السفارة المغاربية: الوثني المتمدن
جون ايفيلين (John Evelyn) اشتهر بتدوين يومياته التي غطّت ستة وستين عاما (1640 الى 1706)
من هذه التدوينات ما نقله عن السفارة المغاربية قبيل نهاية القرن السابع عشر:
يوم 11 يناير[1681 أو 1682*] شهَدتُ استقبال السفير المغربي، ولم تكن حاشيته كبيرة. وقد استُقبِل في بيت الضيافة، بحضور صاحبيّ الجلالة. سار السفير إلى العرش دون أن يؤدي أياً من إشارات التبجيل، لم يحن رأسا أو جسدا. وتحدث من خلال [مترجم] انجليزي مرتد،** كانت سلامته قد ضُمنت مسبقا. كانوا جميعهم يرتدون الزي المغربي: ثيابا كاسية من الخام أو الحرير الملون، لها أزرار وطيات، وفوقها (الحقا Alhaga/) أو رداء صوفي كاسٍ أبيض، واسع جدا يغطي الرأس والبدن، و غطاء رأس أو عمامة صغيرة، سيقانهم عارية ما عدا جوارب جلدية كما هي حال الترك، وقمصان ذات أردان فضفاضة ومسلحون بسيوف ثمينة. واعتمر السفير عمامة نُظِمت عليها سلسلة جواهر بطريقة غريبة. أظن أن الزي الروماني القديم يختلف قليلا فيما يخص الرداء والأطراف العارية. كان السفير شخصا وسيما، حسن الملامح، ذا هيئة حكيم، حاد الذهن، مهذبا إلى أبعد الحدود. كانت هداياهم أسود ونعام.*** أما مهمتهم فكانت بشأن "سلام" يتعلق بطنجة. لكن احتشاد الناس وجمهرتهم تجاوزت الحدود، حتى أن المسئولين لم يستطيعوا حفظ النظام مما أثار دهشة الغرباء في البداية، إذ لم يبق شيء مما هو معتاد في مثل هذا الوضع، لا من حيث دقة التنظيم ولا من حيث هدوء المكان والأداء كما هي الحال في كل المناسبات العامة في بلادهم وكما هي الحال حقيقة في الممالك التركية.
يوم 24 من [الشهر: يناير] في هذا المساء كنت في الأجنحة العظمى لدوقة بورتس ماوث [في قاعة] وايت هول أحضرُ احتفاءَها بالسفير المغربي وحاشيته، وكانت وليمة عظيمة من المعجنات (sweetmeats) والموسيقى وقد تصرف أثناءها كل من السفير وأفراد حاشيته باعتدال هائل واحتشام مع أنهم جلسوا حول مائدة طويلة بحيث تكون سيدة بين كل مغربيين (اثنين) ومن بين هؤلاء كان أبناء الملك الطبيعيين مثل السيدة (الأميرة) ليشفيلد والأمير سوسكس، والدوقة بورتس ماوث، نيللي، وغيرهن من محظيات القصر وحشمه، كأنهن لؤلؤ على جمال أخّاذ، لكن المغاربة لم يبدوا إعجابا ولا أبدوا اهتماما جادا بشيء، حتى بالأثاث وما شابهه، بل فقط تذوقوا من المائدة شيئا بأدب جم. وشربوا قليلا من الحليب والماء، لكنهم لم يقربوا نقطة من نبيذ. بل شربوا بعض "الشربيت والشكولا" (عصير محلى). كما لم ينظروا حولهم أو يحدقوا مليا بالسيدات، ولم يبدوا لو القليل من الدهشة بل تصرفوا كليا بكياسة "لامبالاة محسوبة" سواء في المشاركة أو الهيئة، مجيبين فقط عما يُسألون عنه ويجيبون بكثير من الذكاء والشهامة، وهكذا استأذنوا بوقار مودعين مضيفتهم بهذا الدعاء: "حفظ الرب دوقة بورتس ماوث، وحفظ الأمير ابنها" وهم يعنون الصغير دوق ريتشموند.
