أرض الوطن
مقال أدبي سياسي ساخر
تحسين يحيى حسن أبو عاصي
tahsseenn2010@hotmail.com
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
شكوت إلى طبيب سوء حالي ********** فأرشدني إلى ترك الجهادِ
أقدم اعتذاري للإمام الشافعي رحمه الله حيث قال :
شكوت إلى وقيعٍ سوء حفظي ********** فأرشدني إلى ترك المعاصي
ففي ليلة حالكة الظلام ، وسط صحراء مقفرة ، وأدغال موحشة ، ومستنقعات آسنة ، اتخذ منها البعوض له أوكارا وأوطانا ، وأقام فيها دولا وجيوشا ، بدأت أبحث عن طبيب لعله يداويني ، فاهتديت أخيرا إلى مستشفيات كانت مكتظة بالمرضى ، بها الأطباء نائمون ، وأجهزتها معطلة لا تصلح للعمل ، كان حال الأجهزة مثل حالي الذي ترك الزمن على صفحات وجهه بصماته ، كما ترك على معالم جسدي تواقيعه وأختامه باستثناء شيء واحد لم يتمكن الزمن من الاقتراب منه استعدادا للمرحلة القادمة (...............). وأنا ممتطيا راحلتي ، وحزامي السميك يلف وسطي من حولي .
كان كل طبيب يغط في نوم عميق ، يشبه نوم الحكام العرب ، يصدر منه شخيرا مزعجا ، يعزف سيمفونية حب الوطن الخالد ، بكلماته المعهودة لي من قبل ، والتي أتذكرها قبل خمسين عاما ، منذ أن كنت تلميذا صغيرا في مرحلة التعليم الأساسي ، ولا زلنا نعلمها لتلاميذ مدارسنا حتى اليوم ولكن بكلمات معدلة :
بلادي يا أرضي يا أرض الجدود
فدائي يا شعبي يا شعب الخلود
وعلى موسيقى لحن شخيرهم الممقوت ، بدأت أبحث عن عيادة طوارئ أو إسعاف أو إنقاذ ، وأخيرا شعرت بالسعادة ؛ لأنني اهتديت إلى عيادة تقع في شارع يخلو تماما من البشر، ولم أكن أسمع في ذلك الشارع غير أصوات البوم وخفافيش الظلام .
لكن سعادتي لم تكتمل ، فقد وقعت عيني على يافطة مكتوب عليها : ممنوع الدخول، فعدت أدراجي من حيث أتيت ، ثم اهتديت إلى عيادة طبيب أخرى، وقد كُتب على بابها يافطة : لا يمسه إلا المطهرون ، وعيادة ثالثة عليها ملصق كبير يقول : الطبيب في إجازة بالخارج ، وأخرى : الرجاء عدم الازعاج حتى اهتديت أخيرا إلى عيادة مشرعة الأبواب ، وبمجرد دخولي وجدت كل من فيها يلعب الميسر والشطرنج .
بدأ الطبيب يتفحصني من رأسي حتى أُخمص قدمي ، ثم أخرج من جراره نموذجا ورقيا ، وطلب مني التوقيع وكتابة اسمي ورقم هويتي .
قلت له : لا أُحسن التوقيع ولا حتى بحافر قدمي ، ولا أملك بطاقة هوية فأنا مشرد لاجي ، ولا أجيد الكتابة بالقلم الذي تعهده ........ .
حملقت بنظر ثاقب في النموذج الورقي ؛ فقرأت عبارة تقول : طبيب العيادة غير مسئول عن نتيجة عملية المريض ، وأن المريض وحده هو الذي يتحمل المسئولية الكاملة المتعلقة بالعملية الجراحية .
