الإنسان العربي والوقت (مقالة).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • حسين ليشوري
    طويلب علم، مستشار أدبي.
    • 06-12-2008
    • 8016

    الإنسان العربي والوقت (مقالة).

    الإنسان العربي والوقت
    (مقالة)

    "الإنسان العربي" و"الوقت" مفهومان مختلفان متناقضان متضادان متعاديان لا يلتقيان إلا إذا التقى الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب، أو القطبان الشمالي والجنوبي، وبينهما برزخ لا يبغيان ما دام الليل والنهار يتكوران.

    كنت عرضت هنا (2017) مقالة "
    الإنسان العربي والحوار"، التي كتبتها عام 2015 وعرضتها في عدد من المنتديات الأدبية العربية، وهي مقالة تحاول فهم ظاهرة الحوار عند هذا الكائن العجيب، الإنسانَ العربيَّ، الذي يمثل حالة خاصة بين أمثاله من بني البشر مع كونه منهم إلا أنه يختلف عنهم اختلافا كبيرا لأنه، ببساطة، ضيع ما كان في يده من عوامل الحضارة الإنسانية الراقية وراح يلهث وارء السراب الكاذب فضاع وأضاع غيره معه بضياعه، وهذه المقالة تحاول فهم علاقة هذا الكائن بالوقت، ولعلها بإضافتها إلى مثيلاتها أن تشكل محاولة لفهم هذا الكائن المسمى: الكائن العربي.

    ورد على بالي، وأنا أفكر في تحرير هذه المقالة وتحبيرها، مقولةُ الأستاذةِ الأديبةِ أميمة محمد العجيبةُ: "
    كل ثانية في عمرك مهمة لأنها لا تعود ثانية."(#352)، وأحسب أن هذه المقولة البليغة من بوارق الخاطر، خاطر الأستاذة الأديبة، لأنها جمعت بين الإيجاز والإبلاغية فأصابت كبد الحقيقة وهي، في الوقت نفسه، تعبر عن ظاهرة تقدير الوقت عند هذا الكائن الذي نتحدث عنه: الإنسان العربي المعاصر.

    الوقت أغلى ثروة يُمنحها الإنسان وهي ثروة أنفس من كل ثروة إلا ثروة الإيمان بالله تعالى ثم ثروة إفناء هذا الوقت الممنوح في عبادة الله وحده وإعمار الأرض بطاعته وفق منهاجه تحقيقا للغاية التي خلق هذا الإنسان لأجلها: أن يعبد الله وحده وأن يكون خليفة صالحا في الأرض، وهذه مهمة الإنسان المسلم عموما ومهمة الإنسان العربي المسلم خصوصا لأنه هو المسئول عن باقي الناس حتى وإن لم يتفطن هو لهذه المسئولية وحتى إن لم يعترف له غيرُه بها.

    محكوم على الإنسان العربي ألا يكون إلا مسلما فقط، ليس غير، لكن هذا الكائن العربي البائس استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير وراح يلهث وراء السراب الكاذب ظانا أنه سيسعد بما فيه شقاؤه وهو شقي لا محالة أدرك ذلك أم لم يدركه، وهذه حقيقة معيشة ملاحظة اليوم ومنذ فترة طويلة منذ أن تخلى هذا الكائن العجيب عن الحق الذي كان بين يديه وراح يبغي الباطل فضل وأضل، وزل وأزل وضاع وأضاع غيره بضياعه.

    نعم، لقد ضاع الإنسان العربي وأضاع غيره معه لأنه ترك دينه الحق، الإسلامَ، وانحط إلى الحضيض الأسفل وكان عليه أن يبقى في القمة بعدما رقيها بدينه الحق لكن ماذا يفعل الغباء بالبلهاء إنه يتركهم كالسائمة تبحث لها عن المراتع المَرِيعة (الخصبة)، بل يبحث لها راعيها عن تلك المراعي المُربِعة لتسمينها واستغلال منتجاتها لنفسه ولأهله، وهذه حال هذا الكائن المُسمَّن لأسياده، وتسمين الأنعام والدواجن تجارة مربحة ليس للأنعام ولا للدواجن حتما.

