لكن! - آه على لكن! فلعلها تفعل مع العقول فعلة "لو" - لكن مع نوع من الإصرار الفلسفي والنضج الفكري، يصير من الصعب جدا على العقل الرضا المطلق و التسليم التام بقواعد المقررات المدرسية كما ألقيت على المسامع - دون مخاطبة العقل - في لحظات مبكرة من طور التعليم والتعلم.

    فمثلا، بما أن قواعد التشبيه تنطلق من مسلمات لغوية و ذهنية Cognitive بديهية "توافقية/ consensual/ حول مفهوم الشجاعة/ خاصية الشجعنة، حتى بات المشبه "محمد" و المشبه به "الأسد"، بفضل عملية التكرار الذهني و اللفظي بالاستعانة بالأداة "الكاف" كمرحلة أولى ثم دونها فيما بعد، فهل المعنى سيبقى هو كما عليه دائما لو
    مثلا، منطقياً، قلبنا ترتيب المفردات : الأسد كمحمد، أولاً، ثم، "الأسد محمد" مجازاً؟

    مبدئياً، "التراتبية"ليست دليلا على "التفاضلية"، ففي المبنى لا دور لها أساساً لأنها تخدم المعنى نفسه سواء بهذا الشكل أو ذاك. بما أن القاسم المشترك بين الطرفين هو الشجاعة إذن، محمد كالأسد و الأسد كمحمد لا فرق بينهما - أو هكذا فهمت.


    حقاً؟

    لندع، لهينهة، محمداً يستمتع بالشجعنة رفقة نظيره الأسد ريثما نعود.

    بعيداً عن الفصل و المقرر، كيف يتعامل الذهن Mind مع التشبيه و المجاز في الحياة اليومية و بشكل ربما غير واعي؟ من أجل الإجابة على مثل هذا التساؤل و للتطرق لعلاقة المجاز بالذهن، خصص الباحثان الأمريكيان في علوم التحليل الذهني للخطاب George Lakoff و Mark Johnson كتابهما القيم الذي ظهر لأول مرة سنة 1980
    بعنوان Metaphores We Live By للنسخة الانجليزية و Les métaphores dans la vie quotidienne بالنسبة للنسخة الفرنسية : المجاز في الحياة اليومية (لست أدري هل تمت ترجمته إلى العربية).

    باختصار شديد، لأن المقال و المقام لا يسمحان بالتعمق، فإن الباحثين عكفا على دراسة أساليب و مراتب المجاز انطلاقاً من الواقع اليومي المعاش باعتبار أن المجاز "حقيقة" لغوية و خاصية "ذهنية" لصيقة بالفكر و يستعملها اللسان بشكل يكاد يكون "اعتباطيا" إلى درجة أنه بإمكان المدقق في التعابير اليومية أن يجد أثرها متفشياً و أن استعمالها يتساوى عنده العامي و الأمي و العالم بأسرار البلاغة؛ على عكس ما كان يروج إليه - و لا يزال - في المناهج التربوية المقررة، على أن المجاز ضرب من ضروب النضج البلاغي و الوعي الثقافي لمروجيه من أهل الفصاحة و الوجاهة!

    و بما أن الموقف لن يسمح لي هنا بمناقشة طرح Lakoff and Johnson كما يجب، نلتقي معهما في مقال متخصص، سوف أقتبس بعض الأمثلة الحية مستوحاة من واقعي اليومي - وللقاريء دون شك أمثلة غيرها قد تغنيه عن غيرها لإعادة النظر، و لو بقليل من الموضوعية، في مفهوم التشبيه و المجاز كما هو متعارف عليه - شططاً - عند بعض "المثقفين".


    المثال الأول
    "هنا النساء تؤدي نفس سعر الرجال".
    المصدر:
    نص دعاية صالون حلاقة.


    يتبع.

    م.ش.
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 30-11-2018, 13:02.
  • محمد شهيد
    أديب وكاتب
    • 24-01-2015
    • 4295

    #2
    نواصل.

    "هنا النساء تؤدي نفس سعر الرجال".
    لفت انتباهي محتوى هذا الإعلان لما مررت من أمام صالون للحلاقة النسوية حلّ محل حلاق الرجال الذي كنت أتردد عليه. تساؤلات عديدة خطرت على البال لا داعي لسردها جميعها هنا لكن منها ماهو متعلق بالضرورة بموضوعنا عن التشبيه و المجاز و سفسطات من نفس الجنس.