شكر الله سعيكم وغفر لموتاكم
زيارتكم لمدونتي وتعليقاتكم عليها شرف كبير لي
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين
tahsseen.maktoobblog.com قلب يحترق في واحة خضراء
مقال أدبي سياسي ساخر
تحسين يحيى حسن أبو عاصي
tahsseenn2010@hotmail.com
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
شكوت إلى طبيب سوء حالي ********** فأرشدني إلى ترك الجهادِ
أقدم اعتذاري للإمام الشافعي رحمه الله حيث قال :
شكوت إلى وقيعٍ سوء حفظي ********** فأرشدني إلى ترك المعاصي
ففي ليلة حالكة الظلام ، وسط صحراء مقفرة ، وأدغال موحشة ، ومستنقعات آسنة ، اتخذ منها البعوض له أوكارا وأوطانا ، وأقام فيها دولا وجيوشا ، بدأت أبحث عن طبيب لعله يداويني ، فاهتديت أخيرا إلى مستشفيات كانت مكتظة بالمرضى ، بها الأطباء نائمون ، وأجهزتها معطلة لا تصلح للعمل ، كان حال الأجهزة مثل حالي الذي ترك الزمن على صفحات وجهه بصماته ، كما ترك على معالم جسدي تواقيعه وأختامه باستثناء شيء واحد لم يتمكن الزمن من الاقتراب منه استعدادا للمرحلة القادمة (...............). وأنا ممتطيا راحلتي ، وحزامي السميك يلف وسطي من حولي .
كان كل طبيب يغط في نوم عميق ، يشبه نوم الحكام العرب ، يصدر منه شخيرا مزعجا ، يعزف سيمفونية حب الوطن الخالد ، بكلماته المعهودة لي من قبل ، والتي أتذكرها قبل خمسين عاما ، منذ أن كنت تلميذا صغيرا في مرحلة التعليم الأساسي ، ولا زلنا نعلمها لتلاميذ مدارسنا حتى اليوم ولكن بكلمات معدلة :
بلادي يا أرضي يا أرض الجدود
فدائي يا شعبي يا شعب الخلود
وعلى موسيقى لحن شخيرهم الممقوت ، بدأت أبحث عن عيادة طوارئ أو إسعاف أو إنقاذ ، وأخيرا شعرت بالسعادة ؛ لأنني اهتديت إلى عيادة تقع في شارع يخلو تماما من البشر، ولم أكن أسمع في ذلك الشارع غير أصوات البوم وخفافيش الظلام .
لكن سعادتي لم تكتمل ، فقد وقعت عيني على يافطة مكتوب عليها : ممنوع الدخول، فعدت أدراجي من حيث أتيت ، ثم اهتديت إلى عيادة طبيب أخرى، وقد كُتب على بابها يافطة : لا يمسه إلا المطهرون ، وعيادة ثالثة عليها ملصق كبير يقول : الطبيب في إجازة بالخارج ، وأخرى : الرجاء عدم الازعاج حتى اهتديت أخيرا إلى عيادة مشرعة الأبواب ، وبمجرد دخولي وجدت كل من فيها يلعب الميسر والشطرنج .
بدأ الطبيب يتفحصني من رأسي حتى أُخمص قدمي ، ثم أخرج من جراره نموذجا ورقيا ، وطلب مني التوقيع وكتابة اسمي ورقم هويتي .
قلت له : لا أُحسن التوقيع ولا حتى بحافر قدمي ، ولا أملك بطاقة هوية فأنا مشرد لاجي ، ولا أجيد الكتابة بالقلم الذي تعهده ........ .
حملقت بنظر ثاقب في النموذج الورقي ؛ فقرأت عبارة تقول : طبيب العيادة غير مسئول عن نتيجة عملية المريض ، وأن المريض وحده هو الذي يتحمل المسئولية الكاملة المتعلقة بالعملية الجراحية .
شكر الله سعيكم وغفر لموتاكم
زيارتكم لمدونتي وتعليقاتكم عليها شرف كبير لي
www.tahsseen.jeeran.com مدونتي : واحة الكتاب والأدباء المغمورين
tahsseen.maktoobblog.com قلب يحترق في واحة خضراء
تعليق