    والسؤال الذي يفرض نفسه علي الآن: ما الذي جعل، أو يجعل، هذا الكائن العربي لا يقدر قيمة الوقت، بل لا يخطر على باله أن للوقت قيمة ما يجب عليه المحافظة عليها واستثمارها فيما فيه فائدة؟ لعل طبيعة خلقة هذا الكائن في الصحراء الواسعة وفي المساحات الشاسعة هي التي جعلته لا يهتم بالوقت ولا يعتبره قيمة غير مادية لكنها أساس القيم المادية كلها لأنها قيمة القيم وأساس بناء الأمم.

    هذا، وللحديث بقية، إن شاء الله تعالى، إن كان في العمر بقية، وقراءة ممتعة للجميع ولا سيما لمن يهتم أما من لا يهتم فلست أبالي أكانت القراءة ممتعة له أم لا.

    الْبُلَيْدَةُ، صبيحة يوم الأحد 11 من ذي القعدة 1440 الموافق 14 يوليو/تموز 2019.
    sigpic
    (رسم نور الدين محساس)
    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

    "القلم المعاند"
    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

  • أميمة محمد
    مشرف
    • 27-05-2015
    • 4960

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أفضل ما يمكن أن يستثمره الإنسان الوقت أي العمر الذي بين يديه ووهبه الله له ولن يعود ثانية كما هو بهذا الاختيار الحر الذي وهبه الله له.
    ثم أنه لا يمكن أن تستثمر في شيء آخر بدون الوقت
    فكيف ومتى نستثمر الوقت؟
    الشباب و الصحة كنزان لا يعرف قيمتهما الكبيرة إلا قليل..
    استثمار الوقت، يحتاج لوقته! لتظهر نتائجه.
    نحتاج للوقت في استثمار الوقت.. فعندما تقرأ ما يفيد يمكنك أن تكتب ما يفيد فيما بعد وعندما تقرأ ما هو غير مفيد ستكتب مثله

    يمكن أن نقول إن العقل إناء كبير يتسع لكل شيء ويأتي وقت ينضح فيه

    في مجال الصناعة والزراعة أعجـــب وأتعجــــب من عجز المواطن العربي عن الإبداع فيهما
    وآفة المجتمع المستهلك التي تعترينا اليوم وجدتُ أنها نتاج سببين رئيسين وعدة عوامل
    الأول إضاعة الوقت
    الثاني تسهيل مرور البضائع الأجنبية ومنافستها الشديدة وسياساتنا الدولية العقيمة
    وعوامل أخرى كعدم تقدير العمل أو قلة مردوده

    الكائن العربي مغيب وفي سبات ولا أحد يدري متى وكيف سيستيقظ؟

    أثمن وأقدر اختيارك للخاطر الذي كتبته، جزاك الله عني وعن القراء خيراً.

    تقديري وتحيتي.

    تعليق

    • حسين ليشوري
      طويلب علم، مستشار أدبي.
      • 06-12-2008
      • 8016

      #3
      لا عزة للعرب إلا بالإسلام فقط.

      وعليكم السلام، أختي الكريمة الأستاذة أميمة، ورحمة الله تعالى وبركاته.
      أشكر لك مشاركتك الطيبة بارك الله فيك وزادك من فضله، آمين.

