القمر المستديرُ، يختالُ بغشائه الأبيضُ اللامع ، ثم ينحدر صوب الشرق مسرعاً ،ليُبدد كتائبُ الغيم المحتشد عند عتبة الأفق ،ثم يرسل سيلاً من لثماته الحارة تُداعب صفحة الدانوب ،كأنه ساحر أبيض، يُهرق ترياق الحياة، فوق لجة الماء الساكنة .وفوق ضفافه الصخرية، نبتت أبراج زيون الإسطورية، واستطالت مصابيح النجوم العملاقة فوق ضريح الأعمدة الفولاذية ، لترسل في الفضاء ضوئها الساطع بين حين وأخر، ثم لمع ضوئها الشديد الأخاذ، ورشق بحربته طعنات الضوء في سديم الظلام، كأنه راع ينحدر من أعلى تبة فوق صفحة الأفق الجميل، ليثب فوق جواده الشمسى، يقطع بسيفه ستائر الظلام والعتمة .ثم شرعت أفاعى الخمائل والحدائق الغناء، تزحف رويدا ، وتتمدد تحت الأعمدة السوداء، وقد التحفت بأشجار سندسية ذات عشب أخضر ندى، ينضح في ألفافه زهور الجلنار والأقحوان، لها شذا وأريج يمتد فوق طبقات الهواء، ليعانق قوافل الياسمين والفراش المنحدر من أعماق الأدغال القريبة .ثم ضربت أسوار الحدائق ،أشجار الدوح العالية ،وتسامق بعضها حتى عانق الغمام ، ثم التفت أكمامها وأوراقها ،وغاصت في لثمات عشق أبدية.وعند منتصف الحديقة زحف العشب الأخضر ،فوق المدرجات الصخرية المنضودة، التى تشبه مدرجات الكولسيوم ،واكتنزت أشجارها بألوان الأطايب، من الثمار ،والفاكهة .ثم انبثقت سلسلة من النافورات العملاقة، تُحيك خيوط الماء بتناغم وانسجام فريد، لتجري الجداول من تحتها في شكل هندسي ،فتقرع جدران الحياض التى التحفت بأسوار أسمنتية، لتسقي زهور الياسمين والجلنار ،ثم توسد رأسُها بوابات عملاقة، قدت من فولاذ، تحمل فوق ناصيتُها مسوخ صخرية مجنحة، ناصبة عيونها إلى النهر، كأنها تنتظر ثعابين الماء لتنقض عليها، ناشبة مخالبها في لحاء الحديد ،تحمل وجوه مكفهرة، تتلمظ بالغضب والوعيد ،وقد ألقمت أفواهها أبواق جنائزية تُنذر بالجحيم، والشر المستطير.وبالقرب منها أقيمت سلاسل ممتدة من المنشأت ،والمعامل،والمختبرات الحديثة التى صُممت على شكل أهرامات زجاجية رابضة تحت سفح الأبراج ، وقرب حوافها، برزت سراديب ،وأخاديد دودية حصينة ممتدة في عمق القشرة الصخرية، أُعُدت كملاذ آمن للفارين والمنكوبين حال وقوع الإعتداءات ، والمخاطر الجسيمة. وعند حلول الظلام ، ترى الصمت يرسف في أغلاله وحيداً في عباءة الليل ،والعتمة تجتر أشواك الوحدة والسكون ،أسنة المطر الثقيل، تقرع متاريس الطرق،وتلثم لحاء الشجر بقبلات عنيفة ، الصمت الكئيب يخيم ثانية، ويرسل العبرات، ويطلق الزفرات فوق أردية المكان ،كأنة عجوز متصاباً يلوك غصص الوجع تحت جدران الوحشة والأفول . وهاهى الأضواء ترقص تحت الأبراج ،وتضيء ساحة القاعة البيضاء ، حيثُ ضجت القاعة الصاخبة بالنخبة من المفكرين، والمثقفين، والعديد من العلماء المتخصصين في شتى المجالات العلمية،وكذلك حشد كثيف من الصحفيين والإعلاميين ، وأعضاء تابعين للأمم المتحدة ،وقطاع عريض من مندوبين رفيعين المستوى يمثلون دول العالم .بعد مرور دقائق صعد المنصة البروفسور فريمان المسئول الأول عن إدارة شئون الأكاديمية ،والأب الروحي لذلك الصرح العظيم :واستهل كلماته المؤثرة ،بدعوة العالم إلى إفشاء السلام ونشر المحبة ،ونبذ الحروب ،ودعم الحقوق والحريات ،من خلال نشر القيم والتعاليم السماوية التى تدعو في جوهرها إلى التسامح ، وتحض على إحترام حقوق الإنسان ،والحرص على نيل حريته ،ومقاومة كل أشكال العنف والكراهية ثم شرح بإسهاب المغزى الحقيقي من وجود المشروع في ذلك التوقيت . قائلاً: إن كل شيء خلقه الله في ذلك الكون ،قائماٌٌ على نُسق بديعاُُ وقاعدة أساسية هي التوازن والإعتدال ،دون الميل أو الإنحراف ،فإذا اختل التوازن اختل معه النظام .العالم ياساده كما ترون ..في طريقه إلى الزوال، جراء الإحتراب، والتناحر الذي يجري في كل مكان على كوكب الأرض ..لقد تغير سلوك الإنسان، وصار سادياً عدائياً .مسخاً، بشعاً، يسعى إلى خلق الدمار ، ونشر الفوضى ،بسبب عشقه للنفوذ ،وحبه للسلطة والتملك ..لقد إبتعد المخلوق كثيراً عن رحمة الخالق القدير، ونزع ثوب المحبة والإيمان من قلبه ،وتوشح بأردية العنف ،والحقد والكراهية ، العالم ياساده بحاجة إلى أبطال .. ابطال من نوع خاص ،قادرين على حماية الأرض ، وإنقاذها من الشر المحدق بها.. فإذا عدنا إلى الوراء ، الماضي البعيد ،وجدنا أن القدير قد أرسل الانبياء والمخلصين لإنقاذ البشرية من الفوضى والفساد.. بعدما تآكل النسيج الإنسانى على الأرض جراء أعمال الهمجية والوحشية ، وحب السلطة والإنقياد وراء الشرير حتى صار الإنسان هو مصدر الشر والدمار.. بل هو الخطر الحقيقي الذي يهدد الحياة على الكوكب ، كما تعلمون ياساده ، فإن المعرفة كانت هي البداية الحقيقية في إرتقاء الإنسان إلى ُسلم المجد والحضارة عن طريق الإبتكار والإختراع ،ونجاحه في رسم المستقبل كما يريد، مما ساهم في تحقيق عوامل الرخاء والإزدهار ،والحفاظ على وثيقة الوصاية في الأرض، بالتخلى عن الكراهيةـ، ونبذ العنف، ونشر السلام والمحبة ،وتعزيز حق الإنسانية في الوجود والحياة ..