    لأول وهلة، يمكن القول على أن بنية الخطاب الذي أمامنا تتكون من نفس العناصر المؤسسة لقاعدة التشبيه النمطية كتلك التي ذكرت في مستهل الحديث أعلاه: حيث أن السعر الذي تطلبه صاحبة المحل من الزبون النسوي مقابل خدمتها هو نفسه السعر الذي كان سيؤديه الرجل - بحسب ما هو متعارف عليه في المجتمع الذي نشأ فيه المخاطب و المتكلم جنباً لجنب. بعبارة أخرى، التوافقية هنا تلعب دوراً مركزياً في تركيبة البنية التشبيهية حتى تتم عملية (الوصل) بين طرفي التشبيه بسلام دون مخافة التأويل المحرج. إذن، يفهم من ظاهر الخطاب على أن خاصية السعر الذكوري (خاصية محددة مسبقا) تنتقل "هنا" إلى السعر النسوي (على أساس أنها خاصية محددة كذلك مسبقا). حتى لا يكون التشبيه إطنابا، أي تكراراً للمعنى مما يثقل المبنى - كان لابد أن يكون السعر الذكوري - عادةً - هو (غير) سعر النساء - انطلاقا من مبدأ التوافقية نفسه - مما سيجعل للخطاب المذكور دلالة محددة يقصدها صاحب الخطاب/المحل. فكما أن (الشجعنة) ليست من خصائص "محمد" بالضرورة، و أنها بالعادة خاصية اتفق على أنها من صفات "الأسد" مما يجعل للتشبيه معنى جديد و إلا بات إطنابا لا جدوى منه - كذلك "هنا" تحرص عملية النشبيه على نقل خاصية السعر النسوي الجديدة من محلها الأصلي عند الرجال.

    لنأت الآن إلى ماهو متعارف عليه في المجتمع حول سعر النساء (المشبه) : من المعلوم أن سعر الحلاقة و التجميل داخل صالونات النساء باهض جداً مقارنة مع سعر الرجال(المشبه به) - او على الأقل نقصد بذلك رجلا مثلي له حاجيات تجميلية تنحصر في تخفيف الشعر إلى حد معقول يبدو فيه المظهر على قدر معين من القبول و نستثني منه (الذكور) الذين لهم حاجيات تميل بالسعر إلى جهة النساء، و ما تقتضيه التسعيرة.

    انطلاقاً من هذا المعطى الاقتصادي المحدد، يمكن لخطاب التشبيه (نفس سعر الرجال) أن يلقي بثقله - و بلاغته - على المتلقيات من النساء، فيصير المعنى : "هنا ستكلفني الزينة أقل بكثير من صالونات المنافسة". أو هكذا أريد للمتلقيات أن يفهمن...فيمرن إلى التنفيذ - براغماتية الخطاب - أي الدخول فالأداء.


    جميل.

    لكن
    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 05-12-2018, 15:37.

    تعليق

    • سليمى السرايري
      مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
      • 08-01-2010
      • 13572

      #3



      جميل لكن...............

      نعم جميل ما جاء في هذه المقالة ذات جزئين
      الحقيقة أني أتابع وأحاول أن أتعلّم وأفهم أكثر...

      حضوري أيضا للتحيّة صديقي محمد شهيد.
      شكرا لعمق ما تنشر.
      -
      -
      -
      تقديري
      لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

      تعليق

      • محمد شهيد
        أديب وكاتب
        • 24-01-2015
        • 4295

        #4
        لايزال للشطحات بقية، صديقة الرقصات الحالمة.

        شكرا لك على المتابعة.

        مساء الخير.