      ثم أما بعد، عندما نقرأ الحديث:"
      قالَ رسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ لرجُلٍ وهوَ يعِظُه: "اغتَنِم خمسًا قبلَ خمسٍ شبابَك قبلَ هَرمِك وصحَّتَك قبلَ سَقمِك وغناكَ قبلَ فقرِك وفراغَك قبلَ شُغلِك وحياتِك قبلَ موتِكَ" (وهو حديث حسن يرويه جماعة من المحدثين عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما) نجد أن ثلاثا من الخمس مرتبطة مباشرة بالوقت وهن: الشباب، والفراغ، والحياة، والأخرايين لا تكونان إلا به: الصحة والغنى؛ فالكل إذن مرتبط بالوقت لكننا نجد أن الأمة الإسلامية عموما، والعربية منها خصوصا، أضيع الأمم لوقتها الذي هو حياتها وسبب تقدمها أو تخلفها.
      من لوازم الدين، الإسلامَ، تنظيم الوقت ومثاله أوقات الصلاة وسائر العبادات كرمضان، والحج، والزكاة المرتبطة بالحوْل (العام)، فهذه الأركان الأربعة مرتبطة بالوقت.

      تملك الأمة العربية أسباب التقدم والرقي والتحضر وأهمها الإسلام، الدين الحنيف، لكننا نجد الأمة العربية في ذيل الأمم حضارة لأنها، وببساطة شديدة، تركت دينها وحاولت كسب دنياها فلا الدنيا أدركت ولا على دينها حافظت، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم آمين يا رب العالمين.

      أدواء الأمة العربية كثيرة لكنني أوجزها في ثلاثة كبيرة: 1- الغُثائية؛ 2- الوَهْنِية؛ 3- الإمّعية، وهي أدواء حضارية تلخص سمات الجاهلية التي تتخبط فيها الأمة العربية وقد انتكست الأمة في جاهلية أجهل من الجاهلية الأولى المَقِيتة؛ وتلك الأدواء مستنبطة من النصوص الإسلامية طبعا ولمن أراد البحث عنها فما عليه إلا بالرجوع إلى النصوص الإسلامية الصحيحة وقد نعرضها لاحقا إن شاء الله تعالى.

      لقد لخص الصحابي الجليل ربعي بن عامر، رضي الله تعالى عنه، لرسطم قائد الفرس لما سأله: "ما جاء بكم؟"، فقال، رضي الله عنه: "
      الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه حتى نفيء إلى موعود الله..." (ينظر الطبري "تاريخ الرسل والملوك"، و ابن كثير "البداية والنهاية")؛ ولخص قبله جعفر بن أبي طالب، رضي الله عنه، رسالة الإسلام في كلامه مع النجاشي لما سأله عن دينهم الذي فارقوا به قومهم، فقال رضي الله عنه: "أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام ونأكل الميتة ونأتي الفواحش ونقطع الأرحام ونسبي الجوار يأكل القوى منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمر بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحسن الجوار والكف عن المحارم والدم، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً، وأمر بالصلاة والزكاة والصيام قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئاً، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا فعدا علينا قومنا فعذبونا ففتنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث" (ينظر "مسند الإمام أحمد"، و"مجمع الزوائد" للهيثمي)؛ وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه:"إنا كنا أذلَّ قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله" (رواه الحاكم في "المستدرك")؛ وقال قتادة، رحمه الله تعالى، في تفسير قوله تعالى :{وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:#103]: "كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًّا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالة، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين (من "عكم البعيرُ"= شد فاه عند هيجانه) على رأس حجر بين الأسدين: فارس، والروم، لا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يُحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات رُدِّيَ في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًّا وأدق فيها شأنًا منهم، حتى جاء الله عزَّ وجلَّ بالإسلام، فورثكم به الكتاب، وأحلَّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإنَّ ربكم منعم يحبُّ الشاكرين، وإنَّ أهل الشكر في مزيد الله، فتعالى ربنا وتبارك" (ينظر "جامع البيان" للطبري).

      فهذا هو الإسلام الذي تركه العرب ليرتدوا إلى الجاهيلة الجهلاء ولن يرفعوا للعز رأسا وقد خفضوه ذلا بعدما أعزهم الله بالإسلام.