ولكن ذلك لم يدوم طويلاً، فمازالت جائحة السلطة والنفوذ تُسيطر عى عقله ،فسعى لبريق السلطة ، فباع روحه للشرير، واستغل العلم والمعرفة في تحقيق شهواته ،وإرضاء رغباته ،فأطلق سمومه في الكون ،فتلظت الأرض، ولم يسلم منه شيء ..أيها الساده لا يمكن بأي حال أن نغفل عن دور العلم والتجربة في تحقيق الرخاء والنمو، خاصة في المجتمعات الأوروبية أبان الحقبة- الوسطى - السوداء ،ولا يمكن بالتزامن أيضاً أن نصعر الخد عن الشر المطلق الذي رافق تلك الرفاهية ،وأقحم الإنسان في خصومة مُشينة مع الطبيعة ،وسعى إلى إمتلاك ألة الحرب والدمار ،فأُُعيد إلى الأذهان ،ميثلوجيات العصور القديمة في خلق وتطوير ألات الموت والفناء،، وسحق الحياة .ولن نستطيع أيضاً ..أن نتجاهل ما حدث في العصور القريبة ،ونذكر بما حدث في كوارث الحروب العالمية ،وجرائم الدول المنتصرة في اليابان ،وفيتنام وكوبا من أجل تركيع الأمم وإذلال الشعوب، وبناء المستعمرات ،وانتهاك حقوق الشعوب في نيل الحريات وسلب ثرواتهم، وتكريس مدخرات البلدان من أجل المستعمرين الجدد، بالإضافة إلى إستنزاف الدول عن طريق التكتلات الإقتصادية ،ودهس الإقتصاديات النامية من خلال غرس النظم الرأسمالية المتوحشة، وبسط الهيمنة والعولمة ،مما أودى بنا في نهاية المطاف ،إلى خلق بيئة مشوهة من العنصرية، والتطرف الدينى الراديكالي، المصبوغ بالأيدة القذرة الإستخباراتية التى تزرع الفتن ،وتُشعل اللهيب في كل بقاع العالم .ولن ننسى الدور المشبوه للمنظمات الخفية، التى تعمل تحت مطية الدول الكبرى بالعمل على نشر الأوبئة، وخلق بيئة مستحدثة من الجراثيم والفيروسات القاتلة من أجل السيطرة على سوق الدواء، والتحكم المطلق في النظام العالمى .لذلك كان لابد من إيجاد رادع لتلك الأخطار الكارثية التى تهدد الحياة على ظهر الأرض . إنها مجرد فكرة صغيرة تجولت في ساحة مخيلتنا ،حتى وجدت قبولاً لدى عقول الشرفاء من الأحرار الذي ساهموا في دعمها وتزكيتها لدى صناع القرار في العالم ..فشرعنا في بناء ذلك الصرح العظيم ،بأحدث التقنيات المتاحة المتوفرة على مسرح الحداثة والإستعانة بنخبة من العلماء والمفكرين والفلاسفة في اكتشاف وتبنى المواهب ،والقدرات العقلية الفذة من كافة أنحاء العالم ،وفي جميع المجالات العلمية .الفيزياء ،الكيمياء،الأحياء،البيئة ،الطبيعة ..وكل ما يمت بصلة للحياة على ظهر ذلك الكوكب وما يلمس المجرة ونظامنا الشمسي، من أجل إنقاذ العالم من مراجل العبث والفوضى . نحنُ رئة الكون الوحيده،وحائط الدفاع الأخير.. و في نهاية كلمته أثنى البروفسور فريمان على كل من أيد وساند المشروع خاصة رفاق الدرب من زملائه وأصدقائه ،وطلابه ، وتمنى التوفيق للجميع . الصباح يخطو فوق الأفق الشرقي خطاه الوردية ،وقد نثر على الأرض حبات اللؤلؤ البراقة الندية ،ونسائم الربيع عادت تهبُ من جديد ،فواحة بعبير المروج، والأدغال ،لتضبط إيقاع الأوراق المرتعشة .وفوق أديم المدرجات الصخرية ،نبت الجلنار رماناً شهيا ،واكتنزت حواشيه بزهور الأعشاب ،واستأسد على ضريحه تمثال بابلي قديم يحمل رأس نسر ،وجسد فولاذي قد نشر أجنحته العملاقه ،يقال له مردوخ .دنا الطفل اليهودى أدموند فرويد المولود في حيفا شمال إسرائيل ذو العاشرة ،قريباً من التمثال العملاق . كان أدموند فتى قصيراً، ذو بشرة بيضاء رقيقة ، قد ُرشق أديمُها ببقع حمراء ،وشعر ناعم طويل، يرتدى نظارة إلكترونية ،تحدد الأجسام بدقة متناهية، كبديل عن قصر نظره الطبيعى. وقف أدموند يتأمل رائعة بيجماليون، تلك الحوراء المكتنزة بصور الحسن ،وألوان الجمال، فشرع يقارن بينها وبين مردوخ الغاضب.ثنائية الجمال والقبح في عالم الخيال والفوضى ، طفق الفتى أدموند يُطلق سيلاً من النظرات المريبة إلى مردوخ العملاق ، ويحدد ملامحه من خلال النظر إلى صورته المجسمة في لوحه الإلكترونى .شعر أدموند العبقري الفذ بخطى وئيدة تتحرش بلفائف الأعشاب، فأصاخ السمع لوقع الأقدام ،ورفيف الأعشاب .فظهر صديقه العربي على الزيتونى المولود في السامرية شمال شرق بيسان ،فتىً ذو بشرة سمراء تميل للبياض الطفيف، ذو شعر أسود كأنه دُهن باللون البنى ،وعينان حادتان، ذاتا مسحه بنية داكنة .كان الفتى يبلغ من العمر الحادية عشر ،نُعت الفتى بالفيلسوف الصغير بين زملائه ،لما يتمتع بموهبة حادة ،تتميز بالعقل والحكمة .ربت الفتى بيده على ظهر أدموند وقال: هناك رسام لاتينى ذكر تعريفاً مثيراً للجمال حيث قال ياصديقي الموهوب : الجمال عبارة عن مجموعة من العناصر التى تعمل مع بعضها البعض دون أن يطغى عنصر على الأخر..