        تعليق

        • محمد عبد الغفار صيام
          مؤدب صبيان
          • 30-11-2010
          • 533

          #5
          لا شك أن الدرس البلاغي الأول كان للتعليم و للتفهيم ، فهو ــ و إن بدا ساذجا إلا أنه ــ قد وطد دعائم أساس ننطلق منه إلى ما فوق ذلك ، و ما بعده .
          و البلاغة كمعظم العلوم موجودة ، و مرتبطة بحياة البشر و مماراساتهم القولية اليومية ، على كل المستويات التعليمية لكنها أشتات على الألسنة و غير معللة ، فعندما تقول الأم بعفوية الأمي الذي لم ينل من التعليم البلاغي شيئاً : " أنتم نور العين " أو " فلذة الكبد " " أو حبة القؤاد" هل تدرك مكونات هذه الجملة التشبيهية بمعناها العلمي الممنهج ؟؟؟ بالقطع لا ! لكنها عبرت بمشاعر جياشة تنم عن ذائقة تعمل إرسالاً و استقبالاً و ربما لم تسمع قبلاً عن علم البلاغة أو تعرفه ، كما أن الشاعر الأمي المطبوع يلقي شعراً له وجاهته ، و بلاغته إضافة إلى وزنه و قافيته ، و ربما لم يسمع من قبل عن الخليل بن أحمد.
          استمتعت بفكرتك أستاذنا / شهيد
          دم راقيا.
          "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

          تعليق

          • محمد عبد الغفار صيام
            مؤدب صبيان
            • 30-11-2010
            • 533

            #6
            استئنافا لما سبق أقول ...إن العلوم ـــ لا سيما النظرية ــ تحتل حيزاً من حياة الإنسان الأول ، و أثرها بادٍ و ماثل يملأ علينا الزمان و المكان ؛ بيد أنها أشتات منبثة في غير انتظام ، حتى إذا جاء من قيضه الله فأماط عنها اللثام ، و أزال عنها غبرة الانبثاث العشوائي ؛ فنظَّمها و نظَّرها و أطَّرها و قنَّنها حتي صارت بذرة تنتطر التخول و الرعاية ، ثم تصير البذرة شجرة مثمرة باسقة أغصانها وارفة ...فإذا ما فاضلت بين البذرة الضئيلة ، و الشجرة الوارفة الكثاء الغناء كالخميلة ، لأبدى لك الظاهر ما للشجرة من خير وخضرة ، و ظلٍ و طل ... رغم أن هذه على عظمها و ورْفها مستولدة من تلك ، و لا يخفى ما للأصل من سبق و فضل !
            و انظر إلى مسلمات العلوم و بديهيات الفنون ، تجدها في صورتها الأولى مدعاة للاستبخاس ، و الاستضآل بما يدعو للعجب ، ثم انظر إلى تلك العلوم في أوج نضجها و عمقها و سمقها ، سترى بونا شاسعا ، و شأواً واسعا ...سترى عجبا لا تمحوه آماد الحقب!
            لذا فعنوان منشورك سيدي لم يرقني لما فيه من غمط لعلم البلاغة و رجالاته ، و كأنهم افنوا حياتهم فيما لا طائل من وراءه ، و كل ما أنجزناه نحن فنقد ما شيدوه و ليس لنا فيه مفحص قطاة و لا بعرة شاه!
            تقديري لشخصكم الكريم.
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد عبد الغفار صيام; الساعة 06-12-2018, 15:23.
            "قُلْ آمَنْتُ باللهِ ثُمَّ استَقِمْ"

            تعليق

            • محمد شهيد
              أديب وكاتب
              • 24-01-2015
              • 4295

              #7
              حفظك الله ورعاك
              تقدير متبادل، الأخ المحترم محمد.
              أسجل كل ماجاء في مداخلتك حول الموضوع و أعود بمشيئة الله قريبا لمناقشتها معك، ريثما أعود إلى البيت.

              سلامي إليك.

              م.ش.

              تعليق

              • الهويمل أبو فهد
                مستشار أدبي
                • 22-07-2011
                • 1475

