الإنسان العربي والوقت
(مقالة)
(مقالة)
"الإنسان العربي" و"الوقت" مفهومان مختلفان متناقضان متضادان متعاديان لا يلتقيان إلا إذا التقى الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب، أو القطبان الشمالي والجنوبي، وبينهما برزخ لا يبغيان ما دام الليل والنهار يتكوران.
كنت عرضت هنا (2017) مقالة "الإنسان العربي والحوار"، التي كتبتها عام 2015 وعرضتها في عدد من المنتديات الأدبية العربية، وهي مقالة تحاول فهم ظاهرة الحوار عند هذا الكائن العجيب، الإنسانَ العربيَّ، الذي يمثل حالة خاصة بين أمثاله من بني البشر مع كونه منهم إلا أنه يختلف عنهم اختلافا كبيرا لأنه، ببساطة، ضيع ما كان في يده من عوامل الحضارة الإنسانية الراقية وراح يلهث وارء السراب الكاذب فضاع وأضاع غيره معه بضياعه، وهذه المقالة تحاول فهم علاقة هذا الكائن بالوقت، ولعلها بإضافتها إلى مثيلاتها أن تشكل محاولة لفهم هذا الكائن المسمى: الكائن العربي.
ورد على بالي، وأنا أفكر في تحرير هذه المقالة وتحبيرها، مقولةُ الأستاذةِ الأديبةِ أميمة محمد العجيبةُ: "كل ثانية في عمرك مهمة لأنها لا تعود ثانية."(#352)، وأحسب أن هذه المقولة البليغة من بوارق الخاطر، خاطر الأستاذة الأديبة، لأنها جمعت بين الإيجاز والإبلاغية فأصابت كبد الحقيقة وهي، في الوقت نفسه، تعبر عن ظاهرة تقدير الوقت عند هذا الكائن الذي نتحدث عنه: الإنسان العربي المعاصر.
الوقت أغلى ثروة يُمنحها الإنسان وهي ثروة أنفس من كل ثروة إلا ثروة الإيمان بالله تعالى ثم ثروة إفناء هذا الوقت الممنوح في عبادة الله وحده وإعمار الأرض بطاعته وفق منهاجه تحقيقا للغاية التي خلق هذا الإنسان لأجلها: أن يعبد الله وحده وأن يكون خليفة صالحا في الأرض، وهذه مهمة الإنسان المسلم عموما ومهمة الإنسان العربي المسلم خصوصا لأنه هو المسئول عن باقي الناس حتى وإن لم يتفطن هو لهذه المسئولية وحتى إن لم يعترف له غيرُه بها.
محكوم على الإنسان العربي ألا يكون إلا مسلما فقط، ليس غير، لكن هذا الكائن العربي البائس استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وراح يلهث وراء السراب الكاذب ظانا أنه سيسعد بما فيه شقاؤه وهو شقي لا محالة أدرك ذلك أم لم يدركه، وهذه حقيقة معيشة ملاحظة اليوم ومنذ فترة طويلة منذ أن تخلى هذا الكائن العجيب عن الحق الذي كان بين يديه وراح يبغي الباطل فضل وأضل، وزل وأزل وضاع وأضاع غيره بضياعه.
نعم، لقد ضاع الإنسان العربي وأضاع غيره معه لأنه ترك دينه الحق، الإسلامَ، وانحط إلى الحضيض الأسفل وكان عليه أن يبقى في القمة بعدما رقيها بدينه الحق لكن ماذا يفعل الغباء بالبلهاء إنه يتركهم كالسائمة تبحث لها عن المراتع المَرِيعة (الخصبة)، بل يبحث لها راعيها عن تلك المراعي المُربِعة لتسمينها واستغلال منتجاتها لنفسه ولأهله، وهذه حال هذا الكائن المُسمَّن لأسياده، وتسمين الأنعام والدواجن تجارة مربحة ليس للأنعام ولا للدواجن حتما.
والسؤال الذي يفرض نفسه علي الآن: ما الذي جعل، أو يجعل، هذا الكائن العربي لا يقدر قيمة الوقت، بل لا يخطر على باله أن للوقت قيمة ما يجب عليه المحافظة عليها واستثمارها فيما فيه فائدة؟ لعل طبيعة خلقة هذا الكائن في الصحراء الواسعة وفي المساحات الشاسعة هي التي جعلته لا يهتم بالوقت ولا يعتبره قيمة غير مادية لكنها أساس القيم المادية كلها لأنها قيمة القيم وأساس بناء الأمم.
هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، وقراءة ممتعة للجميع ولا سيما لمن يهتم أما من لا يهتم فلست أبالي أكانت القراءة ممتعة له أم لا.
الْبُلَيْدَةُ، صبيحة يوم الأحد 11 من ذي القعدة 1440 الموافق 14 يوليو/تموز 2019.
تعليق