      نسأل الله الهداية والثبات على الحق إلى أن نلقاه سبحانه وتعالى، اللهم آمين يا رب العالمين.

      بارك الله فيك أختي الكريمة وأعتذر إليك عن هذه الإطالة في الرد ففيه إضافات مفيدة تخدم الموضوع الأصلي.

      sigpic
      (رسم نور الدين محساس)
      (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

      "القلم المعاند"
      (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
      "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
      و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

      تعليق

      • أحمد على
        السهم المصري
        • 07-10-2011
        • 2980

        #4
        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
        مرحبا أستاذي الموقر ..
        لاشك أن الإنسان العربي فيه من الصفات السلبية المذكورة في المقال الرائع .
        وإذ تبحث عن أسباب هذا الضعف والتخلف لابد من العودة للوراء بضع مئات من السنين .
        نفس هذا الإنسان العربي المسلم كان في غاية التقدم ،منتهى النضوج والعبقرية .
        هنا نعود لنظرية المؤامرة التي حيكت لتضعف من الأمة العربية والإسلامية خطط طويلة المدى نجحت نجاحا منقطع النظير انظر حولك أخي حسين
        أين مناطق التوتر في العالم !؟
        طرف فيها دولة عربية أو إسلامية مثلا البوسنة ، ألبانيا ، الشيشان، ازربيجان ،بورما،
        نيجيريا ، الشرق الأوسط ،الصين والهند .
        منظمات ودول تعمل على هدم الاخلاق والدين .
        منتهى العنصرية مغلفة بتسامح وديمقراطية هشة
        حقوق انسان تطبق على الدول الضعيفة فقط
        امم متحدة تسيطر عليها الدول العظمى ، مجلس أمن فاشل
        حلف ناتو مخصص لقتل الأبرياء .
        نحن نعيش في مجتمع يعيش بألف وجه ،
        تم تحطيم خصوصية المجتمع بوسائل عدة أكثرها فتكا هو الإنترنت الذي غزا كل جنبات بيوتنا وصار يعرف عنا وعن أسرارها اكثر مما نعرفه نحن ....
        مع محبتي استاذي
        التعديل الأخير تم بواسطة أحمد على; الساعة 17-07-2019, 06:39.

        تعليق

        • حسين ليشوري
          طويلب علم، مستشار أدبي.
          • 06-12-2008
          • 8016

          #5
          الجزاء من جنس العمل، من يعمل الخير يجد الخير ومن يعمل الشر يجده حتما.

          وعليكم السلام، أخي أحمد علي، ورحمة الله تعالى وبركاته.
          مرحبا بك في هذا الموضوع الكبير والخطير والمثير والذي يتجاهله الناس تجاهلَهم لما يهددهم من الأخطار في أنفسهم ومن حولهم وهم يلعبون لاهية قلوبهم بالتفاهات والصغارات والحقارات، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم آمين يا رب العالمين.

          ثم أما بعد، تفسير مآسي الأمة بالمؤامرة وحدها فقط تفسير ناقص قاصر يحتاج إلى تكميل وإلى نظرة في الذات قبل النظرة خارجها، ما تآمر الأعداء على الأمة إلا لأنهم وجدوها قابلة للتآمر مستعدة له مهيئة لما يمكرونه بها، بل هي من تساعدهم على ذلك لأنها، ببساطة، تركت ما أمرها ربها به من الحذر والحيطة والأخذ بأساب الوقاية، بل وأكثر من ذلك كله إنها هي من سهل لهم التآمر لأنها عصت الله تعالى جهارا نهارا بل تبجحت بالمعصية وتعاونت عليها، نسأل الله السلامة والعافية، آمين.

