نينا والذّئاب البشريّة ( 3 )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • مصباح فوزي رشيد
    يكتب
    • 08-06-2015
    • 1272

    نينا والذّئاب البشريّة ( 3 )

    أشار صديقي إلى النادل :" الحساب من فضلك ؟ " فجاء يحمل ظرفا في طبق فضّي اللّون .
    تظاهرت بإدخال يدي في جيب البنطلون فحلف ياليمينات السبع والعشر وزاد عليها رقبة أمّه وأبيه وخيّرني بين صحبته أو السماح له بتسوية الحساب .
    ولإن صديقي داهية ويعرف كل أسراري تقريبا ، فأراد أن ينقذ الموقف بطريقته الخاصّة ليبعد عنّي شبهة الإفلاس .
    في النهاية كان لابد أن يختار كل زوج طريقه ، تقدّمتُ إلى فتاتي الحسناء ، قبل أن يسبقني إليها أحد، أفوز بنفسي قبل أن يغيّر صاحبي رأيه ويدركني النّادل : " الهربة للرجال منعة " - ههههه - " كما يقول المثل .
    في طريق الكرنيش واجهتها بكلامي القديم المتجدّد : " قلت لكِ الشخص الذي أمامك .. ؟ "ورحت أكمل الكلام فقاطعتني بابتسامة الواثقة وقالت : " متزوّج وله أربعة أطفال والخامس إن شاء الله في الطّريق . صح ؟ . أعرف ذلك " .
    من اخبرها بهذه التفاصيل ؟ ليس هناك سوى والدتي سامحها الله أو ابنة خالتها حسبي الله فيها ونعم الوكيل .
    ازداد اليقين بأن هناك أمورا تجري من خلفي أنا في غِنًى تامٍّ عنها .
    شرد ذهني وذهبت بعيدا، وكبرت شكوكي وبان الارتباك على وجهي ، وانتبهتْ لأمري فأرادت قطع الشك باليقين . فتشجّعتْ وقالت لي بالحرف الواحد : " أكون ممتنّة لك إذا ذهبت معي إلى أبي " ، و أردفتْ تقول : " مجرّد حضورك أمامه يكفي ." . تحاول جاهدة طمأنتني . وراحت تكرّر نفس الكلام وتتوسّل لي ، رغم انها لم تحصل بعد مني على ما يدفعها إلى هذا الرّهان المسبق ، وقد كنت صريحا معها في بداية ونهاية المشوار ، ولم اترك لها مجالا للمناورة ، وأنّ علاقتي بها لا تعدو أن تكون مجرد إعجاب واحترام ، لما رأيته منها وقامت به تجاه والدتي في المستشفى . في النهاية لست مُجبرا على الذهاب معها إلى والدها لأتقمّص دور العريس وأخون ضميري التّعبان. والحمد لله أنّني لم أسقط بعد في شباك نزواتها اللّعينة ، وصنتها ونفسي من الانزلاق . و لو كان هناك أحد غيري لما استطاع المقاومة .
    ادركتُ بعدها ان وراء هذا الإصرار ألف حكاية وحكاية ، وأن المسكينة في ورطة ما ، وانها تريد أن تتذرّع بي لتعالج مشاكلها العائلية . طلبتُ منها أن تزوّدني بكل شيئ عنها وعن أسرتها ، فأنا لاأعرف عنها الكثير . اطلعتني على عنوانها الأصلي ، وزوّدتني بمعلومات تخصّها ، لا دخل لي فيها ، وعلى الخلافات التي بين أبويها ، وأن والدتها لا تحبّ أباها الإطار الكبير في إحدى الدّوائر الرّسميّة ، والسبب طرف ثالث ؛ وفي الطّريق قالت لي : " تعال أُعرّفك بصاحب أُمّي " . وفي تلك الأيّام لم يكن الهاتف الخلوي موجودا بالأساس ، لكن كانت هناك أكشاك عمومية مزوّدة بهواتف أرضيّة ، وأسرعتْ إلى أقرب كشك ، ونادته باسمه في رقم مُدوّن في قصاصة بالحبر الأزرق قامت بإخراجها من حقيبة اليد التي لم تفارق يدها منذ لقائنا الأوّل ، ثمّ هتفت بصوت واجف :" آلو .. سي منير .. معايا ضيف حبّيت نعرّفو بيك " . ويبدو أن الشّخص الذي كلّمته لم يتردّد كثيرا بعدما تعرّف على صاحبة الصوت الأجش ، فوافق تلقائيًّا على استقبالنا في الحال.
    أمسكتْ بيدي وطلبت مني مرافقتها إلى سي ( منير ) ، هذا الذي كانت له علاقة حميميّة بوالدتها ذات مرّة ، حسب روايتها ، وبقيتْ ( نينا ) تحمل القصّة عن والدتها ، وبقي سي ( منير ) " الشّهم " يحتفظ لأعوام بتلك المودّة .
    " سي منير " لديه علاقات مميّزة تربطه ببعض الشّحصيّات والوجوه الكبيرة ، حسب كلام ( نينا ) ، من بينهم رئيس ديوان الوالي شخصيّا الذي يحمل الخاتم الرّسمي وبيده الحل والرّبط. لذلك حرستْ البنت على الذّهاب إليه حتّى أتعرّف عليه ، وقالت لي إنه : " يستيطع منحنا شقّة بوسط المدينة ". جازمة .
    رحنا نهرول تارة ونتوقّف مرّة على مرّة ، وهي ممسكة بي لا تفلتني من يدها، وبيدها الأخرى حقيبة اليد التي بدأت تفشي بعض أسرارها على ما يبدو ، إلى أن عثرنا على المكان المكتوب في القصاصة التي تحمل رقم الهاتف والعنوان ، وبتوجيه من المارّة أدركنا المبنى . حين وصلنا إلى الباب أردت الولوج معها فلم يُسمح لي ، وبقيتُ وحدي في الخارج " كالصّبي " ، أنتظر حتّى تعود من عند سي ( منير ) ؛ هذا الذي لا يعدو أن يكون سوى واحد من تلك الكلاب التي توظّفها الذّئاب البشرية في جلب واختيار ضحاياها .






    التعديل الأخير تم بواسطة مصباح فوزي رشيد; الساعة 01-08-2019, 01:28.
    لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
يعمل...
X