" أ أقف واعظا أمام سيّد الواعظين " هذا ما قاله الشّيخ ( كشك ) في الكلمة التأبينيّة التي ألقاها بمناسبة وفاة ( عمر التلمساني ) - رحمهما الله واسكنهما فسيح جنانه - ، و " كفى بالموت واعظًا " كما جاء في الحديث اللشّريف .
في هذه الصّبيحة ، شاءت الأقدار أن تأخذ منا أحد الرّجال المعمّرين ، من خير ما أنجبت بلديّتنا ، ولم ينتبه كثرة المارّة إلى اللّوحة التي تشير إلى جنازة وقد تم وضعها على جانب الطّريق ، ولأن اليوم يوم ( خميس ) ، يوم سوق أسبوعي ، وأهم حدث بالنسبة لسكّان البلدية الذين لم يعد يجمعهم سوى الموت أو السوق الأسبوعي ، يفارقنا فيه الجار العزيز مبتسمًا ، حسب رواية بعض من وقفوا عند رجليه في اللّحظات الأخيرة . ولمّا حكيتها لأحد الأصدقاء ، قال لي بالحرف الواحد : " إن الرّجل كان يعيش من عرق جبينه " .بقيت طول الوقت منشغلاً بهذه الرّواية ، إلى أن دخل عليّ أحد الأبناء وقطع خلوتي ليسألني عن يافطة معلّقة على أعمدة الكهرباء . وفي الحقيقة والحقّ يقال ، كنت أظنّه يتكلّم عن لوحة العزاء المنصوبة على حافّة الطّريق ، لأن اليافطات التي كان يعنيها هي لافتات البلدية التي تعوّدنا عليها ، وتعني أن هناك حدثًا ما قد تكون مناسبة وطنية ، أو دينية ، أو حتى محلّية ،،، يتمّ الإعداد مسبقًا لها . غير أن الفضول دفعني إلى التحرّي عن هذا الحدث أو المناسبة التي قد يعلمها غيري وأجهلها. وليس في مدينتنا المحترمة من مصدر آخر للأطّلا ع على الأحداث والمناسبات سوى الشاشة الفضّية التي تبثّ الأخبار ، أو المنابر التي تلقي الخطب ، وحتى الأئمّة في المساجد لا يدلون بالأخبار إلاّ إذا سُمح لهم بذلك . من حسن حظّي ربما ، قد عرفت الحدث من خلال حصّة قامت ببثّها إحدى القنوات الوطنية احتفاء بذكرى " اليوم الوطني للبلديات " ، ولم أكن أعرف ذلك من قبل . وكما هو الشّان بالنّسبة للسّلطة دائما ، فإن الحديث لا يكون مهمًّا عن البلدية والمشاكل التي تتخبّط فيها ، وعن صلاحيات رؤساء مجالسها المنتخبة ، إلاّ عندما يتعلّق الأمر باستحقاق وطني ، كالأنتخبات مثلا .أو تكون هناك مشاكل كبيرة تعجز الدولة عن إيجاد حلول لها . كأنّما السّلطات هذه تريد أن تتخلّص من الأزمات بإلقائها على المنتخبين المحليّين . عمل شعبوي بامتياز ، لا يحصل إلاّ في الدّول التي تفتقر إلى رؤى مستقبلية أو استشرافية وإلى الأساليب الحضاريّة .في الحقيقة إن الحديث عن حجم المشاكل التي تعترض سبيل البلدية ، لا يمكن حلّها بحصص قنوات وطنيّة لا تتقبّل النّقد ولا ترحّب بالرّأي الآخر ، يبقى مجرّد حوار شعبوي مناسباتي ، لا يرقى إلى مستوى الانشغالات الحقيقية التي يعاني منها المواطن . كم من ندوات عُقدت ، ومن تقارير رُفعت إلى أعلى المستويات ، كان مصيرها الأدراج ، الإهمال والنّسيان . السّلطات التي تبكي وتنوح على البلدية إلاّ في أوقات الانتخابات أو عند المشاكل التي لا