          انظر مثلا إلى حادثة هزيمة
          غزوة أحد النكراء، ما كان سببها؟ إنه عصيان أوامر القائد المحنك الحريص الحازم؛ لم يعص المسلمون كلُّهم وإنما الذين عصوا أوامر النبي، صلى الله عليه وسلم، إنما هم الرماة فقط، لكن الهزيمة عمت الجميع، وكذلك الشأن لما تعصي الأمة، أو بعض الأمة، تعم البلية الجميع، حتى الصالحين، لاسيما إن رضي الجميع تلك المعصية أو سكتوا عنها أو تجاهلوها وجعلوا أنفسهم كأنهم لا يرونها، هذا في المعصية الجزئية المحدودة فكيف بالمعاصي كلها، إن العقاب سيعم الجميع حتما وعدلا، ويتوب الله على من تاب عن غيه وثاب إلى رشده وأناب إلى الله صادقا مخلصا.

          كنت، عامَ 2011، عالجت جزءا من موضوع المؤامرة في المتصفح المخصص له:
          المؤامرة على الإسلام و الأمة الإسلامية: قضية عَقَدية و حقيقة تاريخية، لكنني لم أنته من الموضوع حتى اليوم لأسباب كثيرة، ولكن هذا الجزء من التفسير لمصائب الأمة لا يكفي وحده لأن الأمة تحمل في نفسها عوامل ضعفها وهوانها وانحطاطها وانهيارها وتأخرها وأمراضها تماما كالأجاسم الموبوءة لم تمرض إلا لأنها تحمل في ذاتها القابلية للمرض كنقص المناعة، أو انعدامها كلية، و التعرض الخطير للجراثيم الفتاكة؛ الجراثيم خطيرة في نفسها لكنها تفعل فعلتها في الأجسام الهشة قليلة المناعة أو التي لا تملك مناعة أصلا، وكذلك الأمة: أضعفت مناعتها بالمعاصي والزيغ عن الصراط المستقيم فسلط الله عليها من يسيمها سوء العذاب جزاء وفاقا.

          الجزاء من جنس العمل، من يعمل الخير يجد الخير ومن يعمل الشر يجده حتما، هذا قانون رباني لا يحيد ولا يخيب ولا يحابي ولا يُمالِئ وهو فعال في الأفراد كما هو فعال في الجماعات والأمم، فليس عند الله محسوبية و لا محاباة:{
          لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ: مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} (#123)، ويقول الله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ، إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(#115)، ولنقرأ معا قول الله تعالى عن الذين كفروا من بني إسرائيل:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، ذَ‌لِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ؛ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ، لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}(#78 و#79) ولننظر تفسير النبي، صلى الله عليه وسلم، لهذه الآيات:"لمَّا وقعت بنو إسرائيلَ في المعاصي نَهتْهم علماؤُهم فلم ينتَهوا فجالسوهم في مجالِسِهم وواكلوهم وشارَبوهم فضربَ اللَّهُ قلوبَ بعضِهم ببعضٍ ولعنَهم على لسانِ داود وعيسى ابنِ مريمَ وذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوْا يَعْتَدُونَ [المائدة #78]، وَكانَ رسولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ - متَّكئًا فجلسَ فقالَ: "لا والَّذي نفسي بيدِهِ حتَّى تأطُروهم على الحقِّ أطرًا" وفي روايةٍ: "ثمَّ يلقاهُ من الغدِ وَهوَ على حالِهِ فلا يمنعُهُ ذلِكَ أن يَكونَ أَكيلَهُ وشريبَهُ وقعيدَهُ فلمَّا فعلوا ذلِكَ ضربَ اللَّهُ قلوبَ بعضِهم ببعضٍ" ثمَّ قالَ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ إلى قولِهِ فَاسِقُونَ} [ المائدة #78#81] ثمَّ قالَ: "كلًّا واللَّهِ لتأمرُنَّ بالمعروفِ ولتنْهوُنَّ عن المنْكرِ ولتأخذُنَّ على يدِ الظَّالمِ ولتأطُرنَّهُ على الحقِّ أطرًا ولتقصُرنَّهُ على الحقِّ قصرًا زادَ في روايةٍ أو ليضربَنَّ اللَّهُ بقلوبِ بعضِكم على بعضٍ ثمَّ لَيلعننَّكم كما لعنَهم"(أخرجه الترمذي (3047)، وأحمد (3713) عن عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه)؛ إذن، لمَ نذهب بعيدا في البحث عن الأسباب، أساب ضعفنا وهواننا وذلنا ومآسينا، وهي كامنة فينا راسخة بيننا؟