منظومة تجري في تناغم وانسجام .ثم أردف ساخراً: ولعل بيجماليون صاحب التعريف الذكي..ولكننى أرى أن الجمال قطعة موسيقية صاخبة.. ثم رمق إلى أصدقائه قائلاً : حقاً ! كيف تمكن ذلك المهووس بيجماليون من إتقان تلك المهارة في نحت تمثاله بأزميل مصنوع من الخشب والحديد ..دون أن تطيش يده؟ أي مهارة تلك إمتلكها ذلك الفذ ! غالباً لايصحُ ميزان الجمال ، إلا بوجود مقدار قليل من القُبح .. فالقبح هو الغموض الذى تطليه فرشاة الرسام عندما يعتريها الضجر..القُبح هو ظل الجمال ، لاسيما عندما تنعكس صورته في مرآة الواقع .ثم التفت إلى التمثال مردوخ ..وقد دنا منه ساخراً -مردوخ ..مردوخ.. الملاك الساقط ،أو الشيطان الحاضر كما يُدعى كذباً في الأساطير . في كل العصور تراه حاضراً .ثم شرع يغرز في عينيه بأصبعه .. ويردد متسائلاً؟ - من أنت حقاً ؟..هل أنت أحد الملائكة الساقطة كما يزعمون كذباً.أم شيطان مارد ؟ لابد أن فأس النبي إبراهيم مازال أثره عالقاً في ذاكرتك المتربة ..انفجر أدموند ضاحكاً : -هل ترى أن له علاقة بحضارة "الأنوناكى .. الأربعين الذين سقطوا من السماء ..لقد بلغوا بعداً زمنياً حديثاً في إستخدام العلم والتجربة ..وشيدوا حضارة عتيقة ، مازالت إلى الأن لغز مُحير يبعث التساؤل والريبة ..كيف للأنسان الأول أن يؤتى بتلك العلوم والمعرفة ،وبتلك السرعة، وفي ذلك الوقت المبكر من التاريخ ? ..أثارت المعلومة إنتباه "تورجهان توريز "التركي المولود في "تشورلو" جنوب تركيا .كان تورجهان فتى طويلاً ذو شعر أبيض منسدل على عنقه، تغزوه مسحة فضية يرتدى نظارة سميكة تُخفي عينيه الحادتين ،يتمتع بقوام رشيق تبدو علي سيمائه ملامح الثقة الوقار ، برفقته صديقه الروسي "ألكسندر بافل "المولود في سان بطرسبرج. كان بافل يتمتع ببشرة بيضاء، وشعر أسود تغزوه مسحة حمراء قانية ..طويل ،حاد الذكاء قوى الشكيمة ،صعب المراس ..أرهفا السمع سوياً .للجدال الدائر بين أدموند والزيتونى. حول تحفة بيجماليون و إسطورة ماردوخ البابلي ..ثم قررا الولوج سوياً إلى دائرة النقاش ..حيث ابتسم تورجهان ساخراً بعدما خلع نظارته .. بيجماليون كان رائعاً حقاً في تجسيد تلك المنحوتة الفنية ، التى تعبر عن صادق المشاعر العذبة النقية ..لقد اخترع الرجل أبجديات الجمال الأول ،وصفف لبناته بمفردات متقنة الحرف ..الخيال يا أصدقائي صورة نمطية من صور المستقبل ..كذلك المستقبل نسخة أخرى، لأحداث جرت في الماضي بصور عدة ،الأثر دائماً ما يفنى ،كما تفنى الأجساد في حياة الأرواح ،لكن الصور تبقى وتعود مرة أخرى..ولكن بلون مغاير ..نظر الكسندر بافل إلى تورجهان وقال ساخراً - لم أكن أدري أن الأتراك ،يعتنقون الشعر والفلسفة ..علق تورجهان على سخرية بافل : -قليل من الصبر والعاطفة لن يضير أحداً ياصديقي ،قريباً يستدير الزمان ،وتتغير الأحداث والصور ، لاشيء يبقى على حاله ،ستعود الضباع يوماً ذليلة إلى جحورها، بعدما يستيقظ الراعي ،ويستقيم القطيع .. تغيرت ملامح الكسندر بافل بمسحة من الحزن والألم ،وارتسم على محياهُ مشاعر السخرية. ثم وثب من مكانه والتفت إلى مردوخ بعدما طعن فمه وعينيه بأصبعه قائلاً : الرزيلة هنا، والفضيلة تكمن هنا، والشر المطلق دائماًً برفقة الجمال المطلق .. الحكمة القديمة للإنسان اعتبرت أن الشرّ مركّب إنساني ونزعة إنسانية وجودية مازالت في صراع داخلي مع الخير ،وليس للشرير قسط منه ،وهاذ غير صحيح !..فكليهما الرزيلة والفضيلة مرآة للأخر ،للفوضى، للعبثية ، للدمار،للخير ، للسلام ، للرخاء ..هكذا تجري الأمور .. لم تجد فلسفة بافل صدى لدى أصدقائه الذين تبرموا من كلماته المباشرة .فقفز الزيتونى بين الأعشاب قائلاً :ما أدركته ياصديقي لايعدو قياس تلك القفزة الواهنة .قد يكون الشر مركب إنسانى كما تقول ..فالشر ،والرزيلة ،والغضب ،والكراهية ،ليست إلا ألواح ليلية على قارعة الطرق ،وليست مركب أو غريزة.. إذا كان الإنسان القدرة على تغييره،ومعالجته ،عن طريق التهذيب والتقويم كما يفعل البستانى بالأشجار، عندما تستطيل الفروع وتتشابك الأغصان. نظر بافل إلى الزيتونى وقال :أرى أنك مهووس بالفلسفة أيضاً..أيها الصغير القصير! الفلسفة مثل العاهرة التى ليس لها زوج ،،تمنحك السؤال الأوحد، لتعطيك إجابات من الأسئلة التى ليس لها أصل في العقل، أو نسب في المعرفة، إنها فقط تتركك تدور عالقاً في رحى المتاهة .ثم التفت بافل إلى الأمريكى فيكتور هول ذو الشعر الأشقر القصير، والبشرة البيضاء، وأشار إليه .كان فيكتور فتى طويلاً جسيماً قوياً ،برفقة ريتشيل البريطانية الحسناء ذات الشعر الكستنائي الطويل اللامع، والعينين الزرقاوتين، والبشرة البيضاء المشوبة بحمرة الأرجوان ،ترافقهما الفرنسية ليليان لوباج صاحبة البشرة البيضاء والجدائل الحمراء والعينين الزرقاوتين . كانت هناك مشاعر فاترة تدب بين الغريمين الروسي "بافل" والأمريكى" فيكتور"، ولم تفلح الأجواء الحميمية داخل رفقة الأكاديمية في تذويبها .