جاء الملك عند النهاية وكان لحظة مغادرة السفير. بهذا الشكل كان الاحتفاء بهذا العبد (فهو في بلاده ليس أكثر فروسية منه عبدا) من لدن أكثر نبلاء المدينة. وغالبا ما كان يذهب إلى الهايد بارك رفقة حاشيته على صهوة جواد حيث يظهرون مهارتهم العالية في الفروسية. فهم يقذفون حرابهم في الهواء ويلتقطونها وهم في أقصى سرعتهم، وينطلقون مسافات قصيرة ويقفون قامتهم كاملة على صهوة الجواد في أقصى سرعته وهم أثناء ذلك يتحكمون بحرابهم بكل رشاقة. وكان أحيانا يذهب إلى المسارح وحين يشاهد بعض المشاهد الغبية أو الخيالية لا يتمالك إلا أن يضحك لكنه يحاول جهده أن يكتم ضحكه بتواضع جم ووقار. باختصار، السفير الروسي، وهو ما زال في البلاط الملكي، تصرف مثل المهرجين مقارنة مع هذا الوثني المتمدن.
*التاريخ الصحيح هو 1681م وهو التاريخ الغريغوري الذي نعرفه اليوم. أما سابقا قبل القرن الثامن عشر فكانت السنة تبدأ في 25 مارس (تاريخ يولياني)
**مرتد: يعني: مسيحي اعتنق الإسلام (renegado)
***هامش في الأصل (اسمه أحمد ووصل لندن في الخامس من هذا الشهر [يناير]، وفي الثلاثين من شهر مايو التالي استضافته أكسفورد، وفي الوقت نفسه تناول العشاء مع الياس أشمول الذي صنع له هدية وهي عدسة مكبرة. وفي 14 يوليو طلب السفير الأذن بالسفر من الملك وغادر إلى بلاده في 23 من الشهر. له عدة صور [رسم] مختلفة أحدها صورة كبيرة وجميلة رسمها روبرت وايت. و"يخبرنا السير جون ريسبي في مذكراته أن هدية السفير للملك كانت أسدين وتسع وثلاثين نعامة، وكانت ردة فعل جلالته أن ضحك وقال: لا أعلم شيئا أكثر ملاءمة أهديه غير سرب من الأوز")
من هذه التدوينات ما نقله عن السفارة المغاربية قبيل نهاية القرن السابع عشر:
يوم 11 يناير[1681 أو 1682*] شهَدتُ استقبال السفير المغربي، ولم تكن حاشيته كبيرة. وقد استُقبِل في بيت الضيافة، بحضور صاحبيّ الجلالة. سار السفير إلى العرش دون أن يؤدي أياً من إشارات التبجيل، لم يحن رأسا أو جسدا. وتحدث من خلال [مترجم] انجليزي مرتد،** كانت سلامته قد ضُمنت مسبقا. كانوا جميعهم يرتدون الزي المغربي: ثيابا كاسية من الخام أو الحرير الملون، لها أزرار وطيات، وفوقها (الحقا Alhaga/) أو رداء صوفي كاسٍ أبيض، واسع جدا يغطي الرأس والبدن، و غطاء رأس أو عمامة صغيرة، سيقانهم عارية ما عدا جوارب جلدية كما هي حال الترك، وقمصان ذات أردان فضفاضة ومسلحون بسيوف ثمينة. واعتمر السفير عمامة نُظِمت عليها سلسلة جواهر بطريقة غريبة. أظن أن الزي الروماني القديم يختلف قليلا فيما يخص الرداء والأطراف العارية. كان السفير شخصا وسيما، حسن الملامح، ذا هيئة حكيم، حاد الذهن، مهذبا إلى أبعد الحدود. كانت هداياهم أسود ونعام.*** أما مهمتهم فكانت بشأن "سلام" يتعلق بطنجة. لكن احتشاد الناس وجمهرتهم تجاوزت الحدود، حتى أن المسئولين لم يستطيعوا حفظ النظام مما أثار دهشة الغرباء في البداية، إذ لم يبق شيء مما هو معتاد في مثل هذا الوضع، لا من حيث دقة التنظيم ولا من حيث هدوء المكان والأداء كما هي الحال في كل المناسبات العامة في بلادهم وكما هي الحال حقيقة في الممالك التركية.