                #8
                المشاركة الأصلية بواسطة محمد عبد الغفار صيام مشاهدة المشاركة
                استئنافا لما سبق أقول ...إن العلوم ـــ لا سيما النظرية ــ تحتل حيزاً من حياة الإنسان الأول ، و أثرها بادٍ و ماثل يملأ علينا الزمان و المكان ؛ بيد أنها أشتات منبثة في غير انتظام ، حتى إذا جاء من قيضه الله فأماط عنها اللثام ، و أزال عنها غبرة الانبثاث العشوائي ؛ فنظَّمها و نظَّرها و أطَّرها و قنَّنها حتي صارت بذرة تنتطر التخول و الرعاية ، ثم تصير البذرة شجرة مثمرة باسقة أغصانها وارفة ...فإذا ما فاضلت بين البذرة الضئيلة ، و الشجرة الوارفة الكثاء الغناء كالخميلة ، لأبدى لك الظاهر ما للشجرة من خير وخضرة ، و ظلٍ و طل ... رغم أن هذه على عظمها و ورْفها مستولدة من تلك ، و لا يخفى ما للأصل من سبق و فضل !
                و انظر إلى مسلمات العلوم و بديهيات الفنون ، تجدها في صورتها الأولى مدعاة للاستبخاس ، و الاستضآل بما يدعو للعجب ، ثم انظر إلى تلك العلوم في أوج نضجها و عمقها و سمقها ، سترى بونا شاسعا ، و شأواً واسعا ...سترى عجبا لا تمحوه آماد الحقب!
                لذا فعنوان منشورك سيدي لم يرقني لما فيه من غمط لعلم البلاغة و رجالاته ، و كأنهم افنوا حياتهم فيما لا طائل من وراءه ، و كل ما أنجزناه نحن فنقد ما شيدوه و ليس لنا فيه مفحص قطاة و لا بعرة شاه!
                تقديري لشخصكم الكريم.
                أستاذ صيام المحترم
                تحية طيبة وبعد
                لا أدري أ تثني على علماء البلاغة أم تثبت عمليا استشراءها في ما كتبتهّ!
                أغبطك على سعة معجمك ومتانة عبارتك
                تحية تليق بالبلاغة وأهلها

                تعليق

                • محمد شهيد
                  أديب وكاتب
                  • 24-01-2015
                  • 4295

                  #9
                  ذكر (أبو تمام) في مؤلفه الجامع (ديوان الحماسة) أبياتاً للزاهد الناسك الأموي (الصمة بن عبد الله) أقل شيء يمكن القول عنها أنها من أروع ما ألفت البلاغة في التعبير عن الوجدان:

                  بنفسي تلك الأرض ما أطيب الربا
                  وما أحسن المصطاف و المتربعا

                  و ليست عشيات الحمى برواجعٍ
                  عليك ولكن خل عينيك تدمعا

                  ولما رأيت البشر أعرض دوننا
                  وحالت بنات الشوق يحنن نزعا
                  بكت عيني اليسرى فلما زجرتها
                  عن الجهل بعد الحلم اسبلتا معا

                  وأذكر أيام الحمى ثم أنثني
                  على كبدي من خشية أن تصدعا

                  توقف صاحب الشروحات، تلميذ المعري، (الخطيب التبريزي) عند هاته الأبيات فذكر في شرحه لديوان الحماسة مناسبة القصيد مع الثناء على فخامة المعنى و بديع المبنى:

                  "كَانَ الصمَّة بن عبد الله شريفا ناسكا عابدا غزلا شَاعِرًا مقلا بدويا من شعراء الدولة الأموية وَكَانَ قد خطب بنت عَمه وَكَانَ لَهَا محبا فاشتط عَلَيْهِ عَمه فِي الْمهْر فَسَأَلَ أَبَاهُ أَن يعاونه وَكَانَ كثير المَال فَلم يعنه بِشَيْء فَسَأَلَ عشيرته فَأَعْطوهُ فَأتى بِالْإِبِلِ عَمه فَقَالَ لَا أقبل هَذِه فِي مهر ابْنَتي فسل أَبَاك أَن يبدلها لَك فَسَأَلَ ذَلِك أَبَاهُ فَأبى عَلَيْهِ فَلَمَّا رأى ذَلِك من فعلهمَا قطع عقلهَا وخلاها فَعَاد كل بعير إِلَى أَهله وَتحمل الصمَّة راحلا فَقَالَت بنت عَمه حِين رَأَتْهُ يتَحَمَّل تالله مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رجلا باعته عشيرته بأَرْبعَة ثمَّ مضى إِلَى الشَّام فَلَمَّا طَال مقَامه تبعتها نَفسه فَقَالَ هَذِه الأبيات الَّتِي تسيل حسنا وتملأ الْقلب روعة وبهجة جزالة فِي الْأَلْفَاظ وفخامة فِي الْمعَانِي ومتانة فِي التَّرْكِيب وصياغة بديعة وديباجة حَسَنَة". انتهى.