تعمد الأمريكى فيكتور إغاظة بافل بتقديم صديقته الإنجليزية ريتشيل والفرنسية ليليان بصورة إستعراضية نكاية في بافل العنيد : طرح فيكتور يده في الهواء وانحنى بصورة إستعراضية قائلاً: أيها السادة ،لقد حلت بيننا الأن سليلة الملوك، وأميرة القصر الملكى، والمتخصصة في علوم الفيزياء، والكيمياء، والبيئة ،ريتشيل ريثبورن..ثم أشار إلى ليليان قائلاً : وهاهي الأنسة ليليان حفيدة الأمبراطورية الفرنسية العظيمة ،قاعدة الحضارات في العالم الحديث ،وشرارة الإنطلاقة الأولى للنهضة الحديثة في أوروبا.تقطرت النظرات المتجمدة من عيون بافل وإبتسم ساخراً : ليست هناك نهضة تجري الأن، ليس هناك سوى مجون، وسفور ،وحانات وراقصات، كما ذكر راعي الكنيسة . ثم تعمد أن يقطع ألفية هيكتور في الثناء والمديح بصورة ساخرة قائلاً:أجل يا راعي البقر، وسليل الرعاة ، حدث ذلك في الماضي التعيس.. قبل أن يدهسها هتلر بمدافعه المطاطية ،مما دفع ليليان لأن تبدى إستيائها من وقاحة بافل . لكن بافل لم يهتم ،وعلا صوته في الفضاء ساخراً كمن يقدم عرض مسرحي :الشر غريزة أساسية في ضمير الإنسان - شاهدوا معى ،هذا ماردوخ سيد الشر في العالم ..ولنتسائل يا أصدقائي.. ماذا جلبت الحضارة للإنسانية .. ؟التاريخ يسرد علينا حقائق مريعة للشر المطلق الذي نفث غضبه على الأرض في صور وحشية ،وهمجية ،بداية من حقب الأشوريين ،والبابليين ، والفرس مروراً بالرومان، مازحاً في عرضه المسرحي بمشاركة تورجهان التركى الذي شارك بطريقة تمثيلية،في تقليد الإمبراطور الرومانى قيصر، ومقتله على يد صديقه بروتس ثم كاليجولا المجنون ،وهذيان تراجان ،عروجاً على قيام الأمبراطورية العثمانية ،ولحظة سقوطها المشين ، وسخرية تورجهان من هوليوود التى كذبت في ادعائها بهزيمة الفاتح على يد الكونت دراكولا ثم تهاوي عروش الدولة التركية في صورة العجوز المريض ، وابتكار المصباح ،والتلغراف ،بصور ساخرة مضحكة، وتقليد الزعماء ،والملوك في أوروبا ،والسخرية من العصور الوسطى، وتسلط الكنيسة على الشعوب ،ثم قيام النهضة الصناعية في أوروبا ،وسرقة الكثير من العلوم العربية التى ساهمت في نهضة أوروبا ،ثم السخرية من قيام الجيوش الأوروبية باستعمار الأمم الضعيفة عبر الحديد والنار، وقتل الملايين في مستعمرات أفريقيا وجلب العبيد إلى أمريكا ،والسخرية من دهس الحقوق والحريات في تلك الدول ،ومطالبة الشعوب في نيل الإستقلال ..ثم انضم إليهم السنغالي "دوفي" ولعب شخصية العبد المسلوب إرادته والمغتصبه حقوقه في حقول أوروبا،وكذلك السخرية من قيام الجنود الفرنسيين بتصوير ذبح الجزائريين بوحشية مطلقة وتعليق رؤوسهم على الأسوار ،وقيام الزيتونى بتقليد الرؤوس المتدلية .مما أثار حفيظة ليليان التى أثارت سخطها على بافل متهمة إياه بالسخافة والوقاحة،ثم تابع بافل هجومه على فيكتور بصورة غير مباشرة ،متحدثاً عن الأرض الجديدة، والأساليب العنيفة المستخدمة من قبل المهاجرين الجدد في إستئصال شآفة السكان الأصليين من الهنود ، ثم تسويد صفحتهم الأثمة بقصف اليابان ،وقتل الأبرياء وخدعة النفط والدولار ..مما دفع هيكتور للرد عليه بقسوة : يبدو أنك تنسى سريعاً ما فعلتموه في تاريخكم المشئوم أيها المتعجرف ..هل نسيت أن الجيش الأحمر قد ترك الحرب وذهب لاغتصاب النساء الإلمانيات .. هل تريد أن أذكر لك الحصيلة ،ما يقدر بحوالى 2 مليون إمرأة تم إغتصابها ..حوالى 1،4 مليون في بروسيا الشرقية وسيلزيا ..وهنا تدخل تورجهان التركى قائلاً: -ولماذا تلوم عليه جريرة إقترفتها الأيدى الأثمة لأجداده ،وتنسى مافعله الجيش الأمريكى أيضاً الذي أمعن في إغتصاب النساء في ألمانيا ،ثم التفت إلى ريتشيل وليليان : والجيش البريطانى ،والفرنسي أيضاً من القيام بأفعال همجية ووحشية في اغتصاب وإذلال النساء الألمانيات أبان الحرب العالمية الثانية..لكنه حال المهزوم واستحقاق المنتصر.. غالباً ما تجري تلك الأمور على هذا النحو ..ثم رفع تورجهان يده : لم يذكر التاريخ في حيثياته أن الإمبراطورية العثمانية في فتوحاتها قامت بالإعتداء على المدنيين أو سلب حقوقهم إلا من بعض القصص المزيفة والشواهد المكذوبة ،التى تتعلق بأساطير الأرمن . والتفت ساخراً إلى بافل ..لا تثيرا إشمئزازي ياصديقي فالإنسانية حق مشروع يجب أن يسود بين الناس، والتاريخ لا يرحم أحدا... وهنا صفق الفتى هانيبال وأشار إلى الروسي بافل وقال مازحاً : يليق به أداء دور فرانكشتاين، وهذا التركي يقوم بدور التاجر أو الزائر ، لا أدرى أيهما يُصلح .. ثم رنا إلى الفتاتين وهذه تُصلح خادمة،والأخرى طاهية، وأشار إلى هيكتور وهذا ينفع في دور راعى كنيسة، ثم أشار إلى دوفي ياندو وهذا ينفع في دور عبد صغير يعمل في الحقول الأمريكية وأشار إلى الفتاة لاريسا لويجى قائلاً :وهذه الفتاة تنفع في دور غجرية .