يوم 24 من [الشهر: يناير] في هذا المساء كنت في الأجنحة العظمى لدوقة بورتس ماوث [في قاعة] وايت هول أحضرُ احتفاءَها بالسفير المغربي وحاشيته، وكانت وليمة عظيمة من المعجنات (sweetmeats) والموسيقى وقد تصرف أثناءها كل من السفير وأفراد حاشيته باعتدال هائل واحتشام مع أنهم جلسوا حول مائدة طويلة بحيث تكون سيدة بين كل مغربيين (اثنين) ومن بين هؤلاء كان أبناء الملك الطبيعيين مثل السيدة (الأميرة) ليشفيلد والأمير سوسكس، والدوقة بورتس ماوث، نيللي، وغيرهن من محظيات القصر وحشمه، كأنهن لؤلؤ على جمال أخّاذ، لكن المغاربة لم يبدوا إعجابا ولا أبدوا اهتماما جادا بشيء، حتى بالأثاث وما شابهه، بل فقط تذوقوا من المائدة شيئا بأدب جم. وشربوا قليلا من الحليب والماء، لكنهم لم يقربوا نقطة من نبيذ. بل شربوا بعض "الشربيت والشكولا" (عصير محلى). كما لم ينظروا حولهم أو يحدقوا مليا بالسيدات، ولم يبدوا لو القليل من الدهشة بل تصرفوا كليا بكياسة "لامبالاة محسوبة" سواء في المشاركة أو الهيئة، مجيبين فقط عما يُسألون عنه ويجيبون بكثير من الذكاء والشهامة، وهكذا استأذنوا بوقار مودعين مضيفتهم بهذا الدعاء: "حفظ الرب دوقة بورتس ماوث، وحفظ الأمير ابنها" وهم يعنون الصغير دوق ريتشموند.
جاء الملك عند النهاية وكان لحظة مغادرة السفير. بهذا الشكل كان الاحتفاء بهذا العبد (فهو في بلاده ليس أكثر فروسية منه عبدا) من لدن أكثر نبلاء المدينة. وغالبا ما كان يذهب إلى الهايد بارك رفقة حاشيته على صهوة جواد حيث يظهرون مهارتهم العالية في الفروسية. فهم يقذفون حرابهم في الهواء ويلتقطونها وهم في أقصى سرعتهم، وينطلقون مسافات قصيرة ويقفون قامتهم كاملة على صهوة الجواد في أقصى سرعته وهم أثناء ذلك يتحكمون بحرابهم بكل رشاقة. وكان أحيانا يذهب إلى المسارح وحين يشاهد بعض المشاهد الغبية أو الخيالية لا يتمالك إلا أن يضحك لكنه يحاول جهده أن يكتم ضحكه بتواضع جم ووقار. باختصار، السفير الروسي، وهو ما زال في البلاط الملكي، تصرف مثل المهرجين مقارنة مع هذا الوثني المتمدن.
*التاريخ الصحيح هو 1681م وهو التاريخ الغريغوري الذي نعرفه اليوم. أما سابقا قبل القرن الثامن عشر فكانت السنة تبدأ في 25 مارس (تاريخ يولياني)
**مرتد: يعني: مسيحي اعتنق الإسلام (renegado)
***هامش في الأصل (اسمه أحمد ووصل لندن في الخامس من هذا الشهر [يناير]، وفي الثلاثين من شهر مايو التالي استضافته أكسفورد، وفي الوقت نفسه تناول العشاء مع الياس أشمول الذي صنع له هدية وهي عدسة مكبرة. وفي 14 يوليو طلب السفير الأذن بالسفر من الملك وغادر إلى بلاده في 23 من الشهر. له عدة صور [رسم] مختلفة أحدها صورة كبيرة وجميلة رسمها روبرت وايت. و"يخبرنا السير جون ريسبي في مذكراته أن هدية السفير للملك كانت أسدين وتسع وثلاثين نعامة، وكانت ردة فعل جلالته أن ضحك وقال: لا أعلم شيئا أكثر ملاءمة أهديه غير سرب من الأوز")
Diary and Correspondence of John Evelyn, Edited from the Original Mss. at Wotton, Vol. II, by William Bray 1850, pp.161-2, 163.
تعليق