                  هل عن هذه البلاغة أتحدث في نص المقالة؟ بالطبع الجواب يكون بالنفي لأنني عبرتُ عند مستهل الحديث عن شديد أسفي لتلاشي الاهتمام بهذا الضرب من ضروب الفصاحة في مناهج التربية والتعليم سواء في الشرق أو الغرب. وهنا دون شك أتفق مع رأي الاستاذ محمد و أضم صوتي لصوته في الدفاع عن البلاغة و عن أهلها دون نقص أو طمس أو لبس أو تعتيم...
                  بل العكس تماما!

                  ما إشكالية المقالة إذن؟

                  أجيب على السؤال في الجزء الثالث بإذن الله و مشيئته.
                  التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 07-12-2018, 19:35.

                  تعليق

                  • محمد شهيد
                    أديب وكاتب
                    • 24-01-2015
                    • 4295

                    #10
                    نواصل.

                    كل من درس الفلسفة عموما و فلسفة اللغة تحديداً- أو ما يعرف في جامعات الغرب
                    الفرونكفونية/الانجلسكسونية بعلم البراغماتيكس/ Pragmatique/Pragmatics - لا شك سيكون قد مرّ بمقولة تنسب إلى الفيلسوف Russel حول إشكالية الفلسفة عموماً، يمكن أن أختصرها على النحو الآتي: رحلة الفلسفة، يقول (راسل)، تبدأ عندما تطرح للدرس والتحليل بديهيات تبدو من أبسط المسلمات قد تثير من بساطتها التساؤل عن جدوى الخوض فيها؛ ثم ينتهي بك الدرس و التحليل إلى نتيجة فيها من التناقض ما يكفي كي لا يصدقك أحد.
                    فسواء اتفقنا مع Russel أو اختلفنا معه، فإن في المقولة بعض الصواب يجعلنا نعيد النظر في بعض البديهيات - سمها المسلمات - لا للإطاحة بأسسها التي ألفتها الخواطر منذ الأزل فنكون كمن يسعى جاهداً لإحداث الصدمة/الجروح أو ما يطلق عليها Freud مصطلح علم النفس المعروف Les trois blessures narcissiques de l’homme "جروح نرجسية الإنسان الثلاثة" (لدينا مقالات حول الموضوع منها ماهو منشور هنا و هناك باللغتين)؛ لا ليس ذاك القصد من وراء الدرس و التحليل المنهجي، لكن الهدف (أو على الأقل ما نصبو إليه) هو بالضرورة السعي لإعادة ترتيب الأوراق المستعملة (بالمعنيين لكلمة المستعملة، أي، القديمة و المستهلكة) مع إزاحة الغبار عن الرقوق التي خطتها أيادي الزمن في خارطة الذهن/ Mind و أرسختها التجارب التواصلية في حياة الإنسان (علماً أن أول البديهيات الخمس في علم التواصل تفيد : لا يمكن للإنسان أن لا يتواصل) عن طريق التداول اللغوي اليومي بشيء من العفوية حيناً و من القصد أحياناً.

                    انطلاقاً من هذه الإشكالية، نستعرض بعض ما تقتضيه التجربة في مسرح التواصل اليومي لما يسميه فيلسوف التواصل و عالم الاجتماع الكندي الأصل Erving Goffman عملية "التفاعل الرمزي" Symbolic Interactionism (انظر البحث القيم الذي قدمه في ثلاثة أجزاء بعنوانه الفرنسي La mise en scène de la vie quotidienne و الانجليزي The Presentation of self in everyday Life)
                    التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 12-12-2018, 11:59.

                    تعليق

                    • محمد شهيد
                      أديب وكاتب
                      • 24-01-2015
                      • 4295

                      #11
                      من هنا نطلق العنان للدرس و التحليل
                      أواصل مع الأمثلة.

                      تعليق

                      • محمد شهيد
                        أديب وكاتب
                        • 24-01-2015
                        • 4295

                        #12
                        في مطعم (كلبه):

                        مثال حي على سفسطة التشبيه يحضرني وأنا أحضر للمادة التي أعرضها في هذا الحديث الهاديء.