          والعجيب في أمر هذه الأمة كيف تقفز للحديث عن "الخيرية" وتراها تتبجح بها مزهوة كأنها حق مضمون لها رغم معاصيها وفجورها وفسوقها وضلالها وتراها تتجاهل أسباب هذه الخيرية؛ وتجدهها تقفز إلى قراءة الآية
          #110 من آل عمران وتتجاهل الآية #104 قبلها (؟!!!) وفيها شروط الخيرية واضحة جليّة بيّنة، عجيب أمر هذه الأمة والله عجيب، والأعجب منه مخادعة علماء الأمة لها وسكوتهم عن شروط هذه الخيرية، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم آمين يا رب العالمين: الخيرية لا تكون إلا بتحقيق شروطها المتضمنة في الآيتين معا وليس من غيرها، الشروط أولا ثم التحقيق ثانية بإذن الله تعالى.

          هذا، والله أعلم، ونسبة العلم إلى الله تعالى أسلم وأحكم وأفهم.

          بارك الله فيك أخي أحمد علي على المشاركة في إثراء الحديث ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.

          تحيتي إليك وتقديري لك.
          sigpic
          (رسم نور الدين محساس)
          (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

          "القلم المعاند"
          (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
          "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
          و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

          تعليق

          • أميمة محمد
            مشرف
            • 27-05-2015
            • 4960

            #6
            المشاركة رقم 5 هنا أستاذ حسين جديرة بالقراءة وجديرة بإفرادها في موضوع.. أتمنى أن يقرأه كل من لا يستوعب الواقع الذي نحن فيه
            أستفيد من قراءة مواضيعك.. جزاك الله خيرا.

            تعليق

            • أميمة محمد
              مشرف
              • 27-05-2015
              • 4960

              #7
              "أدواء الأمة العربية كثيرة لكنني أوجزها في ثلاثة كبيرة: 1- الغُثائية؛ 2- الهوانية؛ 3- الإمعية،.."
              أتمنى شرح مختصر لمعنى الثلاثة أخي حسين، وفقك الله.

              تعليق

              • حسين ليشوري
                طويلب علم، مستشار أدبي.
                • 06-12-2008
                • 8016

                #8
                شرح "الإمعية" و"الوهنية" و"الغثائية".

                المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                المشاركة رقم 5 هنا أستاذ حسين جديرة بالقراءة وجديرة بإفرادها في موضوع.. أتمنى أن يقرأه كل من لا يستوعب الواقع الذي نحن فيه.
                أستفيد من قراءة مواضيعك.. جزاك الله خيرا.
                السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
                وجزاكِ الله عني خيرا أستاذة أميمة.
                لعلك لا تدرين مدى سعادتي عندما يستفيد قارئ مما أكتبُ، فهذا يعني أن ما أريد تبليغه قد وصل إلى المتلقي وهذا أملي ومنتهى سروري.