نظرت إليه ريتشيل وليليان بإشمئزاز وقالتا بصوت واحد : يا إلهي ..لقد حل بيننا أحمق أخر .حاول "هانيبال" أن يلطف من الأجواء بعدما أثار عاصفة من الغضب قائلاً : إننى أُدعى الكاتب ،أعتقد انها ستكون قصة جيده ،لاتنزعجوا يمكننى تغيير الأدوار ،وماكاد يلوذ بالفرار بعدما أثار العاصفة في كلامه ،حتى اصطدم بصدر "بافل" العنيد وتملكه الخوف والرعب خشية أن يبطش به الفتى الروسي، فركض "هانيبال" مذعوراً حتى اصطدم مرة أخرى باليابانى "تسو "الذي دعاه إلى المكتبة العُظمى كان "هانيبال" الأسبانى المدعو بالكاتب . فتى قصيراً ذو شعر حريري ناعم وبشرة بيضاء متقدة بحمرة ، ذهب برفقة تسو إلى المكتبة الكبرى، بناء على أوامر البروفسور "فريمان" . كانت القاعة تقع تحت أحد الأبراج العملاقة، وهى عبارة عن بناية عظيمة ،تكاد تشبه مثلث هندسياً ،حيث تسمو قبتها عالياً بصورة دائرية ،وتتراص الكتب القديمة فى رفوف كببيرة ، قياساً بالحقب التاريخية التى تنتمى إليها ،وتذخر المكتبة بالعديد من الكتب والمراجع العلمية ،وكل ما جادت به قريحة الأنسان ،أو علق في الذهن ، أو سمت به الروح. وعند قدوم البروفسور قاما الطلاب بتحية البروفسور فريمان الذي كان يترأس المائدة الكبيرة المتمركزة في قاعة المكتبة .جلس الطلاب كلاً على مقعده، وبادروا بتحية الإجلال والتعظيم للبروفسور. أشار البروفسور فريمان إلى الروسي بافل بتقديم نفسه بحكم أنه الأقدم داخل الأكاديمية .حملق "بافل" إلى الطلاب يميناً ويساراً ثم شرع في تقديم نفسه قائلاً: : - أدعى بافل..الكسندر بافل من فولغوغراد ..أدرس علوم الجراثيم والفيروسات ..ثم صمت بافل برهة من الوقت ، فغشيت ظلال الصمت وشوش الحاضرين ،كأن على رؤوسهم أسراب من الطير ،مما جعل البروفسور فريمان يتدخل عبر إبتسامة رقيقة ،لمحاولة إذابة قشرة الصمت التى تلبدت في الوجوه الغائمة بقوله ..يمكنك سيد بافل أن تشرح لنا خصائص العلم الذي تدرسه . بافل : حسناً سيدي
العلم الذي أدرسه يارفاق ، يختص بدراسة الأحياء الدقيقة ، وحيدة الخلية، ومتعددة الخلايا،وكذلك عديمة النواة كالفيروسات، إضافة إلى بدائيات النوى مثل البكتيريا وبعض الطحالب. ورغم التطورات في هذا العلم ،فإن التقديرات النسبية تقول إنه لم يتم دراسة إلا 0.03% من الجراثيم الموجودة في الكرة الأرضية ،بالرغم من أن الجراثيم اكتشفت منذ 300 عام إلا أن هناك الكثير لم يُكتشف بعد .. ثم أشار إليه البروفسور فريمان بالتوقف، وأضاف قائلاً :وأيضاً يتم الإستفادة من علم الأحياء الدقيقة في الممارسات الغير شرعية لبعض الدول الكبرى مثل ،إستخدام تلك العلوم في التجارب الحربية ، وفي صناعة أسلحة الدمار الشامل، حيثُ يستطيع ذلك العلم أن يكون سوط عذاب على البشرية ،إذا حاول الإنسان إستخدامه في عمليات القتل والإبادة . شكر البروفسور فريمان الروسي بافل على تقديم نفسه .و أشار إليه بأن يتابع عمله في تقديم زملائه : قال بافل : حسناً سيدى .نظر بافل إلى زملائه. ثم أشار إلى الفتى التركي تورجهان قائلاً:
- وهذا التركى يدعى الرسام ،وهو يدرس علوم المحيطات ،والجليد .. هلا حدثتنا ياصديقي عن تخصصك .خلع التركى "تورجهان" نظارته ،ودسها في فتحة قميصه ثم قال : إننى أدرس النواحى الفيزيائية ،والكيميائية ،والبيولوجية ،والجيولوجية للنباتات ،والحيوانات التى تعيش في قاع المحيط ،ودراسة كيمياء المحيط، وتفاعله مع الغلاف الجوى ،ودراسة قاع المحيطات. وتشكل النسيح الصخري في الأسفل ،والحالة الفيزيائية بما فيها هيكل الحرارة، والملوحة، والأمواج ،والمد والجزر. وبعد أن إنتهى التركي من تقديم نفسه ، وطرح نبذه عن ماهية التخصص الذي يدرسه ،أثنى عليه البروفسور فريمان . ثم نهض من مقعده قائلاً : سأغادر لتنالوا بعض الحميمية في التعرف على بعضكم البعض. أتمنى لكم إقامة طيبة بيننا .وقف الطلاب لتحية البروفسور فريمان . الذي ابتسم قائلاً: كلكم أبنائي، شكراً ..لوجودكم بيننا . ثم أشار إلى بافل قائلاً :هيا يابافل تابع عملك يابنى .وما إن غادر البروفسور فريمان القاعة، حتى ساد الصمت والوجوم قاعة المكتبة العُظمى . لكن بافل إبتسم ساخراً ،وأشار بغطرسة إلى السنغالي: أنت .هيا ..أخبرنا من أنت .شعر السنغالي دوفي ياندو بالإستياء من معاملة بافل ،فنهض بوجه مكفهر ، وشرع في تقديم نفسه بحدة : أُدعى دوفي ياندو من قرية تُسمى" كافونتين" كاسماس، جنوب السنغال ،وأنا أدرس علوم الأرض والكائنات الحية .الهياكل والوظائف ،..والخلية تحديداً، بسبب أنها وحدة الحياة الأساسية ،وكذلك الجين باعتباره وحدة التوريث.. ،والتطور باعتباره المحرك الرئيسي للنمو . بعدما انتهى السنغالي دوفي ياندو من تقديم نفسه ، حدق بافل إلى وجوه زملائه ،ثم أشار بسخرية إلى الفتى الإسرائيلي أدموند قائلاً : أيها اليهودى ..