                        في غضون الشهر الماضي، زرت إحدى مطاعم الجالية الإيرانية المقيمة بكثرة جنوب المدينة في حي westmount المونريالي الشهير. بما أن المطعم أطلق عليه صاحبه اسما لطيفا ذي النكهة الرومانسية الحميمية Chalet (علمت حينها أنها هي المقصودة من "كلبه" بالفارسية)، فالمكان بصغر حجمه و حفاوة استقبال صاحبه يبعث فعلاً على الدفء - تلك الخاصية النادرة في بيئة خارجية مثلجة.
                        في انتظار الوجبة الإيرانية الساخنة، لفتت انتباهي مجموعة من الإعلانات كتبت بالفارسية من بين تلك التي تزين جدران (الشاليه) فلاحظت على أن بعض الكلمات تشبه - في رسمها على الأقل - كلمات عربية مما قد يجعل العربي مثلي يهتدي إلى المعنى و إن لم يكن يفقه حرفاً في الفارسية. و حتى يرتاح الضمير و أخرج بيقين عوض الشك والتخمين سألت صاحب المحل الذي بدا لي من خلال النقاش أنه من الجالية المثقفة (العلمانية/اليسارية/الماركسية) التي فرت بجلدها غداة الثورة الخمينية في نهاية سبعينيات القرن العشرين.
                        سؤالي: الكلمة الفارسية الفلانية تشبه الكلمة العربية عندنا، فهل تعني فعلاً كذا؟
                        جوابه: تقصد أن العربية هي التي تشبه الفارسية!
                        - ماذا؟
                        - نعم، العربية هي التي نقلت عن الفارسية بحكم الأقدمية؛
                        - ما الفرق بين العربية تشبه الفارسية أو الفارسية تشبه العربية؟
                        - لا، الفارق شاسع بين التعبيرين.
                        - كيف؟

                        لاداعي لنقل الأحداث بالتفاصيل الفلسفية و التاريخية و السياسية - بل حتى الدينية! - لأنني جئت لمطعم (كلبه) لأتناول الوجبة الساخنة التي قد تقيني بأس البرد كما جئت للمتصفح هنا لبحث قضية لغوية لا لعرض مسلسل اشتباكات من الفلكلور الثقافي المستهلك!

                        لكن، أعترف أن هذا المثال جعلني أراجع دفاتري القديمة فيما يخص ما أطلقت عليه أعلاه مصطلح ( التراتبية) في قاعدة التشبيه. و كما سد لي شهية الطعام فتحها لي في مراجعة الإشكالية منطقياً، عملاً بمبدأ Wittgenstein (طالب Russel و زميله في Cambridge و ربما أستاذه) في التعامل السيميائي مع فلسفة اللغة: "ما لا يمكن للغة البشر أن تصفه، إما أنه لا وجود له و إما وجب السكوت عنه". مما يمكن اعتباره ضربة قاسمة لظهر "محترفي المجاز" ممن يعجز العقل السليم في وضعه نموذجاً على ورق و رسمه شكلا على لوحة.

                        وبما أن Wittgenstein نفسه لم يطبق حرفاً واحداً من المبدأ الدي أثث له منهاجه السيميائي وعاش من أجله طوال المرحلة الأولى من التفلسف، لينقلب ضده كلياً فيما يعرف عند المختصين ب"المرحلة الثانية" من فلسفته، فإنه من الحكمة أن نأخذ من كلام العبقري ما يسد الرمق و نرد عليه ما يفقد الصواب، كما فقده صاحبه.



                        نواصل
                        التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 15-12-2018, 19:19.

                        تعليق

                        • محمد شهيد
                          أديب وكاتب
                          • 24-01-2015
                          • 4295

                          #13
                          معكوسة.

                          لنعد إلى أمثلة التشبيه الواردة أعلاه ولنحاول في هذه المرة مساءلة مفهوم (التراتبية)، لنرى كيف سينعكس تغيير المبنى على كنه المعنى.