                المشاركة الأصلية بواسطة أميمة محمد مشاهدة المشاركة
                "أدواء الأمة العربية كثيرة لكنني أوجزها في ثلاثة كبيرة: 1- الغُثائية؛ 2- الهوانية [ بل الوهنية]؛ 3- الإمعية،.."
                أتمنى شرح مختصر لمعنى الثلاثة أخي حسين، وفقك الله.
                نعم، أستاذة، أدواء الأمة كثيرة، وكثيرة جدا تزيد عن السبعين، وإن شئت الدقة هي ستة وسبعون داءً، نسأل الله السلامة والعافية، ذكرها الإمام الذهبي في كتابه "الكبائر"، لكن يمكننا تلخيصها في ثلاثة أدواء كبيرة وخطيرة نص عليها الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، في الحديث المشهور:"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"؛ فقال قائل: "ومن قلة نحن يومئذ؟" قال : "بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْنَ"؛ فقال قائل: "يا رسول اللهِ! وما الوهن؟ " قال: "حب الدنيا وكراهية الموت"(حديث حسن يرويه أبو داود عن ثوبان، رضي الله عنه، مولى النبي، صلى الله عليه وسلم).

                فـ "
                الغثائية" ومثلها "الوَهْنِيّة" [أخطأتُ في رقنها في المرة الأولى فكتبتُ "الهوانية" وهي "الوهنية" مشتقة من "الوهن"] مصدران من اشتقاقي مقتبسان من الحديث آنف الذكر، وأما "الإمَّعية"، وهو مصدر صناعي آخر، فمأخوذة من الحديث المشهور الآخر:"لا تكونوا إمَّعةً تقولون: "إن أحسَن النَّاسُ أحسنَّا وإن ظلموا ظلمنا" ولكن وطِّنوا أنفسَكم إن أحسَن النَّاسُ أن تُحسِنوا وإن أساءوا أن لا تظلِموا"(حديث صحيح أو حسن يرويه المنذري في "الترغيب والترهيب" عن حذيفة بن اليمان، رضي الله عنه)، ويمكننا تفسير "الإمعية" بالتقليد الأعمى دون تمييز نافعه من ضاره وهذا داء عضال قد أهلك الأمة والواقع أصدق إنباء من الكتب.

                فهذه الأدواء الخطيرة تنخر جسم الأمة وعقلها وثقافتها وتركتها لا شخصية لها ولا تميُّزا فصارت أضحوكة الأمم كما قال أبو الطيب المتنبي: "يا أمة ضحكت من جهلها الأمم"، نسأل الله السلامة والعافية، اللهم آمين يا رب العالمين.

                هذا، والله أعلم، ونسبة العلم إليه، سبحانه، أسلم وأحكم وأفهم.

                أشكر لك، أستاذة أميمة، تفاعلك الإيجابي مع ما أكتب ودمت على التواصل البناء الذي يغني ولا يلغي.

                تحيتي إليك وتقديري لك.

                sigpic
                (رسم نور الدين محساس)
                (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                "القلم المعاند"
                (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                تعليق

                • حسين ليشوري
                  طويلب علم، مستشار أدبي.
                  • 06-12-2008
                  • 8016

                  #9
                  يقول أحمد شوقي في قصيدته "المشرقانِ عليكَ ينتحبان":
                  "دَقَّاتُ قلبِ المرءِ قائلة ٌ لــــــــــــــه: = إنَّ الحـــــــــــياة َ دقائقٌ وثواني
                  فارفع لنفسك بعدَ موتكَ ذكرهـــــــــا = فالذكرُ للإنسان عُمرٌ ثــــــــاني
                  للمرءِ في الدنيا وجَمِّ شؤونــــــــــــها = ما شاءَ منْ ريحٍ ومنْ خسران".
                  وهذا كلام حكيم ينم عن تجربة في الحياة ودراية بقيمة الوقت في حياة الفرد إلا أنه يحتاج إلى تقييد ولا يترك على إطلاقه كما يظهر منه؛ ففي النصوص الشرعية التي تنبه إلى أهمية الوقت في حياة المسلم قول الرسول، صلى الله عليه وسلم:"كلُّ النَّاسِ يغدو فبائعٌ نفسَهُ فمعتِقُها أو موبقُها" وهو جزء من حديث صحيح أطول؛ وغدو الناس هو ذهابهم في الغداة، أي الصباح، وهذا من الوقت كما هو معروف، وفي الحديث بيان أن "كلَّ إنسانٍ يَسعى بنفسِه إلى طاعةِ اللهِ فيكونُ مُنقِذًا لها مِنَ النَّار، أو يَسعَى بنفسِه إلى طاعةِ الشَّيطانِ وهَواه فُيوبِقُها، أي: يُهلِكها بدُخولها النارَ" (https://www.dorar.net/h/0fbfa79a0505...c74e3c1097c97d) والناس جميعا، عند التأمل، صنفان لا ثالث لهما ألبتة، عباد الرحمن وعباد الشيطان، فعباد الرحمن يسعون إلى العمل الصالح الخالص لله، وعباد الشيطان لا يهمهم لا كَمُّ العمل ولا كيفه فهم يعملون لأنفسهم فقط، والله أعلم.

