إنّي امرأة كالروح الخالدة أقطن فوق السماء، بالقرب من الأنبياء والشُّعراء، ليس لأنّي لم أجِد موطئ قدم لي على الأرض، بل لأنّي تعاليت على العيش بين هذه المجتمعات البشرية المتوشحة بمعطف الرضوخ، والغارقة كسفينة في وسط الإعصار، في تفاهات وسخافات أنا في غنىً عن ذكرها الآن.
كانت لديّ عائلة عرفتني أكثر وقت، ولكني هجرتها، وغير نادمة على ذلك، بعد أن تمكّن منها فايروس غباء العصور الوسطى. وكان لي أصدقاء نوابغ حقًا، ذوي كفاءات فكرية عالية، كانوا يملكون عقولاً عظيمة، تضخ أفكارًا جبّارة كأفكار الآلهة، ولكن يا للأسف، لقد رحلوا الواحد خلف الآخر بعد أن اغتالتهم حماقات النّاس. لا زلتُ أفتّش عنهم الآن بين النجوم والمجرات السابحة في هذا الفضاء الفسيح.
لستُ فرحة في الأعلى كما تظنّ، فما زلت أحمِلُ معي آثار مآسي العالم السفلي، إنّ جسدي لا يفتأ ينوء تحت ثقل الأرق الّذي أخذته من أعمق الظلمات، ومن أخطار الحياة.
أنتم بحاجة لأن تعرفوا أنّه لا تحكمني نواميس الكون التي تحكم عالمكم البائس، فأنا لا أنهض عند طلوع الفجر كالفقراء والكادحين، ولا أغتسل من خيوط النور كالنساء القرويات على ضفاف الأنهار، ولا أضطر أن أرجع إلى بيتي مثل سرب العصافير حين يحلّ غسق المساء، فهنا في هذا العالم السماوي، لا ليل يُقبِل ولا نهار، لا فصول تتعاقب ولا سنوات، إنّها حياة سرمدية، زاخرة بالحريّة، إنّها حياة ليس لساعة الزمن سلطان عليها، وهذا أجمل ما فيها.
هنا أنا لا أنام مطلقًا، أعيش في يقظة دائمة، انتباه بلا حدود، سُهاد لا نهاية له. إنّي أعيش كالملائكة في قلب هذه الظلال البيضاء الواسعة، وأتغذى على رحيق الزهرات الخالدات التي تؤرجحها ريح الأبدية، وأملأ جوفي بالماء الزُلال الّذي ينساب من بين أنامل الآلهة.
لقد أخذتُ من كوكبكم الغارق في التعقيد، خمسة كُتب فقط، هي ما أحتاجها، وهي قريبة إلى نفسي، منها أتسلّى بها، ومنها لتصدّ عني الهواجس المشؤومة؛ أولها: مقتطفات من أقوال ماو تسي تونغ، وثانيها: تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، وثالثها: تقرير إلى غريكو، ورابعها: الحرب والسلم، وخامسها: الكوميديا الإلهية.
أساتذتي الكرام في هذا الصرح الشامخ!
رأيكم يهمني، ونقدكم يساعدني على التقدّم والنجاح.
تعليق