نعم ،أنت.. هيا قدم نفسك، ولا تُكثر، فليس لدى اليوم بطوله ..إلتفت أدموند يميناً ويساراً وقطرات العرق تتحلب من مسامه ،رنا إلى زملائه ،فتجمدت الكلمات في حلقه من شدة الخوف.. فقال بتلعثم : أدعى أدموند فرويد .. أنتمى إلى حيفا شمال إسرائيل ..أدرس علوم الأحياء الفلكية ..نحن ندرس الأصل والتطور ،والكشف عن بيئات مناسبة للحياة في النظام الشمسي ،والكواكب المتاحة لوجود الحياة ..والبحث عن أدلة تطور الحياة من الجماد، وكذلك فرضية الحياة على المريخ والأجرام الأخرى البعيدة عنا .. وكذلك البحث عن السؤال الأهم ..هل نحن صنيعة غبار النجوم، أو مايسمى بالتراب النجمى ؟ . ثم أشار بافل : حسناً ، يكفي ثم أشار إلى البولندى دومنيك ..وكان فتى طويلاً قوياً، ذو شعر طويل يميل للون الذهبي، وبشرة بيضاء مصقولة بسحنة إسكندنافية فقال: - أدعى دومنيك روث من فروتسواف غرب بولندا ،أدرس علم الزلازل والبراكين وهي الدراسة العلمية لكل من الموجات المرنة في جميع أنحاء الكرة الأرضية ،أو عبر الأجسام الأخرى التي تشبه الكوكب. ويتضمن هذا المجال دراسات حول تأثير الزلازل والمصادر الزلزالية المتنوعة مثل العمليات البركانية، والتكتونية والمحيطية ،وكذلك متابعة الزلازل التي تتشكل في الحواجز المحيطية ،وغالباً تكون نتيجة الصدوع العامودية , أي نتيجة لتباعد الصفائح.. والزلازل التي تحدث في السلاسل الحديثة ،قد يكون سببها صدوع مقلوبة نتيجة لعملية إنضغاط ،ويوجد أيضاً إنزلاقات ، وكذلك البحث وراء أنواع الصدوع السابقه المختلفة ..وكذلك العلوم المتعلقة بالبراكين والحمم البركانية المنصهرة ،والظواهر الجيولوجية ،والجيوفيزيائية، والجيوكيميائية .. وهو ما يعتد به كعلم جيولوجى يختص بدراسة النشاط الثوراني، وتشكيل البراكين، وانفجاراتها الحالية، والتاريخية. وخاصة تلك النشطة، لمراقبة الثورات البركانية ،وجمع المخلفات البركانية بما في ذلك تيفرا (مثل الرماد أو الخفاف) وعينات الصخور، والحمم البركانية.. ثم أشار بافل إلى الألمانى "أدوف" في تقديم نفسه، وكان فتى متوسط الطول،ذو بشرة بيضاء، وشعر أشقر ملتوى، وعينين زرقاوين : أُدعى "أدوف ميركل "من شمال دوسلدروف، أدرس علم الظواهر، والماورائيات أو مايسمى "البارسيكولوجى"دراسة علمية للظواهر كما تبدو على مستوى التجربة . وتقوم أسسه على ما تمثله الظواهر في خبرتنا الواعية من أساس للتحليل والأدراك، الذي يُمكن من رؤية حقيقة الأشياء ومعرفة ماهياتها وسبر أغوارها . غير أن ذلك العلم لا يدعي التوصل للحقيقة المطلقة المجردة سواء في الميتافيزيقا، أو في العلوم الحياتية بل يراهن على فهم نمط حضور الإنسان في العالم..مثل الظواهر النفسية، والذهنية الخارقة ،التي تحدث لبعض الأشخاص حولنا ، والتي عجز العلم عن إيجاد تفسير لها.. لذا يبحث ذلك العلم الظواهر عن طريق الفيزياء الحديثة.. ومن أهم الظواهر التي يدرسها: التخاطر Telepathies، التحريك عن بعد Telekinesis، الاستبصار أو رؤية ماهو خارج نطاق البصر Clairvoyance، الخروج من الجسد Astral Projection بالإضافة إلى الاتصال بكائنات غير منظورة Spiritism ! ثم أشار بافل إلى الصربي جوفان ..وكان فتاً جسيماً ذو بشرة بيضاء، وشعر أسود قصير . أدعى جوفان هندريك من برشتينا، وأدرس العلوم الإقتصادية، المتعلقة بالهيمنة العالمية، والنظام العالمى الجديد ،وتأثير العولمة على الإقتصاديات النامية ،وسعى الدول المتقدمة إلى إستنزاف موارد الدول الفقيرة ، ،بالعمل على قتل الديمقراطية ،وكبح جماح الشعوب المتطلعة إلى نيل الحقوق والحريات ،وكذلك العجز عن عدم وجود موازين إقتصادية بديلة تحل محل الموازين الاقتصادية كالرأسمالية.والإشتراكية ثم أشار بافل إلى اليابانى تسو، وكان فتىً قصيراً ذو شعر ناعم طويل يرتدى نظارة طبية ،والذي بادر قائلاً : أُدعى "تسو ين "من أوكاياما ،اليابان ..أدرس السحر، أقصد الفيزياء الفلكية ..بما في ذلك الخصائص الفيزيائية من لمعان وكثافة، وتكوين كيميائي للأجرام الكونية، مثل النجوم والمجرات، والنشأة الأولى التى أوجدت الكون المحيط. تفرس بافل في وجوه زملائه ،كأنه يبحث عن شخص ما ،وعندما عثر عليه ، إبتسم مازحاً :أين العربي القصير فأشار بيده إلى الفلسطينى على الزيتونى ..هناك يختبيء في قوقعته ..هيا ..