رحلة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أحمد عيسى
    أديب وكاتب
    • 30-05-2008
    • 1359

    رحلة

    أعتقد أننا في المستقبل الآن..
    كيف عرفت؟ هذا أمر بديهي، لا أعتقد أن الماضي كان داكنا صعبا لبني جنسي كما هو الآن..
    يبدو أن عدد الإناث قد انخفض كثيرا، حتى أن الحصول على أنثى مهما كان شكلها صار ضربا من ضروب الخيال، هذا أمر يلزمك للحصول عليه الكثير من القوة والصبر والجلد.. قلت لرفيقي يوما: لماذا لا نعيش دونهن؟ فضحك ولم يرد، فقلت كأنه رد: لن نموت ولن نجن ان كنت تظن ذلك.. علينا أن نستمر وأن نعيش فحسب..
    فنظر لي ساخرا ثم قال: أترى حالنا.. أيعجبك.. محبوسون مقموعون مقهورون ولا نخرج الا عندما يفتح الباب الكبير مرة واحدة في العمر، ربما غدا، ربما بعد عام.. لا ندري، فقط لنمارس مسابقة مجنونة، لم يعد أحدهم ليخبرنا عن مكافأته.. هل قلب الأنثى يستحق؟ طيب من لم يفلح ما مصيره؟ هل يتحرر أيضا؟ أسئلة أزلية عالقة في فضاء سجننا هذا ولا نملك لها جوابا.
    كان صديقي الأقرب، وكنت أعرف أنه سيكون عدوي الأشرس، ذلك أنه كان سريعا قويا صلبا مثلي، وكنا نعرف أن المنافسة بيننا لن تنتهي بنجاة أحدنا.
    في اليوم الكبير شعرنا بجدران السجن تلتهب، كانت تضخ نارا، ما جعل بقاءنا مكاننا مستحيلا، أدركت أن مصيرنا اجباري، وأن علينا خوض الحرب شئنا أم ابينا.
    لماذا ولدنا أصلا؟ ما فائدتنا؟ هل تعني حياتنا أي شيء؟ كيف نعرف هل تستحق هذه الحياة أن نعيشها.. أسئلة أخرى تدور.
    في اليوم الكبير جرينا كما لم نفعل من قبل، لم يكن مصير من خرجوا من الباب معروف لنا، لكن مصير من يبقون مفهوم تماما.. الموت احتراقا..
    لهذا جريت بكل قوتي، قفزت عبر الباب الكبير لسماء أوسع وجدران أكثر اتساعا.. حمم حولي في كل مكان، حمم ضخمة وقمم جبال شاهقة وحراس ينتشرون كيفما اتفق يطاردون من تبقى منا.. يقتلون الضعيف، يشهرون سيوفهم لتقسمنا نصفين طولا وعرضا، منظر مقزز رأيته فاقشعر بدني، ما أعطاني حافزا أكبر لأمضي.. لأستمر..
    أياما طويلة، خضنا فيها رحلة مجنونة بحق، مشينا وهرولنا وجرينا، تسلقنا الجبال وزحفنا عبر البحيرات سباحة وغوصا، مات أصدقائي، عائلتي، رفاق حيي، وبقيت أنا وصديقي وبعض مئات..
    ثم رأيتها..
    قبة عملاقة شفافة، تحيط بأميرة فاتنة، تجلس على الأرض تدفن رأسها بين ساقيها، وتنظر لنا بطرف عينها بأسى..
    اذهلتني ومرت بجسدي قشعريرة باردة غيرت نظرتي للحياة تماما..
    ان كانت الحرب من أجل هذه فهي تستحق، وان كان تحريرها نهاية حياتي فليكن، هذا يعطيني معنى، تضحية تستحق..
    بدأ الصراع عنيفا، تحولت النفوس الراضية الى نفوس جزعة، وصار الاصدقاء يتقاتلون بعنف، من يصل الى جدران القبة يجد من يقتله، ومن يتخلص من أعدائه يصعقه الجدار فيسقط صريعا، والفتاة جالسة في استكانة تنتظر.. وأنا أرى صديقي يقترب، يضرب الجدار فيستجيب..
    كنت أود تركه ليفعل.. لكن الأنثى نظرت لي.. وكان لنظرتها معنى.. كأنها تقول: أريدك أنت.
    فلم أعد أدري أو اتحكم بافعالي، اندفعت كالسهم اليه، نظر لي في دهشة ثم استفاق على لكمة سددتها لوجهه، خاض معي صراعا عنيفا استمر لساعات، ربما ايام.. لا أعلم شيئا عن نسبية اينشتين لكن الزمن هنا لا يمشي بطريقة طبيعية.. في الأمر خدعة تجعل الاحساس به يختلف..
    المهم انني انتصرت، وصلت لها وكسرت الجدار الذي انهكه صديقي بسهولة، كلهم حولي صرعى، كلهم أموات ممزقون، وأنا وحدي أصل اليها، أحتضنها، أشعر بدفء وشعور لم آلفه منذ عرفت الدنيا، لا يهمني أن أعيش اليوم، أقولها كأني اودعها، فتضع يدها على فمي كأنها تسكتني، تحتويني، نصبح جسدا واحدا، تولد منا حياة.
    ***
    ” ينبغي للإنسان ألاّ يكتب إلاّ إذا تـرك بضعة من لحمه في الدّواة كلّما غمس فيها القلم” تولستوي
    [align=center]أمــــوتُ .. أقـــــاومْ [/align]
  • سليمى السرايري
    مدير عام/رئيس ق.أدب وفنون
    • 08-01-2010
    • 13572

    #2

    الجميل قبل أي شيء، عودتك إلى الملتقى لنستمتع بجمال حرفك السردي صديقي احمد عيسى
    سعيدة جدا لذلك


    لي عودة لكي استمتع على مهل بهذه القصّة.
    -
    -
    -
    مودّتي
    لا تلمني لو صار جسدي فاكهة للفصول

    تعليق

    • أحمد على
      السهم المصري
      • 07-10-2011
      • 2980

      #3
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
      من الوهلة الأولى وفي القراءة الأولى اعتقدت أن النص يحكي قصة فيلم شهير جدا .. ثم قبيل النهاية أدركت عما تحكي القصة ..
      فهي تروي رحلة تحدث ملايين المرات يموت خلالها المليارات معركة لا تنتهي إلا عندما يصل البطل القوي إلى اسوار القلعة وبمطرقته يتمكن من كسر السور والالتحام بالطرف الآخر ..
      يمتزجا ويبدأ الانقسام من خليتين الى أربع ثم ثم ثم ...
      ثم طفل جميل يطرق باب الحياة ...
      أعجبني النص كثيرا ..
      تصوير لرحلة ملايين الحيوانات المنوية داخل الرحم مرورا بقناة فالوب ووصولا للبويضة وهذه الرحلة تنتهي باختراق أحدهم للبويضة ويحدث التلقيح والحمل ...
      تحياتي لك أ. احمد

      تعليق

      يعمل...
      X