                  ولمزيد من الفائدة أدرج روابط قد تفيد قارئها تنويعا للكلام عن أهمية الوقت في حياة المسلم:
                  - الوقت وأهميته في حياة المسلم
                  - الإسلام وفن إدارة الوقت
                  - بحث عن أهمية الوقت في الإسلام

                  أسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مرضاته وأن يصلح أحوالنا كلها لتكون خير أعمالنا خواتيمها، اللهم آمين يا رب العالمين.
                  sigpic
                  (رسم نور الدين محساس)
                  (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                  "القلم المعاند"
                  (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                  "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                  و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                  تعليق

                  • حسين ليشوري
                    طويلب علم، مستشار أدبي.
                    • 06-12-2008
                    • 8016

                    #10
                    إعادة الرفع من أجل النفع.

                    اللهم يا ميسر الأمور كلها يسر لنا أمورنا كلها ما دامت في رضاك وطاعتك، اللهم آمين يا رب العالمين.
                    أحببت العودة إلى موضوعي هنا بمناسبة عودتي إلى هذا الصرح الأدبي الكبير الرّائد والصابر على الشّدائد.
                    ثم أما بعد، في بعض تعاليقي هنا ذكرت أدواء الأمة الثلاثة التي تعاني منها منذ قرون وهي:
                    1- الغثائية؛ 2- الوهنية؛ 3- الإمعية، وهي أدواء خطيرة لو أصاب واحد منها أُمَّةً لأهلكها فكيف بها وهي مجتمعة؟
                    كتبت في موضوعي القديم:"
                    جراحة الأفكار بين المدارسة و الممارسة (مقدمة في التغيير السلمي)" في المشاركة رقم#5 والمعنونة بـ "التشخيص" أن المريض عادة لا يشعر بمرضه إلا إذا آلمه وحينها يبادر إلى الطبيب بحثا عن العلاج، أو ما يشبه هذا الكلام، وكذلك الأمة اليوم، ومنذ قرون متطاولة، لا تستشعر في نفسها ما يسكنها من الأسقام، بل الأورام الخبيثة، لأنها ببساطة، لا تتألم، فلو توجّعت وتألّمت لبادرت إلى الأطباء العامِّين وإلى المختصين لتشخيص أدوائها ووصف العلاج، بل العلاجات، لها.
                    هذا ما أحببت التنويه به والدعوة إلى إعادة قراءة الموضوع عسانا نثريه وننميه، والله الموفق إلى الخير.
                    قراءة ممتعة إن شاء الله تعالى.

                    sigpic
                    (رسم نور الدين محساس)
                    (رسّام بجريدة المساء الجزائرية 1988)

                    "القلم المعاند"
                    (قلمي هذا أم هو ألمي ؟)
                    "رجوت قلمي أن يكتب فأبى، مُصِرًّا، إلاَّ عِنادا
                    و بالرَّفض قابل رجائي و في الصَّمت تمــادى"

                    تعليق

                    يعمل...
                    X