قدم نفسك، نهض الزيتونى من مقعده وقال: أُدعى على بن محمد الزيتونى ، من بيسان أدرس التشريح المجهري للخلايا ،وأنسجة النباتات ،والحيوانات ،وهو علم يقوم علي فحص شريحة رقيقة (قسم) من النسيج تحت ضوء المجهر، أو علي مجهر إلكتروني. فاستخدام البقع النسيجية يعزز في كثير من الأحيان القدرة على تصور أو تحديد تفاوت البنية المجهرية. علم الأنسجة هو أداة أساسية لعلم الأحياء والطب. ثم أشار بافل إلى الأمريكى فيكتور .. وكان فيكتور طويلاً جسيماً ذو شعر أشقر ،وبشرة بيضاء ،نهض فيكتور وقدم نفسه قائلاً : - فيكتور كوبر من بنسلفانيا ،وأدرس علوم الذرة، والكيمياء .. الفيزياء الذرية ،نحن ندرس بنية الذرات ،وتحديدا الغلاف الإلكتروني للذرات، وعلاقة هذه الإلكترونات بالنوى الذرية ، و بالتالي يجب تمييزها عن الفيزياء النووية، التي تدرس التآثرات و القوى المتبادلة بين مختلف مكونات القوى الذرية. الفيزياء الذرية تهتم أساسا بدراسة الأطياف الضوئية، الصادرة عن ذرات حرة مصدرة للضوء ، فقد تبين أن كل نوع من الذرات له طيف ضوئي مؤلف من خطوط ذات أطوال موجية معينة ، و تفسير هذه الظاهرة هو ما يقودنا إلى نموذج" بور" الذري الذي وضع أساسا لتفسير هذه الظاهرة مستفيدا من فكرة الكم التي أطلقها "ماكس بلانك". حقيقة تؤمن لنا الفيزياء الذرية تصورا عن نظرية المدارات الذرية التي تشكل أساس الفهم الحديث للكيمياء. ثم أشار بافل إلى الهندية "تشاندرا راي".والتى سارعت بتقديم نفسها قائلة : - أدعى تشاندرا ،وأدرس علم الغذاء الذي يختص بدراسة الغذاء، وهذا العلم يُفسر بأنه "المجال الذي يستخدم العلوم الهندسية، والبيولوجية، والفيزيائية لدراسة طبيعة الأغذية مثل كيمياء الأغذية وتُعنى بالتركيب الجزيئي للطعام واستخدام هذه الجزيئات في التفاعلات الكيميائية · الكيمياء الفيزيائية للأغذية، وتُعنى بدراسة التفاعلات الفيزيائية، والكيميائية في الغذاء، من حيث المبادئ الفيزيائية ،والكيميائية المطبقة على الأنظمة الغذائية، بالإضافة إلى تطبيق التكنولوجيا الكيميائية الفيزيائية والأدوات اللازمة لدراسة الأغذية وتحليلها ثم أخذت الفتاة المكسيكية "لاريسا لويجي" دورها في تقديم نفسها، وكانت فتاة طويلة سمراء، ذات شعر طويل مجعد، وبشرة داكنة، لها غمازتين تطفوان ، لاسيما عندما تراقص ابتسامتها المضيئة . لاريسا لويجى أدرس علم الصخور ودراسة خصائصها،صفاتها، دورتها في التشكل ، ومعرفة المعادن المكونه لكل صخر. ويتناول هذا العلم أصل الصخور، والحالة التي توجد عليها وعلاقاتها بالعمليات الجيولوجية ،فهو جزء اساسي من علم الجيولجيا.وهو تطبيق لمبادىء الكيمياء الفزيائية في دراسة المواد الارضية التي توجد بصورة طبيعية. ثم التفت بافل إلى المقاعد الخلفية من المائدة العُظمى ،وأشار إلى الفرنسية ليليان ،والتى سارعت بتقديم نفسها بكل ثقة . -أدعى ليليان لوباج من إيفيان، جنوب شرق فرنسا، وأدرس علوم الحركة، ودراسة السلوك الحركى للأنسان ،وكيفية تغير موقع الجسم بالنسبة للزمن ،ويتم خلاله قياس الموقع بالنسبة لمجموعة من الإحداثيات والسرعة معدل تغير الموقع..والتسارع هو معدل تغير السرعة ..حيث تعتبر السرعة والتسارع الكميتين الرئيسيتين اللتين يصفان تغير الموقع مع الزمن .. ثم أشار بافل إلى الفتاة الإنجليزية "ريتشيل"، بعدما انتهت ليليان من تقديم نفسها : أدعى ريتشيل مور من جنوب لندن .. وأنا أدرس علم الأحياء الخلوي أو بيولوجيا الخلية، وهو علم يقوم بدراسة الخلايا الحية؛ خواصها وبنيتها ومكوناتها، والعضيات الموجودة فيها وتفاعلاتها مع البيئة المحيطة، إضافة لدورة حياتها وانقسامها ثم موتها. تتم هذه الدراسة على نطاق مجهري، أو جزيئي . فالبيولوجيا الخلوية تبحث في مجالات تمتد من تنوعات الأحياء وحيدة الخلية إلى الأحياء متعددة الخلايا بخلاياها المتمايز جداً مثلالإنسان . وهو علم يُدرس كيفية عمل الخلايا الحية، ويشمل معرفة تركيب عضيات الخلية، ووظيفتها ،والجزيئات الكربونية التي تنتج الخلايا. والجزيئات الأكثر أهمية هي الحمض النووي، والحمض النووي الريبي والبروتينات.نظر بافل في ساعته ،وقال لقد أذف الوقت على الإنتهاء ، يارفاق علينا أن نخرج الأن ..هناك الكثير ،والكثير الذي يجب أن تعرفوه عن المنظمة الأم ..هيا بنا . فور الخروج من المكتبة .دعا بافل زملائه إلى زيارة المنشئات الترفيهية، والعلمية، داخل الأكاديمية ،فعرجا على سلسلة من المختبرات العلمية، والمعامل الطبية التى ذُخرت بأحدث الطفرات ،والمعدات العلمية المتخصصة في البحث، والإستكشاف، والتجربة ،ثم أشار بافل إلى ممرات أمنة تجري تحت الأبراج تقود إلى أنفاق تحت الأرض صممت بشكل أمن تفادياً لحدوث أي إختراقات، أو تهديدات قد تجري في المستقبل ..ثم انتهى بهما المطاف إلى برج الطعام، حيثُ المطابخ ذات الأحجام الكبيرة ،والثلاجات العملاقة ،التى تحوى الكثير من اللحوم والفاكهة، والخضراوات..وهناك أشار بافل إلى تلك الغرف قائلاً :إن الطعام الذي ترونه هنا لا يأتى من الخارج كما يظن البعض .فالأكاديمية ليست منظومة تعليمية فقط ..بل مؤسسة إقتصادية كبرى، تعتنى بحياة وصحة الطلاب ، ثم أشار بيده قائلاً : إنظروا هناك ..