                          "محمد كالأسد" تشبيه جعل الكاف بمثابة الأداة التي بواسطتها استطاع المتلقي، و بكل مرونة، أن يجمع بها ذهنياً حقيقتين من الصعب أن يلتقيا في العالم الحقيقي : محمد و الأسد ليسا شبيهين، و بما أنهما كذلك في الطبيعة فلا يمكن للغة (مهما بلغت درجات الفصاحة و مراتب البلاغة) أن تجمع بينهما دون أن يحدث الفعل ارتباكاً في الذهن. العلة: إذا كان المتلقي يسلم دون اعتراض على أن محمداً و الأسد - بالرغم من تضادهما - يلتقيان معاً عند باب (الشجعنة)، التي، لنتفق، اقتبسها المشبه من المشبه به، وليس العكس، فإن هذه (الشجعنة) نفسها ستندثر شيئا فشيئا إلى أن تنتج في ذهن المتلقي نفسه نقيضها تماما (الجبانة، مثلاً) في حالة ما قام المتكلم بقلب المبنى فقال: "الأسد كمحمد". حينئذ، سيقوم ذهن المتلقي بنقل صفات ارتبطت بمحمد لتنتقل بقدرة الكاف نفسها إلى المشبه به، الأسد. و في حالة ما لم يعرف على محمد الشجاعة (نفسها كيفية و كمية كما هي متعارف عليها في كل ثقافات البشر "الطبيعي" بالنسبة للأسد)، بل الجبن أو الخوف أو الابتسامة... فإن الصورة البلاغية المراد إيصالها بواسطة عملية التشبيه الأولى، ستندثر و تحدث، ليس تكافؤا بين محمد والأسد، بل تعارضاً يستحيل معه اجتماع المشبه والمشبه عند باب الشجعنة، على الأقل.

                          عند هذه الإشكالية بالذات، تتوقف السيمياء الانجلسكسونية المتشبعة بالبرغماتية انطلاقا من تأثيرها بأشغال Wittgenstein و Umberto Eco و Austin و غيرهم لتأتي بمبدأ صريح يعيد المجاز اللفظي إلى أرض الواقع : أنه في الحقيقة لا يوجد شبيه ل"محمد" سوى "محمد نفسه"؛ و أنه ليس للأسد شبيه في الطبيعة سوى "الأسد" نفسه.

                          و بالتالي، على محمد أن يحترس من "شبيهه" الأسد في حالة ما اجتمعا (بقدرة الكاف و الظروف) وليعمل بحكمة المتنبي إذا أراد النجاة: "إذا رأيت أنياب الليث بارزة، فلا تحسبن الليث يبتسم".
                          التعديل الأخير تم بواسطة محمد شهيد; الساعة 15-12-2018, 20:00.

                          تعليق

                          • محمد شهيد
                            أديب وكاتب
                            • 24-01-2015
                            • 4295

                            #14
                            تشبيه الرجل و المرأة (في التسعيرة)

                            نواصل

                            تعليق

                            • الهويمل أبو فهد
                              مستشار أدبي
                              • 22-07-2011
                              • 1475

                              #15
                              المشاركة الأصلية بواسطة محمد شهيد مشاهدة المشاركة
                              في مطعم (كلبه):

                              سؤالي: الكلمة الفارسية الفلانية تشبه الكلمة العربية عندنا، فهل تعني فعلاً كذا؟
                              جوابه: تقصد أن العربية هي التي تشبه الفارسية!
                              - ماذا؟
                              - نعم، العربية هي التي نقلت عن الفارسية بحكم الأقدمية؛
                              - ما الفرق بين العربية تشبه الفارسية أو الفارسية تشبه العربية؟
                              - لا، الفارق شاسع بين التعبيرين.
                              - كيف؟

                              كذاب ثم كذاب

                              للفرس خط مسماري قديم ثم تحولوا الى الخط الآرامي، ثم تحولوا الى الخط البهلوي وهو مزيج من الخط الآرامي والتصوير الهيروغليفي ولم يتحولوا إلى الخط العربي إلا في القرن التاسع الميلادي. وعلماء اللغات والخطوط يقرون بأن الخط الفارسي صورة محوّرة [modified] عن الخط العربي. وجاء التحول هذا في عصر المملكة الطاهرية نسبة إلى طاهر بن حسين وهو قائد عسكري أسس حكم مملكته في خرسان، وكان له دور فاعل في إذكاء الفتنة بين المأمون والأمين في الخلافة العباسية. ولعل سبب التحول يتضح إذا علمنا أن أفراد هذه المملكة الطاهرية عملوا في الجيش والأمن العباسي في بغداد.

                              تعليق

                              يعمل...
                              X