تجد حلولا ناجعة لها ، والسلطات التي تصغي إلى المطبّلين والمطبّلات و لا تكترث بمشاكل النّاس الحقيقيّة ، سلطة فاشلة بكل المقاييس . وعندما يتعلّق الأمر بمنتخب محلّي فإنّها تثير الزّوابع لتذرّ الرّماد في العيون ، كما هو الشّأن بالنسبة إلى هذا الاستعراض ، و كأنّنا بمجرّد الاحتفاء بهذه المناسبة " اليوم الوطني للبلديات " ، قد عرفنا طريق الحل و الصّواب . لكن ذلك لا يمكن تمريره على هذا المواطن الذي في كل مرّة يدلي فيها برأيه تتلاعب السّلطة بصوته وتتحايل عليه ، وحين قام يطالب بحقّه تنمّرت له واعتدت عليه ، والتّاريخ يشهد بذلك ؛ أليس هذا ما حدث له ، خلال ما يسمّى " بالعشرية السّوداء " ، عندما أدلى بصوته ، فكان ثمنه مؤلما.ً
في أحد الأيام عاتبت صديقي المُنتخب على حالة التردّي التي تعرفها أحياء وشوارع المدينة ، وكان قريبا من مصادر التسيير ، فقال لي ، وبالحرف الواحد : " إن البلدية لا تستطيع صرف ملّيمًا واحدًا بسبب الرّقابة الجافية التي يفرضها " القابض البلدي " ، هكذا ورد اسمه في القانون المتعلّق بالبلدية . و كونه ينتمي إلى وزارة الماليّة ، فإنّه يمارس مهامّه وفق تعليمات فوقيّة تخوّل له صلاحيات أوسع وأكبر من التي لدى رئيس المجلس الشّعبي البلدي الذي هو الآمر بالصّرف وصاحب الضّبطيّة القضائية . أولى لهذه السّلطة القائمة أن تضع حدًّا للتّجاوزات التي تقوم بها الادارة في حق رئيس البلدية المنتخب ، إن كانت فعلا تريد الاحتفاء باليوم الوطني للبلدية . وأجدر بها أن تلغي الدّائرة التي كثيرا ما تسبّبت في تعطيل مصالح البلدية ومواطنيها . و ليس للدّائرة كهيئة عمومية من دور آخر تلعبه سوى تلقّي البريد وتوجيه الرّسائل ، فهي عبارة عن علبة بريد لا أقل ولا أكثر ، وهي التي لم يرد ذكرها في القوانين المعمول بها أصلاً .
في أحد الأيام عاتبت صديقي المُنتخب على حالة التردّي التي تعرفها أحياء وشوارع المدينة ، وكان قريبا من مصادر التسيير ، فقال لي ، وبالحرف الواحد : " إن البلدية لا تستطيع صرف ملّيمًا واحدًا بسبب الرّقابة الجافية التي يفرضها " القابض البلدي " ، هكذا ورد اسمه في القانون المتعلّق بالبلدية . و كونه ينتمي إلى وزارة الماليّة ، فإنّه يمارس مهامّه وفق تعليمات فوقيّة تخوّل له صلاحيات أوسع وأكبر من التي لدى رئيس المجلس الشّعبي البلدي الذي هو الآمر بالصّرف وصاحب الضّبطيّة القضائية . أولى لهذه السّلطة القائمة أن تضع حدًّا للتّجاوزات التي تقوم بها الادارة في حق رئيس البلدية المنتخب ، إن كانت فعلا تريد الاحتفاء باليوم الوطني للبلدية . وأجدر بها أن تلغي الدّائرة التي كثيرا ما تسبّبت في تعطيل مصالح البلدية ومواطنيها . و ليس للدّائرة كهيئة عمومية من دور آخر تلعبه سوى تلقّي البريد وتوجيه الرّسائل ، فهي عبارة عن علبة بريد لا أقل ولا أكثر ، وهي التي لم يرد ذكرها في القوانين المعمول بها أصلاً .