خلف النافذة ، حقول ومروج بعيدة على إمتداد البصر ،أسفل السهل المنخفض ،خصصت تربتها لزراعة كافة المحاصيل التى تؤمن الغذاء الصحي ،الذي تحتاج إليه الأكاديمية العلمية داخل "أوميترا"، وضمانة خلوها من الأساليب والطرق الكيميائية المدخلة في الزراعة الحديثة .. تلك المصفوفة الزراعية ،والحيوانية تمد الأكاديمية بأفضل اللحوم وأنقى الألبان في العالم ،إضافة إلى أفضل الأنواع من الفاكهة الطازجة ، والنادرة ،إضافة إلى العديد من المحاصيل الزراعية ،من بقوليات، وغيرها ..ثم ولجا إلى داخل أحد الثلاجات العملاقة ..وتطلعا إلى ألوان اللحوم الحمراء المُدلاة من أطراف السلاسل الحديدية ..قال بافل : البرودة لا تقتل الجراثيم والفيروسات ولكنها تجعلها خاملة ،إلا أن تستيقظ ..الجراثيم لا تطير ولا تقفز ..تستطيع الحياة في درجة حرارة متوسطة 50-100 فهرنهايت. ثم استل سكيناً حاداً قد نسيه أحد العاملين في المطبخ ،ودسه في اللحم المكتنز ،فغاصت شفرتها بين أنسجتها الطرية ،واقتطع جزاء كبيراً من اللحم ،ثم قشط اللحم والدُهن عن العظام بطريقة إحترافية، وكأنه جزاراً يُمارس هوايته المعتاده ، واستطرد بافل قائلاً: لماذا تبدو الحيوانات البرية ، خاصة المفترسات ،وكأنها تتمتع بالصحة والطاقة والسرعة ؟..ها..حسناً ..لأنها تأكل فرائسها حية ،طازجة ،تستنشق عبق دمائها الساخن ،وتسلب روحها ..أنا أرى أن الطعام الناضج ،يفقد كل طاقته فوق نار المواقد، حيث أنه يحرق البروتين الموجود في الدماء القانية ،ثم اجتزئ قطعة لحم ولاكها بين أنيابه، مما دفع ليليان وريتشيل أن تُبديا تقززهما، واستيائهما من ذلك المتبجح ..الأمر الذي جعل فيكتور يستشيط غضباً جراء صنيع بافل ..فتناول فيكتور السكين من بافل، واستعرض هو الأخر مهارته .لاسيما عندما شمر عن عضلاته الفولاذية ، وشرع في تقطع اللحم شرائح بمهارة واحترافية عالية، ثم طرح القطع فوق الطاولة ، وقام بتقطيعها وتفتيتها بالساطور وقال ساخراً " قديماً كان يزعمون أن طاقة الأرواح ..لاتغادر الدماء الساخنة، مالم تخمد جذوتها المشتعلة . . لذلك كانت الشعوب البربرية تتجرع دماء فرائسها ،وتعتقد أنها تمنحهم القوة والبأس ،والشباب الدائم،إنها فقط ميثيولوجيا الخلد المزعوم التى كانت تؤمن بوجودها الشعوب البربرية الفانية . .بعد انتهاء فيكتور من استعراض مهارته .تقدم تورجهان التركى واستل السكين المغروز في المنضدة ، ثم دار حول اللحوم المدلاة ،واقتطع بدقة وحرفية جزء من اللحم الأحمر القانى، خالي من الدهون والعظام ، وقال ساخراً: تناول اللحم النيء ،واحتساء الدماء ،مخالف للطبيعة البشرية ..وغالباً ما يسبب ضمور في السلوك الإنسانى ..وأقل العوارض التى تحدث ..إطلاق النعرات الحيوانية ..واكتساب سلوكيات همجية قميئة ،ذات دوافع بربرية . ثم نظر تورجهان إلى ساعته ،فرأى أن الوقت قد مضى سريعاً ، وكان قرص الشمس الأصفر، يجري في مسبحة الأفق حتى حلت ساعة الهجير ،فدقت الأجراس إيذاناً بحلول وقت الطعام ،هرع الطلاب إلى مقاعدهم والإلتفاف حول الموائد التى كانت عامرة بألوان الأطايب ،من الأطعمة البرية ،والبحرية ،والفاكهة الطازجة الشهية.بالإضافة إلى صحف ملئي بألوان الفاكهة النادرة توسط البروفسور فريمان مقدمة المائدة العظمى ،ثم التفت إلى اللوحة الضوئية حيث ظهرت سيدة ترتدي زياً أسود عليه سيم الوقار والحشمة. ابتسمت قائلة: مرحباً بكم في أكاديمية أوميترا للعالم الجديد ..أدعى "جين ستارك" ..وأنا مسئولة التغذية في الأكاديمية ..ثم أشارت بيدها إلى شاشة عملاقة حيث تجسدت حقول ومروج خضراء وسهول بعيدة، وأراض شاسعة ممتدة على مرمى الأفق ..ومزارع عديدة تحتوى على أعداد كبيرة من أجود سلالات الخيول ،والغزلان ،والأبقار ، والماعز ،بالأضافة إلى سلسلة من البحيرات والمزارع السمكية والحقول الممتدة التى تنتج كل المحاصيل الغذائية من البقوليات ، وكافة أنواع الفاكهة. ثم شرعت السيدة "ستارك" في شرح كثيف عن المزايا الصحية التى تقدمها الأكاديمية لنزلائها مقارنة بما تقدمه البيئة العادية. قائلة: نحن نعتمد في غذائنا على ما تنتجه البيئة النظيفة الأمنة دون المساس أوالتدخل بأى وسائل كيميائية مخالفة للصحة العامة في إنتاج الأطعمة المثالية التى تحتوى على البروتين والفيتامين الآمن والمذاق الطيب ..نحن نعتنى بكم ..وصحتكم هى مسئوليتنا ..ستجدون طعاماً مغايراً لما عرفتموه من قبل ..أتمنى أن تستمتعوا بإقامتكم ..شكراً لوجودكم بيننا كان لهاث هانيبال الأسبانى وخفقانه يسبق وقع أقدامه التى غاصت في مرجل الوهن والتعب ،وعندما وصل إلى عتبة الغرفة انحنى من شدة الإرهاق ،وأخذ يلتقط أنفاسه بصعوبه حتى كاد الإعياء ينال منه ، فتماسك قليلاً حتى تهالك إلى أقرب مقعد وأغمض عينيه في إغفاءة قليلة عله يستعيد بعض من قوته ونشاطه
..
تعليق